الرئيسة \  مشاركات  \  الرّوحُ المعنويةُ ودَوْرُ القِيَم الإيمانية في الإنجاز الـمُثمِر (5)

الرّوحُ المعنويةُ ودَوْرُ القِيَم الإيمانية في الإنجاز الـمُثمِر (5)

27.05.2023
الدكتور محمد بسام يوسف


بسم الله الرحمن الرحيم
الرّوحُ المعنويةُ
ودَوْرُ القِيَم الإيمانية في الإنجاز الـمُثمِر (5)
بقلم: الدكتور محمد بسام يوسف
مَــدخَـــل الحلقة (5)
انتهينا في الحلقات السابقة (2 و3 و4) إلى النتيجة الآتية: 
إنّ الإيمان والقِيَمُ الإيمانية في الإسلام، تُحدِّد الصفات الخُلُقية للإنسان المسلم كما أرادها اللّه عزّ وجلّ، التي بدورها، تُبقيه باستمرار، مُتَمَتِّعَاً بروحٍ معنويةٍ عالية، وهذه الرّوح المعنوية هي الشرط الذي لابدّ منه لتحقيق الإنجازات، صغيرةً كانت أم كبيرة، والإنجازات عادةً تُقوّي درجة الإيمان عند الإنسان، وتزيده ثقةً بإيمانه. وهكذا، تكتمل دورة: (الإيمان والإنجاز).
وقمنا بذكر نماذج من الصفات الخُلُقية الإسلامية، التي لابدّ للإنسان المؤمن أن يتحلّى بها، وعرفنا تأثيرها المحوريّ في تحقيق الإنجازات. وفي هذه الحلقة (5)، نتابع دراسة نماذج أخرى من الصفات الخُلُقية الإسلامية، ذات التأثيرها المحوريّ في تحقيق الإنجازات، فنذكر منها ما يأتي:
ح-المراقبة:
فالمؤمن باللّه وباليوم الآخر يخشى اللّهَ سبحانه وتعالى، ويشعر برقابته عزّ وجلّ، وبأنّه لا تخفى عليه خافية، والمؤمن هذا حق الإيمان، يعلم يقيناً أن الإنسان يستطيع إخفاء بعض الحقائق في أعماله عن الناس جميعاً وحتى عن أقرب الناس إليه ..لكنه أبداً لا يستطيع فعل ذلك مع اللّه السميع البصير، فهو يَعي جيداً قولَ اللّه سبحانه وتعالى في محكم التنزيل:
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ).. (آل عمران/5).
(يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ).. (غافر/19).
فالإيمان يجعلنا نستشعر، باستمرار، رقابة اللّه عزّ وجلّ علينا في كل عملٍ نقوم به، بل في كل نيةٍ لعملٍ نُخفيها في صدورنا، وهذه الرقابة الصارمة إذا ما أصبحت يقيناً في قلوبنا وعقولنا نتيجة إيماننا، إنما تدفعنا دَفعاً لإنجاز أعمالنا، خشيةً من اللّه سبحانه وتعالى، وخوفاً من التقصير، ورجاءً للأجر والثواب والمنزلة الرفيعة عنده سبحانه وتعالى، وحول هذا يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الإحسان: (أن تعبدَ اللّه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).. (مسلم).

