الرئيسة \  دراسات  \  الثورة السورية والتغير في نسق القيم السياسية لدى الشباب السوري

الثورة السورية والتغير في نسق القيم السياسية لدى الشباب السوري

10.06.2013
د. صابر جيدوري




(آراء عينة من طلاب الكليات المحدثة في محافظة درعا)

الملخص
     هدفت الدراسة إلى معرفة درجة تأثير الثورة السورية في توجهات طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو القيم السياسية السائدة في المجتمع من وجهة نظرهم، وذلك تبعاً لمتغيرات الجنس والاختصاص والسنة الدراسية ومكان الإقامة. ومن أجل ذلك صمم الباحث استبانة تكونت من (21) فقرة وزعت على خمسة أبعاد بعد أن تم التأكد من صدقها وثباتها. وقد تكونت عينة الدراسة من طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا حيث بلغ عددها (346) طالباً وطالبة.
      وبعد تطبيق أداة الدراسة على أفراد العينة وإجراء المعالجات الإحصائية اللازمة، أظهرت نتائج الدراسة موافقة أفراد العينة بدرجة كبيرة على جميع محاور الاستبانة فيما يتصل بتأثير الثورة السورية في توجهات الطلبة نحو القيم السياسية السائدة. كما أظهرت نتائج الدراسة عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين الذكور والإناث، وبين طلاب الريف وطلاب المدينة فيما يتصل بتأثير الثورة السورية في توجهاتهم نحو القيم السياسية السائدة. في حين أظهرت نتائج الدراسة أن هناك فروقا ذات دلالة إحصائية بين إجابات طلاب السنة الأولى وطلاب السنة الرابعة فيما يتصل بتأثير الثورة السورية في توجهاتهم نحو القيم السياسية السائدة، كما أظهرت نتائج الدراسة أن هناك فروقا بين اختصاصي الحقوق والتربية لصالح الحقوق، وفروقا بين الاقتصاد والآداب لصالح الاقتصاد، في حين لم تظهر أية فروق بين الحقوق والاقتصاد، وكذلك بين التربية والآداب.
 
مقدمة
     تأتي هذه الدراسة في ظل الصراع القائم بين النظام السياسي الحاكم في سوريا وبين الشعب الذي يسعى إلى الخلاص من الاستبداد والطغيان عبر ثورة شعبية سلمية، انطلقت شرارتها الأولى من محافظة درعا بتاريخ 18/3/2011م لتجتاح فيما بعد الجغرافيا السورية من أقصاها إلى أقصاها، مُحاولة أن تجعل كل القيم والنظم الأخلاقية والتربوية للشعب السوري خاضعة لمعاييرها. فالمجتمع السوري يمر الآن بمرحلة انتقالية كبرى بفعل الثورة الشبابية التي ألقت بظلالها على مجمل البناء القيمي السوري، وبطبيعة الحال فإن استمرار نظام سياسي مستبد لفترة طويلة من الزمن واستقرار مؤسساته السياسية لا بد أن يكون له أثراً على تكوين النظام القيمي للمجتمع، وإن تغيير هذا النظام القيمي، لا سيما إذا كان التغيير مصاحب لفعل الثورة، لا بد وأن يشهد تغييراً في القيم السياسية السائدة وذلك بأن يفقد الحد الأدنى من الاتفاق عليه.
     إن المستقرئ لواقع المجتمع السوري قبل الثورة يجد أن النظام القيمي للمجتمع لم يكن بمستوى الطموح من أجل التمسك به أو الدعوة إليه، فقد شهد الشعب السوري من السلبيات والانتهاكات ما يدعوه إلى تغييره، بل إلى نبذه والثورة عليه جملة وتفصيلاً، لا سيما بعد أن انتشر فيه الوهن وضربت السلبية أطنابها في نسيجه، وما عاد بإمكانه أن يحقق التقدم والازدهار للسوريين، فضلاً عن أنه نظام ساهم في هدم البناء القيمي للشعب السوري منذ فترة طويلة، وخلف تركة ثقيلة من ظواهر الضعف في الوعي الوطني، حيث يعود ذلك لمحاولة النظام فرض رؤية سياسية بعثيه متخلفة على الشعب بالقوة.
     لهذا فقد انطلقت الثورة لتغيير واقع الحال حيث يمكن القول حتى هذه اللحظة إنها نجحت نجاحاً باهراً بعد أن أحدثت الكثير من الجوانب الإيجابية في وعي المواطن السوري الذي أصبح  يشعر بهامش معين من حرية التعبير عن الرأي، لا سيما بعد أن كسرت الثورة الكثير من القيود، وبرزت في الساحة السورية عشرات الأحزاب السياسية، والجمعيات غير الحكومية والتنظيمات النقابية، فضلاً عن بروز الكثير من الصحف والمجلات التي تُناصر ثورة الحرية والكرامة.. فسوريا اليوم تمر بمرحلة انتقالية تشهد عملية صيرورة جديدة ترافقت مع إحداث تغيير إيجابي في منظومة القيم السورية عامة والسياسية على وجه الخصوص.
      ومما يستحق الإشارة إليه أن أول وأهم القيم التي استهدفتها الثورة وكشفت زيفها هي القيم السياسية التي كرسها نظام الطغيان بالتخويف والترهيب والترعيب، فقد أصبح المواطن يعرف أن الحرية تُنتزع ولا تُمنح، وأن العدالة لا بد وأن تتجسد وتتحقق للجميع، وأن الكرامة الإنسانية حق من حقوق الإنسان، كما أن الرموز الوطنية لم تعد بفعل الثورة رموزاً لهوية الوطن وسيادته بعد أن عاثت فساداً ودماراً بالبلاد والعباد، هذا فضلاً عن نجاح الثورة في زعزعة ثقة الإنسان السوري بقيادته السياسية التي أصبحت عاجزة ومفككة، ولا تملك أية أطر تعبر من خلالها عن تطلعاته وطموحاته، ولا توجد لديها أية إستراتيجية لترتيب علاقته بالدولة، أو حتى تحقيق الحدود الدنيا من مطالبه.
     لقد كشفت الثورة أن النظام السياسي الحاكم في سوريا يترسخ فيه الانحلال والفساد منذ عقود طويلة، نظام أوكل أمره إلى قيادات تدعي أنها وطنية وهي ليست كذلك، بل لم تخرج يوماً عن التفكير بطريقة (ثيوقراطية) القرون الوسطى في أوربا في نظرتها للمجتمع والسياسة، وكل ذلك قسم المجتمع طائفيا، وحطم الصورة الهشة عن المواطنة في جامعها المشترك كأفراد في مجتمع له دولة.على خلفية الأسباب السابقة تأتي هذه الدراسة لترصد درجة تأثير الثورة السورية في تغيير النسق القيمي لدى عينة من طلاب الكليات الجامعية المحدثة في محافظة درعا.
مشكلة الدراسة وأسئلتها
    من المعروف أن انتهاكات حقوق الإنسان وما يترتب عليها من تداعيات كارثيه، إنما تُشكل الركن الأساس في عملية انهيار المجتمعات، ووقوعها في براثن فوضى تقود إلى سلوك يهدم القيم السياسية بمختلف أشكالها ومسمياتها، ويثمر عن ذلك بطبيعة الحال تحول المجتمعات التي تتعرض لهذه الانتهاكات إلى مجتمعات عاجزة عن القيام بطرح المبادرات وقيادة التحولات، حيث تُصبح ركيكة في بنيتها مفككة في تشكيلاتها، لا تمتلك أطراً تعبر فيها عن تطلعاتها وطموحاتها وآمالها، فاقدة لأي إستراتيجية لترتيب علاقاتها بالدول أو تحقيق مطالب شعبها، مجتمعات تترسخ فيها البنية التسلطية وتتعطل فيها الثقافات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحديثة، وكل ما يمكن أن يضعها في المسار الطبيعي للحضارة الإنسانية.
      وبالتالي فإن من أعظم النتائج المأساوية التي تعرض لها المجتمع السوري، في العقود الأربعة الماضية، أنه أصبح مجتمعاً ضعيفاً وهشاً، انحلت فيه البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية بفعل سياسات الاستبداد الممنهجة، فالنظام السياسي القائم أسهم في إيجاد الكثير من الظواهر الهدامة، وانتهك كل حقوق الإنسان المنصوص عليها في الإعلانات والمواثيق الدولية، ثم عمل بعد اندلاع الثورة على تعزيز هذه السياسات والعمل على ترسيخها، وصولا إلى تدمير كل ما تبقى من إمكانات المجتمع السوري المستهدفة، وانتهاءً بالضربة القاصمة والمتمثلة في تدمير وتمزيق الهوية الوطنية بالكامل.
      لهذه الأسباب وغيرها تُحاول الثورة السورية إعادة صياغة المنظومة القيمية التي جذرها نظام الاستبداد بما ينسجم وتوجهاته الفكرية، حيث كان تأثير الثورة واضحاً منذ الأيام الأولى التي طرحت فيها شعارات الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، باعتبارها قيماً قد تم تشويهها من قبل النظام السياسي الحاكم. ومن هنا فإن السؤال الرئيس للدراسة يتبلور على النحو الآتي:
ما درجة تأثير الثورة السورية في تغيير النسق القيمي لدى طلبة الجامعة نحو القيم السياسية؟ حيث يتفرع عن هذا السؤال الأسئلة الفرعية الآتية:
1- ما درجة تأثير الثورة السورية في توجهات طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو قيمة الرموز الوطنية؟ 
2- ما درجة تأثير الثورة السورية في توجهات طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو قيمة   
 نحو قيمة المقاومة والممانعة؟ 
3- ما درجة تأثير الثورة السورية في توجهات طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو قيمة الحرية؟ 
4- ما درجة تأثير الثورة السورية في توجهات طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو قيمة العدالة؟
5-  ما درجة تأثير الثورة السورية في توجهات طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو قيمة الديمقراطية؟
6- هل توجد فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى دلالة (α 0.05) بين متوسط إجابات أفراد العينة فيما يتصل بتأثير الثورة السورية في توجهات الشباب الجامعي نحو القيم السياسية، تُعزى إلى متغيرات الجنس والكلية والسنة الدراسية ومكان الإقامة.
     للإجابة عن الأسئلة السابقة ستسلك الدراسة مسلكين في عرض تأثيرات الثورة في منظومة القيم السياسية لدى الشباب السوري، الأول قراءة واقعية لهذه التأثيرات، والثاني: قراءة إحصائية لها.
أهداف الدراسة 
يمكن تحديد أهداف الدراسة على النحو الآتي:
- التوصل إلى معرفة درجة تأثير الثورة السورية في تغيير النسق القيمي لدى طلاب الكليات المحدثة في محافظة درعا، نحو القيم السياسية السائدة في المجتمع السوري، تبعاً لمتغيرات الجنس والاختصاص والسنة الدراسية ومكان الإقامة.
- السعي إلى بناء قاعدة معلومات إحصائية عن التغيرات القيمية لدى طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو القيم السياسية.
- تحفيز المشاركة الشبابية بشكل فاعل وعملي في الثورة من أجل تكريس منظومة القيم السياسية من وجهة النظر الثورية، وليس كما يريدها النظام السياسي الحاكم في سوريا.
 
