الرئيسة \  مشاركات  \  الثورةُ السورية، و المراوحةُ في المرحلة الثالثة

الثورةُ السورية، و المراوحةُ في المرحلة الثالثة

20.11.2016
د. محمد عادل شوك




يذكرُ الباحثون في شأن الثورات ثلاثَ مراحل، تعيشها الثورة حتى تنجزَ أهدافها، و تكون بديلاً عن النظام الذي خرجتْ عليه، و يُصرِّون على أنّه لا تُقبَلُ التجزئةُ فيها مهما كانت الذرائع، و هي:
1ـ مرحلة التَّمَلمُل و الاستياء من سياسات النظام القائم.
2ـ مرحلة الحراك و الشروع بالخروج عليه، و كسب الشرعية الثورية.
3ـ مرحلة بناء المؤسسات و الهياكل البديلة، و السعي إلى نيل الشرعية القانونية و الدولية.
و فيما يخصُّ الثورة السورية، فإنّها قد أنجزت المرحلتين: الأولى و الثانية مع مطلع سنة ( 2013م )، و ما تزال تعيش حالة استعصاء و مراوحة في المرحلة الثالثة من حينها، و من الأهمية بمكان أن تلتفتْ إلى ذلك، حتى تقف على المعوِّقات، و تتحرّك جادة للخروج منها بأسرع وقت ممكن؛ خشية أن يدُبَّ المللُ إلى حواضنها الشعبية بعد هذه الأيام الطويلة.
صحيحٌ أنّها قد باشرت عملية بناء عدد من المنظومات و الهياكل المؤسسية، بعد خروج عدد من المناطق من قبضة النظام، و سدّت بذلك جزءًا من الفراغ الذي حصل، و لبَّت مصالح الناس فيها؛ و لكنّها في عمومها خدماتية، و ما هو سياديّ منها ما تزال الفجوة واسعةً للوصول إليه، فالمعابرُ الحدودية التي تمثِّل أحدَ مظاهرها، ما يزالُ أمرُها بيد الدولة صاحبة الجوار: فتحًا و إغلاقًا، تيسيرًا و إحكامًا، بعيدًا عن قواعد المعاملة بالمثل، التي كانت متبعة أيام النظام، هذا في حال إبقاء العمل بها بعد تحريرها.
يشير المراقبون إلى جملة من العوامل أعاقت الثورة السورية عن الخروج من هذه المرحلة، تتمثَّل في الآتي:
1ـ النزوع إلى الفصائليّة، و الابتعاد عن النمط المركزيّ في التعامل مع المناطق المحررة؛ ففي جلّها أنظمة إدارية، و قضائية، و تعليمية ذات بعد فصائليّ، و بلبوس آيديولوجي بعيد عن الثورة في مهدها الأول، و حتى ما كان فيها من مظاهر المركزية في مرحلة ما قبل أدلجتها، غدا لاحقًا سُبّةً و تهمة للداعين إليها.
2ـ التهاون في حماية المنظمات ( الحكومية، و غير الحكومية )، التي تكررت ظاهرة التعدّي عليها،  من خلال الاعتداء على العاملين فيها، و السطو على مقراتها و ممتلكاتها، دونما نظر إلى الأضرار المترتبة من جرّاء ذلك.
3ـ الاسترخاء في التعامل مع الإساءة إلى الدول المتعاطفة مع السوريين، و ترك الأخذ على يد من يبدر ذلك منه، إمّا انتصارًا للآيديولوجية التي يؤمن بها من قبل أن يعلن انخراطه في صفوف الثورة، أو جهلاً منه بمبدأ مراعاة المصالح التي تقف وراء العلاقات الدولية، فمصالحُ هذه الدولة في المقام الأول مهما بلغت درجة تعاطفها معهم، و هي لن تنزع نظارتها لتلبس نظارتهم في أية حال.
4ـ ترك الشروع في نسج شبكة من العلاقات العامة مع الدول و المنظمات، التي بدرَ منها تعاطفٌ مع السوريين، أو يمكن لها أن تنفكّ عن النظام لاعتبارات نفعيّة، و هو أمرٌ نُصِحَ به الثوار مرارًا؛ فما من ثورة قامت إلاَّ و كان منها ذلك، فثورة الشمال الأمريكية قد أقامت علاقات مع الفرنسيين و الأسبان في مواجهة البريطانيين، و ثورات أمريكيا اللاتينية قد أقامت مثلها مع البريطانيين، و الحال كذلك مع الثورات العربية: الجزائرية، الإرتيرية، الأحوازية، الفلسطينية، الليبية،....، فعلامَ تكون السورية دونًا من ذلك؟.
5ـ الاستقطاب الحادّ القائم على الثنائية المفتعلة: الداخل و الخارج، السياسي و العسكري، الجهادي العالمي و الثوري المحلي، السلفي و المشيخي، المُرتَهن لغرفتي الموك و الموم و المكتفي بما تحت ظلّ سيفه، و الائتلافي و المُأدلج، و الإخواني اللاهث وراء الدولة المدنية و التحريري الساعي لإعادة الخلافة أو غيره المتحفِّز لإعلان الإمارة في أيّة فرصة تلوح؛ و هو ما ولّد في النفوس شرخًا يصعب رأبُه في المدى القصير.
6ـ التنازعُ بين الفصائل الذي وصل حدًّا غير مبرر، فالحرُّ منها يقاتلُ الحرَّ، و إخوةُ المنهج ليسوا أحسنَ حالاً، و بجميعهم تترصّد فصائلُ الجهاد العالمية، و قد أُزهِقت أرواحٌ و ابتُلِعَت فصائلٌ و نُفِّلَت أسلحةٌ و معدّات و أُخليَت نقاط رباط من جرّاء ذلك؛ فضاقت نفوس الناسُ ذرعًا من ضراوة هذا الاقتال البينيّ، و من كثرة الرايات و المسمّيات، و هو ما أعطى أيضًا ذريعة للآخرين في ترك السوريين لقدرهم: ( عليهم أن يتحدوا قبل أن يطالبونا بموقف موحّد تجاه نظام الأسد، فمن سيخلفه من بين مئات الزعامات التي تعجّ بها الساحة السورية ).