الرئيسة \  دراسات  \  السياسة الأميركية تجاه الثورة السورية

السياسة الأميركية تجاه الثورة السورية

22.02.2016
د. قصي غريب



مقدمة
فاجأت الانتفاضات والثورات التي اندلعت في 2011 ضد الأنظمة الاستبدادية في أكثر من دولة عربية الإدارة الأميركية وأربكتها، ولكن بسبب القدرات والإمكانات والخبرات السياسية والدبلوماسية والمخابراتية التي تتمتع بها الولايات المتحدة كدولة عظمى في الساحة الدولية سرعان ما استعادت توازنها؛ وبدأت باستخدام السياسات المضادة لهذه الانتفاضات والثورات بالتعامل مع وضع كل دولة عربية ثائرة على حدة وبخاصة الثورة السورية.
وفي هذه الدراسة سنتناول أبعاد التعامل الأميركي مع الحالة السورية من خلال أن ما حصل في المنطقة قد باغت الولايات المتحدة، ومثل خطراً على مصالحها، في الوقت الذي أصبحت تتجنب الدخول بحرب جديدة لإسقاط الأنظمة بسبب الخسائر الفادحة التي تكبدتها في العراق وأفغانستان؛ وأنها تنفذ في سورية رؤى فكرية، وتستخدم سياسة فاعلة لتحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية تقوم على تحويل تجاه الثورة السورية، وتهميش الأكثرية وتفضيل الأقليات، ونزع السلاح الكيميائي السوري، وتحويل اتجاه الصراع في المنطقة، وتجريم الإسلام والأكثرية، وتمكين أصحاب القدرات المحدودة.
أولاً - انتفاضات وثورات مباغتة
بعد عقود من القهر السياسي والتردي الاقتصادي والتراجع الاجتماعي، ثارت الشعوب العربية على الأنظمة الاستبدادية التي تدعمها وتساندها الولايات المتحدة، فالإدارات الأميركية الجمهورية والديمقراطية ظلت على مدى عقود تمارس سياسة الحرص على ضمان أمن إسرائيل، وتدفق النفط، واستقرار الأنظمة الاستبدادية المتعاونة معها، وقد اعترفت بذلك كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية بكلمة ألقتها في الجامعة الأميركية بالقاهرة في 30 حزيران 2005 حين قالت([1]) : " لقد سعت الولايات المتحدة لمدة 60 عاماً من أجل تحقيق الاستقرار على حساب الديمقراطية في الشرق الأوسط لكننا لم نحقق أيا منهما ". ولكن على الرغم من هذا الاعتراف الصريح بدعم الاستبداد في العالم العربي، إلا أن المخدوعين بسياسة الشعارات قد وقعوا تحت تأثير نظرية المؤامرة، فشككوا أن الانتفاضات والثورات التي اندلعت ضد الأنظمة الاستبدادية تقف ورائها الولايات المتحدة وإسرائيل للقضاء على ما سموه بتيار المقاومة والممانعة في المنطقة من خلال نشر الفوضى الخلاقة لإنشاء شرق أوسط جديد يكون فيه الفاعل المؤثر إسرائيل؛ والذي كان قد بدأ التبشير به والترويج له وفرضه باستخدام القوة وشن الحرب في عهد إدارة الرئيس جورج دبليو بوش؛ إلا أن كل المعطيات تؤكد على أن الإدارة الأميركية التي يرأسها باراك أوباما، وكذلك مراكز الأبحاث والدراسات التي تزودها بالأفكار والخطط السياسية والاستراتيجية قد تفاجأت بمباغتة اندلاع الثورات، ولم يكن لديها القدرة على توقعها والتنبوء بها لاسيما وأن الحاكم العربي - الذي يأخذ شرعية ومشروعية استمرار نظامه المستبد من رضا واسترضاء الولايات المتحدة - قد نقل للإدارة الأميركية الحالية وللإدارات السابقة عن طريق أجهزته الأمنية أن الشعوب العربية قد دجنت وتحولت إلى ( قطيع ) يسهل اقتياده بالاتجاه الذي يريد؛ ومن ثم لديه القدرة على ضبط إيقاع حركته بعيداً عن أي مؤثرات([2]).
كانت آثار الصدمة على إدارة الرئيس باراك أوباما قد ظهرت واضحة من خلال سياسة التعامل مع هذه المتغيرات والتحولات العميقة التي استجدت في الساحة العربية؛ فقد كان هناك تباين واضح في السياسة الخارجية الأميركية تجاهها مثل دعوة حسني مبارك للرحيل عن الحكم بعد أيام فقط من المظاهرات الاحتجاجية في مصر؛ وتردد واضح في التعامل مع الحالة الليبية من خلال عدم الرغبة في قيادة الجهد الدولي والدعوة إلى الحوار في الحالة اليمنية؛ في حين رفضت الإدارة الأميركية توجيه الانتقاد إلى بشار الأسد على الرغم من مرور أسابيع على الاحتجاجات في سورية، وقمع قوات النظام لها بقسوة مفرطة، بل إن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون كانت ترى فيه رجلاً إصلاحياً يمكن أن يقود انتقالاً حقيقياً إلى الديمقراطية([3]).
كما ادعت الإدارة الأميركية أن الفضل باندلاع الثورات في العالم العربي يعود إليها، فأظهرتها وسائل الإعلام الأميركية أنها منهمكة في وضع اللمسات الأخيرة على الأجندة الرسمية للديمقراطية للعالم العربي، وزعم بعضهم أن استراتيجية الرئيس باراك أوباما في عدم التدخل وخطاباته الملهمة قد أسهمت في نهوض الحركات الديمقراطية التي يقودها الشباب في العالم العربي([4]).
مع أن تصريحات المسوؤلين الأميركيين قد وصفت ما يحصل باللحظة المجهولة، وخلق أوضاع جديدة والزلزال الكبير فوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قد قيمت ما حصل من متغيرات وتحولات في المنطقة العربية قائلة([5]: " إن الشرق الأوسط يمر بمرحلة تغيير سريعة جداً، إنها لحظة فيها الكثير من المجهول ولكن أيضاً تشكل فرصة لنا ".
كما أكد مستشار الأمن القومي توم دونيلون على أن الإدارة الأميركية تأخذ بعين الاعتبار استراتيجياً المتغيرات والتحولات الجديدة التي تحصل في الساحة العربية؛ والتي من الممكن أن تؤدي إلى خلق أوضاع جديدة حيث صرح عن ذلك بقوله([6]) : " إن الإدارة الأميركية تقدر السياق الاستراتيجي للموقف الحالي حتى لو أدت الأحداث اليومية إلى دائرة جديدة ".
في حين وصف نائب وزير الخارجية نيكولاس بيرنز ما تشهده المنطقة العربية من متغيرات على أنه زلزال كبير، وأنه الأهم منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، ونصح إدارة الرئيس باراك أوباما بأن تعيد حساباتها بصورة كاملة بما يتكيف مع المتغيرات الجارية([7]).
ولذلك قامت السياسة الأميركية على ضبط حركة هذه الثورات بواسطة التكيف معها والتحكم فيها من خلال الوقوف إلى جانب المطالبين بالحرية، والتعامل مع حالة كل دولة على حدة، بحيث لا تعتمد الإدارة الأميركية على أنموذج واحد يصلح للتعامل مع جميع الدول العربية؛ واعتبار أن السياق المحلي في كل دولة هو العامل المهيمن المحدد للتعامل مع الحالة المستجدة، وبما أن الولايات المتحدة ترى أن مصالحها الاستراتيجية في العالم العربي قد أصبحت في خطر نتيجة سقوط الأنظمة التي تعتمد عليها، فقامت باستغلال الفرصة من خلال حرصها على أن يكون لها دور في إدارة " الربيع العربي "، عبر التدخل في تحديد نتائجه وهوية أنظمة الحكم المستقبلية في دوله، وعملت من أجل أن تكون الأنظمة البديلة وقياداتها تتوافق بصورة عامة مع السياسة والقيم الأميركية، أو غير بعيدة عنها([8]) ولهذا وضعت خططاً وتكتيكات الاختراق بالاتجاه الذي ترغب فيه، ويصب بمصلحتها باستخدام القوة الناعمة السياسية والدبلوماسية والمخابراتية والإعلامية، وتجنب قدر الإمكان استخدام القوة الصلبة العسكرية والدخول بحرب نتيجة لتعلم بعض الدروس المكلفة. وكان الرئيس باراك أوباما قد مهد لتنفيذ هذه السياسة من أن التغيير لن يكون سلساً وسريعاً وسيستمر سنوات، فقال في 19 أيار 2011([9]) : " إن الصرخات المعبرة عن كرامة الإنسان تسمع في أرجاء المنطقة، وقد تمكنت شعوبها من خلال القوة الأخلاقية للا عنف من تحقيق تغييرات خلال ستة أشهر تزيد على تلك التي حققها الإرهابيون على مدى عقود؛ وبالطبع إن تغييراً من هذا الحجم لا يتأتى بسلاسة، ففي يومنا وعصرنا هذا يتوقع الناس أن ينجلي تحول المنطقة في غضون أسابيع، لكن ستنقضي سنوات قبل أن يسدل الستار على هذه الحلقة، وخلال تلك الفترة ستكون هناك أيام مشرقة وأيام قاتمة، وفي بعض الأماكن سيكون التغيير سريعاً، لكن في غيرها سيكون متدرجاً، وكما سبق أن شهدنا فإن النداءات من أجل التغيير قد تفسح المجال أمام تزاحم شرس على السلطة ".
كما أنه اعترف أن ما حصل في العالم العربي ليس للولايات المتحدة يد فيه فقال([10]: " أميركا ليست هي التي دفعت الناس إلى شوارع تونس والقاهرة، بل الشعوب نفسها هي التي أطلقت هذه الحركات، والناس أنفسهم هم الذين يتعين أن يقرروا نتائجها ".
