الرئيسة \
تقارير \ الفرق بين سقوط بغداد والمرحلة الانتقالية في سوريا
الفرق بين سقوط بغداد والمرحلة الانتقالية في سوريا
13.02.2025
خير الدين مخزومي
الفرق بين سقوط بغداد والمرحلة الانتقالية في سوريا
خير الدين مخزومي
سوريا تي في
الاربعاء 12/2/2025
بعد انتصار الثورة السورية في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، دخلت سوريا مرحلة انتقالية حاسمة تميزت بالتخطيط الدقيق والتفكير الاستراتيجي لتجنب الأخطاء التي وقعت فيها تجارب سابقة، مثل سقوط بغداد عام 2003. وقد تم تعيين السيد أحمد الشرع رئيسا للبلاد في 29 يناير/كانون الثاني 2025، أي بعد أكثر من شهر من إعلان انتصار الثورة.
تعيين السيد أحمد الشرع جاء في توقيت مدروس بعد أن تم ضمان استقرار البلاد نسبيا، خلال الفترة السابقة. وتمت معالجة الكثير من التحديات الأمنية والسياسية، ما جعل انتقال السلطة إلى الرئيس الجديد أكثر سلاسة. وهذا التوقيت يعكس وعيا عميقا بأهمية تجنب الأخطاء التي وقعت في العراق، حيث تم تسليم السلطة بشكل عشوائي دون إعداد مسبق.
التوقيت لم يكن عشوائيا، بل كان جزءا من خطة مدروسة، لضمان استقرار البلاد وعدم حدوث فراغ أمني أو سياسي. فالفترة بين انتصار الثورة وتعيين الرئيس الجديد سمحت بإعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية بشكل تدريجي، مما منع حدوث فراغ أمني مشابه لما حدث في العراق، وبناء مؤسسات انتقالية قوية، وتشكيل مجلس تشريعي مؤقت.
إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية خلال هذه الفترة أعطى الشرعية اللازمة للقيادة الجديدة وسهل عملية انتقال السلطة، كما أن تأمين الدعم الشعبي أخذ الوقت الكافي لاتخاذ القرارات المصيرية وأعطى الشعب السوري الثقة في أن القيادة الجديدة تعمل بشكل مدروس وشفاف، مما عزز شرعيتها.
بالإضافة إلى التعلم من تجربة العراق، فقد كانت القيادة السورية الجديدة على دراية بتجربة العراق وما ترتب عليها من فوضى، مما جعلها تتخذ إجراءات أكثر حكمة لضمان استقرار البلاد.
عندما سقطت بغداد في عام 2003، قام الحاكم المدني الأميركي بول بريمر بحل الجيش العراقي والأجهزة الأمنية بشكل مفاجئ وسريع. هذا القرار، الذي تم اتخاذه دون تخطيط مسبق أو إعداد بديل، أدى إلى تسريح مئات الآلاف من الجنود والضباط العراقيين، ما خلق فراغا أمنيا هائلا أدى إلى تفكك الدولة العراقية واندلاع حرب أهلية طاحنة. العديد من هؤلاء الجنود المسرحين، الذين وجدوا أنفسهم دون وظائف أو موارد، انضموا إلى الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية، مما زاد من حدة العنف والفوضى في البلاد. كما أن عملية إعادة بناء الجيش والمؤسسات الأمنية تمت تحت إشراف قوات الاحتلال الأميركي، مما أثار شكوكا حول ولاء هذه المؤسسات للشعب العراقي بدلا من المصالح الأجنبية.
إعادة بناء الجيش والمؤسسات الأمنية في سوريا تتم تحت قيادة وطنية، وليس تحت إشراف قوات احتلال أجنبية. وهذا الأمر يعطي شرعية أكبر لهذه المؤسسات ويضمن ولاءها للشعب السوري وللدولة الجديدة
أما في سوريا، فإن إعلان حل الجيش والأجهزة الأمنية التابعة للنظام البائد يأتي في إطار وطني بحت، حيث تتم إعادة بناء هذه المؤسسات على أسس وطنية تحفظ سيادة البلاد وتستجيب لمطالب الشعب السوري. وتمت عملية إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية بشكل تدريجي ومخطط له، حيث تم تشكيل مؤسسات أمنية جديدة تعتمد على كوادر وطنية موثوقة، مع ضمان عدم إقصاء الكفاءات العسكرية والأمنية التي يمكن أن تساهم في بناء الدولة الجديدة.