 
أهمية الدراسة
تتبلور أهمية الدراسة في الآتي:
- تسهم هذه الدراسة في الكشف عن طبيعة فكر الطلبة في الكليات المحدثة في محافظة درعا بعد الثورة، فيما يتصل بتوجهاتهم نحو القيم السياسية، مما يساعد صناع السياسة التربوية في إدارة الجامعة على تحديد جوانب النقص في البرامج والمناهج والأنشطة المخصصة لتعزيز تلك التوجهات الجديدة التي أحدثتها الثورة. 
- توفر هذه الدراسة خلفية نظرية وعملية للقائمين على رسم السياسات التربوية في الكليات المحدثة، ولاسيما عندما يحددون الأهداف التربوية التي من شأنها زيادة وعي الطلبة بالقيم السياسية التي انطلقت الثورة من أجل تنميتها وتكريسها في المجتمع السوري.
- تُسهم هذه الدراسة في توثيق الجوانب الكمية والكيفية لتأثيرات الثورة السورية في توجهات طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو القيم السياسية السائدة.
محددات الدراسة
- يتحدد تعميم نتائج الدراسة الحالية خارج مجتمعها الإحصائي بمدى مماثلة المجتمع الخارجي لمجتمع الدراسة.
- تتحدد وجهة نظر طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو القيم السياسية في القيم التي شملتها أداة القياس المستخدمة في هذه الدراسة، والمتمثلة في قيم الرموز الوطنية والمقاومة والحرية والعدالة والديمقراطية.
- تقتصر هذه الدراسة على طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا وهي: كليات التربية  والآداب والحقوق والاقتصاد التابعة جميعها إلى جامعة دمشق، خلال العام الدراسي 2012م.
متغيرات الدراســـة
المتغيرات المستقلة وتشمل: أ - متغير الجنس, وله مستويان: ذكور, إناث ب – متغير الاختصاص، وله أربعة مستويات: تربية، آداب، حقوق، اقتصاد. ومتغير السنة الدراسية، وله مستويان: أولى، رابعة. ومتغير مكان الإقامة، وله مستويان: ريف، مدينة.
المتغيرات التابعة: وتتمثل في استجابات أفراد عينة الدراسة لمجالات الاستبانة الخمسة والمتمثلة بقيم الرموز الوطنية والمقاومة والحرية والعدالة والديمقراطية.
مصطلحات الدراسة
1- الثورة
    للثورة تعريفات معجمية تتلخص بتعريفين أساسين: التعريف التقليدي القديم الذي وضع مع انطلاقة الشرارة الأولى للثورة الفرنسية، وهو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة. وقد طور الماركسيون هذا المفهوم بتعريفهم للنخب والطلائع المثقفة بطبقة قيادات العمال التي أطلقوا عليها اسم البروليتاريا. أما التعريف أو الفهم المعاصر والأكثر حداثةً للثورة فهو: التغيير الذي يحدثه الشعب من خلال أدواته، كالقوات المسلحة أو من خلال شخصيات تاريخية لتحقيق طموحاته لتغيير نظام الحكم العاجز عن تلبية هذه الطموحات، ولتنفيذ برنامج من المنجزات الثورية غير الاعتيادية. كما أنه يوجد مفهوم دارج أو شعبي للثورة هو الانتفاض ضد الحكم الظالم.
     وقد تكون الثورة شعبية مثل الثورة الفرنسية عام 1789م وثورات أوروبا الشرقية عام 1989م، وثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقالية في نوفمبر 2004م، أو عسكرية وهي التي تسمى انقلاباً مثل الانقلابات التي سادت أمريكا اللاتينية في حقبتي الخمسينيات والستينات من القرن العشرين، أو حركة مقاومة ضد مستعمر مثل الثورة الجزائرية1954-1962م (توشار، 1984، 557-558).
     ويُعرف الباحث الثورة السورية بأنها: انتفاضة شعبية سلمية ضد نظام الحكم الديكتاتوري، تحولت بعد عام من انطلاقتها إلى ثورة مسلحة، من أجل انتزاع حرية الشعب وحماية كرامته من بطش النظام الذي استمر وجوده بالقوة لأكثر من أربعة عقود، إنها ثورة من أجل تغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية القائمة، وذلك من خلال إعادة تنظيم وبناء النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي.   
2- القيم
     يوجد عدة اتجاهات فلسفية بشأن تحديد مفهوم القيم يُمكن إجمالها في اتجاهين رئيسيين: أولهما، تُعبر عنه الفلسفات المثالية والعقلية، حيث يرى أفلاطون أن القيم موضوعية ومطلقة، لذا يؤكد وجود عالمين، عالم المثل وعالم الواقع، وأن القيم المنبثقة من عالم المثل هي القيم السائدة. وثانيهما، تُعبر عنه الفلسفات الطبيعية التي ترى أن القيم جزء لا يتجزأ من الواقع الموضوعي للحياة والخبرة الإنسانية، وبالتالي فإن القيم هي نتاج اتصالنا بها وتفاعلنا معها، وسعينا إليها وتكوين رغباتنا واتجاهاتنا نحوها، فالقيم هي نسيج الخبرة الإنسانية وجزء لا يتجزأ من كيانها، وهي نسبية تتغير بتغير الظروف والأحوال (Peter,1978,51).
     كما يُشار للقيم على أنها مفهوم يدل على مجموعة من التصورات والمفاهيم، التي تكون إطاراً للمعايير والأحكام والمثل والمعتقدات والتفضيلات، التي تتكون لدى الفرد من خلال تفاعله مع المواقف والخبرات الفردية والاجتماعية، بحيث تمكنه من اختيار أهداف لحياته يراها جديرة بتوظيف إمكانياته، وتتجسد من خلال الاهتمامات أو الاتجاهات أو السلوك العملي أو اللفظي بطريقة مباشرة وغير مباشرة (مصطفي، 1988، 34).
 