ثانياً - تجنب الدخول بحرب جديدة
كانت الولايات المتحدة من أجل تأكيد الهيمنة على العالم كقوة سياسية ودبلوماسية وعسكرية واقتصادية وتقنية، وأنها صاحبة القرار والفعل في الساحة الدولية قد تبنت استراتيجية القدرة على الدخول في حربين في آن واحد والانتصار فيهما في نهاية المطاف؛ إلا أن غزو أفغانستان والعراق والخسائر البشرية والمالية التي تكبدتها القوات الأميركية، وبخاصة التي ألحقتها بها المقاومة العراق والتي وصلت إلى 4474 قتيلاً و33 ألف جريح حسب الأرقام الرسمية؛ وأنفقت حوالي تريليون دولار([11]) قد أسهمت في إرهاق اقتصادها وإنهاكه ما أدى إلى حدوث أزمة اقتصادية خانقة فيها على غرار أزمة الكساد الكبير؛ أو الانهيار الكبير التي حصل في 1929، وكانت لهذه الأزمة الاقتصادية الجديدة أثار سلبية على حياة المواطن الأميركي، وعلى الاقتصاد العالمي، وخلق رأي عام أميركي ضد الحرب، وقد خلفت هذه الأزمة الداخلية بسبب تنفيذ هذا الخيار الاستراتيجي والدخول في هاتين الحربين اللتين كانتا مكلفتين جداً للولايات المتحدة تياراً من الرأي العام ضد الحرب؛ ما دفع بإدارة الرئيس باراك أوباما وبعض القادة العسكريين مثل الجنرال مارتن ديمبسي إلى ضرورة الانسحاب من العراق وأفغانستان، وتجنب الدخول في حرب وعدم تكرار ارتكاب الأخطاء في المستقبل، وفي هذا الشأن وبعد أن استخدمت قوات بشار الأسد الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين السوريين، أصدر الرئيس باراك أوباما بياناً في 31 آب 2013 أكد فيه على احترام آراء الذين يطالبون بتوخي الحذر وبخاصة في الوقت الذي تخرج بلاده من حرب كان وضع نهاية لها أحد أسباب انتخابه رئيساً؛ وعبر عن السئم من الحرب لاسيما بعد نهاية حرب العراق، وأنه بصدد وضع نهاية لحرب أفغانستان، ومن ثم في عدم القدرة على تسوية الصراع الدائر قي سورية عن طريق القوة العسكرية الأميركية، ولهذا السبب لا يوجد تفكير في دخول حرب يخوضها آخرون([12]). وتأكيده في 10 أيلول 2013 على أنه قاوم دعوات للقيام بعمل عسكري في سورية لأن الولايات المتحدة لا تستطيع إيجاد حل لحرب أهلية في بلد آخر من خلال القوة؛ وبخاصة بعد عشر سنوات من الحرب في العراق وأفغانستان([13]). وأيضاً عندما أكد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 أيلول 2013 على أن الولايات المتحدة في هذه الظروف الجديدة تعمل من أجل التحول بعيداً عن حالة الحرب الدائمة، لكن مع جهوزيتها لتوظيف جميع عناصر القوة بما في ذلك القوة العسكرية لتأمين مصالحها الأساسية في المنطقة؛ إلا أن عدم الرغبة في استخدام القوة العسكرية ليس مؤشراً على ضعف عزم أميركا في المنطقة بقدر ما يبين بأنهم لم يتعلموا من دروس تجربة العراق، مع إمكانية استخدام سياسات أخرى لتأمين المصالح الأميركية([14]). وكذلك توضيحه بخطاب حالة الاتحاد في 20 كانون الثاني 2015 على تعلم الولايات المتحدة بعض الدروس المكلفة على مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية؛ فبدلاً من قيام الأميركيين بدوريات في أودية أفغانستان، فقد تم تدريب قواتهم الأمنية التي تتولى زمام القيادة، وبدلاً من إرسال قوات برية كبيرة إلى الخارج يتم التعاون في إطار شراكة مع دول من جنوب آسيا إلى شمال أفريقيا لحرمان الإرهابيين الذين يهددون أميركا من إيجاد الملاذ الآمن؛ وفي العراق وسورية تعمل القوات العسكرية الأميركية على وقف تقدم قوات تنظيم الدولة الإسلامية، وبدلاً من الانجرار إلى حرب برية أخرى في الشرق الأوسط، فهي تقود تحالفاً واسع النطاق، يضم دولاً عربية للحد من قدرات هذه المجموعة الإرهابية وهزيمتها في نهاية المطاف، كما يتم دعم المعارضة المعتدلة في سورية التي يمكنها أن تساعد في هذا الجهد الذي سيستغرق وقتاً طويلاً ويتطلب التركيز، ولكن سوف ينجح، فالقوة والدبلوماسية هما الطريقتان اللتان تقودان بهما أميركا([15]).
ويبدو أن هذا الحذر الأميركي من استخدام القوة العسكرية ليس مجرد خطاب محصور بحالة الاتحاد، بل نهج يتماشى مع التصريحات العلنية التي أدلت بها الإدارة الأميركية حول اعتبار تفادي الخسائر البشرية هدفاً من أهداف الأمن القومي الأميركي.
وكان الرئيس باراك أوباما في 19 أيار 2011 قد عبر عن السياسة الأميركية تجاه الثورات والانتفاضات التي حصلت في العالم العربي قائلاً([16]) : " لا نملك أن نمنع كل ظلم يرتكبه نظام حكم ضد شعبه، وقد علمتنا التجارب في العراق كم هو عسير وباهظ ثمن محاولة فرض تغيير النظام بالقوة مهما كانت النية من وراء ذلك حميدة ".
ولكن هذا الخطاب يتناقض مع حقيقة أن الولايات المتحدة لم تمتنع عن دعم ومساندة الأنظمة الاستبدادية على مدى عقود، وباعتراف وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس.
ثالثاً - رؤى فكرية للتطبيق السياسي  
تقوم السياسة الخارجية الأميركية على اعتماد التنظيرات والرؤى الفكرية والخطط السياسية، والاستراتيجية الصادرة عن مراكز الأبحاث والدراسات الأميركية خارطة طريق في التعامل السياسي والدبلوماسي والعسكري والمخابراتي مع أي حالة طارئة أو مستقبلية في العالم؛ لاسيما في العالم العربي لتصبح أمرأ واقعاً، وفي الحالة السورية كتب أكثر من مختص وعالم سياسي أميركي عن طريقة التعامل معها ومنهم على سبيل المثال:
أ – دانيال بايبس
كتب دانيال بايبس - وهو من المحافظين الجدد - في صحفية الواشنطن تايمز في 11 نيسان 2013 مقالة بعنوان : ذريعة الأسد هي أنه إذا سقط النظام السوري الآن فإن الأشرار الآخرين سينتصرون([17]). وقد دعا فيها الإدارة الأميركية والحكومات الغربية إلى تقديم الدعم لنظام بشار الأسد الاستبدادي لخلق توازن بينه وبين معارضيه لمنع انتصار الإسلاميين في سورية؛ ولاسيما بعد أن أصبحت قدراته تتراجع وانتصارهم مرجحاً، فالسبب وراء تقديم هذا الاقتراح هو أن قوى الشر عندما تحارب بعضها بعضا تصبح أقل خطراً على الغرب، وهذا ما يجعلها تركز على أوضاعها، ويمنع أياً منها من تحقيق انتصار بحيث تشكل خطراً أكبر، فالقوى الغربية يجب أن تدفع الأعداء إلى طريق مسدود بينهم من خلال دعم الطرف الخاسر، لجعل الصراع بينهم يطول أكثر.
وأكد بايبس أن هذه السياسة كان لها سابقة خلال الحرب العالمية الثانية، فقد كانت ألمانيا النازية في موقع الهجوم ضد الاتحاد السوفيتي، وكان إبقاء الجنود الألمان منشغلين في الجبهة الشرقية أمراً حاسماً لانتصار الحلفاء، ولذلك قام فرانكلين دي روزفلت بمساعدة جوزف ستالين من خلال دعم قواته والتنسيق الحربي معه، ولكن للضرورة الاستراتيجية التي حققت نجاحاً  ملحوظاً، والحال نفسها مع الحرب العراقية - الإيرانية 1980 - 1988 التي أوجدت وضعاً مماثلاً، فبعد منتصف 1982 عندما أصبحت القوات الإيرانية في موقع الهجوم ضد القوات العراقية، بدأت الحكومات الغربية بدعم العراق على اعتبار أن النظام الإيراني كان أكثر خطورة من الناحية العقائدية، وكان في موقع الهجوم وكان الخيار الأفضل أن تستمر الحرب لمنع أي منهما من الخروج منتصراً، وأن تطبيق هذه السياسة في سورية اليوم تسوغه أوجه شبه كثيرة، فالأسد يشغل دور العراق والقوى المتمردة تشبه إيران، التي ستصبح أقوى مع الوقت وتمثل خطراً متزايداً، فالقتال المستمر في سورية يعرض الجوار للخطر، والجانبان ينخرطان في جرائم حرب، ويمثلان خطراً على المصالح الغربية، ولذلك يجب أن تذهب المساعدة الأميركية إلى الطرف الخاسر أياً كان.
وأضاف بايبس أن بقاء الأسد يفيد النظام الإيراني الأكثر خطورة في المنطقة، ولكن انتصار المتمردين سيعزز كثيراً الحكومة التركية التي تتحول بصورة متزايدة إلى حكومة مارقة ويقوي الجهاديين، ويستبدل حكومة الأسد بإسلاميين عدوانيين، فاستمرار القتال يسبب ضرراً أقل للمصالح الغربية من استيلاء الإسلاميين على السلطة، وهناك توقعات في أن يتصارع الشيعة والسنة، والأفضل ألا يفوز أي من الطرفين، وإن إدارة الرئيس باراك أوباما تجرب سياسة طموحة ودقيقة تقوم على دعم المتمردين الجيدين بأسلحة قاتلة في الوقت الذي تستعد فيه لشن هجمات محتملة بطائرات من دون طيار ضد المتمردين السيئين؛ وهي فكرة جيدة، لكن التلاعب بقوى الثوار من خلال التحكم عن بعد ليس له حظ كبير بالنجاح، إذ أنه في نهاية الأمر ستقع المساعدات في أيادي الإسلاميين، والضربات الجوية ستصيب المتمردين الحلفاء، ومن الأفضل أن يتقبل المرء حدوده، وأن يطمح إلى ما هو مجدٍ من خلال دعم الطرف المتراجع، واليوم السعيد هو الذي تحارب فيه إيران والأسد الثوار وأنقرة، حتى يستهلكوا بعضهم بعضا، عندها يمكن للحكومات الغربية أن تدعم العناصر غير البعثية وغير الإسلامية في سورية لمساعدتها في أن تكون بديلاً معتدلاً، وقيادة سورية إلى مستقبل أفضل.
