الرئيسة \  تقارير  \  الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني .. ضغوط وسيناريوهات

الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني .. ضغوط وسيناريوهات

20.04.2024
عماد عنان




الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني .. ضغوط وسيناريوهات
عماد عنان
نون بوست
الخميس 18/4/2024
تتجه أنظار العالم صوب تل أبيب ترقبًا لتنفيذ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تهديداته بشأن الرد على الضربة الصاروخية التي نفذتها طهران مساء 13 أبريل/نيسان الجاري، وسط ضغوط إقليمية ودولية وتحذيرات من مغبة هذا الرد وتداعياته على أمن واستقرار المنطقة بأكملها.
ورغم تواضع الرد الإيراني وعدم إيقاعه خسائر تذكر في صفوف الإسرائيليين، إذ تم تسريب موعده وطبيعته قبل موعده بأكثر من يومين على الأقل، فإن الرسائل الرمزية التي بعثت بها طهران من وراء تلك الضربة، الدعائية أكثر منها ردعية، زادت من وضعية الكيان الحرجة وكشفت عن هشاشة بنيته العسكرية وقدراته الدفاعية، ومن ثم كان الرد عليها مسألة حيوية بالنسبة لدولة الاحتلال.
وكان المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي دانيال هاغاري قد أكد عقب اجتماع حكومة الحرب الثلاثاء 16 أبريل/نيسان 2024 أن الردّ الإسرائيلي على الهجوم الإيراني “حتمي وسيكون في المكان والزمان الذي نختاره”، فيما تصاعد الخطاب التحريضي في الداخل الإسرائيلي بشأن ضرورة الرد وبأقصى سرعة، حفاظًا على سمعة “إسرائيل” التي تعرضت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي لضربات موجعة كفيلة بأن تنسف ما بنته على مدار عقود طويلة بشأن صورة الجيش الذي لا يقهر وإستراتيجية الردع التي ظلت لسنوات عصب الكيان وعمود الخيمة في استمراريته.
ورغم الضغوط التي تبذلها إدارة جو بايدن على نتنياهو لإثنائه عن فكرة الرد خشية إشعال المنطقة وفقدان السيطرة على كرة النار المتوقع تدحرجها إذا ما نفذ تهديداته، فإن هناك إصرارًا كبيرًا على المضي قدمًا في هذا المسار، بلغ أن رفض رئيس حكومة الاحتلال تلقي أي مكالمات هاتفية من قادة الدول الحليفة له، ليبقى السؤال: كيف سيكون هذا الرد؟ وما سيناريوهاته المتوقعة؟
مأزق نتنياهو وحتمية الرد
يواجه نتنياهو إزاء هذا الملف 3 ضغوطات رئيسية تحسم بشكل كبير قرار الرد من عدمه، وإن كانت في مجملها تقوده حتمًا إلى ضرورة إجراء ما ضد طهران:
أولها: ضغوط اليمين المتطرف الذي يطالبه بسرعة الرد وبمستوى “جنوني” بحسب وصف وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير ، الذي يرى أن هذا الرد يجب ألا يكون “فزاع”، لافتًا إلى أن “مفهوما التناسب والاحتواء هما مفهومان رحلا في السابع من أكتوبر”، وهو نفس موقف وزير المالية سموتيرتيش الذي يطالب بعدم ضبط النفس أمام إيران، منوهًا أن “عيون الشرق الأوسط بأسره والعالم بأسره على دولة إسرائيل”، ومحذرًا من أنه: “إذا لم ترد إسرائيل فسوف نضع أنفسنا وأطفالنا في خطر وجودي مباشر”.
ثانيها: الضغوط الأمريكية، ففي حال وجد نتنياهو نفسه مضطرًا لإرضاء اليمين المتطرف الذي يمثل ضلعًا أساسيًا في حكومته، فربما يفقده الدعم الأمريكي لا سيما بعد تحذير بايدن له بأن بلاده لن تشارك في الرد المضاد إذا أقدمت عليه “إسرائيل”، خشية اشتعال المنطقة وتوسعة دائرة الصراع بما يضر بمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وفي حال سحب أمريكا يدها ولو جزئيًا من دعم إسرائيل في تلك الخطوة فإن الأمر سيكون غاية في الصعوبة، لا سيما بعدما اتضح أن لولا الدعم الأمريكي لدولة الاحتلال لما استطاعت الصمود كل تلك الفترة، فضلًا عما كشفته عملية الطوفان ومن بعدها الرد الإيراني من تواضع إمكانياتها وهشاشة بنيتها الدفاعية والاستخباراتية.
ثالثها: الوضع في غزة، فبعد أكثر من 6 أشهر على بداية الحرب في القطاع، لم تحقق “إسرائيل” أهدافها المنشودة، كما أن الحرب في حد ذاتها وصلت إلى مرحلة “الجمود”، حيث العجز عن تقديم الجديد بشأنها، فالأمور ستظل على ما هي عليه وإن استمرت لأشهر قادمة، مزيد من القصف يسفر عن سقوط الكثير من المدنيين مع بقاء عمليات المقاومة النوعية وفشل في فرض الهيمنة الكاملة وتحرير الأسرى رغم تدمير جيش الاحتلال للجزء الأكبر من القطاع.