3- القيم السياسية
     هي إطار فكري يُغلف الأهداف المباشرة للحركة السياسية، ويُضفي عليها سمواً معيناً، وهو ما يُسمى بأخلاقيات الحركة السياسية، وهي تُعبر عن خصائص حضارية مجتمعية (رسلان، 1986، 149). ويُعرفها الباحث بأنها: الأهداف السياسية السامية التي تدعو الثورة السورية  إلى التحرك نحوها، وتجسيدها في الواقع الاجتماعي بشكل صحيح، لأنها مثل عليا ومعايير للسلوك في الوقت نفسه، وتتمثل في هذه الدراسة بقيم الرموز الوطنية والمقاومة والحرية والعدالة والديمقراطية.
الدراسات السابقة
1 - دراسة عبد الله (2008) بعنوان: الأنساق القيمية لدى الشباب الجامعي في ضوء المستجدات العالمية. هدفت إلى التعرف على طبيعة القيم والمستجدات العالمية التي يواجهها الشباب الجامعي، وأثرها في تغيير أنساقهم الفكرية، وقد سعت الدراسة للإجابة عن سؤال مفاده: ما طبيعة القيم والأطر الفكرية والفلسفية التي تواجه الشباب الجامعي؟ وقد تكونت عينة الدراسة من (422) طالباً وطالبة موزعين على كليات العلوم والآداب والتربية بجامعة بني سويف. وقد استخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي محاولاً من خلاله التوصل لمدى تأثر منظومة القيم لدى الشباب الجامعي بالمستجدات العالمية واقتراح وسائل علاجها. ومن خلال المنهج المستخدم توصل الباحث إلى مجموعة من النتائج هي:
جاءت القيم الدينية في المرتبة الأولى بالنسبة لطلاب الكليات الثلاث وبالنسبة للعينة ككل، كما جاءت القيم الاقتصادية في المرتبة الثانية بالنسبة لطلاب الكليات الثلاث وبالنسبة للعينة ككل، وجاءت القيم الثقافية في المرتبة الثالثة بالنسبة لطلاب الكليات الثلاث وبالنسبة للعينة ككل، كما جاءت القيم الاجتماعية في المرتبة الرابعة بالنسبة لطلاب الكليات الثلاث وبالنسبة للعينة ككل، وأخيراً جاءت القيم السياسية في المرتبة الأخيرة بالنسبة لطلاب الكليات الثلاث وبالنسبة للعينة ككل.
2- دراسة إبراهيم و موسى (2006) بعنوان: القيــم لـدى شبــاب الجامعـة في مصــر ومتغيرات القرن الحادي والعشرين. هدفت إلى التعرف على قيــم شبــاب الجامعـة في مصــر ومتغيرات القرن الحادي والعشرين، إضافة إلى التعرف على أبرز وأهم القيم لدى طلاب كلية التربية ببنها في ضوء متغيرين رئيسيين هما: متغير الجنس (ذكور وإناث)، ومتغير الفرقة الدراسية (الأولى، الثانية، الثالثة، الرابعة). وقد تكون مجتمع الدراسة من طلاب وطالبات كلية التربية ببنها من جميع الفرق الدراسية الأربعة.
      وقد بلغ عدد المجتمع الأصلي (6316 ) طالباً وطالبة, وروعي في اختيار عينة الدراسة أن تكون طبقية عشوائية, بحيث تشمل جميع الفرق الدراسية: أولى وثانية وثالثة ورابعة، والذكور والإناث، وجميع التخصصات، وذلك حتى تكون العينة ممثلة للمجتمع الأصلي، وبلغ عدد أفراد العينة 865 طالباً وطالبة، وهذا يمثل 13.7% من المجتمع الأصلي، وذلك لمعرفة القيم التي لها أولوية في حياتهم, وتمثلت القيم المدروسة في: القيم الاجتماعية والقيم السياسية والقيم الاقتصادية والقيم البيئية، وقد استخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي، وتوصل إلى مجموعة من النتائج يمكن إبرازها من حيث القيم السياسية في كالآتي: 
- بالنسبة لرد فعل (التوقيع على عريضة مطالب) حظيت استجابة الذكور "فعلته" بنسبة 16.3% وجاءت في المرتبة الثانية، والأمر نفسه في استجابة الإناث, حيث جاءت استجابتهن (فعلته) في المرتبة الثانية أيضاً بنسبة بلغت 8.3%، وهذا يوضح ضعف المشاركة السياسية لجميع الطلاب سواء الذكور أم الإناث, بدليل أن استجابتهم (لن أفعل) بلغت نسبتها لدى الذكور 54.1% و34.3% لدى الإناث، ورد الباحثان ضعف المشاركة السياسية إلى عدم تفعيل الأنشطة الطلابية في الجامعة, وعدم إجراء انتخابات طلابية بشكل ديمقراطي, والتدخلات الأمنية، وهذا دليل على أن قيمة حرية التعبير ليست على المستوى المطلوب في الواقع0
- بالنسبة لرد فعل (الانضمام إلى أحزاب غير رسمية) حظيت استجابة الذكور "فعلته" بنسبة بلغت 4.4% وجاءت في المرتبة الثالثة، بينما جاءت في المرتبة الرابعة لدى الإناث بنسبة بلغت 1.1%، وهذا يدل على أن مشاركة طلاب كلية التربية في أحزاب غير رسمية أمر ضعيف جداً، حيث رد الباحثان ذلك إلى أن الطلبة لم يشاركوا في الحياة الحزبية حتى ولو كان حزباً رسمياً ومعترفاً به، لأنه صار يسيطر على أعماق الشباب أن الانتماء إلى أي حزب معارض هو أمر قد يعرضهم لبطش الشرطة والتدخلات الأمنية، فابتعدوا عن المشاركة السياسية والحزبية إلا قليل منهم سواء في ذلك الذكور والإناث، حتى إنهم لن يشاركوا في ذلك مستقبلاً، بدليل أن استجابة (لن أفعل) حظيت لدى الذكور بنسبة بلغت 83%، 82.7% لدى الإناث0
- أما بالنسبة لرد فعل (المشاركة في مظاهرات سلمية) حظيت استجابة (فعلته) بلغت بالنسبة للذكور32.1%، ينما بلغت بالنسبة للإناث 29.3% ، وجاءت في المرتبة الأولى لدى الجنسين، وهذا يعنى من وجهة نظر الباحثان اتفاق الذكور والإناث على أن اشتراكهم في المظاهرات بشكل عام ضئيل جداً، حتى المظاهرات السلمية والتي قد تعبر عما يريده الشباب لم يشاركوا فيها إلا بقدر بسيط، وقد أرجع الباحثان ذلك إلى منع السلطات قيام مظاهرات، والدليل على ضعف مشاركتهم هو أن نسبة استجابتهم (لن أفعل) بلغت لدى الذكور 24.5%، و24.3% لدى الإناث، وبلغت نسبة استجابة (ربما أفعل) لدى الذكور 43.4%، و46.4% لدى الإناث.
3- دراسة (يوسف،2004) بعنوان: استطلاع رأي عينة من الشباب في المدارس والجامعات حول المواطنة والمشاركة السياسية، هدفت إلى معرفة مفهوم المواطنة لدى الشباب والحقوق والواجبات المرتبطة به, وقد استخدم الباحث في دراسته المنهج الوصفي التحليلي, وقام بإعداد استمارة استطلاع رأي تتضمن ثلاثة محاور رئيسة هي: المواطنة والمشاركة والانتماء. وبعد تحليل بيانات الدراسة توصل الباحث إلى مجموعه من النتائج كان أهمها: إن أهم الحقوق التي رأى أفراد العينة أنهم يجب أن يحصلوا عليها كان حقهم في التعليم والعمل, إضافة إلى استعداد النسبة الغالبة من عينة البحث القيام بالأعمال التطوعية مما يعكس إحساسهم العابر بمشكلة البطالة, كما احتلت وسائل الإعلام صدارة مؤسسات التنشئة التي تقوم بدور أساسي في عملية التنشئة السياسية للشباب, وذلك من خلال اتفاق رأي الأغلبية من أفراد العينة, كما دلت نتائج الدراسة على أن الشعور بالانتماء القوي للوطن هو الدافع الأساسي لرفض الخروج منه بالرغم من السلبيات الموجودة فيه.
4 - دراسة (Davis , 2001) بعنوان: القيم السياسية لدى طلبة المدارس الثانوية في مدارس أوماها العامة
Political values ​​with the students of Secondary Schools of Public Omaha Schools
      هدفت الدراسة التعرف إلى القيم السياسية لدى طلبة المدارس الثانوية في مدارس أوماها العامة واتجاهاتهم نحو مدى وعيهم لهذه القيم. وقد تكونت عينة الدراسة من (644) طالب وطالبة، حيث استخدم الباحث لذلك استبانة خاصة بالقيم السياسية طبقت على ست مدارس ثانوية. وقد أشارت نتائج الدراسة إلى عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين الطلبة (ذكور وإناث) بأهمية القيم السياسية (الحرية والديمقراطية والعدالة) في حياتهم المدرسية.
 5- دراسة (1999  (Grady, بعنوان: مقارنة القيم السياسية والقيم الاجتماعية بين طلاب المدارس الخاصة والمدارس العامة.political values VS social values among private schools students and ​​ and public schools students
   هدفت الدراسة إلى مقارنة القيم السياسية والقيم الاجتماعية بين طلاب المدارس الخاصة والمدارس العامة، وذلك إزاء بعض القيم الاجتماعية المتمثلة في الإيثار والاعتماد على النفس والأمانة، إضافة إلى القيم السياسية المتمثلة في الحرية والعدالة، وتكونت عينة الدراسة من (422) طالباً وطالبة من المدارس الثانوية الخاصة والمدارس الثانوية العامة من سكان الضواحي والمدن والريف. حيث استخدم الباحث في دراسته المنهج المقارن. وقد أظهرت نتائج الدراسة أنه لا توجد فروق بين طلبة المدارس الثانوية الخاصة والعامة في الاتجاهات نحو القيم الاجتماعية، ووجد أن الاتجاهات نحو القيم السياسية كانت متقاربة لدى طلاب المدارس العامة وطلاب المدارس الخاصة، وكذلك وجد الباحث أن الاتجاهات نحو القيم الاجتماعية السابقة من ذوي الطبقة الاجتماعية والاقتصادية المتوسطة متقاربة، وأنه لا توجد علاقة بين القيم المختارة وبين البيئة ) مدن، ضواحي، ريف (، إضافة إلى ذلك أشارت نتائج الدراسة إلى أنه توجد فروق بين طلبة المدارس الثانوية الخاصة والعامة في الاتجاهات نحو القيم السياسية المتمثلة في قيمة العدالة.
    وهكذا يتضح من خلال أهداف الدراسات السابقة ونتائجها والمناهج التي اعتمدتها أن  الدراسة الحالية تختلف عنها من جوانب وتتفق معها في جوانب أخرى, فقد اتفقت الدراسة الحالية مع بعض الدراسات السابقة من حيث الموضوع العام والمنهج المستخدم وأداة الدراسة, بينما اختلفت الدارسة الحالية عن الدراسات السابقة في أهدف الدراسة وأسئلتها، وبالتالي في نتائجها, مع ملاحظة أن اختلاف الدراسة الحالية عن الدراسات السابقة لا ينفي أن الدراسة استفادت من الدراسات السابقة من حيث المنهجية المتبعة, كما استفادت من مادتها العلمية والنتائج التي توصلت إليها تلك الدراسات.
 الإطار النظري
المجتمع السوري قبل الثورة وبعدها  
     مما يستحق التنويه بداية أن الصورة الكلاسيكية للهوية السياسية في سوريا قبل الثورة تأسست على مسلمات ثلاث أثرت عبر تاريخ المجتمع على علاقة الفرد بمجتمعه. فالهوية السياسية كانت تُبنى وفق مبادئ تُحدد في مجملها أولوية المجتمع على الفرد، وفق شروط الرؤية السياسية المحددة التي تعكس في الغالب رؤية حزب البعث الحاكم، بوصفه الحزب القائد للدولة والمجتمع.
      كما يتم الاندماج الاجتماعي وفقا لما يفرزه النظام السياسي من قيم للمحافظة على وحدته وكيانه، بالإضافة إلى أن الأنا المنبثق عن هذا الاندماج الاجتماعي المخطط له من قبل السلطة الحاكمة، كان عليه أن يخضع إلى تمثل القيم السياسية السائدة التي تستمد قيمتها من الرؤية السياسية التي يعتمدها النظام، وليس من ذاتيتها كقيم إنسانية عليا. ومن هنا يمثل كل من الفرد والنظام السياسي القائم وجهين للواقع السياسي نفسه، فلا وجود لمعايير وقيم سياسية ينتجها الفرد يمكن أن تتعارض مع توجهات النظام السياسي الحاكم.
     وقد ترتب على هذه المبادئ ضرورة اندماج مختلف الأفراد في النظام السياسي المعتمد من قبل السلطة الأمنية، وذلك بتشبع الأفراد بالقيم السياسية والمعايير التي يفرزها حزب البعث الحاكم للدولة والمجتمع، فقدرة الأفراد على الاندماج السياسي تقاس بمدى قدرتهم على تطبيق القواعد المحددة مسبقاً، وبمدى مساهمتهم في الحفاظ عليها. والسؤال الذي طفى على سطح المجتمع السوري بعد الثورة هو: إلى أي مدى يمكن لهذا التصور السياسي أن يتواصل بعد انطلاقة ثورة الحرية والكرامة في 18 آذار؟ ثم إلى أي مدى مازال الشباب السوري مستعداً لتمثل قيم نظام الاستبداد السياسية دون المساهمة في بنائها؟
     للإجابة عن هذه التساؤلات يُمكن القول: إن المجتمع السوري يعيش بعد ثورة 18 آذار تغيرات عميقة تجري في نسيجه بسبب الرغبة الواعية من قبل أفراده في إعادة تنظيم شبكة القيم السياسية السائدة قبل الثورة، وفي البحث المتواصل عن كيفية تبنيها بهدف بناء اندماج اجتماعي جديد يتأسس على قيم المواطنة وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتتجلى أهمية هذا البناء الجديد لهذه القيم في تأثيرها المباشر على الصلات الاجتماعية الجديدة، ونتيجة لكل ذلك يعيش أفراد المجتمع السوري اليوم فترة مخاض تاريخيه، يمكن تلخيصها في طبيعة الهوية السياسية التي يفترض تبنيها من قبل الشباب السوري بعد ثورة الحرية والكرامة، وأثرها في خلق التوازن النفسي مع الذات من جهة، وبين الذات والآخر من جهة أخرى، وبالتالي بين الفرد والمجتمع. وهو ما من شأنه أن يساعد على إعادة التوازن للمجتمع، ويبعث الطمأنينة والأمن الضروريين لاستمرارية هدوء الحياة الاجتماعية.
     لا شك أن السياق السياسي الجديد في سوريا بعد الثورة يمهد لتبني النموذج الحديث للاندماج السياسي، وهذا يعني أنه لا يمكن اختزال عملية الاندماج السياسي لأفراد المجتمع السوري في ضرورة تمثلهم لما هو سائد، وإرغامهم على العمل في إطاره بدعوى جعل الأحزاب السياسية كلاً واحداً كما هو الحال في الجبهة الوطنية التقدمية، فالمجتمع السوري الحديث، كما تُبين ملامحه قيم الثورة، لن يتحدد بمعايير ثابتة ومضبوطة مسبقاً، بل بإعادة بناء واع لقيم المواطنة، حتى يُمكن تجاوز التفاعلية الرمزية الكلاسيكية الهادفة إلى جعل الفرد يستبطن ما هو سياسي واجتماعي من خلال التفاعلات السياسية والاجتماعية التي يعيشها، وهو ما يؤسس لرؤية جديدة تعيد بناء صلة الفرد بمجتمعه ونظامه السياسي الجديد، فتمكنه من أن يستمد معناه داخل المجموعة وأن يبني حريته، على أن تكون هذه الحرية مسؤولة، غير منقادة، حيث يتطلب هذا من المواطن أن يأخذ مسافة مما يجري حوله في المجتمع ليعود إليه ويساهم في تجديده.
     هذه الصلة الجديدة بين المواطن ومجتمعه تُبنى بتحقيق التوافق مع الذات أولاً، إذ هو ذات سيكولوجية كائن اجتماعي في الوقت نفسه، كما أنه ينشأ اجتماعيا بتفاعل منتظم بين هذين البعدين، بما يجعله قادرا على أن ينظر إلى داخله ليغيره، ومن ثم يُغير بذلك علاقته مع الآخر، لأن التجديد والإبداع لا يوجدان في الخارج فقط، ولا ينبعان من الداخل فحسب، بل يتولدان من خلال العلاقة التفاعلية بينهما.
     وبالتالي إذا كان منطق اندماج المواطن في مجتمعه في التصور السياسي الذي كان سائداً يتأسس على عملية جعل الفرد يستبطن القيم السياسية والقواعد السائدة كما يُريدها النظام، فإن منطق اندماج المواطن في المجتمع السوري بعد الثورة يتأسس على وعي المواطن بذاته اتجاه ما يعرض عليه من أدوار اجتماعية وسياسية، وبذلك يبني المواطن هويته باستقلالية تامة انطلاقا من تجربته الشخصية، ومن ثقافة المجموعة التي ينتمي إليها. فالمواطن السوري اليوم يمثل وحدة خاصة تتشكل من التجربة الشخصية والوعي بالآخر، ولا سبيل إلى ذلك إلا عندما يمارس هذا الأخير حريته بعيدا عما تفرضه القواعد المنمطة والمنظمة للمجتمع، فهو مواطن لا لكي يتمثل ما هو موجود من قيم سياسية مؤطرة بفكر محدد، ولكن ليدافع عن فرديته من أجل أن يغير محيطه الاجتماعي والعلاقات التي تؤثر في هذا المحيط، و بطبيعة الحال هذا يتطلب فضاءً واسعاً من الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية.
تأثير الثورة السورية في توجهات الطلبة نحو القيم السياسية
     يشهد المجتمع السوري على المستوى السياسي خللاً واضحاً منذ أكثر من أربعة عقود، حيث انعكست آثاره على الشباب الجامعي الذي وجد نفسه بعد الثورة في ظروف سياسية أصابته بإحباط نفسي شديد. فالمستقرئ للواقع السوري بعد الثورة يُلاحظ وجود فراغ سياسي وثقافي يعانى منه الشباب الجامعي، الأمر الذي أدى إلى غياب المنهج الذي يقيس به الشباب سلامة الدعاوى المطروحة للحوار الوطني للخروج من الأزمة الكارثيه التي سببتها ممارسات النظام القمعية، مما أدى بهم إلى الحيرة والتناقض.
     فبينما يعتقد الشباب بأهمية الحرية والديمقراطية والعدالة والسلم الاجتماعي، فإذا بهم يشاهدون جيش بلادهم يقتحم المدن والقرى ويقصفها بالدبابات والطائرات ومدافع الهاون، في الوقت الذي لا يُحرك فيه هذا الجيش ساكناً على جبهة الجولان المحتل، بل ويغمض عينه عن التجاوزات التي قامت بها إسرائيل في أماكن متعددة من الجغرافيا السورية. هذا بالإضافة إلى معرفتهم للطريقة غير الشرعية التي تم من خلالها اغتصاب السلطة، وحرمانهم من المشاركة السياسية، وغياب التعددية السياسية، فضلاً عن القيود المفروضة على حرياتهم المختلفة، وغير ذلك مما أوجد واقعاً اجتماعياً جديداً له معاييره وقيمه الجديدة التي اعتنقها كثير من الشباب الجامعي بعد الثورة بوصفها خلاصاً من الظلم والاستبداد, بل والتخلص من بعض القيم السياسية والاجتماعية والثقافية، باعتبارها قيداً على حركته في الحياة. الأمر الذي جعل من هذا الوضع يُسبب ما يمكن أن نطلق عليه أزمة قيمية، والتي هي نوع من الصراع بين القيم التي جذرها نظام الاستبداد من وجهة نظره، وبين الرؤية الجديدة للقيم كما يُريدها صُناع الثورة في سوريا. وفي هذا الجزء من الدراسة يُشير الباحث إلى أهم التغيرات التي أحدثتها الثورة السورية في منظومة القيم السياسية السائدة.
 