ط-التعاون على البِرِّ والتقوى:
إنّ التعاون على فعل الخير وإنجاز الأعمال هو روح الإيمان الحيّ، إذ يـَحيى المؤمن لإخوانه، كما يحيى بهم، فهو معهم روحٌ واحدة، فلا أثرة ولا تفرّق، وإنما تعاون وبِرّ.
فالأعباء جسام، والأعمال كثيرة، والإنسان وحده لا يستطيع أن يعمل ويُنجز دون أن يكون معه إخوة آمنوا معه باللّه، يساندونه ويدعمونه في السرّاء والضرّاء، ويَشدّون أزره بقواهم وإمكاناتهم المختلفة، وهو وهُم، يعلمون تمام العلم، أنهم بذلك ينفِّذون أوامر اللّه عزّ وجلّ، الذي آمنوا به، فهو يقول لهم: (وتعاونوا على البِرِّ والتقوى).. (المائدة/من الآية2)، ويطيعون رسولهم وقُدوتهم صلى الله عليه وسلّم، حين يقول لهم: (المؤمنُ للمؤمنِ كالبُنيان يَشدُّ بعضُهُ بَعْضاً).. (البخاري ومسلم). 
تـَجانُسٌ روحيٌّ وتعاونٌ ماديّ، وطريق واحد، وهدف واحد، وإنجازات مشتركة للأعمال، وتعاضد وتكاتف للتغلّب على الصعوبات والعقبات، هكذا يفعل الإيمان بالإنسان المؤمن!..
*     *     *
وخلاصة القول:
فإنّ الإنسانَ المؤمن حَقَّ الإيمان، يمتلك من الصفات الخُلُقِيّةِ والسلوكية، ما لا يملكه أيُّ إنسانٍ آخر، لذلك فهو يتمتّع بروحٍ مَعنويةٍ عاليةٍ دوماً، لأنّه:
- أمين لا يُفَرِّط بحق اللّه وحقوق العباد.
- وقويّ باللّه عزّ وجلّ، وبثقته بنفسه.
- وصادق حريص على التزام الحقّ في القول والعمل.
- ومُستقيم يعتبر كل عملٍ يقوم به، طاعةً يُقدّمها لربّه.
- ومـُخلِص يبتغي وَجْهَ اللّه ورضاه في كلّ تصرفاته.
- وصابر يـُجالِدُ الصعابَ، ويُواجِهُ الأعباءَ مهما ثَقُلَتْ.
- ومُتوكِّل على اللّه حق التوكّل، مُتيقِّن من إيمانه وطريقه، يلتجئ إلى خَالِقِهِ باستمرار،  فيطلب منه العون والـمَدَدْ، بعد أن يتّخذَ كلَّ الأسباب الممكنة لإنجاز أعماله.
- ومُراقِبٌ للّه عزّ وجلّ، فَيَخشاهُ ويخافُ عِقابَه ويرجو ثوابَه.
- ومُتعاون على البِرّ والتقوى مع إخوانه الذين يحيى لهم وبهم.
- و.. و.. من الصفات الكثيرة التي يَستمدُّها من إيمانه باللّه ومَلائكتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ  واليومِ الآخِرِ والقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّه،.. وهذه الصفات هي التي تَصُوغُ شَخصيَّتَهُ وتُشَيِّدُ بُنيانَه ليكونَ بـِحَقّ، خليفةَ اللّهِ في أرضِه.
*     *     *
وبعودتنا:
إلى العوامل المؤثرة في الروح المعنوية التي أوردناها في بداية بحثنا هذا، ومقابلتها مع الصفات التي يتمتّع بها الإنسان المؤمن حق الإيمان، نجد أنّ:
- الأمانةَ تستوجب امتلاك الكفاءة والخبرة.
- والقوّةَ تُفضي إلى الثقة بالنفس، وإلى الاستقرار النفسيّ.
- والصدقَ والإخلاصَ والصبرَ، يقودُ إلى النجاح والانتصار.
- والاستقامةَ تَستجلب ثوابَ اللّه وتشجيعه.
- واليقينَ يدعو إلى الاستيعاب ووضوح الأهداف، وإلى الاقتناع بالعمل وبالهدف.
- والتوكّلَ يـُحَرِّضُ على الإعداد الجيّد للأعمال، وعلى السَّعْيِ باستمرار، إلى تأمين الإمكانيات اللازمة لإنجاز الأعمال.
- ومُراقبةَ الله تؤدّي إلى إتقان الأعمال، وإلى السُّمُوِّ بالنفس إلى مستوى القدوة الحقيقية الراقية.
- والتعاونَ على البِرِّ والتقوى، يوفّر الأنصارَ، ويَرْقى بالعمل إلى مستوياتٍ رفيعة، ودرجاتٍ راقية.
*     *     *
وبالمحصلّة النهائية:
فإنّ الإنسانَ المؤمن، يمتلكُ كلَّ العوامل التي تجعل روحه المعنوية في أعلى حالاتها، ما يجعل الأعمال التي ينجزها في أسمى درجات الرقيّ والرِفْعَة والإتقان.
وإذا لم يستطع الإنسان المسلم أن يكونَ بهذه الدرجة الراقية في إنجاز أعماله، فانظر إلى ثنايا نفسه، لتكتشف أنّ درجةً من الضعف تعتري مستوى إيمانه، بدرجة الضعف نفسها في إنجاز أعماله.
والأمّة أو الحركة الإسلامية التي تريد أن تمتلك أسبابَ القوّة، لا بدّ لها أن تكتشفَ وتـُحدِّدَ الخللَ في (درجة الإيمان) لدى أفرادها أولاً، ثم تضع الحلول الناجعة لتصحيح مستوى الإيمان لديهم، والنتيجة الحتميّة لذلك، ستكون إنجازاتٍ وانتصارات. ومن دون ذلك، ستبقى الأمور رَهناً لهذا الضعف الإيمانيّ في النفوس، الذي لا يُرجى منه أيّ خير، بل فشل عامّ، وهزائم متلاحقة، وانحسار مستمرّ، وتخلّف خطير.
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم:
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ، ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).. (الأنفال52 و53).
*     *     *
"والحمد للّه ربّ العالمين"
-يتبع إن شاء الله.