ب - أنتوني كوردسمان
نشر أنتوني كوردسمان - أستاذ كرسي الاستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن - على موقع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في ٢٢ كانون الثاني ٢٠١٤ التقرير المعنون : سورية وجنيف 2 وعصر أقل الخيارات سوءاً([18]). وأهم ما ورد فيه : ليس للولايات المتحدة خيارات جيدة في سورية، ولا حلفاء قادرون على الانضمام إليها، وتتملكهم الرغبة للقيام بعمل جاد لتنحية الأسد أو لديها فكرة من سيحل محله أو لديه القدرة على تحديد ملامح سورية بعد تنحيته؛ فالصراع على السلطة في ظل نظام مستبد فاشل أتاح لقادة المعارضة خبرة ضئيلة في السياسات السلمية وفي الحوكمة، فعامة حركات المعارضة مقموعة وتآمرية وأيديولوجية ودينية وعنيفة أحياناً، والأحزاب السياسية التي أجازها النظام ضعيفة، وليس لها وجود، والدولة متعسفة في تطبيق القانون وتتجاوزه، ومتحكمة بأغلب الموارد، وتستخدم رأسمالية الموالين لتفيد مناصريها كأداة سياسية، وأسوأ من ذلك أن الاستبداد والقمع كتما في أغلب الحالات التوترات الطائفية والإثنية والقبلية والجهوية.
وأضاف كوردسمان لا يوجد أساس فعلي للديمقراطية، فالانتخابات أصبحت وسيلة لتعرية الانقسامات في الدولة والافتقار إلى قيادة فاعلة، والنتيجة النهائية أن السياسات في حقبة ما بعد الاستبداد تهدد بأن تكون تكراراً مروعاً لتاريخ حقبة ما بعد الاستعمار بتحول الديمقراطية إلى استبداد، بحيث تجرى الانتخابات لمرة واحدة.
وأردف كوردسمان أن القوى الفاعلة على الأرض هي التي سوف تصوغ سياسات الدولة واقتصاداتها واستقرارها، وعلى الولايات المتحدة التركيز على كل قضية وطنية واختلاف كل دولة، وسيكون لزاماً عليها أن تتوصل إلى أفضل رؤية ممكنة بين نظام أو مزيج من فصائل عيوبه كثيرة وقدراته على الوصول إلى السلطة أو الاحتفاظ بها مشكوك فيها؛ وربما هذا يعني أقل الخيارات سوءاً في تشجيع النظم ذات العيوب الكثيرة على التطور والإصلاح عوضاً من الرهان على ديمقراطية فورية، وستكون الولايات المتحدة بحاجة إلى التركيز على تحقيق نتائج جيدة في غضون خمس إلى عشر سنين عوضاً من تحقيق نتائج سيئة في غضون شهور قليلة، والنجاح يعني جهوداً دؤوبة من جانب فرق سفارات الولايات المتحدة، والعمل مع ائتلافات من عناصر من النظام والمعارضة فيها من المساوئ بقدر ما فيها من المحاسن، والقبول بحقيقة أنه ما من دولة ستتطور لتصير نسخة عن الولايات المتحدة، والقبول بأهداف وقيم مختلفة.
وأضاف كوردسمان أن النجاح يعني العمل مع النظم التي لم تتهاو وبخاصة الشركاء مثل المغرب والأردن ولبنان والبحرين والكويت وسلطنة عمان وقطر والسعودية والإمارات، فهذه الدول ذات نظم سياسية وقيم وأهداف استراتيجية مختلفة، وتواجه تحديات كبيرة، لكن تدخل ومساعدة الولايات المتحدة لها على التطور ستجلب لشعبها منافع كثيرة تفوق منافع الاضطرابات السياسية التي بدأت في ٢٠١١، والعمل مع شريك ولو كثرت المساومات والخلافات معه خير من العمل مع فوضى غير مستقرة.
ج - غريغوري غوس
في 22 تموز 2014 نشر غريغوري غوس - زميل أول غير مقيم في مركز بروكنجز الدوحة، وأستاذ كرسي العلاقات الدولية بكلية بوش للخدمات الحكومية بجامعة تكساس أي أند إم - على موقع مركز بروكنجز الدوحة الدراسة المعنونة : ما وراء الطائفية الحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط([19]). وقد ورد فيها : لا يسع الولايات المتحدة معالجة ضعف المؤسسات الحاكمة في عدد من الدول العربية التي تسببت بتركيبة النزاعات في الحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط؛ وعليها أن تعي بأن هذه الحرب ليست حرب الولايات المتحدة، ولاسيما أن النزاعات لم تعق المصالح الأميركية في المنطقة إلى حد كبير، ولذلك على الولايات المتحدة أن تفضل النظام على الفوضى، وتدعم الدول التي توفر حكماً فعالاً حتى حين لا يستطيع هذا الحكم تحقيق مستويات الديمقراطية، وحقوق الإنسان المفضلة، ويعني ذلك على سبيل التعداد لا  الحصر :
1 - استكشاف كافة مجالات علاقة جديدة مع حكومة روحاني في إيران .
2 - ضمان الحد من زخم الدولة الإسلامية قبل الضغط على نوري المالكي ليحكم بشكل شامل أكثر .
3 - الاستمرار بالتعاون مع الحكومة العسكرية الناشئة في مصر .
4 - دعم الحلفاء التقليديين مثل الأردن والمملكة العربية السعودية ودول الخليج .
ولا شك في أن هذه السياسات متناقضة حين ينظر إليها من عدسة الحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط، لكن على الولايات المتحدة أن تركز في سياستها على مصالحها الإقليمية الأساسية التي تحددها، وليس كما تراها القوى الإقليمية، والأخذ بالحسبان أن المصالح الأميركية غير ملتزمة بشكل مباشر في الحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط كالأطراف المحلية.
د - توماس باركر
في 15 كانون الأول 2014 نشر توماس باركر - الذي عمل على قضايا الأمن القومي في المكتب التنفيذي لرئيس الولايات المتحدة، ومكتب وزير الدفاع، ومع هيئة تخطيط السياسات في وزارة الخارجية، والمخابرات، ومجلس الشيوخ الأميركي - على موقع منتدى فكرة هذه المقالة المعنونة : الديمقراطية والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط([20]). وقد ورد فيها : أن الدعم الأميركي للقيم الديمقراطية في الشرق الأوسط لديه آثار إيجابية وسلبية على مصالح الولايات المتحدة، وعلى واشنطن أن تتفادى الرغبة في تحقيق ديمقراطية في شرق أوسط لا يزال غير مهيأ لها، فالحركات الثورية التي تطيح بأنظمة استبدادية غير كفوءة غالباً ما تجلب إلى السلطة أنظمة سياسية أسوأ بكثير، وقد سبق للمفكر السياسي إيدموند بيرك أن حذر من هذا الخطر حين ثار الشارع الفرنسي ضد الملك العاجز في تسعينيات القرن الثامن عشر، حيث يستفيد صناع السياسات من قراءة تحذيرات بيرك بأن الديمقراطية تنمو ببطء، وليس من خلال فورات عنيفة، وفي النهاية للولايات المتحدة وشركائها الديمقراطيين اليد العليا في الشرق الأوسط.
رابعاً – استراتيجية الولايات المتحدة وأهدافها  
لقد حظيت سورية ذات المكانة الاعتبارية الإسلامية والعربية الملهمة، وصاحبة الموقع الجغرافي الاستراتيجي المهم باهتمام الولايات المتحدة من منطلق أن من يقود الشرق الأوسط لا بد له من السيطرة على سورية([21]). وقد بدأت فعلياً بمحاولة السيطرة عليها، وتوجيه سياستها بما يخدم مصالحها من خلال وقوفها وراء الإعداد والتخطيط لأول انقلاب عسكري فيها بقيادة حسني الزعيم في 30 آذار 1949([22]). واستمرت في سياسة محاولة توجيه السياسة الخارجية السورية للعهود السياسة المتتابعة على حكم الدولة السورية، حتى وصلت إلى تأييد انقلاب حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني 1970 ونظامه الأقلوي، والوثوق به، ومنحه دوراً خدمياً، يصب في مصلحة الاستراتيجية الأميركية، لاسيما حماية أمن واستقرار حدود إسرائيل([23])، وقد ظهر ذلك منذ أن أعلن المبعوث الأميركي إلى لبنان وسورية دين براون في 19 أيار 1976 أن التدخل السوري في لبنان ضروري، وقادر على المساهمة في إعادة الأمن له([24]).
        وهذا ما أفسح المجال لأن تدخل القوات السورية لبنان في حزيران 1976 برضا أميركي، وقد أكد الرئيس الأميركي جيمي كارتر أن التدخل السوري في لبنان كان بموافقة أميركية وإسرائيلية([25]).
ولذلك عندما اندلعت الانتفاضة الشعبية السلمية المطالبة بنهاية الاستبداد في 15 – 18 آذار 2011، والتي تحولت إلى ثورة لحمل السلاح من قبل المتظاهرين السلميين بسبب استخدام قوات النظام القوة المفرطة والقاتلة ضدهم، وباعتراف الولايات المتحدة([26]) كانت الإدارة الأميركية تراقب الوضع عن كثب، ولا تخفي قلقها، لأن التغيير الذي سوف يحصل في سورية سيكون له ارتدادت على كل المنطقة، وبخاصة على مصالحها الاستراتيجية، وفي مقدمتها أمن واستقرار إسرائيل، وقد قال الرئيس بارك أوباما([27]) : " انتهجت الولايات المتحدة العمل على مجموعة من المصالح الجوهرية في المنطقة، وهي مكافحة الإرهاب، ووقف انتشار الأسلحة النووية، وضمان حرية حركة التجارة، وضمان أمن المنطقة، والذود عن أمن إسرائيل، والسعي لسلام عربي إسرائيلي".
ولذلك فإن التغيير السياسي الجذري في سورية سوف يعمل على تغيير الخارطة الجيوسياسية في المنطقة، ومن ثم سيكون له انعكاس على قضيتي الجولان وفلسطين، وهذا ما تعده الولايات المتحدة من المحرمات، لاسيما وأن نظام حافظ الأسد الذي رفع شعار الصمود والتصدي، والوريث بشار الأسد الذي رفع شعار المقاومة والممانعة، لإضفاء الشرعية على نظامهما الأقلوي الطائفي، وللمزايدة السياسة والإعلامية، كان كلاً منهما يؤدي دوراً خداماتياً غير معلن لصالح الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، وذلك من خلال حماية أمن واستقرار إسرائيل منذ الاعتراف بقرار مجلس الأمن  242، والتوقيع بجنيف على اتفاقية فك الاشتباك معها في أيار 1974، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن 338، ولا تخفي الولايات المتحدة أن تحقيق مصالحها الاستراتيجية المتعلقة بالأمن القومي مرتبطة بالتأثير بمسار التحولات، وإنها تسترشد بمصالحها، وقد أصدر البيت الأبيض في 6 شباط بياناً حول استراتيجية الأمن القومي للعام 2015 وقد ورد فيه([28]) : " سوف نقود مع تحديد هدف مسترشدين بمصالحنا القومية، وقيمنا الدائمة، وملتزمين بدفع تقدم محفظة متوازنة من الأولويات الجديرة بقوة عظمى، سوف نقود على أساس وجهة نظر طويلة الأمد بحيث نؤثر على مسار التحولات الكبرى في المشهد الأمني اليوم من أجل تأمين مصالحنا القومية في المستقبل ".