1- قيمة الرموز الوطنية
     تحظى قيمة الرموز الوطنية بأهمية بالغة لدى أفراد الوطن (أي وطن) لما تمثله من هوية خاصة تميز وطنهم عن غيره من الأوطان، فمن المعلوم أن لكل وطن رموزه الخاصة التي يدافع عنها ويبذل في سبيلها التضحيات، ومن الرموز الوطنية التي أصلها نظام الاستبداد في المجتمع السوري يُمكن الإشارة إلى النشيد الوطني وعلم الدولة والحزب الحاكم ورئيس الدولة.
     أما بالنسبة للنشيد الوطني فهو الذي يُفترض أن تدور كلماته حول محبة الوطن وأحداثه العظيمة التي تمثل الدافع الدائم للاعتزاز به وبتاريخه المجيد، فالنشيد الوطني السوري ليس مجرد كلمات تغنى بقدر ما يُفترض أن يكون محرضاً داخلياً لدى أبناء الوطن يشعرهم بمكانته وارتباطه بوجودهم. غير أن المستقرئ لواقع المجتمع السوري بعد الثورة يكتشف أن كلمات النشيد الوطني التي تُمجد حرية الفرد والمجتمع، وتعزز الكرامة الإنسانية والانتماء، لم تعد تفعل فعلها في نفوس الشباب بعد الثورة، وذلك بسبب الممارسات القمعية التي يُمارسها النظام السياسي السوري اتجاه الشعب، والتي تؤكد في مجملها أنها لا تعكس أية كلمة من كلمات النشيد الوطني التي تدور حول مجموعة من القيم كالحرية والانتماء والكرامة وغيرها، فما قام به النظام من انتهاكات لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية شكل اتجاهات سلبية لدى الشباب نحو قيمة النشيد الوطني التي استباحها النظام في طول البلاد وعرضها، فكان لا بد من إعادة صياغة مفهوم جديد لهذا النشيد ينسجم مع معايير الثورة، وليس مع المعايير التي يفرضها النظام الديكتاتوري الحاكم.
     وما ينطبق على النشيد الوطني ينطبق كذلك على عَلَم الدولة الحالي الذي يُفترض أن يكون رمزاً لهوية الدولة ووطنيتها وسيادتها، غير أن ما أصاب الدولة من تفكك وانهيار وتمزق نتيجة الممارسات القمعية للنظام، أدى إلى تبعيتها لدول أخرى على أسس لا تنسجم مع الوطنية السورية، إضافة إلى عدم احترامه قيمة الإنسان السوري وكرامته، وعدم احترام حقه في الحياة والأمن والسلامة.. وغير ذلك مما نصت عليه العهود والإعلانات والمواثيق الدولية.
     كل ذلك أدى إلى بلورة توجهات سلبية لدى الشعب نحو علم الدولة، بعد أن كشفت الثورة أن العلم لم يعد يُمثل رمزاً لهوية الوطن وسيادته، وخاصة بعد أن قام النظام الحاكم برفعه على الدبابات والمجنزرات والآليات العسكرية التي استخدمها لقمع التظاهرات السلمية، وقصف بها المدن والقرى السورية المنتفضة ضد مظاهر الاستبداد والطغيان والحرمان، مما دفع المواطنون إلى رفع علم الاستقلال الذي أصبح يُمثل بفعل الثورة رمزاً لهوية الوطن السوري الساعي إلى الحرية وتقرير المصير.
     أما بالنسبة لحزب البعث الحاكم الذي نصّبه النظام قائداً للدولة والمجتمع منذ أكثر من أربعة عقود ونيف، فقد أزالت الثورة عن وجهه القناع الأخير، وبينت بشكل جلي زيف ما كان يدعيه من نضال سياسي واجتماعي واقتصادي، وأنه نصير الفلاحين والكادحين وصغار الكسبة، كما فضحت الكثير من أعضائه ممن شاركوا في قتل الشعب السوري أثناء الثورة، وكانوا السبب في الكثير من عذاباته وآلامه.. هذا الحزب الذي عمل طوال سنوات حكمه على تزييف وعي المواطن السوري، وخاصة في القضايا التي تبناها كأهداف كان يدعي أنه يسعى إلى تحقيقها. فلا حقق الوحدة ولا الحرية ولا الاشتراكية. فمنذ نيف وأربعون عاماً وهم يُحدثونا عن هدف الوحدة، وعند أول اختبار لما يدعونه عن الوحدة، مزقوا النسيج الوطني والوحدة الوطنية، فضلاً عن تمزيق الوحدة العربية التي لا يريدونها أصلاً.. أربعون عاماً ونيف لم يكفون عن الحديث عن هدف الحرية، وعند أول اختبار أيضاً استلبوا الحرية بجناحيها (التفكيري والتعبيري)، وراحوا يقتلون ويعتقلون وينتزعون الحناجر ويسلخون الجلود الآدمية ويجزون رقاب الأطفال بسكاكينهم، كل ذلك بمجرد أن فناناً نطق ببعض الكلمات من قبيل (يلا أرحل يا بشار) أو رسم رسماً كاريكاتورياً سخر فيه من نظام الاستبداد.
      ثم أربعون عاماً ونيف وهم يتحدثون عن هدف الحزب الثالث المسمى الاشتراكية، فإذا بالثورة تكشف لنا أن الاقتصاد كله بأيدي مجموعة من اللصوص والسماسرة وتجار الوطن، وأن الجامعات التي يُفترض أن تكون المثل الأعلى في المجتمع قد استولى عليها مجموعة من الخارجين عن القانون والمتاجرين بقيمة العلم. لكل ذلك أيضاً تشكلت اتجاهات سلبية لدى الشباب السوري نحو حزب البعث الحاكم، ولم تعد كلمات مثل الحزب القائد والحزب الثوري والحزب الملهم، كلمات يستسيغها الشباب السوري، بعد أن شاركت فروع الحزب في المدن السورية كافة بقمع المظاهرات الطلابية السلمية.
     أما بالنسبة إلى قيمة رئيس الدولة ومكانته ورمزيته، فإن المتتبع لما يصدر من مقالات وشعر وفنون شعبية غنائية وغيرها، يُدرك أن الثورة استطاعت أن تسقط شرعية الرئيس ورمزيته، وكل ما كان يحيط بمكانته من قداسة مزيفة، فضلاً عن الشعارات التي يُرددها الثوار في مظاهراتهم السلمية، والتي تؤكد في مضامينها فقدان الرئيس لمكانته ورمزيته، بسبب الجرائم التي تم ارتكابها في عموم الجغرافيا السورية، والتي وصفتها الكثير من الهيئات الدولية بأنها جرائم حرب ضد الإنسانية.
2- قيمة المقاومة
  وبالانتقال إلى القيمة الثانية من القيم السياسية السائدة في المجتمع السوري وهي قيمة المقاومة، فمن المعروف لدى الشعب السوري قبل ثورة 18/آذار وبعدها أن النظام اتخذ من المقاومة ذريعة لاستمراره في السلطة وحكم البلاد بالقوة، ولو تتبع المؤرخون مسيرة هذا النظام على صعيد المقاومة، فلن يستطيعوا تسجيل أي ملمح من ملامح المقاومة يُمكن ردها إلى ما يدعيه النظام عن المقاومة، فجبهة الجولان المحتل هادئة مستقرة منذ أكثر من أربعة عقود، ومزارع شبعا السورية تنازل عنها إلى لبنان، لكي لا يدخل في نزاع مع إسرائيل، وكذلك فعل مع تركيا عندما تنازل لها عن لواء اسكندرون السوري، في الوقت الذي سلم فيه كل السياسيين العراقيين للنظام الأمريكي في العراق خوفاً من أن يصطدم مع الآلة العسكرية الأمريكية آنذاك، مخالفاً بذلك كل الحقوق التي نصت عليها الشرائع السماوية والأرضية فيما يتصل بحقوق اللاجئين، سواء أكانوا لاجئين لجوءاً إنسانياً أو لجوءً سياسياً.
      كل هذه الأحداث يعرفها الشعب السوري قبل الثورة، غير أن الذي أصاب الشعب السوري بالدهشة هو أن الترسانة العسكرية التي اشتراها النظام من دم الشعب السوري، وعلى حساب رغيف عيشه، والتي يُفترض أن يُسخرها للمقاومة التي كان يدعيها على امتداد العقود الأربعة الماضية لم تكن كذلك، بل بالعكس فقد سخرها لقمع شعبه الذي خرج يُطالب بالحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، وأصبحنا نُشاهد الدبابات ومدافع الهاون تقصف في درعا وحمص وحماة وادلب.. بدلاً من أن تقصف كريات شمونه وتل أبيب وغيرها من المستعمرات الصهيونية.
     لهذه الأسباب وغيرها تولدت لدى الشباب السوري اتجاهات سلبية نحو المقاومة التي يدعيها النظام، بعد أن أثبتت الثورة السورية زيف هذه المقاومة بشكل واضح لا لبس فيه، وبدأ يُراجع مفاهيمه عن المقاومة التي لم يستطيع النظام تجسيدها على الأرض السورية المحتلة منذ زمن بعيد، مع التأكيد أن ما تشكل من اتجاهات سلبية لدى أبناء الشعب السوري نحو المقاومة، ليست اتجاهات سلبية نحو المقاومة كقيمة بحد ذاتها، وإنما اتجاه ما كان يدعيه النظام من مقاومة وممانعة لم تُحرر لنا أرضاُ، ولم تُطلق لنا أسيراً.
3- قيمة الحرية
  المستقرئ لواقع المجتمع السوري قبل الثورة يجد أن من أبرز السمات الموجودة في هذا  المجتمع ما تُعبر عنه الملاحظة الذكية التي أوردها الدكتور فؤاد زكريا في كتابه "خطاب إلى العقل العربي" وهي ملاحظة يكفي أن ينظر كل فرد في المجتمع السوري إلى نفسه ليجدها تنطبق عليه. وتلك الملاحظة هي "أن الإنسان العربي قد تربى على الطاعة، والطاعة وباء لا يفلت منه أحد، وإذا أطلقت لها العنان أصابت عدواها الجميع، ذلك لأن كل من يفرض الطاعة على من هم دونه، يجد نفسه مضطراً إلى طاعة من يعلونه، وحين يُطيع المرء لا يكون ذاته، بل يمحوا فرديته ويستسلم إلى غيره" (زكريا، 1987، 82).
     هذا هو واقع المواطن في المجتمع السوري الذي تغلب عليه سمات القسر والإجبار والإكراه والطاعة العمياء، بفعل سياسات نظام البعث الاستبدادية، تلك السياسات التي حالت دون تقدم المجتمع السوري، كما حالت دون وعيه بذاته ومصيره. لهذه الأسباب وغيرها انطلقت ثورة الحرية والكرامة في سوريا من أجل العمل على خلق الظروف والوسائط التي تُمكن مختلف المواطنين وبخاصة أبناء الطبقات المحرومة وبناتها من التحرر والحرية، فالتحرر من قيود ثقافة الحزب الواحد والقائد الواحد.. والحرية من أجل اكتساب الثقة بأنفسهم وقدرتهم على المشاركة وصنع القرار وانتزاع الحرية المغتصبة والكرامة المستلبة، وبذلك أصبحت الثورة زاداً للوعي والتأمل الناقد لمختلف الفئات الاجتماعية لكي تكون فاعلة ومؤثرة في كينونتها وصيرورتها، بدلاً أن تكون مجرد راضية عنها مستمتعة بها، أو ناقمة عليها مقهورة منها.
4- قيمة العدالة
     قبل الحديث عن قيمة العدالة من واقع المجتمع السوري تجدر الإشارة إلى أن هذه القيمة نالت اهتماما كبيراً في الفكر العربي الحديث، فقد تحدث الأفغاني بإيجابية كبرى عن العدالة ورأى أنها قوام الاجتماع الإنساني وبها حياة الأمم، وكل قوة لا تخضع للعدل فمصيرها إلى الزوال (قرني، 1980، 258)، وقد انتهت دعوة الأفغاني للعدالة إلى ترويجه لفكرة (المستبد العادل) وأن ذلك ما يحتاجه الشرق فيقول: "لا يحيا الشرق بدوله وإماراته إلا إذا أتاح الله لكل منهم رجلاً قوياً عادلاً يحكمه بأهله على غير طريق التفرد بالقوة والسلطان، لأن بالقوة المطلقة يكون الاستبداد، ولا عدل إلا مع القوة المقيدة" (الأفغاني، 2002، 38).
     كما اتخذ عبد الرحمن الكواكبي موقفاً سلبياً من خلافة الدولة العثمانية والاستبداد السائد فيها، ولهذا اهتم بنقد الاستبداد كمرادف لنقد الجور في السياسة الذي هو مقابل للعدل، فالاستبداد لديه هو حكم فرد أو جماعة في حقوق الناس بلا خوف ولا تبعة، لأن المستبد يتحكم في شئون الناس بإرادته لا بإرادتهم، ويحكم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم من نفسه أنه الغاصب المعتدى فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها عن النطق (الكواكبي، 1998، 26).
     وقد بين الكواكبي كيف أن الاستبداد ينتهي بالأمة إلى طلب التسفل والموت، وأن الاستبداد يوظف كل الأدوات، وأشد أنواع الاستبداد هو الاستبداد السياسي المقنع بسلطة دينية فيقول: "ما من مستبد سياسي إلا ويتخذ له صفة القدسية يشارك بها الله أو تعطيه مقاما ذي علاقة مع الله، ولا أقل من أن يتخذ بطانة من أهل الدين المستبدين يعينونه على ظلم الناس باسم الدين" (الكواكبي، 1998، 13). وانتقد الكواكبي فقهاء السلطان الذين يبررون الاستبداد، فيتكلم بوضوح عن المنطق الشرعي المؤسس على العدل فيقول: "ولا ندرى من أين جاء فقهاء الاستبداد بتقديس الحكام عن المسئولية، حتى أوجبوا لهم الحمد إذا عدلوا، وأوجبوا الصبر عليهم إذا ظلموا، وعدوا كل معارضة لهم بغياً يبيح دماء المعارضين" (الكواكبي،1998، 37).
     ولو دققنا في التطبيق الحادث لما قاله الأفغاني والكواكبي عن العدالة كقيمة إنسانية سياسية في المجتمع السوري، لوجدناه متجسداً بصورة واضحة جلية، حيث يتحكم في مصير المجتمع السوري فرداً واحداً يتمثل برئيس الدولة تلتف حول بطانة من أفراد عائلته، يُمارسون على بقية أفراد الشعب كل أنواع العنف، ويتحكمون بشؤون الناس ويكممون أفواههم، لتكون النتيجة حرمان الناس من أبسط حقوقهم، وغياب العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وعدم احترام السلطة المستبدة للقوانين السائدة في المجتمع.
      لهذه الأسباب وما سبقها انطلقت الثورة السورية ضد نظام الاستبداد الذي لم يحقق أدنى شروط العدالة في المجتمع السوري، بسبب مجموعة من العوامل أدت إلى ضعف القضاء وعجزه عن تحقيق رسالته، ويأتي غياب استقلال القضاء على رأس هذه الأسباب، كما يأتي توغل الفساد والرشوة وتقاطع مصالح الثروة مع السلطة كعامل آخر من عوامل ضعف القضاء، كما لا يغيب امتناع السلطة عن تنفيذ أحكام القضاء كعامل من عوامل وهن العدل والقضاء، مما جعل قيمة العدالة في المجتمع السوري تتصف بالنعومة؛ وذلك للعجز عن تحقيقها بشكل كامل وسليم بين المواطنين، وبينهم وبين السلطة، تلك العدالة التي تُعد أحد ركائز الاستقرار السياسي والاجتماعي وأحد علامات تقدم وتحضر الشعوب.
5- قيمة الديمقراطية
     تعني الديمقراطية من حيث المبدأ أن لكل إنسان الحق في تكافؤ الفرص، والمشاركة الاختيارية في عملية الأخذ والعطاء المتبادلة، كما أنها ليست شيئا ثابتاً من حيث الفكرة، فالديمقراطية فكرة ومعنى يجب أن تتجدد على الدوام، في الوقت الذي يجب أن تتجدد فيه كذلك المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمواجهة التغيرات المستمرة إزاء تزايد حاجات البشر.
     من هنا تنظر الفلسفة البرجماتية إلى الديمقراطية على أنها منهج وأسلوب للفكر والحياة، وليس مجرد مذهب في السياسة والحكم، وما تطبيقها في الميدان السياسي إلا وسيلة لتحقيق الفكرة الديمقراطية. وعليه فإن الديمقراطية هي تحرير لعقل الإنسان من أجل العمل المنتج، تحريرا يجعله يؤدي وظيفته على أنه كيانا مستقلا له فرديته. ومن هذا المنطلق ربطت الفلسفة البرجماتية فكرة الديمقراطية بتلك العبارة التاريخية " الحرية، المساواة، الإخاء" تلك العبارة التي جاءت الثورة الفرنسية مطالبة بتحقيقها، حيث أكدت "أنه يجب أن يكون جميع الناس أحرارا ومتساوين" (غروتويزن، 1982، 141).
      وهكذا فإن الديمقراطية ليست مجرد شكل للحكومة، وإنما هي أسلوب في الحياة المجتمعية والخبرة المشتركة، مما يعني أن للديمقراطية أشكالا عدة، فهي مساواة بين الأفراد في تهيئة فرص متكافئة لهم من غير أي تمييز، وهي تكامل اجتماعي، وهي عدالة اجتماعية، وهي حرية في الاعتقاد والقول والنشر والاجتماع، وهي علاقات إنسانية تتسم بالأخذ والعطاء وتغليب الذكاء البشري والخبرة في حل الخلافات والمشكلات (ديوي، د. ت، 19).
     ولو دققنا في التطبيق الحادث لهذه الأفكار عن الديمقراطية في واقع المجتمع السوري لوجدنا أن هناك غياباً واضحاً لأية ممارسة ديمقراطية، فلا يوجد مشاركة شعبية في اتخاذ أي قرارات سياسية كانت أم اقتصادية، كما أن هناك غيابا واضحا للحريات، وخرقا فاضحا لمبدأ تكافؤ الفرص، وما يؤكد ذلك ما نعرفه نحن السوريون عن ممارسات النظام الإقصائية لكل من يختلف معه في الرأي أو الفعل، فضلاً عما تبثه القنوات الفضائية من صور ومشاهد يندى لها جبين الإنسانية، والمدهش أن كل ما تُمارسه سلطة الاستبداد من قتل وتدمير وتهجير، كان بسبب مطالبة الشعب بقليل من الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، لهذا فإن من أهم المطالب التي تُحاول الثورة تحقيقها في المجتمع السوري هي تأصيل الممارسات الديمقراطية الحقيقية في واقع المجتمع، وليست الديمقراطية المزيفة التي سوقها النظام لأكثر من أربعة عقود.
إجراءات الدراسة الميدانية        
     اعتمدت الدراسة الحالية في تحصيل المعلومات اللازمة للإجابة عن أسئلة الدراسة وتحقيق أغراضها على المنهج الوصفي التحليلي للتعرف على تأثير الثورة السورية في تغيير النسق القيمي السياسي السائد لدى الشباب الجامعي، وذلك من خلال آراء عينة من طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا، مما تتطلب منهجياً أن تكون الدراسة في قسمين: تناول الباحث في القسم الأول منها مشكلة الدراسة وأهميتها ومصطلحاتها، والدراسات السابقة عليها، بينما خُصص القسم الثاني لإجراءات الدراسة الميدانية بما تتضمنه من توضيحات لعينة الدراسة ومنهجها وأدواتها, وصولاً إلى مناقشة نتائجها وتحليلها وتفسيرها، وانتهاءً بوضع مقترحات تُسهم في زيادة درجة تأثير الثورة السورية في تغيير النسق القيمي السياسي لدى الشباب الجامعي.
عينة الدراسة
تكونت عينة الدراسة من (346) طالباً وطالبة، وقد سحبت بطريقة عشوائية طبقية، روعي فيها أن تشمل نسبا متكافئة من الذكور والإناث من طلاب الكليات المحدثة في محافظة درعا على حدّ سواء، حيث بلغت نسبة الذكور في العينة المسحوبة حوالي (48%) بينما بلغت نسبة الإناث (52%)، وبلغت نسبة طلاب السنة الأولى حوالي (54%) مقابل (46%) لطلاب السنة الرابعة. وقد بلغت نسبة الطلاب من الريف حوالي (57%) مقابل(43%) للطلاب من المدينة، كما بلغت نسبة الطلاب في الكليات المحدثة، حسب كل كلية، حيث كانت نسبة طلاب كلية التربية حوالي (28%)، ونسبة طلاب كلية الآداب حوالي (26%)  ونسبة طلاب كلية الحقوق حوالي (24%)، ونسبة طلاب كلية الاقتصاد حوالي (22%)، والجدول رقم (1) والجدول رقم (2) يقدمان صورة إحصائية عن عدد أفراد العينة.
جدول رقم (1)
 عدد أفراد العينة المسحوبة من الكليات المحدثة بدرعا حسب متغيرات الدراسة
الكليات
الإقامة
والسنة الدراسية
التربية الآداب الحقوق الاقتصاد المجموع
ذكور إناث ذكور إناث ذكور إناث ذكور إناث ذكور إناث مجموع
ريف 9 19 12 17 19 12 14 10 54 58 112
مدينة 6 15 8 10 10 11 12 7 36 43 79
السنة الأولى 10 12 11 12 9 9 11 10 41 43 84
السنة الرابعة 5 10 9 11 12 8 9 7 35 36 71
المجموع 30 56 40 50 50 40 46 34 166 180 346
 
