الرئيسة \  مشاركات  \  الرّوحُ المعنويةُ ودَوْرُ القِيَم الإيمانية في الإنجاز الـمُثمِر (7)

الرّوحُ المعنويةُ ودَوْرُ القِيَم الإيمانية في الإنجاز الـمُثمِر (7)

03.06.2023
الدكتور محمد بسام يوسف



بسم الله الرحمن الرحيم
الرّوحُ المعنويةُ
ودَوْرُ القِيَم الإيمانية في الإنجاز الـمُثمِر (7)
بقلم: الدكتور محمد بسام يوسف

مثال توضيحيّ رقم (2)
عن أهمية الروح المعنوية في الإنجاز، ودور قِيَمِ الإيمان في ذلك
طافش موظّف يعمل في مؤسسة مصرفية ربوية منذ شهر، وقد عُيّنَ فيها بعد فصله من عمله في وزارة التجارة نتيجة إهماله وتقصيره.
مدير المؤسسة المصرفية رجل صارم سيّئ العلاقات مع موظفيه، يتقن إصدار التعليمات والأوامر بشكلٍ مستمرٍ، التي تُشكّل عبئاً على نفوس الموظفين جميعاً في المؤسسة، وهذا المدير يلتحق بعمله يومياً حوالي الساعة العاشرة صباحاً، علماً أنّ بدء الدوام مُحَدَّد عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً، وهو دائماً يُفَاجَأ بموظفيه ما بين سائبٍ وغائب.
وطافش كان قد طلّق زوجته لعدم الانسجام معها، ولكثرة المشاحنات بينهما. ولأنه يحمل شهادةً جامعيةً عاليةً في الآداب، فقد عيّنه مديرُهُ رئيساً لأحد الأقسام، وألحق به سبعةً من الموظفين،  الذين بدؤوا بالتسيّب عندما عرفوا أنّ رئيسهم سيكون طافشاً المفصول من وزارة التجارة، وقد اشتكى طافش لمديره مراتٍ عِدة، عن التسيّب وضياع الأوقات التي يسبّبها موظفوا قسمه، لكن شكاواه كانت تُقمَع باستمرار، ويُخصَم من راتبه الشهريّ عشرون دولاراً، بسبب عدم تمكنه من ضبط قِسمه، وقد علم طافش أنّ ثلاثةً من الموظفين عنده، كانوا من أقارب المدير، ما كان يزيد في حالته النفسية السيّئة.. سوءاً.
في نهاية العام، أظهرت الحسابات السنوية الختامية، أنّ المؤسّسة قد خسرت ما يقارب المليون دولار،  ما هيّأ الأسباب لإغلاقها من قِبَلِ الحكومة.
وراح طافش والموظفون يندبون حظّهم التعيس وهم يبحثون عن عملٍ جديد في مؤسّساتٍ أخرى..
وقد أظهرت التحقيقات، أنّ المدير مع بعض معاونيه، اختلسوا رُبع مليون دولار، وأّن بقية الخسارة، كانت بسبب فشل المشاريع التي دُعِمَت مالياً من قبل المؤسّسة، دون التحقّق منها أو التعمّق في دراسة الجدوى من إقامتها.
من الجدير بالذكر، أنّ هذه المؤسّسة ،كانت قد أُنذِرَت من قبل الحكومة بالإغلاق، وذلك في العام الفائت، لأنّ خسائرها بلغت آنئذٍ، حوالي نصف مليون دولار!..
*     *     *
باستعراض وقائع المثال من أولّه إلى آخره، نلاحظ أنّ المؤسّسةَ فشلت في إنجاز أيّ عملٍ  يُسجّل لها، وقد انتهت الأمور بها إلى الإغلاق والخسارة الفادحة، وكان واضحاً تماماً، مدى الروح المعنوية الهابطة التي تسود في هذه المؤسّسة: مُديراً وموظّفين، ما أودى بها أخيراً، وساقها إلى الفشل الذريع، والأسباب كانت:
- القدوة السيّئة: المتمثلة بطافش الفاشل والمفصول من وزارة التجارة، وبالمدير الرجل السيّئ التعامل مع موظفيه، والـمُقَصِّر الذي يكون آخر الملتحقين بالدوام يومياً، والمختلس اللصّ الذي سرق ربع مليون دولار.
- الكفاءة الرديئة: فطافش رئيس القسم، يحمل شهادةً في الآداب، وهو اختصاص لا صلة له بطبيعة عمله في الجهاز المصرفيّ.
- الخبرة الضحلة: فالتحاق طافش بالمؤسّسة، لم يمضِ عليه أكثر من شهر، ومع ذلك عُيّنَ رئيساً لقسمٍ رئيسيٍّ في المؤسّسة.
- درجة الثقة بالنفس واستمرارها: من أين لإنسان فاشلٍ مفصولٍ أو لمؤسّسةٍ أُنذِرَت سابقاً بالإغلاق نتيجة خسائرها الفادحة.. من أين لم أن ينجحا؟!..
- الاستقرار النفسيّ: من أين يأتي أيضاً، ولكُلٍّ من الموظّفين همومه ومشكلاته، التي يزيدها ويمعمّقها المديرُ الجَلِف المحتال المنحرف، وطافش الذي طلّق زوجته لكثرة المشاحنات، من أين سيأتيه الاستقرار النفسيّ؟!..
- الحوافز: لا وجود لها في حياة طافش الفاشل أصلا،ً والمدير يخصم من راتبه عشرين دولاراً شهرياً، ولا وجود للنجاحات أصلاً في حياة المؤسّسة وموظفيها، فمن أين ستأتي الحوافز؟!..
- التعاون وتوافر الأنصار: وهل كان الفشل العامّ للمؤسّسة، إلا نتيجةً من نتائج الفرقة والتخلّف والمحسوبيّات؟!..
- الإعداد ومستوى الإعداد: فالفشل في إنجاز المشاريع التي دعمتها المؤسسة، كان نتيجةً لسوء الإعداد والتحضير، ولسوء الدراسة الواعية المتأنّية لجدوى تلك المشاريع..
- الإمكانيات: إذ على الرغم من توافر الإمكانيات المالية، فإنّ عدم توافر الإمكانيات الأخرى المختلفة لدى طافش والمدير والموظفين.. قد أفشل المؤسّسة.
- الاقتناع بالعمل وبالهدف، واستيعاب الأهداف ووضوحها: فأيّ اقتناعٍ وأيّ هدفٍ تمثّله تلك المؤسّسة، التي ينخر فيها التسيّب والفوضى، اللّهم إلّا هدف المدير المنحرف، باختلاس الأموال مع بعض معاونيه؟!..
من نافلة القول، التأكيد على أنّ هذه المؤسّسة، بأهدافها وخط سَيْرها، تتعارض كلياً مع القيم الإيمانية ومبادئ الإيمان وأركانه، التي لها الأثر البالغ، في رفع المعنويّات، وتصحيح المسارات،  وبالتالي إنجاز الأعمال المثمرة.
*     *     *
-يتبع إن شاء الله.