وعليه لا بد من البحث عن جبهة صراع جديدة، تُبقي أجواء الحرب مشتعلة، حتى إن نُقلت ساحتها من غزة إلى خارجها، وهو الهدف الذي يسعى له نتنياهو وحكومته المتطرفة منذ نهاية الشهر الأول لتلك الحرب والفشل في تحقيق أهدافها، على أمل تأجيل نهايته السياسية أو إحداث مفاجآت تقلب الطاولة وتحوله من قيادي مهزوم إلى قائد منتصر، وبعد الفشل في تحقيق ذلك في غزة ربما يبحث عنه في ساحة أخرى.
ورغم كل تلك الضغوط التي تدفع نتنياهو إلى الرد، فإن ذلك لا يعني أن يكون ذلك بأي ثمن كما جاء على لسان نائب وزير الدفاع ونائب رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، ماتان فيلناي، حيث يرى أن الكيان بحاجة إلى اختيار الوقت وطبيعة الرد المناسبين، وإعادة النظر في إستراتيجيات الردع المتبعة، مستشهدًا بما حدث مع حماس بداية الحرب، حيث توقع الجميع هزيمتها بسهولة، لكن ذلك لم يحدث رغم مرور أكثر من 6 أشهر على الحرب، وفق ما نقل عنه موقع “واللا” العبري.
5 سيناريوهات
لم يفارق الرد الإسرائيلي المحتمل طور التهديدات التي تضمنتها التصريحات الرسمية وغير الرسمية داخل الأوساط السياسية والأمنية، فضلًا عن غياب أي تفاصيل بشأن توقيته ولا طبيعته ومستواه، إلا أنه لن يخرج عن سيناريوهات خمس رئيسية:
السيناريو الأول: الرد بالمثل، حيث استهداف الداخل الإيراني بالصواريخ طويلة المدى، كما فعلت طهران، ووضع المواقع العسكرية واللوجستية الإيرانية ضمن أهداف الضربة، وهو السيناريو الذي قد يشعل المنطقة وينقل المواجهة من سياق الرد والرد المتبادل إلى حرب مفتوحة.
السيناريو الثاني: استهداف أذرع إيران ووكلائها في المنطقة، وعلى رأسها حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وميليشيا الحرس الثوري في سوريا، والميليشيات المدعومة إيرانيًا في العراق، حيث وضع تلك الأذرع كأهداف محورية سهلة إصابتها، وهو أحد السيناريوهات المرجحة بقوة.
السيناريو الثالث: عمليات نوعية تستهدف مصالح وأهداف إيرانية في الداخل والخارج، مثل عمليات الاغتيالات الممنهجة لكبار القادة العسكريين الإيرانيين، واستهداف السفن الإيرانية في البحر الأحمر وحقول النفط، والقواعد العسكرية لها في الدول الإقليمية، وهو السيناريو الذي نفذته “إسرائيل” وحلفاؤها قبل ذلك وجاء بنتائج إيجابية على المستوى السياسي واللوجستي.
السيناريو الرابع: الاستهداف السيبراني الإلكتروني، حيث شن هجمات واسعة النطاق على المنظومة الإلكترونية للمواقع العسكرية التابعة للحرس الثوري ووزارة الدفاع والجيش الإيراني وأذرعها في الخارج، وضرب هذه المرتكزات بمثل تلك الهجمات التي تصيبها بحالة من الشلل التام.
السيناريو الخامس: الحرب الدبلوماسية، حيث تأجيل الهجوم المضاد، ومنح فرصة لتشكيل تحالف دبلوماسي بقيادة الولايات المتحدة، بما يساعد على فرض طوق من العقوبات الاقتصادية والعسكرية على قادة إيران ووكلائها في المنطقة، وهو السيناريو الذي فرض نفسه خلال الساعات الماضية على طاولة النقاش الإسرائيلي، كونه الخطوة التي قد تعزز جهود الدبلوماسية العالمية للتعامل مع التهديدات الإيرانية بطريقة أكثر فعالية، حسبما ذهبت إذاعة الجيش الإسرائيلي.
وتتوقف المفاضلة بين تلك السيناريوهات الخمس على حجم وطبيعة الرد، وما إذا كان سيستفز طهران على رد مماثل قد يتجاوز الخطوط الحمراء المرسومة أم لا، وعليه فإن السيناريوهات من الثاني إلى الرابع قد تكون الأقرب للتنفيذ، كما يمكن تنفيذ أكثر من سيناريو في نفس الوقت، فيما يبقى السيناريو الأول والخاص بالرد بالمثل، الردع في مقابل الردع، هو الأبعد نسبيًا، لكن ذلك لا يعني استحالة حدوثه، خاصة إذا لجأت تل أبيب إلى ذات الإستراتيجية الإيرانية في الرد، إيصال رسائل دعائية أكثر منها ردعية.
تجدر الإشارة إلى أن قرار الرد ليس قرارًا سهلًا بالنسبة للإسرائيليين، فهو الرد الذي سيُبنى عليه لسنوات، وهو ما دفع مجلس الحرب لإرجاء اجتماعاته الخاصة بحسم هذا القرار أكثر من مرة، لتقييم الموقف بشكل هادئ رغم شدة الضغوط الممارسة، فالأمر له حسابات معقدة قد تعيد تشكيل خريطة المنطقة مستقبلًا، إذ يعلم نتنياهو وحكومته أن التهور في مثل تلك المواقف ربما يأتي بنتائج عكسية، خاصة في ظل الموقف الأمريكي والأوروبي المتحفظ إزاء مسألة الرد بصفة عامة.
على كل حال، لن يرفض نتنياهو هدية طهران، فهي بمثابة طوق النجاة له ولجنرالاته بعدما فرضت عليه غزة كماشة من الصعب الخروج منها دون خسائر، وعليه سيتشبث بتلك الهدية، مستخدمًا كل ما لديه من أدوات الابتزاز والضغط، المشروعة وغير المشروعة، مع الحلفاء والخصوم معًا، من أجل إشعال الموقف وإطالة أمد الصراع ونقله نحو ساحة جديدة، بهدف تأجيل حسم نهايته السياسية.