جدول رقم (2)
 فئات العينة حسب متغيرات الدراسة بالنسبة المئوية
المتغير الجنس التكرار النسبة المئوية
الجنس ذكور 166 48%
إناث 180 52%
المجموع 346 100%
السنة الدراسية أولى 188 54%
رابعة 158 46%
المجموع 346 100%
مكان الإقامة ريف 198 57%
مدينة 148 43%
المجموع 346 100%
الكليات التربية 98 28%
الآداب 88 26%
الحقوق 84 24%
الاقتصاد 76 22%
المجموع 346 100%
 
 
 
أداة الدراسة
     من أجل تحقيق أهداف الدراسة قام الباحث بإعداد استبانة للتعرف إلى آراء عينة من طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا حول درجة تأثير الثورة السورية في تغيير النسق القيمي السياسي لدى الشباب السوري ، حيث اعتمد الباحث في تصميم الأداة على الدراسات السابقة ذات الصلة المباشرة بالمجالات التي اشتملت عليها، وعلى قراءاته المتنوعة في هذا الموضوع واستقرائه للواقع. وبناءً على هذه الخطوة المبدئية فقد تكونت الأداة من (32) عبارة موزعة على خمس قيم حُدَدَ لها مقياس خماسي متدرج على نمط " ليكرت " لتحديد درجة موافقة أفراد عينة الدراسة عن كل فقرة من فقرات الاستبانة، وكانت درجات مستويات تقدير الاستجابة ( كبيرة جداً، كبيرة، متوسطة، قليلة، قليلة جداً)، وتتمثل حسب الترتيب (5 -4-3-2 -1).
     وللتأكد من صدق محتوى الأداة ومدى توافقها مع أهداف الدراسة وشمولها لمجالاتها، عُرضت على تسعة محكمين في اختصاصات أصول التربية والتقويم والقياس، وقد أبدى المحكمون ملاحظات متنوعة تمثلت بحذف بعض الفقرات ودمج بعضها لتصبح فقرة واحدة، ونقل بعض الفقرات من مجال إلى آخر، واقتراح بعض الفقرات الجديدة. وعلى هذا الأساس فقد تكونت أداة الدراسة من (21) عبارة موزعة على خمسة قيم لمعرفة درجة درجة تأثير الثورة السورية في توجهات الشباب الجامعي نحو القيم السياسية وهي: قيمة الرموز الوطنية، قيمة المقاومة، قيمة الحرية، قيمة العدالة، قيمة الديمقراطية.
     كما قام الباحث بإجراء صدق الاتساق الداخلي إذ وزِّعت الاستبانة في صورتها النهائية على عيِّنة تجريبية قوامها (110) من طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا، اختيرت من مجتمع الدراسة الكلِّي، واستبعدت من نطاق عيِّنة الدراسة الأصلية، وطلب إليها الإجابة عن جميع فقرات الاستبانة، وبعد استرداد جميع الاستبانات قام الباحث بحساب معامل ترابط كلِّ بعد بالدرجة الكلية، والجدول الآتي يوضح ذلك.
جدول رقم (3)
 معاملات ارتباط درجات كل قيمة من القيم السياسية للاستبانة وبالدرجة الكلية
القيم السياسية   الدرجة الكلية
قيمة الرموز الوطنية 0.622**
قيمة المقاومة 0.742**
قيمة الحرية 0.609**
قيمة العدالة 0.708**
قيمة الديمقراطية 0.702**
 
** دال إحصائياً عند مستوى دلالة (0.01)
     وللتأكد من ثبات أداة الدراسة وُزَعت على عينة مكونة من (110) من طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا، ومن خارج العينة التي طبقت عليها استبانة الدراسة، وحُسب معامل الاتساق الداخلي باستخدام معادلة ألفا كرونباخ Cronbach's-Alpha ، إذ بلغ معامل الثبات الداخلي للأداة درجة مرتفعة ومقبولة إحصائياً لأغراض الدراسة. والجدول الآتي يوضح ذلك.
جدول رقم (4)
  معاملات ثبات ألفا كرونباخ ( Cronbach's Alpha) للاستبانة بأبعادها والدرجة الكلية
القيم الرموز الوطنية المقاومة الحرية العدالة الديمقراطية الدرجة الكلية
ثبات ألفا 0.632** 0.706** 0.612** 0.602** 0.704** 0.744**
 
** دالة إحصائياً عند مستوى دلالة (0,01)
  من قراءة الجدول رقم (4) يتبين أنَّ قيم معامل الارتباط وفقاً لطريقة الاتساق الداخلي لكل قيمة من القيم السياسية، وبالدرجة الكلية مرتفعة ومقبولة إحصائياً لأغراض الدراسة. كما تأكد الباحث من ثبات أداة الدراسة  بطريقة التجزئة النصفية، حيث قام بشطر الاستبانة إلى قسمين ضمَّ  القسم الأول العبارات الفردية، بينما ضمَّ القسم الثاني العبارات الزوجية، ومن ثم قام بإيجاد معاملات الترابط وفقاً لقانوني سبيرمان (Spearman) وجوتمان (Guttman) والجدول رقم (5) يوضح ذلك.
جدول رقم (5)
  معاملات الثبات بالتجزئة النصفية للمقياس بأبعاده والدرجة الكلية
القيم الرموز الوطنية المقاومة الحرية العدالة الديمقراطية الدرجة الكلية
سبيرمان براون 0.722 0.712 0.604 0.702 0.716 0.736
جوتمان 0.602 0.732 0.709 0.614 0.644 0.732
 