ومع سيرورة الثورة السورية، تطورت معها استجابة الإدارة الأميركية القائمة على سياسة غض النظر ودبلوماسية التسويف، فاستخدمت بداية العقوبات ضد النظام في 2011، وتحولت إلى تشجيع عقد المؤتمرات، والدعوة لتوحيد المعارضة السورية في 2012  و 2013، ومن ثم إلى الإعلان عن تدريب ما سمته بقوات المعارضة المعتدلة في 2014 و 2015، وكانت كل هذه السياسة والدبلوماسية والأساليب المخابراتية المتبعة تدخل في باب المشاغلة والإعلام، فالسياسة الأميركية تقوم على مبدأ الإلهاء للحصول على الشيء الذي تهدف إليه، وتختاره ويتماهى مع استراتيجيتها، فأمام حالة الثورة السورية الخطرة على مصالحها، تبنت سياسة التجاهل وغض النظر عن جرائم النظام، مع استخدام الإعلام الذي لا تأثير له على تغيير الواقع مثل إعلان الرئيس باراك أوباما في 18 آب 2011، عن ضرورة تنحي بشار الأسد عن السلطة([29]). وتصريحه في 20 آب 2012 بأن استخدام الأسلحة الكيميائية خط أحمر، وسوف يغير قواعد اللعبة، ويتطلب رداً حازماً([30]).
ولكن على الرغم من هذه التصريحات إلا أن الإدارة الأميركية ومن أجل نشر التطرف والعنف والإرهاب قد استخدمت سياسة التجاهل وغض النظر على الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة التي يرتكبها النظام ضد الشعب السوري الثائر؛ والتي كانت السبب الرئيس والأساس في دفعه ومعه ميليشيات وعناصر شيعية عابرة للحدود من لبنان والعراق وغيرها من الدول ذات ولاء للولي الفقيه الايراني؛ في أن يستمر في هجماته الوحشية على المدنيين باستخدام كافة الأسلحة بما فيها السلاح الكيميائي، وكان الغرض من هذه السياسة خلق ردة فعل معاكس من الطرف الآخر السني لجذب الجهاديين، وتحويل سورية إلى مركز جذب جهادي على غرار حالة أفغانستان في بداية ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم([31]). وقد كان دعم الولايات المتحدة للأنظمة المستبدة الفاسدة، وسياستها الخارجية ذات المعايير المزدوجة تجاه قضايا المنطقة، ولاسيما القضية الفلسطينية وراء تشكيل الجماعات والتنظيمات الجهادية المتطرفة .
ومع اندلاع الثورة السورية لم يحصل أي تغير في هذه السياسة، بل أن الإدارة الأميركية سمحت للنظام في أن يوغل في هجماته ضد المدنيين، ويستخدم كافة الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، لتبرير التطرف كردة فعل، فقد رأت في الساحة السورية فرصة سانحة لاستنزاف كافة الخصوم من دون تقديم أي خسائر، فعملت على عدم انتصار الثورة السورية من خلال منع تزويدها بالسلاح النوعي، واقتصارها على ما تسميه وزارة الخارجية الأميركية بالمساعدات غير الفتاكة ([32]).
فالولايات المتحدة ترى في تزويد المعارضة السورية بالأسلحة الفتاكة هو بالضد من مصلحتها، وقد رفعت مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بث جونز برسالة إلى لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في 11 نيسان 2013، قالت فيها([33]: " إن ما يتنافى مع مصلحة الولايات المتحدة أو الشعب السوري هو أن يتم تزويد معارضي بشار الأسد بأسلحة فتاكة ".
ومن خلال هذه السياسة المتبعة يمكن تحديد معالم الاستراتيجية الأميركية، وأهدافها تجاه الثورة السورية بـالآتي :
1 – تحويل اتجاه الثورة
قامت السياسة الأميركية على تحويل اتجاه هدف الثورة السورية من سقوط نظام الأقلية الطائفي المستبد وإقامة دولة النظام الديمقراطي والمواطنة لكل السوريين إلى نزاع أهلي طائفي وحرب ضد التطرف والعنف والإرهاب؛ لدفع الشعب السوري إلى الموازنة بين الأمن وبين الفوضى والاضطراب في عهد الثورة، بغية إعادة إنتاج النظام من خلال قيام الإدارة الأميركية بالترويج والتسويق السياسي والدبلوماسي، والإعلامي للحل السياسي والتأكيد على استحالة الحل العسكري، والحسم من قبل طرف عبر الإصرار على تطبيق بيان جنيف 1([34]).
فالمجموعة الدولية بقيادة الولايات المتحدة ما انفكت تدعو إلى حل سياسي في سورية يجمع بين النظام والمعارضة، ويقوم على تطبيق البيان الختامي لجنيف 1 الـصادر عـن اجتمـاع مجموعـة العمـل مـن أجـل سورية الذي عقده المبعوث الخاص المـشترك للأمـم المتحـدة وجامعـة الـدول العربيـة لـسورية بجنيف في ٣٠ حزيران ٢٠١٢؛ فهذا البيان هو محاولة واضحة لإعادة إنتاج نظام الأقلية الطائفي في سورية بوجه جديد، فالمجتمعون عبروا فيه عن جزعهم وقلقهم البالغين من خطورة الحالة لتواصل أعمال القتل والتدمير وانتهاكات حقوق الإنسان، وعدم حماية المدنيين واشتداد العنف، ولكن من دون ذكر مسؤولية النظام، والتغاضي عن الجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها ضد الشعب السوري، بل إنهم جعلوا له اليد الطولى في قيادة العملية السياسية الانتقالية لتلبية التطلعات المشروعة للشعب السوري، لتحديد مستقبله بصورة مستقلة ديمقراطية من خلال تأكيدهم على ذلك في المواد 3، و 4 الفقرة ج، و 6، و 11 الفقرة د، كما أنهم منحوا له في حال إقامـة هيئـة حكـم انتقاليـة تــضم أعــضاء مــنه ومن المعارضــة حق الاعتراض على الأشخاص في تشكيلها؛ وهذا يعني على أساس الموافقة المتبادلة في المادة 9 الفقرة أ، ولذلك لنزع سلاح الثورة، تحت ذريعة توطيد الهدوء والاستقرار، وقد أتاحوا له إكمـال عمليـات انـسحاب قواته مقابل نـزع سـلاح المجموعـات المسلحة، وتسريح أفرادها، وإعادة إدماجهم في المادة 10 الفقرة أ، ومن أجل الحفاظ على استمرار قواته العسكرية والأمنية الطائفية، ولاسيما أجهزة المخابرات تحت ذريعة الحفاظ على الخدمات العامة، وسير عملها، فقد أكدوا على استمرار المؤسسات الحكومية والموظفين مـن ذوي الكفـاءات في المادة 10 الفقرة ج([35]).
وعلى الرغم من صدور بيان جنيف 1 إلا أنه لم يلتزم بتطبيقه لا النظام ولا مجموعة العمل من أجل سورية بقيادة الولايات المتحدة التي وضعته، وهذا يعني إعطاء الفرصة للنظام لإلحاق الهزيمة بالثورة السورية، ويتبدى ذلك بقول الرئيس بارك أوباما([36]): " إننا سنواصل دعم الشعب السوري من خلال ممارسة ضغوط على نظام الأسد، والتزامنا تجاه المعارضة، ورعايتنا للمشردين، وسعينا الحثيث في سبيل التوصل إلى حل سياسي يحقق قيام حكومة تحترم كرامة أبناء شعبها ".
وهذا ما أكدته المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة السفيرة سامانثا باور في كلمة لها خلال مناقشة في مجلس الأمن الدولي حول الشرق الأوسط في 15 كانون الثاني 2015، على استحالة الحل العسكري حيث قالت([37]) : " لا يوجد أي حل عسكري لهذا النزاع المدمر بل فقط الحل السياسي ".
2 – تهميش وإقصاء الأكثرية
قامت السياسة الأميركية على تهميش المكون الأساس والرئيس لسورية – العرب السنة - بإبعادهم عن السيطرة على القرار والفعل، بغية إضعاف وتفكيك الدولة السورية وذلك من خلال سعي الإدارة الأميركية للترويج والتسويق الإعلامي لشبح التقسيم الذي أصبح له معطيات واضحة على أرض الواقع؛ ناهيك عن سياستها القائمة على التجاهل وغض النظر عن الجرائم التي يرتكبها النظام وحلفاؤه، وعدم رفع الغطاء السياسي والدبلوماسي عنه، وقد أسهم طيران التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في حربها على تنظيم الدولة الإسلامية داعش، تمهيداً لميليشيا قوات حماية الشعب الكردية الموالية للنظام في السيطرة والتمدد الجغرافي على أجزاء شاسعة من شرق وشمال سورية؛ وارتكاب جرائم قتل وتهجير وحرق ضد الأكثرية العربية من أجل تحقيق فرض الحل السياسي القائم على تطبيق ما يسمى بالديمقراطية التوافقية؛ وتحويل النظام السياسي في سورية من نظام قائم على الطائفية السياسية - الذي ثار الشعب السوري ضده - إلى نظام قائم على التعددية القومية والطائفية السياسية؛ من منطلق أنه ليس بالإمكان إصلاح المنطقة بسبب عدم التمكن من نقل القيم الغربية العلمانية التي تلتزم بها شريحة صغيرة إلى المنطقة لمعارضة عناصر رئيسة بالمجتمع؛ لاسيما الحركات الإسلامية التي يجب أن تمنع ولا يكون لها موطئ قدم بالمنطقة في هذا القرن؛ فالمفروض على الولايات المتحدة أن تعمل لضمان مصالحها القائمة على مكافحة الإرهاب، ووقف الانتشار النووي، ودعم الحلفاء والشركاء، وتسهيل تدفق النفط([38]).