وكانت الإجراءات التي سبقت تعيين أحمد الشرع خلال الفترة بين انتصار الثورة وتعيين الرئيس الجديد، حيث تم اتخاذ عدة إجراءات استباقية لضمان عدم حدوث فراغ أمني أو سياسي، من أهم الفروق بين الحالتين من الناحية الأمنية، فقد ضمنت عدم حدوث فراغ أمني مشابه لما حدث في العراق. فقبل حل الجيش والأجهزة الأمنية، جرى تشكيل قوات أمنية جديدة مدربة ومجهزة بشكل جيد، مع ضمان عدم تسرب العناصر الموالية للنظام البائد إلى صفوفها.
وكما تم دمج الفصائل العسكرية في مؤسسات الدولة، تم دمج الفصائل العسكرية والأجسام الثورية في مؤسسات الدولة الجديدة، مما عزز الوحدة الوطنية وقلل من خطر الانقسامات الداخلية وتم حل حزب "البعث العربي الاشتراكي" وأحزاب "الجبهة الوطنية التقدمية" بشكل قانوني وشفاف، مع ضمان عودة أصولها إلى الدولة السورية. هذه العملية تمت بشكل تدريجي لتجنب أي ردود فعل عنيفة من عناصر النظام السابق مما يعكس رغبة حقيقية في تصفية إرث النظام السابق وبناء دولة جديدة قائمة على العدالة والمساواة.
إن عملية إعادة بناء الجيش والمؤسسات الأمنية في سوريا تتم تحت قيادة وطنية، وليس تحت إشراف قوات احتلال أجنبية. وهذا الأمر يعطي شرعية أكبر لهذه المؤسسات ويضمن ولاءها للشعب السوري وللدولة الجديدة، بدلا من أن تكون أداة بيد قوى خارجية كما حدث في العراق. بالإضافة إلى تشكيل لجان عسكرية وأمنية لمراجعة هياكل الجيش والأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق، بدلا من حلها بشكل مفاجئ، وتمت إعادة هيكلتها تدريجيا، مع ضمان دمج الكوادر الوطنية الموثوقة في المؤسسات الجديدة. وهذا الإجراء منع حدوث فراغ أمني وأعطى الوقت الكافي لتدريب وتجهيز قوات أمنية جديدة.
المرحلة الانتقالية في سوريا بعد انتصار الثورة تميزت بالتخطيط الدقيق والتأني في اتخاذ القرارات المصيرية
بالإضافة إلى ذلك، فإن المرحلة الانتقالية في سوريا تشهد إجراءات قانونية وسياسية لضمان استقرار البلاد. على سبيل المثال، تم تشكيل مجلس تشريعي مؤقت يتمتع بشرعية ثورية وشعبية، مما يضمن تمثيل مختلف مكونات الشعب السوري في عملية صنع القرار.
باختصار، يمكن القول إن عملية إعادة بناء الدولة في سوريا تأتي كرد فعل وطني على إرث النظام البائد، وليس نتيجة لاحتلال أجنبي كما حدث في العراق. ويمكن القول إن الدروس المستفادة من تجربة العراق كانت حاضرة في أذهان القيادة السورية الجديدة، مما أدى إلى اتخاذ إجراءات أكثر حكمة وشمولية لضمان استقرار البلاد وبناء دولة ديمقراطية تحفظ حقوق جميع المواطنين.
المرحلة الانتقالية في سوريا بعد انتصار الثورة تميزت بالتخطيط الدقيق والتأني في اتخاذ القرارات المصيرية. والقيادة الجديدة في سوريا، ممثلة بالسيد أحمد الشرع، والخطوات المدروسة التي تم اتخاذها بعد انتصار الثورة، تعكس وعيا عميقا بأهمية تجنب الأخطاء التي وقعت في تجارب سابقة. هذا الفارق الجوهري يعطي الأمل في أن تكون المرحلة الانتقالية في سوريا أكثر نجاحا واستقرارا وشرعية، وأن تؤسس لدولة قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية بثقة واقتدار.