  من قراءة الجدول رقم (5) يتبين أنَّ معاملات الارتباط وفقاً لطريقة التجزئة النصفية وبالدرجة الكلية مرتفعة ومقبولة إحصائياً لأغراض الدراسة.
المعالجة الإحصائية
   استخدم الباحث البرنامج الإحصائي(SPSS) في تحليل بيانات الدراسة، حيث اعتمد المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لاستجابات أفراد العينة نحو تأثير الثورة السورية في توجهات الشباب الجامعي نحو القيم السياسية، لتكون مؤشراً على درجة الموافقة، وقد اعتمد الباحث في الحكم على آراء طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا بأنَّه (كبير جداً) إذا كان المتوسط الحسابي للفقرة ما بين (4.51- 5)، و( كبير) إذا كان المتوسط الحسابي للفقرة ما بين (3.51- 4.50)، و(متوسط) إذا كان المتوسط الحسابي للفقرة ما بين (2.51- 3.50)، و(قليل) إذا كان المتوسط الحسابي للفقرة ما بين (1.51- 2.50) ، و(قليل جداً) إذا كان المتوسط الحسابي للفقرة ما بين (1 - 1.50). 
     كما بيَّن الباحث الفروق بين متوسطات الإجابات المتعلقة بوجهة نظر الطلبة نحو تأثير الثورة السورية في توجهات الشباب الجامعي فيما يتصل بالقيم السياسية، حسب متغيرات الدراسة (الجنس، السنة الدراسية، مكان الإقامة، الكلية). ونتيجة لذلك فقد أسفرت الدراسة على نتائج متعددة، وفيما يلي عرضٌ لنتائج الدراسة ومناقشتها وفقاً لأسئلتها.
نتائج السؤال الأول ومناقشته
   تبلَور السؤال الأول من الدراسة على الشكل الآتي: ما درجة تأثير الثورة السورية في توجهات طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو قيمة الرموز الوطنية ؟ للإجابة عن هذا السؤال حُسِبَت المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لاستجابات أفراد العينة عن كلِّ عبارة من عبارات قيمة الرموز الوطنية وفق الترتيب التنازلي، والجدول رقم (6) يوضح ذلك.
الجدول رقم (6)
يبيِّن المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لإجابات طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو قيمة الرموز الوطنية وفق الترتيب التنازلي
العبارة العبارات العينة المتوسط الانحراف الرتبة الدرجة
12 هزت الثورة ثقة الطلبة برئيس الدولة ومكانته ورمزيته، بعد أن بينت عدم قدرته على التغيير. 346 4.09 0.739 1 كبيرة
6 لم تعد كلمات النشيد الوطني في ظل الثورة تلامس مشاعر الطلبة وتقوي ولائهم للوطن. 346 4.06 0.722 4 كبيرة
1 لم يعد عَلَم الجمهورية الحالي رمزاً لهوية الوطن وسيادته. 346 4.04 0.732 5 كبيرة
17 شكلت الثورة لدى الطلبة اتجاهات سلبية نحو حزب البعث الحاكم بوصفه الحزب القائد للدولة والمجتمع. 346 4.02 0.745 6 كبيرة
المتوسط العام 346 16.21   كبير
 
   من مراجعة الجدول رقم (6) يتضح أنَّ المتوسط الحسابي لاستجابات أفراد العينة عن عبارات قيمة الرموز الوطنية كلُّها قد بلغ (16.21) وهو يقع في المستوى الكبير وفق مفتاح التصحيح، وتراوحت المتوسطات الحسابية لعبارات قيمة الرموز الوطنية ما بين (4.02-4.09)، بين أدنى وأعلى متوسط حسابي. ويمكن تفسير درجة المتوسط الحسابي بدرجة كبيرة عن عبارات قيمة الرموز الوطنية ككل إلى اقتناع الطلبة بأن الرموز الوطنية المتمثلة في (علم الدولة والنشيد الوطني ورئيس الدولة وحزب البعث الحاكم) لم تعد لها أية قيمة بعد أن تم توظيفها جميعا ضد مطالب ثورة الشعب، فالعَلم الذي كان يُعد رمزا وطنيا، لم يعد كذلك بعد أن تم رفعه على الدبابات التي قصفت القرى والمدن السورية، وكذلك النشيد الوطني الذي يتغنى بالحرية والكرامة، هو الآخر لم يعد له قيمة بعد أن تبين أن من يُرددونه هم الذين انتهكوا حرية وكرامة وسلامة السوريين، أما مكانة رئيس الدولة ورمزيته فقد تعرضت إلى الكثير من التشويه بعد إصراره على الحلول الأمنية وارتكابه الكثير من الجرائم الإنسانية في المدن السورية كافة، كمجزرة الحولة في مدينة حمص ومجزرة درعا البلد ومجزرة الصنمين ومجزرة بانياس وجديدة الفضل وغير الكثير من المجازر.. كذلك تعرض حزب البعث الحاكم إلى الكثير من النقد بسبب الممارسات غير الإنسانية لأعضائه ضد الشعب السوري الثائر ضد سياسات نظام الاستبداد والطغيان.
      من جهة أخرى لو عدنا إلى الجدول (6) الذي يوضِّح المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لاستجابات أفراد العينة عن كلِّ عبارة من عبارات قيمة الرموز الوطنية وفق الترتيب التنازلي، سوف نجد أن أعلى متوسط حسابي لعبارات هذا البعد كان للعبارة (12) التي نصها: هزت الثورة ثقة الطلبة برئيس الدولة ومكانته ورمزيته بعد أن بينت عدم قدرته على التغيير.  وتفسير ذلك يعود إلى أنَّ الطلبة قد تبين لهم أثناء الثورة أن رئيس الدولة لم يكن وفياً لشعبه، وخاصة بعد أن مارس عليهم بفعل سياساته القمعية أشد ألوان العذاب والقهر، والحرمان من أبسط حقوقهم التي خرجوا يُطالبون بها بطريقة سلمية، فضلا عن عدم قدرته على التغيير والإصلاح الحقيقي الذي ينشدونه، إضافة إلى فشله في تأمين الأمن والاستقرار وربط مصير الدولة السورية بأطراف معادية للشعب السوري.
     في حين كان المتوسط الحسابي الأدنى للعبارة (17) التي نصها: شكلت الثورة لدى الطلبة اتجاهات سلبية نحو حزب البعث الحاكم بوصفه الحزب القائد للدولة والمجتمع. وتفسير ذلك يعود إلى أن الطلبة الذين شاركوا في الثورة قد اكتشفوا زيف الشعارات التي كان يُروج لها حزب البعث الحاكم، فبعد إن كانت مصطلحات مثل: الحزب القائد والحزب الثوري.. مصطلحات مقدسة، أصبحت بعد الثورة مصطلحات لا يستسيغها أي مواطن سوري بعد أن فضحت الثورة إدعاءات حزب البعث وزيف أهدافه. فمنذ نيف وأربعون عاماً وهم يُحدثونا عن هدف الوحدة، وعند أول اختبار لما يدعونه عن الوحدة، مزقوا نسيج الوحدة الوطنية، فضلاً عن تمزيق الوحدة العربية التي لا يريدونها أصلاً. أربعون عاماً ونيف لم يكفون عن الحديث عن هدف الحرية، وعند أول اختبار أيضاً استلبوا الحرية بجناحيها (التفكيري والتعبيري)، وراحوا يقتلون ويعتقلون وينتزعون الحناجر ويسلخون الجلود الآدمية. كل ذلك بمجرد أن فناناً نطق ببعض الكلمات من قبيل (يلا أرحل يا بشار) أو رسم رسماً كاريكاتورياً سخر فيه من نظام الاستبداد.. ثم أربعون عاماً ونيف وهم يتحدثون عن هدف الحزب الثالث المسمى الاشتراكية، فإذا بالثورة تكشف لنا أن الاقتصاد كله بأيدي مجموعة من اللصوص والسماسرة وتجار الوطن، وأن المؤسسات الجامعية التي يُفترض أن تكون المثل الأعلى في المجتمع قد استولى عليها مجموعة من الخارجين عن القانون.
نتائج السؤال الثاني ومناقشته
     تبلَور السؤال الثاني من الدراسة على الشكل الآتي: ما درجة تأثير الثورة السورية في توجهات طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو قيمة المقاومة والممانعة ؟ للإجابة عن هذا السؤال حُسِبَت المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لاستجابات أفراد العينة عن كلِّ عبارة من عبارات قيمة المقاومة والممانعة وفق الترتيب التنازلي، والجدول رقم (7) يوضح ذلك.
الجدول رقم (7)
  المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لإجابات طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو قيمة المقاومة والممانعة وفق الترتيب التنازلي
العبارة العبارات العيِّنة المتوسط الانحراف الرتبة الدرجة
2 هزت الثورة ثقة الطلبة بقدرة النظام الحاكم على مقاومة العدو الإسرائيلي، واسترجاع الجولان المحتل. 346 4.12 0.863 1 كبيرة
7 لم تعد فكرة المقاومة بالطريقة التي يُروج لها النظام فكرة ذات مصداقية بالنسبة للطلبة. 346 4.10 0.719 2 كبيرة
13 اسقطت الثورة من عقول الطلبة ووجدانهم كل ما كان يدعيه النظام عن المقاومة والممانعة. 346 4.08 0.764 3 كبيرة
18 بينت الثورة للطلبة أن المقاومة التي يدعيها النظام ما هي إلا وسيلة لاستمراره في السلطة. 346 4.04 0.722 4 كبيرة
المتوسط العام 346 16.34   كبير
 
  من مراجعة الجدول رقم (7) يتضح أنَّ المتوسط الحسابي لاستجابات  أفراد العينة عن عبارات قيمة المقاومة والممانعة كلُّها قد بلغ (16.34) وهو يقع في المستوى الكبير وفق مفتاح التصحيح، وتراوحت المتوسطات الحسابية لعبارات قيمة المقاومة والممانعة ما بين (4.04-4.12)، بين أدنى وأعلى متوسط حسابي. ويمكن تفسير درجة المتوسط الحسابي الذي جاء كبيرا عن عبارات قيمة المقاومة والممانعة ككل إلى ما كشفته لهم الثورة من زيف الشعارات التي كان يُرددها نظام الاستبداد في سوريا، هذا النظام الذي لم يستطع خلال العقود الأربعة الماضية أن يُحرر شبراً واحداً من أرض الجولان المحتل، بل لم يعد أحداً يحترم تلك البنادق التي وجهت إلى صدور المواطنين العارية.. نعم لقد تغيرت قيم الطلبة واتجاهاتهم نحو كل ما جذره نظام الاستبداد في نفوسهم عبر سنوات حكمه العجاف.. كيف لا والمدن السورية تُدك بالدبابات وراجمات الصواريخ ومدافع الهاون.. كيف لا يتأثر الطلبة ودماء الأطفال في بابا عمرو والحولة والصنمين وداعل والقُبير.. تسيل صباح مساء. من جهة أخرى لو عدنا إلى الجدول رقم (7) الذي يوضِّح المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لاستجابات أفراد العينة عن كلِّ عبارة من عبارات قيمة المقاومة والممانعة وفق الترتيب التنازلي، سوف نجد أن أعلى متوسط حسابي لعبارات هذا البعد كان للعبارة رقم  (2) التي نصها: هزت الثورة ثقة الطلبة بقدرة النظام الحاكم على مقاومة العدو الإسرائيلي واسترجاع الجولان المحتل. وتفسير ذلك يعود إلى أنَّ الثورة كشفت للطلبة أن ما كان يمتلكه النظام من أسلحة ليست لمواجهة العدو الصهيوني بقدر ما كان النظام يُخطط لاستخدامها لقمع أية تحركات شعبية ضد سياساته الإجرامية، ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه المواطن السوري استخدام السلاح لتحرير الجولان، وجد نفسه يُقتل بهذا السلاح تحت بصر العالم أجمع، لهذا جاء المتوسط الحسابي لاستجابة الطلبة (أفراد العينة) بدرجة كبيرة. في حين كان المتوسط الحسابي الأدنى للعبارة رقم (18) التي نصها: بينت الثورة للطلبة أن المقاومة التي يدعيها النظام ما هي إلا وسيلة لاستمراره في السلطة. وتفسير ذلك يعود إلى السياسات الإعلامية التضليلية التي مارسها النظام على عموم الشعب السوري، وإقناعه أنه نظام مقاوم وممانع لكل المشاريع الصهيونية، ومع أن العبارة السابقة الذكر جاءت الأدنى في الترتيب بين عبارات المحور، غير أن متوسطها الحسابي جاء كبيرا مما يؤكد تأثير الثورة السورية في توجهات الطلبة نحو قيمة المقاومة والممانعة التي يدعيها النظام.
 نتائج السؤال الثالث ومناقشته
     تبلَور السؤال الثالث من الدراسة على الشكل الآتي: ما درجة تأثير الثورة السورية في توجهات طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو قيمة الحرية؟ للإجابة عن هذا السؤال حُسِبَت المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لاستجابات أفراد العينة عن كلِّ عبارة من عبارات قيمة الحرية وفق الترتيب التنازلي، والجدول رقم (8) يوضح ذلك.
الجدول  رقم (8)
 المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لإجابات طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو قيمة الحرية وفق الترتيب التنازلي
العبارة العبارات العيِّنة المتوسط الانحراف الرتبة الدرجة
3 شكلت الثورة لدى الطلبة دافعاً ايجابياً لممارسة حرية التفكير والتعبير في المسائل المختلفة. 346 4.11 0.735 1 كبيرة
8 شكلت الثورة لدى الطلبة وعياً سياسياً ناقداً اتجاه عمليات القسر والإكراه التي يُمارسها النظام بحق الشعب. 346 4.09 0.632 2 كبيرة
14 شكلت الثورة لدى الطلبة دافعاً قوياً للتمسك بالحرية بوصفها قيمة إنسانية عليا. 346 4.06 0.787 3 كبيرة
19 أسقطت الثورة من عقول الطلبة ووجدانهم أدبيات النظام السياسية عن الحرية. 346 4.02 0.867 4 متوسطة
المتوسط العام 346 16.28   كبير
 