ويكون هذا من خلال ألا يكون الحل السياسي في سورية يرتكز على إقامة دولة المواطنة القوية، إنما وجود دولة ضعيفة مفككة قائمة على المحاصصة القومية والطائفية بتوافق سياسي يستند على تطبيق ما يسمى بالديمقراطية التوافقية التي تقوم على([39]):
أ - حكومة ائتلافية تجمع الأكثرية والأقليات في الدولة ولا قيمة لمن يفوز بالانتخابات النيابية.
ب - المحاصصة القومية والطائفية من خلال تطبيق نظام مبدأ التمثيل النسبي في كل مؤسسات الدولة، وليس في مجال الانتخابات فقط بحيث يشغل المكان بناء على الانتماء القومي والطائفي، وليس على أساس الكفاءة.
ج - حق النقض للأقليات والأكثرية بدلاً من اتخاذ القرارات بالأغلبية السياسية.
د - حق كل قومية وطائفة في سورية بإدارة نفسها.
ومن الجدير بالإشارة إلى أن تطبيق الديمقراطية التوافقية في سورية يتطلب قرار من مجلس الأمن، وتوفير ضمانات دولية وقوة مراقبة عسكرية أممية مخولة من قبل الأمم المتحدة للدفاع عن الضمانات الدولية والنظام الديمقراطي التوافقي؛ وتكون رادعاً لكافة الأطراف للالتزام بالاتفاق، فالولايات المتحدة وجهتها دائماً باتجاه مصالحها، وما رفعها شعار نشر الديمقراطية في العالم العربي إلا سلعة جاهزة تروجها كقوة ناعمة عند اللزوم، فالوقائع أظهرت أنها تريد ديمقراطية على مقاييسها، فهي تحارب أي تجربة ديمقراطية وليدة بالعالم العربي، وتعمل على إفشالها وإسقاطها بكل السبل، وقد فعلت من منطلق أن قيام حكومات عربية منتخبة ستكون على غير استعداد لقبول املاءاتها، ولذلك ومن أجل الحفاظ على مصالحها التي هي على حساب حرية وحياة شعوب المنطقة قامت وتقوم بخطوات حثيثة لوأد الربيع العربي، وذلك من خلال إعادة إنتاج الأنظمة المستبدة الفاسدة التي تقوم على تحالفات بين الدولة العميقة والمعارضة الضعيفة غير الكفوءة.
ولهذا فإن أكثر ما تخشاه الولايات المتحدة الأميركية هو قيام دولة سورية مدنية ديمقراطية لكل السوريين ذات ثقافة عربية إسلامية تعترف بالثقافات الوطنية الأخرى؛ وتحترمها وتصونها، وتكون صاحبة مشروع ناهض حضاري في المنطقة، يكون من أولوياته استعادة الجولان السوري المحتل من قبل إسرائيل، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في دولة حرة، ولذلك لا تزال الولايات المتحدة الدولة العظمى المسؤولة عن السلم والأمن الدوليين تقف بإصرار يفتقد إلى الإنسانية والأخلاق إلى جانب نظام أقلية طائفي مستبد من خلال عدم رفع الغطاء السياسي والدبلوماسي عنه، وذلك من أجل الدفع بالسوريين الثائرين مرغمين إلى الإذعان والقبول بأن تكون سورية دولة قائمة على المحاصصة القومية والطائفية على غرار النظام السياسي اللبناني وتجربة العملية السياسية التي أقامتها في العراق بعد الاحتلال؛ وهذه التجربة الفاشلة لطالما عدها الرئيس باراك أوباما نجاحاً ويردد ذلك في خطاباته حيث قال عنها([40]) : " في الحقيقة إن أحد أكبر الدروس المستفادة التي يمكن استخلاصها من هذه الفترة هو أن الانقسامات الطائفية لا ينبغي أن تؤدي إلى النزاع ففي العراق نحن نرى تباشير ديمقراطية متعددة الأعراق والطوائف ".
وكان قد بدأ التأسيس للمحاصصة القومية والطائفية من أجل تطبيق الديمقراطية التوافقية منذ قيام المجلس الوطني السوري، ومن بعده الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، فأغلبية الذين دخلوا فيه ليس على أساس الانتماء الوطني أو الحزبي أو الأيديولوجي أو الكفاءة السياسية، وإنما على أساس الانتماء القومي والمذهبي والعشائري والجهوي، وفي السياسة الأميركية حكم سورية يجب أن يكون بعيداً عن متناول أصحاب الثقافة العربية الإسلامية، لأنهم يشكلون حسب اعتقادهم خطراً على مصالحهم في المنطقة، ولاسيما على وجود إسرائيل، ولذلك يرون أن حماية هذه المصالح وديمومتها لا يكون إلا إذا كان الحكم في سورية تقوده الأقليات، ويقوم على المحاصصة القومية والطائفية، وعليه فإن غض النظر من قبلهم عما يقوم به النظام في سورية من جرائم ضد الشعب السوري الثائر ما هي إلا وسيلة ضغط للإذعان وقبول تلك المحاصصة، لأن قيام نظام وطني ديمقراطي سيكون ضد إسرائيل، وأقل استعداداً لقبول الإملاءات الأميركية.
ويظهر الموقف الأميركي السلبي الواضح من العرب السنة في المنطقة ومحاولة تهميشهم من خلال جلسة مجلس الشيوخ الأميركي التي عقدت في 9 تموز 2015  للموافقة على تعيين جوزيف دنفورد رئيساً جديداً لأركان الجيش الأميركي؛ حيث خرج عن التقليد العسكري، واتجه للتنظير السياسي، ونصح بتقسيم العراق إلى دولتين، أي ليس ثلاث دول كما روج من قبل نائب الرئيس جورج بايدن حين قدمه كمشروع للرئيس جورج دبليو بوش، وكان حينها في مجلس الشيوخ، وهنا أكد دنفورد لمجلس الشيوخ أنه على الرغم من ادعائه بأن ليس من اختصاصه الحديث عن الشكل المحتمل للعراق في المستقبل لكنه تصور وجود دولتين، شيعية وكردية فيه، وصعوبة تخيل وجود دولة للسنة لنقص الموارد المتاحة، لأنه من مجرد منظور الموارد الاقتصادية البحتة والقدرة على إدارة الحكم، فالشيعة والأكراد كتلتان جاهزتان أكثر بكثير من السنة لإقامة دولة مستقلة، وأكد لهم أيضاً أن القوات البرية الأكثر فعالية في كلٍ من سورية والعراق هي القوات الكردية، وأن الأكراد يحصلون من الولايات المتحدة على الدعم المادي والتدريب([41]).
3 – تفضيل الأقليات على الأكثرية
منذ أن اندلعت الثورة السورية والإدارة الأميركية ما انفكت تؤكد على حماية الأقليات والدفاع عنهم، وتفضيلهم وترجيحهم على الأكثرية، وكأن الأخيرة هي من تحكم سورية، وتمارس جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية ضدهم وليس العكس، فبعد 45 يوماً من اندلاع الثورة عقد السفير الأميركي في سورية روبرت فورد لقاء مهماً مع قادة المعارضة السورية في منزل المعارض رياض سيف، وقال لهم بمنتهى الوضوح([42])  : " النظام لن يرحل ولن تسمح الولايات المتحدة بإبادة العلويين وإخراجهم من المعادلة ".
وفي لقاء جنيف في كانون الأول 2011 الذي جمع بين وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون والمجلس الوطني السوري أكدت لهم كلينتون ألا مستقبل للأكثرية من دون إعطاء الأقليات كامل حقوقها، ويجب تقديم الضمانات لهم، وقد قالت([43]): " ما زالت هناك أعمال أخرى بانتظاركم للحصول على الشرعية المطلوبة، وأذكركم هنا بضرورة الحوار والانفتاح مع كل أطراف المعارضة، وتوحيد صفوفها، وعدم نسيان الأقليات في سورية، فلا مستقبل للأكثرية من دون إعطاء الأقلية كامل حقوقها، وأنا أدرك أن المعارضة السورية الممثلة هنا تعترف بأن الأقليات السورية لها شرعية التساؤل والاهتمام بالمستقبل، وأنه يجب تقديم الضمانات لها من أن المستقبل سيكون أفضل في ظل نظام يتميز بالتسامح، والحرية وتكافؤ الفرص، واحترام الكرامة على أساس التوافق، وليس حسب نزوات ديكتاتور.
رسالتنا لكم أيضاً هي ضمان حماية الأقليات، والمجموعات العرقية والنساء في سورية ما بعد الأسد، وهذا يعني توجيه سورية على درب دولة القانون، وحماية الحقوق الدولية لكل المواطنين بغض النظر عن الطائفة، أو العرق، أو الجنس، وأنا أعدكم أننا سنناقش ما يقوم به المجلس لضمان أن يكون برنامجه شاملاً لكل الأقليات من أجل مواجهة محاولات النظام للتفرقة، وتحريض هذه المجموعة العرقية أو الدينية ضد الأخرى ".
وفي 24 أيلول 2013 وبخطاب للرئيس باراك أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة أكد على أن التسوية السياسية في سورية رهناً بمعالجة مخاوف الأقليات، وقد قال([44]) : " لا يمكن التوصل إلى تسوية سياسية دون معالجة المخاوف المشروعة والعوامل المثيرة للقلق لدى العلويين والأقليات الأخرى، ونحن ملتزمون بالعمل على هذا المسار السياسي، وفي الوقت الذي نسعى فيه إلى التوصل إلى تسوية دعونا نتذكر أن هذا المسعى ليس مسعى محصلته صفرية - أي طرف يفوز بكل شيء، وطرف آخر لا يفوز بأي شيء - إننا لم نعد في حقبة الحرب الباردة ".
ومن أجل الحفاظ على نظام الأقلية واستمراره في حكم سورية، أعلن مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية جون برينان أنه لا بلاده ولا روسيا ولا التحالف الدولي ولا الدول الإقليمية تريد انهيار الحكومة السورية؛ والمؤسسات التابعة لها لأن ذلك من شأنه أن يخلي الساحة للجماعات الإسلامية المتطرفة، ولاسيما تنظيم الدولة الإسلامية([45]).
كما صرح وزير الخارجية الأميركية جون كيري أن على الولايات المتحدة التفاوض مع الأسد إذا كان جاهزاً لإجراء محادثات جدية بشأن تطبيق اتفاق جنيف 1 عام 2012([46]).
وكان قد تردد عن بعض أعضاء من المعارضة السورية أن ثمة اجتماعاً قد ضم أعضاء من المجلس الوطني، ومن ثم أعضاء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية مع السفير الأميركي في سورية روبرت فورد حيث قال لهم في العام 2012 : " إن كنتم تظنون أن الإدارة الأميركية ستذهب لإسقاط نظام بشار الأسد فأنتم واهمون، وأسقطوا هذا من حسباتكم ! . ثم كان له اجتماع في عام 2013 مع أعضاء من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، حيث قال لهم : " لا تتوقعوا أن الولايات المتحدة ستتخلى عن الطائفة العلوية بل هي خط أحمر ".
وبما أن حماية الأقليات عنصر مهم في السياسة الأميركية ومحل اهتمامها ومشاغلها أكثر من الأكثرية التي تباد في سورية، فقد  ألقت مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى آن دبليو باترسون في 26 آذار 2014 كلمة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، قالت فيها([47]) : " أعرف أن سلامة الأقليات في سورية هي أحد الشواغل الرئيسة لدى أعضاء هذه اللجنة، وهي كذلك بالنسبة لنا أيضاً، ونحن نشعر بالقلق البالغ إزاء محنة المدنيين كافة في سورية، بمن في ذلك المسيحيون وغيرهم من الأقليات الدينية، إن حماية الحقوق الأمنية والدينية لهذه المجتمعات المحلية، فضلاً عن حقوق المرأة، هي عناصر مهمة في سياستنا، وستكون من الضروري لأية تسوية سياسية في المستقبل ".
وكذلك أصدر البيت الأبيض في 10 أيلول 2014 بياناً حول الاستراتيجية الأميركية لمجابهة تنظبم الدولة الإسلامية، جاء فيه حول الدعم الإنساني([48]) : " فيما تسعى داعش إلى تدمير التنوع الموجود في المناطق التي تروعها، فإننا سنواصل العمل للمساهمة في منع ارتكاب الفظائع الجماعية لاسيما ضد الأقليات الدينية والعرقية الضعيفة ".
وعليه فإن تركيز الخطاب السياسي الأميركي على تفضيل الأقليات وترجيح كفتها على الأكثرية في سورية هو ممارسة للتمييز بأنواعه لأنه يخالف المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تؤكد على([49]) : " لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز،  كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر ".
ولذلك فإن هذه السياسة الأميركية التمييزية في تفضيل الأقليات على الأكثرية دفعت بالناشطة السورية هند قبوات - مسيحية - عندما أدلت بشهادتها أمام الكونجرس الأميركي خلال جلسة استماع حول استهداف الأقليات في سورية إلى نقدها وعدتها غير أخلاقية([50]).
ومن الجدير بالذكر أن استخدام الولايات المتحدة سياسة الدفاع عن الأقليات وتفضيلها وترجيحها على الأكثرية وتخويفهم منها، هي وسيلة لربطهم بها والاعتماد عليها خاصة وعلى الغرب عامة، ولتكون الثغرة للتدخل الدائم بالشؤون الداخلية للمجتمع السوري وخلخلته عند اللزوم، وإحداث فجوة بينهم وبين الأكثرية، ومن ثم تخويفهم وإبعادهم عنها، في حين كانت وستبقى الأكثرية هي الضامنة الوحيدة لحقوقهم ووجودهم.
4 - نزع السلاح الكيميائي السوري
يعد التخلص من أسلحة الدمار الشامل من الأهداف المهمة التي تسعى السياسة الخارجية الأميركية إلى انجازها تجاه سورية، وقد بدا هذا جلياً منذ أن أعلن البيت الأبيض في 11 أيار 2003 تنفيذ قانون محاسبة سورية، واستعادة السيادة اللبنانية، الذي كان قد أصدره الكونجرس في كانون الأول 2003، والذي تضمن فرض عقوبات محددة على الحكومة السورية كان من أسبابها سعيها لامتلاك أسلحة الدمار الشامل([51]).
وقد جاء اندلاع الثورة السورية لتكون الفرصة سانحة لانتزاع هذا السلاح الرادع ضد إسرائيل من يد الشعب السوري، وإخراجه من معادلة الصراع والحرب معها من خلال إثارة مسألته بين الحين والأخر من قبل الإدارة الأميركية تحت ذريعة التخوف من استخدامه من قبل النظام ضد الشعب السوري؛ أو وقوعه تحت سيطرة ميليشيا حزب الله، أو الجماعات الجهادية المقاتلة في سورية، ولكنها كانت محاولات استباقية لنزعه وتحييده كسلاح ردع يمتلكه الشعب السوري ضد إسرائيل، فاتبعت سياسة توريط النظام بالتغاضي والسكوت عن ارتكابه الجرائم، فعلى الرغم من إدانته والإقرار بأن ما جرى ويجري في سورية هي ارتكاب جرائم ضد الإنسانية باعتراف مجلس حقوق الإنسان؛ إلا أن الأمم المتحدة ظهرت عاجزة عن اتخاذ الإجراءات والتدابير الضرورية لوقف نزيف الدم المستمر والمجازر وحماية المدنيين السوريين من نظام امتهن القتل المنظم، ولم توص بإحالة ملف الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة التي تهدد وتخل بالسلم والأمن الدوليين إلى محكمة الجنايات الدولية، والذي تنص عليه الفقرة 1 من المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد على أن مقاصد الأمم المتحدة هي حفظ السلم والأمن الدوليين، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد ذلك لإزالتها([52]).
وقد شجع عدم اتخاذ الإجراءات الضرورية والتدابير المشتركة من قبل الأمم المتحدة، النظام في سورية على استخدام السلاح الكيميائي في الذكرى الأولى لتصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما في 20 آب 2012، الذي حذر فيه من أن استخدام الأسلحة الكيميائية خط أحمر، وسوف يغير قواعد اللعبة، ويتطلب رداً حازماً، ولكن البيت الأبيض أصدر بياناً عن استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية حيث أكد فيه أن تقديرات حكومة الولايات المتحدة توصلت إلى أن الحكومة السورية قد نفذت هجوماً بالأسلحة الكيميائية في ضواحي دمشق في 21 آب 2013، كما توصلت كذلك إلى أنه قد استخدم غاز الأعصاب في الهجوم، وتستند هذه الاستنتاجات المستمدة من كافة المصادر إلى مؤشرات واستخبارات بشرية، وكذلك من خلال الجغرافية المكانية، فضلاً عن مجموعة كبيرة من التقارير من مصادر مفتوحة، وقد تم تبادل الاستنتاجات والتقييمات المصنفة تصنيفاً سرياً مع الكونجرس الأميركي ومع الشركاء الرئيسيين([53]).
وفي 31 آب 2013 أصدر الرئيس باراك أوباما بياناً أكد فيه إن ما حصل في سورية هو أسوأ هجوم بالأسلحة الكيميائية في القرن الـواحد والعشرون، وحمل الحكومة السورية مسؤولية هذا الهجوم، وعده اعتداء على كرامة الإنسان، وخطراً جسيماً على الأمن القومي الأميركي، ومخاطرة في التملص من الحظر العالمي على استخدام الأسلحة الكيميائية، ويعرض أصدقاء وشركاء على طول الحدود السورية للخطر بما في ذلك إسرائيل والأردن وتركيا ولبنان والعراق، ويمكن أن يؤدي إلى زيادة استخدام الأسلحة الكيميائية أو انتشارها إلى الجماعات الإرهابية التي لن تتوانى عن إيذاء الشعب الأميركي، وأنه بعد دراسة متأنية قرر القيام بعمل عسكري ضد أهداف للنظام السوري، وقد أبلغ من رئيس هيئة الأركان المشتركة الاستعداد لشن ضربة في أي وقت، وهو على استعداد لإصدار هذا الأمر، ورغم أنه قد اتخذ قراره بصفته القائد العام للقوات المسلحة، إلا أنه قد اتخذ قراراً ثانياً بالسعي للحصول على تفويض لاستخدام القوة من ممثلي الشعب الأميركي في الكونجرس، مع أن الرئيس يتمتع بالصلاحيات اللازمة لتنفيذ هذا العمل العسكري من دون تفويض محدد منه، مبرراً ذلك أن البلاد ستكون في وضع أقوى فيما لو اتخذ مسار التفويض هذا وستكون الإجراءات أكثر نجاعة([54]) .
وأمام هذا التهديد الأميركي تدخلت روسيا، وفي ١٩ أيلول ٢٠١٣ أرسل الممثلان الـدائمان للاتحـاد الروسـي والولايات المتحدة الأميركية لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين وسامانثا باور رسالة إلى الأمين العام، في مضمونها إطـار العمـل للقـضاء علـى الأسـلحة الكيميائيـة الـسورية، بناء على ما تم التوصــل إليــه في جنيــف في ١٤ أيلــول ٢٠١٣ بــين وزيــر خارجيــة الاتحــاد الروسي سيرغي لافروف، ووزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري([55]).
وفي ٢٧ أيلول ٢٠١٣ اتخذ مجلس الأمن القرار ٢١١٨، والذي أكد فيه على أن انتشار الأسلحة الكيميائية، وكذلك وسائل إيصالها يشكل ﻬديداً للسلم والأمن الدوليين، وأن الجمهورية العربية السورية أودعت لدى الأمين العام في ١٤ أيلول ٢٠١٣ صك انضمامها إلى اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية، وتدمير تلك الأسلحة، وأعلنت أﻬا ستمتثل لأحكامها وتحترمها بأمانة وإخلاص، وقد رحب المجلس بإطار عمل إزالة الأسلحة الكيميائية السورية الصادر في ١٤ أيلول ٢٠١٣، الذي جرى التوصل إليه في جنيف بين الاتحاد الروسي والولايات المتحدة، ﻬدف ضمان القضاء على برنامج الجمهورية العربية السورية للأسلحة الكيميائية في أسرع وقت وبأسلم وجه، وعبر عن التزامه بالتعجيل بالسيطرة الدولية على الأسلحة الكيميائية السورية ومكوناﻬا، ورحب بقرار اﻟﻤﺠلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية الصادر في ٢٧ أيلول ٢٠١٣ ، الذي يضع إجراءات خاصة للإسراع بالقضاء على برنامج الأسلحة الكيميائية السورية، وإخضاعه لتحقيق صارم، وعن تصميمه على ضمان القضاء عليه، وفقا للجدول الزمني الوارد في قرار اﻟﻤﺠلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية الصادر في ٢٧ أيلول ٢٠١٣([56]).