  من مراجعة الجدول رقم (8) يتضح أنَّ المتوسط الحسابي لاستجابات أفراد العينة عن عبارات قيمة الحرية كلُّها قد بلغ (16.28) وهو يقع في المستوى الكبير وفق مفتاح التصحيح، وتراوحت المتوسطات الحسابية لعبارات قيمة الحرية ما بين (4.02-4.11)، بين أدنى وأعلى متوسط حسابي. ويمكن تفسير درجة المتوسط الحسابي بدرجة كبيرة عن عبارات قيمة الحرية ككل إلى إيمان الطلبة بالحرية كقيمة إنسانية تسعى إلى تحقيقها شعوب الأرض كافة، ولإيمانهم أيضاً بأن حياة الإنسان لا قيمة لها في ظل الاستبداد وتحت نير العبودية، لهذا جاء المتوسط العام لعبارات محور قيمة الحرية كبيراً مما يؤكد أن الثورة كان لها تأثيراً واضحا في توجهات الطلبة نحو قيمة الحرية بوصفها قيمة سياسية تم انتهاكها من قبل النظام السياسي السوري لعقود طويلة.
     من جهة أخرى لو عدنا إلى الجدول رقم (8) الذي يوضِّح المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لاستجابات أفراد العينة عن كلِّ عبارة من عبارات قيمة الحرية وفق الترتيب التنازلي، سوف نجد أن أعلى متوسط حسابي لعبارات هذه القيمة كان للعبارة رقم (3) التي نصها: شكلت الثورة لدى الطلبة دافعاً ايجابياً لممارسة حرية التفكير والتعبير في المسائل المختلفة. وتفسير ذلك يعود  إلى أن الثورة جعلت الطلبة أكثر حرصاً على ممارسة الحرية بجناحيها التفكيري والتعبيري ممارسة حقيقية في فضاء المجتمع السوري، وما استمرار الثورة لأكثر من عام ونصف إلا دليلاً واضحاً على إصرار الشباب الجامعي على نيل حريتهم كاملة غير منقوصة.
     أما المتوسط الحسابي الأدنى فكان للعبارة رقم (19) التي نصها: أسقطت الثورة من عقول الطلبة ووجدانهم أدبيات النظام السياسية عن الحرية. وتفسير ذلك يعود إلى أن الثورة لم تتمكن خلال الفترة التي مرت بها من إسقاط كل أدبيات النظام عن الحرية، وذلك بسبب أن النظام منذ أكثر من أربعة عقود وهو يؤصل لهذه القيمة من وجهة نظر حزب البعث الحاكم بطريقة مزيفة في عقول الطلبة، وهذا يتطلب من الثورة أن تُعد البرامج التربوية الفاعلة من أجل إزالة كل ما تم غرسه في عقول الطلبة ووجدانهم عن هذه القيمة كما جاءت في أدبيات النظام السياسية. مع ملاحظة أن الكثير من استجابات الطلبة عن هذه العبارة جاءت بدرجة كبيرة.
 نتائج السؤال الرابع ومناقشته
     تبلَور السؤال الرابع من الدراسة على الشكل الآتي: ما درجة تأثير الثورة السورية في توجهات طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو قيمة العدالة ؟ للإجابة عن هذا السؤال حُسِبَت المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لاستجابات أفراد العينة عن كلِّ عبارة من عبارات قيمة العدالة وفق الترتيب التنازلي، والجدول رقم(9) يوضح ذلك.
 
 
 
الجدول رقم (9)
المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لإجابات طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو قيمة العدالة وفق الترتيب التنازلي
العبارة العبارات العيِّنة المتوسط الانحراف الرتبة الدرجة
4 زعزعت الثورة ثقة الطلبة بالقوانين السائدة لعدم قدرتها على تحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين. 346 4.13 0.776 1 كبيرة
9 لم تعد القوانين السائدة بالنسبة للطلبة مبدأً أساسياً في تحقيق العدالة بين المواطنين. 346 4.11 0.798 2 كبيرة
15 غيرت الثورة نظرة الطلبة إلى القوانين السائدة بعد أن تأكد أنها لا تُحقق الأمن للمواطن والمجتمع. 346 4.08 0.887 3 كبيرة
20 هزت الثورة ثقة الطلبة بقدرة القوانين السائدة على تحقيق صيانة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. 346 4.06 0.845 4 كبيرة
المتوسط العام 346 16.38   كبير
 
  من مراجعة الجدول رقم (9) يتضح أنَّ المتوسط الحسابي لاستجابات  أفراد العينة عن عبارات قيمة العدالة كلُّها قد بلغ (16.38) وهو يقع في المستوى الكبير وفق مفتاح التصحيح، وتراوحت المتوسطات الحسابية لعبارات قيمة العدالة ما بين (4.06-4.13)، بين أدنى وأعلى متوسط حسابي. ويمكن تفسير درجة المتوسط الحسابي بدرجة كبيرة عن عبارات قيمة العدالة ككل إلى أن الثورة كشفت الكثير من المخالفات القانونية التي ارتكبها النظام، وخاصة تلك المخالفات التي تتصل بعدم محاكمة الناشطين السياسيين محاكمة عادلة، وزجهم في السجون لفترات طويلة من دون توجيه أي تهمة، بالإضافة إلى عدم قدرة القوانين السائدة على تحقيق أدنى شروط الأمن والسلامة للمواطنين، بعد أن قام النظام بانتهاكات واضحة لحقوق الإنسان السوري وحرياته الأساسية، والتي أدانتها كل منظمات حقوق الإنسان في العالم.
     من جهة أخرى لو عدنا إلى الجدول رقم (9) الذي يوضِّح المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لاستجابات أفراد العينة عن كلِّ عبارة من عبارات قيمة العدالة وفق الترتيب التنازلي، سوف نجد أن أعلى متوسط حسابي لعبارات هذه القيمة كان للعبارة رقم (4) التي نصها: زعزعت الثورة ثقة الطلبة بالقوانين السائدة لعدم قدرتها على تحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين. وتفسير ذلك يعود إلى أنَّ الثورة بينت بما لا يدع مجالاً للشك أن النظام لم يلجأ إلى تطبيق القوانين التي كانت سائدة قبل الثورة على الشباب السوري الذي انتفض ضد الاستبداد، حيث حاكم الكثير منهم محاكمات ميدانية لا يتوافر فيها أدنى شروط المحاكمات الموضوعية، فضلا عن أن المواطنين لم يكونوا سواسية أمام القوانين حيث الواسطة والمحسوبية والرشوة تنتشر في كل مفاصل المجتمع.
     أما المتوسط الحسابي الأدنى فكان للعبارة  (20) التي نصها: هزت الثورة ثقة الطلبة بقدرة القوانين السائدة على تحقيق صيانة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وتفسير ذلك يعود إلى أن أفراد العينة ربما لا يمتلكون المعرفة الكافية بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، لذلك جاء المتوسط الحسابي لاستجابتهم عن هذه العبارة في المرتبة الأدنى، مع ملاحظة أنه جاء بدرجة كبيرة مما يعني أن الثورة أثرت بشكل أو آخر في توجهات الطلبة فيما يتصل بقدرة القوانين على تحقيق صيانة حقوق الناس وحرياتهم الأساسية.
نتائج السؤال الخامس ومناقشته
   تبلَور السؤال الخامس من الدراسة على الشكل الآتي: ما درجة تأثير الثورة السورية في توجهات طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو قيمة الديمقراطية ؟ للإجابة عن هذا السؤال حُسِبَت المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لاستجابات أفراد العينة عن كلِّ عبارة من عبارات قيمة الديمقراطية وفق الترتيب التنازلي، والجدول رقم (10) يوضح ذلك.
الجدول رقم (10)
المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لإجابات طلبة الكليات المحدثة في محافظة درعا نحو قيمة الديمقراطية وفق الترتيب التنازلي
العبارة العبارات العيِّنة المتوسط الانحراف الرتبة الدرجة
5 دفعت الثورة الطلبة إلى الامتناع عن التصويت لمرشحي مجلس الشعب الأخير كنوع من الاحتجاج الصامت. 346 4.12 0.733 1 كبيرة
10 هزت الثورة ثقة الطلبة بالعملية الانتخابية لكونها أداة لمن هم في مواقع السلطة. 346 4.09 0.756 2 كبيرة
11 هزت الثورة ثقة الطلبة بدور النظام الحاكم في تشكيل الوعي السياسي لدى الطلبة لممارسة دوراً فاعلاً في حركة المجتمع. 346 4.07 0.898 3 كبيرة
16 شكلت الثورة اتجاهات سلبية لدى الطلبة نحو الرؤية السياسية المحددة التي يفرضها النظام لعملية الإصلاح الديمقراطي. 346 4.04 0.867 4 كبيرة
21 أظهرت الثورة للطلبة أن المشاركة السياسية كما يُريدها النظام لا تدل على ديمقراطيته. 346 4.02 0.845 5 متوسطة
المتوسط العام 346 20.34   كبير
 
  من مراجعة الجدول رقم(10) يتضح أنَّ المتوسط الحسابي لاستجابات  أفراد العينة  عن عبارات قيمة الديمقراطية كلُّها قد بلغ (20.34) وهو يقع في المستوى الكبير وفق مفتاح التصحيح، وتراوحت المتوسطات الحسابية لعبارات قيمة الديمقراطية ما بين (4.02-4.12)، بين أدنى وأعلى متوسط حسابي. ويمكن تفسير درجة المتوسط الحسابي بدرجة كبيرة عن عبارات قيمة الديمقراطية ككل إلى أن الثورة كشفت للطلبة زيف الشعارات التي كان يدعيها النظام عن الممارسة الديمقراطية في مؤسسات المجتمع المختلفة، وخاصة فيما يتصل بالعملية الانتخابية والمشاركة السياسية في إدارة الحكم، فقد أصبح واضحا لكل مستقرئ للواقع السياسي السوري أن هناك رؤية سياسية محدد (رؤية حزب البعث الحاكم) تُفرض على جميع أفراد الشعب بقوة السلاح، وأن من يرُيد الانخراط بعملية المشاركة السياسية لا بد وأن يؤيد هذه الرؤية بطريقة أو أخرى.
     من جهة أخرى لو عدنا إلى الجدول رقم (10) الذي يوضِّح المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لاستجابات أفراد العينة عن كلِّ عبارة من عبارات قيمة الديمقراطية وفق الترتيب التنازلي، سوف نجد أن أعلى متوسط حسابي لعبارات هذه القيمة كان للعبارة (5) التي نصها: دفعت الثورة الطلبة إلى الامتناع عن التصويت لمرشحي مجلس الشعب الأخير كنوع من الاحتجاج الصامت. وتفسير ذلك يعود إلى أنَّ الثورة قد أثرت في توجهات الشباب الجامعي نحو العملية الانتخابية باعتبارها تعكس جانبا من جوانب تزييف العملية الديمقراطية، حيث تجلى ذلك في امتناع الشباب الجامعي وغيرهم من شرائح المجتمع عن التصويت في انتخابات مجلس الشعب الأخير كنوع من الاحتجاج الصامت على ممارسات النظام القمعية اتجاه الشعب السوري المطالب بالحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية.
      في حين كان المتوسط الحسابي الأدنى للعبارة رقم (21) التي نصها: أظهرت الثورة للطلبة أن المشاركة السياسية كما يُريدها النظام لا تدل على ديمقراطيته. وتفسير ذلك يعود إلى أن الطلبة لم يعتادوا أصلا على المشاركة السياسية، وبالتالي لم يعطوا أهمية لهذه العبارة ليس لأنها عبارة لا تعكس واقعهم، وإنما لشعورهم بمرارة الواقع على صعيد المشاركة السياسية، فكل الشباب السوري يعرف مدى تمادي النظام السياسي وانتهاكه للحقوق السياسية لعموم فئات الشعب، ولولا هذه الانتهاكات الصارخة لما كانت الثورة أصلا، فضلا عن معرفتهم أن أية دعوة لهم من قبل النظام للمشاركة السياسية على أي مستوى من المستويات، فإن ذلك لا يعني أن النظام يسعى إلى تحقيق ديمقراطية حقيقية، فمن يقتل المتظاهرين لمطالبتهم بالديمقراطية لا يمكن أن يكون ديمقراطيا بأي حال من الأحوال.
     تلخيصا للنتائج المتعلقة بمجالات الدراسة تم استخراج المتوسطات الحسابية لإجابات طلبة الكليات المحدثة في درعا عن مجالات الاستبانة، والجدول (11) يوضِّح تلك النتائج.
 