وفي 18 آب 2014 أصدر الرئيس باراك أوباما بياناً حول استكمال تدمير الأسلحة الكيميائية السورية على متن السفينة م/ف كيب راي محتفياً بتحقيق انجاز مهم، وقد جاء فيه([57]) : " إننا اليوم نحتفي بتحقيق إنجاز مهم في جهودنا المتواصلة لمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، وذلك بالقضاء على مخزون الأسلحة الكيميائية السورية المعلن عنها، فقد قام المتخصصون الأميركيون المدنيون والعسكريون بتدمير تلك الأسلحة الكيميائية، وهي الأكثر فتكاً في حيازة النظام السوري، وقد تم ذلك باستخدام قدرات أميركية فريدة على متن السفينة إم في كيب راي، وقد فعلوا ذلك على متن تلك السفينة الأميركية قبل عدة أسابيع من الموعد المحدد، إن هذا الأمر يشكل معلماً تاريخياً، وعلامة فارقة في جهود المجتمع الدولي بقيادة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتجريد النظام السوري من أسلحته الكيميائية ".
وفي 18 آب 2014 أصدر وزير الخارجية الأميركية جون كيري بياناً عد فيه إزالة برنامج الأسلحة الكيميائية السورية علامة تاريخية فارقة، وقد قال([58]) : " إننا نسجل في هذا اليوم معلماً تاريخياً فارقاً في عملنا الحازم، الذي لا يلين في سبيل ضمان إسدال الستار على الترسانة الكيميائية الفتاكة التي لدى نظام الأسد، ولقد فرغت الولايات المتحدة من إبطال مفعول أسلحة النظام الكيميائية الأشد فتكاً على متن السفينة كيب راي " .
وفي ظل الاتفاق الأميركي الروسي على إزالة الأسلحة الكيميائية السورية وتدميرها، تم تحويل نظام قام بارتكاب الجرائم، ويمثل خطراً على مجتمعه وعلى سلم وأمن المجتمع الدولي، ومدان من قبله، إلى طرف وشريك في تبرير هذه الجريمة وذلك من خلال إدانة الولايات المتحدة له وسكوتها عن استمراره باستخدام البراميل المتفجرة بدل الكيميائي في قتل الشعب السوري، وذلك لدفع الشعب للقبول بالحل السياسي بناء على بيان جنيف 1 حزيران 2012، الذي يؤكد على إعادة إنتاج مؤسسات النظام، ولاسيما الجيش والشرطة والمخابرات، ويمكن تطبيقه بناء على الفصل السادس، وبقوة الفصل السابع، مع إمكانية ترحيل أسرة الأسد، وضمان سلامتها، وتحويل النظام من نظام قائم على الطائفية السياسية، إلى نظام قائم على القومية والطائفية السياسية، وإخراج سورية من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، مثلما أخرجت من قبل مصر والعراق، وبذلك يكون نظام الأقلية قد سلم الجولان إلى إسرائيل من دون قتال في حرب حزيران 1967، وأخرج سورية من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي من دون حرب في أيلول 2013، من خلال الموافقة على إزالة وتدمير برنامج الأسلحة الكيميائية السورية.
5 – تحويل اتجاه الصراع في المنطقة
قامت السياسة الأميركية على تحويل اتجاه الصراع في المنطقة من صراع عربي إسرائيلي إلى صراع طائفي عربي سني فارسي شيعي؛ وإلى صراع قومي عربي كردي، وذلك من خلال تمكين إيران في المنطقة، وكذلك تمكين الأكراد والاعتماد عليهم في العراق وسورية، وإعطائهم دوراً سياسياً وعسكريأً أكبر من حجمهم وإمكاناتهم وقدراتهم الحقيقية في المنطقة، وهدف الاستراتيجية الأميركية من ذلك هو إشغال العرب والفرس والأكراد ببعضهم بعضاً، والغاية تكمن في أمن واستقرار إسرائيل.
وفيما يتعلق بتمكين إيران في المنطقة، وتوسيع نفوذها، فقد عملت الولايات المتحدة على ذلك منذ أن قامت بغزو أفغانستان، وإسقاط نظام طالبان الإسلامي والملا عمر في 2001، ومن ثم غزو العراق، وإسقاط النظام البعثي، والرئيس صدام حسين في 2003 وإعدامه فيما بعد، حيث كان النظامان وبخاصة البعثي العراقي يشكلان عائقاً استراتيجياً أمام الطموحات الإيرانية، ولذلك قامت إيران بمساعدة الولايات المتحدة بالإطاحة بهما، وقد أكد ذلك محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، في أن بلاده قدمت الكثير من العون إلى الولايات المتحدة في حربها ضد أفغانستان والعراق، وأنه لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة، واعترف الرئيس الإيراني السابق محمد أحمدي نجاد أن العراق وأفغانستان كانتا تمثلان تهديداً مباشراً لإيران وقد جعلهم الله في سلة إيران([59]).
وقد أسهم إسقاط نظام طالبان في أفغانستان، والنظام البعثي في العراق من قبل الولايات المتحدة بالإخلال بالتوازن الإقليمي، وبتوسع النفوذ الإيراني جيوسياسياً في المنطقة، فأصبحت إيران اللاعب الأكثر تأثيراُ في العراق وسورية ولبنان واليمن، وهذا ما دفع وزير الإستخبارات الإيراني السابق حيدر مصلحي في حكومة محمود أحمدي نجاد إلى القول([60]) : " إن إيران تسيطر فعلاً على أربع عواصم عربية ". وقد سبق لمسؤولين إيرانيين أن صرحوا بتوسعة نفوذهم في المنطقة، فالجنرال حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني قال([61]) : " إن المسؤولين في إيران لم يكونوا يتوقعون هذا الانتشار السريع للثورة الإسلامية خارج الحدود، لتمتد من العراق إلى سورية ولبنان وفلسطين والبحرين واليمن وأفغانستان "، ومستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات علي يونسي عد العراق عاصمة لإمبراطورية إيران الجديدة([62])، ونائب قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني اللواء إسماعيل قائاني قال([63]) : " إن إيران مستمرة بفتح بلدان المنطقة، وإن الجمهورية الإسلامية بدأت بسيطرتها على كل من أفغانستان والعراق وسورية وفلسطين، وإنها تتقدم اليوم في نفوذها في بقية بلدان المنطقة ".
وكذلك أسهمت السياسة الأميركية ذات المعايير المزدوجة تجاه دول المنطقة إلى تزايد قوة إيران السياسية، وتضاعف قوتها العسكرية التقليدية وغير التقليدية في الإقليم، وذلك من أجل تهديد وابتزاز دول الخليج العربي للاعتماد عليها بالتسلح والأمن، فدخلت الولايات المتحدة مع إيران في مفاوضات حول برنامجها النووي استمرت لحوالي 13 عاماً، وتم التوصل إلى اتفاق أولي لخطة عمل شاملة مشتركة حوله في نيسان 2015([64])، واتفاق نهائي في تموز 2015([65])، في حين لم تمنح هذه الفرصة للعراق العربي، ولم تسمح له بامتلاك أسباب العلم والقوة، وقطعت آلاف الأميال لغزوه وتدميره، ما أدى ذلك إلى تحويل العراق إلى دولة فاشلة، وكانت ذرائع المحتل اتهامه بدعم الإرهاب، وامتلاك أسلحة الدمار الشامل، والتي ظهرت بأنها تهمة متهافتة([66])
وعندما اندلعت الثورة السورية، تدخلت إيران لدعم ومساندة النظام اقتصادياً وعسكرياً، وذلك عبر أذرعها من الميليشيات الطائفية في لبنان والعراق واليمن، وكذلك من أتباع الولي الفقيه في أفغانستان والباكستان، ولم تقف عند ذلك بل قامت بدعم النظام بقوات من الحرس الثوري اليراني، وقد سبق لوزير الدفاع الأميركي ليون إي بانيتا أن اتهم في 14 آب 2012 إيران بأنها تعزز وجودها في سورية، من خلال دعمها لنظام بشار الأسد، بتدريب قوات وميليشيات تابعة للنظام، وتنفيذ تكتيكات أخرى([67]).
وعلى الرغم من هذا التدخل السافر في المشاركة في قتل الشعب السوري وتهجيره وتدمير دياره، وهذا يخالف ميثاق الأمم المتحدة ولاسيما السلم والأمن الدوليين، ومع كل هذا لم تمنع الولايات المتحدة إيران من هذا التدخل، ولم تدفع الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى اتخاذ التدابير والإجراءات ضد إيران، كما فعلت من قبل مع العراق، بهدف خلق ردة فعل مقابل من العرب السنة، لترسيخ الشرخ والشق الطائفي بالمنطقة، وأيضاً لاتهام الثورة السورية بالإرهاب، ومن ثم الدعوى إلى محاربته بذريعة التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية، وليس النظام الذي يقتل الشعب السوري بالبراميل المتفجرة وغاز الكلور، وكان المؤهلون لمشاركتها حربها على ما يسمى الإرهاب النظام الإيراني والنظام في سورية، والأكراد في شمال العراق، ولكنها اعتمدت على الميليشيات التابعة لإيران في العراق التي أطلقت على نفسها الحشد الشعبي، وعلى القوات الكردية - البيشمركة -  في شمال العراق التابعة لمسعود البرزاني، وعلى ميليشيا قوات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي المؤيد للنظام في سورية والذي تصنفه وزارة الخارجية الأميركية كمنظمة إرهابية([68])؛ وبسبب هذه التداخلات والمصلحة الأميركية فقد قامت بتجاوز ماضيهم الإجرامي بذريعة الحرب على الإرهاب، الذي ربطته بالعرب السنة، من حيث دينهم، وفقهم، وثقافتهم، وحضارتهم، علماً أن تنظيم الدولة الإسلامية لا يمثل الإسلام برأي علماء السنة([69]). فهو تنظيم مجهول عابر للقوميات والحدود، في حين أن الآخرين الذين استخدمتهم الولايات المتحدة طائفيون، وعنصريون، يمثلون مكونات محددة، ولا يختلفون بشيء عن تنظيم الدولة الإسلامية لا بالفكر المتطرف، ولا بالسلوك المنحرف، ولا بارتكاب الجرائم، لاسيما الحشد الشعبي الشيعي في العراق، وقوات حماية الشعب الكردية في سورية، وهذه الأخيرة قد ارتكبت التطهير العرقي ضد العرب والتركمان في محافظتي الحسكة والرقة، وتم ذلك بحماية طيران التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وهذا ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى اتهام الغرب بالتواطؤ مع الأكراد، حيث قال([70]) : " إن الغرب الذي يطلق النار على العرب والتركمان، يعمل للأسف على إحلال حزب الاتحاد الديمقراطي، وحزب العمال الكردستاني مكانهم ".
وأضاف المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية تانجو بيلغيج قائلاً([71]) : " إن أكثر من 13 ألف شخص عبروا الحدود من سورية إلى تركيا ".