جدول رقم (11)
متوسطات إجابات أفراد عينة الدراسة
تأثير الثورة السورية في توجهات الشباب الجامعي نحو القيم السياسية المتوسط الحسابي العينة الكلية
قيمة الرموز الوطنية 16.21 346
قيمة المقاومة 16.34
قيمة الحرية 16.28
قيمة العدالة 16.38
قيمة الديمقراطية 20.34
 
نتائج السؤال السادس ومناقشته
الفرضية الأولى
     للتحقق من صحة الفرضية الأولى التي نصها: (لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى دلالة (α 0.05) بين متوسط إجابات أفراد العينة فيما يتصل بتأثير الثورة السورية في توجهات الشباب الجامعي نحو القيم السياسية تُعزى إلى متغير الجنس)، جرى استخدام اختبار (ت) ستودنت كما يوضح ذلك الجدول الآتي.     
جدول رقم (12)
نتائج اختبار (ت) ستودنت بين الذكور والإناث
الجنس العدد المتوسط الانحراف (ت) المحسوبة درجة الحرية الدلالة القرار
الذكور 166 109.23 10.622 -0.706 344 0.402 غير دالة
الإناث 180 103.24 10.567
 
     يتبين من الجدول رقم (12) أن قيمة (ت) المحسوبة بلغت (-0.706)، وهي غير دالة إحصائياً عند مستوى دلالة (0.05)، حيث كانت قيمة مستوى الدلالة (0.402) > (0.05)، وبذلك نقبل الفرضية الصفرية الأولى التي تقول بعدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى دلالة (α 0.05) بين متوسط إجابات طلبة الكليات المحدثة بدرعا فيما يتصل بتأثير الثورة السورية في توجهات الشباب الجامعي نحو القيم السياسية تُعزى إلى متغير الجنس. وتفسير ذلك أن الثورة السورية أثرت في توجهات الذكور والإناث نحو القيم السياسية موضوع الدراسة على حد سواء، وهذه نتيجة منطقية إذا ما عرفنا إن مشاركة الإناث في أنشطة الثورة كانت كأنشطة الذكور فيها، فضلا عن أن القيم السياسية التي خرج الذكور من أجل تجسيدها تجسيدا حقيقيا على أرض الواقع، هي نفسها التي من أجلها خرجت الإناث، وبالتالي هي قيم تهم المجتمع بغض النظر عن جنس من خرج يتظاهر من أجلها. 
 
الفرضية الثانية
     للتحقق من صحة الفرضية الثانية التي نصها: (لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى دلالة (α 0.05) بين متوسط إجابات طلبة الكليات المحدثة بدرعا فيما يتصل بتأثير الثورة السورية في توجهات الشباب الجامعي نحو القيم السياسية تُعزى إلى متغير مكان الإقامة)، جرى استخدام اختبار (ت) ستودنت كما يبيِّن ذلك الجدول الآتي.      
جدول رقم (13)
 نتائج اختبار (ت) ستودنت بين الريف والمدينة
مكان الإقامة العدد المتوسط الانحراف (ت) المحسوبة درجة الحرية الدلالة القرار
ريف 198 112.22 11.632 -0.603 344 0.406 غير دالة
مدينة 148 109.12 10.243
 
     يتبين من الجدول رقم (13) أن قيمة (ت) المحسوبة بلغت (-0.603)، وهي غير دالة إحصائياً عند مستوى دلالة (0.05)، حيث كانت قيمة مستوى الدلالة (0.406) > (0.05)، وبذلك نقبل الفرضية الصفرية التي تقول بعدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى دلالة (α 0.05) بين متوسط إجابات الطلبة أفراد العينة فيما يتصل بتأثير الثورة السورية في توجهات الشباب الجامعي نحو القيم السياسية تُعزى إلى متغير مكان الإقامة، ومرد ذلك أن الطلبة سواء أكانوا من الريف أو المدينة قد تعرضوا للظروف نفسها، فممارسة النظام لسياساته الأمنية لم تقتصر على الريف وحده أو المدينة وحدها، فقد عانى من هذه السياسات القمعية سكان الريف كما عانى منها سكان المدينة، فضلا عن أن الثورة شملت المدينة كما شملت ريف حوران بأكمله، وهذا يعني أن تأثيرها في توجهات الشباب الجامعي نحو القيم السياسية كان متساويا لدى أبناء الريف وأبناء المدينة على حد سواء .
الفرضية الثالثة
     للتحقق من صحة الفرضية الثالثة التي نصها: (لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى دلالة (α 0.05) بين متوسط إجابات الطلبة (أفراد العينة) فيما يتصل بتأثير الثورة السورية في توجهات الشباب الجامعي نحو القيم السياسية تُعزى إلى متغير السنة الدراسية)، جرى استخدام اختبار (ت) ستودنت كما يوضح ذلك الجدول الآتي. 
جدول رقم (14)
 نتائج اختبار (ت) ستودنت في متغير السنة الدراسية
السنة الدراسية العدد المتوسط الانحراف (ت) المحسوبة درجة الحرية الدلالة القرار
الأولى 188 102.22 10.223 -0.622 344 0.030 دالة
الرابعة 158 123.12 11.034
 
     يتبين من الجدول رقم (14) أن قيمة (ت) المحسوبة بلغت (-0.622)، وهي دالة إحصائياً عند مستوى دلالة (0.05)، حيث كانت قيمة مستوى الدلالة (0.030) < (0.05)، وبذلك نرفض الفرضية الصفرية التي تقول بعدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى دلالة (α 0.05) بين متوسط إجابات أفراد العينة فيما يتصل بتأثير الثورة السورية في توجهات الشباب الجامعي نحو القيم السياسية تُعزى إلى متغير السنة الدراسية، ومرد ذلك أن إلى أن طلبة السنة الرابعة أكثر خبرة ومعرفة ونضجاً من طلبة السنة الأولى، وهذا يعني أنهم تأثروا بالثورة وما طرحته من شعارات حول القيم السياسية موضوع الدراسة أكثر من زملائهم من الطلبة في السنة الأولى الذين لا زالت خبرتهم متواضعة، وخاصة في القضايا السياسية التي تسعى الثورة إلى انجازها.
الفرضية الرابعة
     للتحقق من صحة الفرضية الرابعة التي نصت على أنه (لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى دلالة (α 0.05) بين متوسط إجابات الطلبة أفراد العينة فيما يتصل بتأثير الثورة السورية في توجهات الشباب الجامعي نحو القيم السياسية تُعزى إلى متغير الاختصاصتم اختبار الفروق لمتغير الاختصاص عن طريق اختبار تحليل التباين الأحادي، كما يبيِّن ذلك الجدول الآتي.
جدول رقم (15)
نتائج تحليل التباين الأحادي وفقاً لمتغير الاختصاص
متغير الاختصاص العدد المتوسط الانحراف قيمة ف الدلالة القرار
الحقوق 98 107.54 11.571 2.322 0.040 دالة
الاقتصاد 88 111.54 11.456
التربية 84 102.19 10.436
الآداب 76 103.22 11.522
 
    يتبين من الجدول رقم (15) أن قيمة (ف) بلغت (2.322)، وهي دالة إحصائياً عند مستوى دلالة (0.05)، حيث كانت قيمة مستوى الدلالة (0.040) < (0.05)، وبذلك نرفض الفرضية الصفرية، والتي تقول لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية عند مستوى دلالة (α 0.05) بين متوسط إجابات أفراد العينة فيما يتصل بتأثير الثورة السورية في توجهات الشباب الجامعي نحو القيم السياسية تُعزى إلى متغير الاختصاص. ومن أجل تعّرف مقدار الفروق بين متوسط إجابات أفراد العينة تم استخدام اختبار شيفيه للمقارنات المتعددة.
 
 
جدول رقم (16)
 نتائج اختبار شيفيه للمقارنة المتعددة للفروق فيما يتصل بتأثير الثورة السورية في توجهات الشباب الجامعي نحو القيم السياسية تُعزى إلى متغير الاختصاص
متغير الاختصاص الحقوق الاقتصاد التربية الآداب
فرق المتوسطين الدلالة فرق المتوسطين الدلالة فرق المتوسطين الدلالة فرق المتوسطين الدلالة
الحقوق 4.306* 0.033 2.321 0.631 3.411* 0.032 - -
الاقتصاد -3.208 0.511 - - -4.276 0.514 2.212 0.512
التربية - - - - - - - -
الآداب - - - - - - - -
 
دال إحصائياً عند مستوى دلالة (0.05).
   يتبين من الجدول رقم (16) أن الفرق الدال إحصائياً هو بين الحقوق والآداب لصالح الحقوق، وهذا يشير إلى أن طلبة كلية الحقوق أكثر تأثرا بالثورة السورية فيما يتصل بالقيم السياسية من طلبة كلية الآداب وذلك بسبب اختصاصهم الذي يتعرض بالدراسة للقيم السياسية  أكثر من الاختصاصات الأدبية، كما يتبين من الجدول أنه يوجد فرق بين الاقتصاد والتربية لصالح الاقتصاد ، وتفسير ما سبق بالنسبة للحقوق والآداب ينطبق كذلك على الاقتصاد والتربية. كما أن نتيجة التحليل لم تُظهر أية فروق بين التربية والآداب وذلك لتشابه منهج البحث والتفكير في كلا الاختصاصين. 
توصيات الدراسة
- أن تعمل جامعة دمشق باعتبارها المشرفة على الكليات المحدثة بدرعا على تعزيز ثقافة الثورة بين الطلبة، وحثهم على تمثل القيم السياسية الصحيحة التي انطلقت الثورة من أجل تجسيدها في المجتمع السوري الجديد.
- إقامة ندوات ومحاضرات تتناول القيم السياسية الجديدة في المجتمع السوري، وخاصة ما يتصل منها بقيم الانتماء والرموز الوطنية الجديدة واحترام القوانين العادلة، بهدف نشرها وتعزيزها لدى الطلبة.
- توجيه الإعلام التربوي بالجامعة إلى إصدار نشرات دورية تُعرف الطلبة بأهمية ما أنجزته الثورة السورية على الصعيد السياسي، باعتبارها إحدى الوسائل المهمة التي تحقق المحافظة على مكتسبات الثورة.
 
المراجع
- إبراهيم، محمد وموسى، هاني. (2006). القيــم لـدى شبــاب الجامعـة في مصــر ومتغيرات القرن الحادي والعشرين، مجلة كلية التربية بجامعة بنها، العدد (4)، المجلد (2)، كلية التربية: جامعة بنها.
- توشار، جان .(1984). تاريخ الأفكار السياسية، الجزء الثاني، ترجمة ناجي الدراوشة، منشورات وزارة الثقافة، دمشق.
- حافظ، إيمان.(2004). التغير القيمي لدى طلاب الجامعة (دراسة مستقبلية). مجلة التربية، العدد(54)، المجلد (2)، مصر: جامعة المنصورة.
- ديوي، جون .(د. ت). المدرسة والمجتمع، ترجمة احمد حسن الرحيم، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت.
- رسلان، احمد فؤاد (1986). نظرية الصراع الدولي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
- زكريا، فؤاد .(1987). خطاب إلى العقل العربي، كتاب العربي، العدد 17، الكويت.
-عبد الله، عبد المنعم محمد. (2008). الأنساق القيمية لدى الشباب الجامعي في ضوء المستجدات العالمية (دراسة ميدانية). مجلة مستقبل التربية العربية، المجلد الرابع عشر، العدد(49)، المركز العربية للتعليم والتنمية، مصر: المكتب الجامعي الحديث.
- غروتويزن، برنار .(1982). فلسفة الثورة الفرنسية، ترجمة عيسى عصفور، منشورات عويدات، بيروت.
- فتح الله، هشام.(1992). دور كليات التربية في تنمية بعض القيم لدى طلابها. رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية التربية، مصر: جامعة المنيا.
- قرني، عزت .(1980). العدالة والحرية في فجر النهضة العربية، عالم المعرفة، العدد /30/ الكويت.
- الأفغاني، جمال الدين. (2002). الخاطرات / الأعمال الكاملة، الجزء السادس، تحقيق سيد هادى خسرو شاهي، دار الشروق الدولية، القاهرة.
- الكواكبي، عبد الرحمن .(1998). طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
- مصطفي، علي خليل .(1988). القيم الإسلامية والتربية، مكتبة إبراهيم حلبي، المدينة المنورة.
 
 
- نجيب، كمال.(1990). دور المدرسة في تشكيل الوعي السياسي للطلاب، مجلة التربية المعاصرة، العدد(16)، السنة السابعة، مصر: مركز الكتاب للنشر.
- يوسف, منى و حسن سلامة .(2004). استطلاع رأي عينة من الشباب في المدارس والجامعات حول المواطنة والمشاركة السياسية, المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية, القاهرة.
 - Peter.F (1978).Values and Society An Introduction to Ethics and Social philosophy. New Jersey, prentice Hall.
- Grady, M.H .(1999). political values VS social values among    private schools students and ​​ and public schools students . Ph.D. University-of-Missouri- Columbia. 0133.
- Davis, Dick, C. E. (2001). Political values ​​with the students of Secondary Schools of Public Omaha Schools , Ed. E. of the Univ. of Nebraska Lincoln,
D.A.I, 37(7), 4083 A.
 _______
د. صابر جيدوري - أستاذ مشارك في كلية التربية بجامعة طيبة