هذه الاتهامات دفعت المتحدث باسم الخارجية الأميركية جيف راثكي للرد عليها بالقول([72]) : " لقد نقلنا مخاوفنا لحزب الاتحاد الديمقراطي حول سجلهم في حقوق الإنسان، بما في ذلك ترويع أحزاب سياسية كردية منافسة في السابق، وأن الضربات الجوية التي توجهها قوات التحالف الدولي إلى تنظيم الدولة، هي ضربات مركزة على الحرب ضد التنظيم، وليست لأي غرض آخر ".
وأعلنت الولايات المتحدة أن اتصالاتها مع حزب الاتحاد الديمقراطي تتم عبر وسطاء لم تحددهم وليست مباشرة([73]).
وكانت الأحزاب الكردية في العراق ممثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني،، وفي ما بعد في سورية ممثلة بحزب الاتحاد الديمقراطي، ومن أجل تحقيق حلم الدولة القومية الكردية قد قدموا وعرضوا للولايات المتحدة ومنذ غزو العراق في 2003 على أن الأكراد من الممكن أن يكونوا مثل إسرائيل في المنطقة تخدم بتفان؛ ومن دون شروط الاستراتيجية والسياسة الأميركية، فهم قد تعاونوا مع الولايات المتحدة بغزو العراق، وفي حربها ضد الإرهاب، وهذا ما أدى إلى أن تطبق الولايات المتحدة السياسة نفسها التي اتبعتها مع الأكراد في العراق على أكراد سورية، ولم تتحرج من بناء علاقات مع حزب الاتحاد الديمقراطي على الرغم من قربه من النظامين في سورية وإيران، وعداوته لتركيا، وكذلك دعمها لقواته في معارك عين العرب وتل أبيض، وهذا ما قامت به أيضاً في العراق بعد السيطرة على الموصل من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، حيث وضعت الولايات المتحدة ثقلها من أجل وقف تقدمه باتجاه أربيل، وقدمت للقوات الكردية – البيشمركة - كل أشكال الدعم من أجل طرده من بعض النقاط الاستراتيجية([74]).
وفي 10 أيلول 2014 خاطب الرئيس باراك أوباما الشعب الأميركي عما ستقوم به الولايات المتحدة مع أصدقائها وحلفائها للحد من قدرة تنظيم الدولة الإسلامية، والقضاء عليه، وذلك من خلال استراتيجية شاملة ومستدامة لمكافحة الإرهاب، عبر القيام بحملة منظمة من الضربات الجوية ضده، ودعم القوات التي تقاتله في الميدان، وأنه قد أصدر تعليمات إلى القوات الأميركية لكي تقوم بعمليات لوقف تقدمه، وقد قامت بتوجيه ضربات جوية ناجحة بحيث سمحت للقوات العراقية والكردية باستعادة مناطق مهمة، وأنه أصدر توجيهاته بإيفاد عدة مئات من العسكريين الأميركيين إلى العراق لتقييم كيفية دعم قوات الأمن العراقية، وتقديم المساندة للقوات العراقية والكردية في مجالات التدريب والتخابر والعتاد، وفيما يخص سورية فقد رفعت الولايات المتحدة من مساعداتها العسكرية للمعارضة السورية، وأهاب بالكونجرس كي يمنحه تفويضاً وموارد إضافية لتدريب هؤلاء المقاتلين، وتزويدهم بالعتاد، لأنه في القتال ضد داعش لا يمكن التعويل على نظام الأسد الذي يرهب شعبه، ولذلك فإن تقوية المعارضة باعتبارها أفضل من يشكل التوازن المتكافئ مقابل داعش، وفي الوقت ذاته السعي للتوصل إلى حل سياسي بهدف إنهاء الأزمة السورية([75]).
ومن الجدير بالذكر هنا أن الرئيس باراك أوباما يقصد بالمساعدات العسكرية التي رفعتها الولايات المتحدة، والتي ستقدمها للمعارضة السورية، ليس للكتائب العسكرية الوطنية التي تقاتل النظام، إنما لقوات حماية الشعب الكردية حصراً، لتمكينها عسكرياً وتنظيمياً كي تفرض واقعاً سياسياً في سورية بذريعة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، ولتكون أداة تعول عليها الولايات المتحدة في سورية. 
وتأسيساً على تكريس تحويل اتجاه الصراع في المنطقة من عربي إسرائيلي إلى عربي فارسي كردي، قد مارست الولايات المتحدة سياسة المعايير المزدوجة القائمة على استهداف وتجريم الجماعات المقاتلة السنية، وغض النظر عن الجماعات المقاتلة الشيعية والكردية، ففي 11 كانون الأول 2012 أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً أدرجت فيه جبهة النصرة على قائمة المنظمات الإرهابية باعتبارها اسماً مستعاراً لتنظيم القاعدة في العراق([76]). وفي 22 آب 2014 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شخصين عدتهم من كبار ممولي جبهة النصرة وتنظيم القاعدة([77]). وفي 24 أيلول 2014 وبناء على دعوة من قبل الولايات المتحدة عقد مجلس الأمن جلسة حول الإرهاب برئاسة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وقد اتخذ فيها القرار 2178 الذي أكد على أن الإرهاب قد أصبح أكثر انتشاراً، وأنه يمثل أحد أشد الأخطار على السلم والأمن الدوليين، ولكن لا يمكن ولا ينبغي ربطه بأي دين أو جنسية أو حضارة، وإزاء الخطر الشديد والمتنامي الذي يشكله المقاتلون الإرهابيون الأجانب - أي الأفراد الذين يسافرون إلى دولة غير التي يقيمون فيها، أو يحملون جنسيتها، بغرض ارتكاب أعمالاً إرهابية أو تدبيرها أو الإعداد لها أو المشاركة فيها، أو توفير تدريب على أعمال الإرهاب، أو تلقي ذلك التدريب بما في ذلك في سياق النزاعات المسلحة - وأنه قد عقد العزم على التصدي لهذا التهديد، ولاسيما تجنيدهم هؤلاء بصفة خاصة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة وغيرها من خلايا تنظيم القاعدة، أو الجماعات المرتبطة بها أو المنشقة عنها أو المتفرعة منها، وقد طلب من الدول الأعضاء أن تتخذ مجموعة من الإجراءات والتدابير والتشريعات لمواجهة هذا التهديد، وذلك بمنعهم من دخول أو عبور أراضيها، وتطبيق تشريعات تؤدي إلى ملاحقتهم أمام القضاء، كما دعاهم إلى تبادل المعلومات حولهم ومنع حركتهم، وملاحقتهم قضائياً، والامتثال التام لأحكام ميثاق الأمم المتحدة في مكافحة الإرهاب، والتصرف بموجب الفصل السابع منه([78]).
ولكن القرار 2178 ربط الإرهاب بالإسلام، وتحديداً بأهل السنة، لأنه ربط تعريف المقاتلين الإرهابيين الأجانب بمجموعات مقاتلة سنية، واستثنى الميليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية الشيعية، والكردية التي تنطبق عليها المواصفات نفسها التي جاءت بالقرار، وهذا يعني أن الإرهاب مرتبط بالعرب السنة، ولذلك فإن سياسة المعايير المزدوجة التي تسير عليها الولايات المتحدة تجاه الموقف من قوى الصراع،  تميل نحو فئة معينة، حيث تدين وتحارب إرهاب وتطرف تنظيم الدولة الإسلامية والنصرة، ولكنها تتجاهل إرهاب وتطرف الميليشيات الشيعية والكردية، وهذا سيزيد من الصراع، ويشكل عامل جذب قوي للتمترس الطائفي والعرقي، ومحركاً دائماً للتوتر العربي السني، الفارسي الشيعي، والقومي العربي الكردي، أي أننا أمام صراع مذهبي عرقي غير منته .
وكانت بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في 24 أيلول 2014 قد أصدرت بياناً حول قرار مجلس الأمن رقم 2178 عدت فيها الجلسة التي رأسها الرئيس باراك أوباما قمة تاريخية رفيعة المستوى لمجلس الأمن الدولي؛ لأنها تمحورت على موضوع تزايد ظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب في جميع أنحاء العالم، حيث تبنى مجلس الأمن قراراً يتضمن سياسة جديدة، وإطاراً قانونياً للعمل الدولي للرد على هذا التهديد([79]).
وكان مجلس الأمن قد أصدر في 17 حزيران 2014 القرار 2161، حيث كرر فيه إدانته لتنظيم القاعدة وسائر من يرتبط به، لما يمثله من خطر على السلم والأمن الدوليين، وتصميمه على التصدي لهذا الخطر([80])
كما أصدر مجلس الأمن في 15 آب 2014 القرار 2170 الذي عبر فيه عن بالغ قلقه لوقوع أراض في العراق وسورية تحت سيطرة تنظيم الدولة، وجبهة النصرة، ومن الأثر السلبي لوجودهما وأفكارهما المتطرفة، وأعمالهما العنيفة على الاستقرار في العراق وسورية، والمنطقة، وأدان مجلس الأمن في هذه القرار كلاً من تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة([81]).
وبعد أن صدر قرار مجلس الأمن 2170 أكدت السفيرة سامانثا باور مندوبة الولايات المتحدة الدائمة لدى الأمم المتحدة أن نمو وتوسع تنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة، والشركاء الآخرين لتنظيم القاعدة، يمثل تهديداً خطيراً على الشعبين السوري والعراقي، وللمنطقة والمجتمع الدولي برمته([82]).
وقد وصف روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة في المنطقة بين الفرقاء سياسة الأصدقاء الأعداء المزدوجة؛ وأنها قد حققت إنجازاً كبيراً، إذ أصبح بإمكانها إبقاء قواتها بعيدة عن الخطر، واستطاعت من خلال العمليات الدبلوماسية المناورة في المنطقة للتوصل إلى موازنة في القوى بين السنة والشيعة، وبهذا تكون قد حققت إنجازاً أكبر لأنها لم تستخدم سياسة الركائز المزدوجة، أو سياسة الاحتواء المزدوج،  بل اتبعت سياسة الأصدقاء الأعداء المزدوجة، وذلك بتحول حلفاء واشنطن العرب السابقين إلى خصوم، وتحول خصومها السابقين الإيرانيين إلى حلفاء، في حين تؤدي الولايات المتحدة الدور القائم على فرض التوازن الحساس بين هذه الأوضاع([83]).
6 – تجريم الإسلام والأكثرية واتهامهم بالإرهاب
منذ القرن السابع الميلادي ارتبط الإسلام بجانبه العقدي وثقافته وحضارته المتميزة بالعرب وتاريخهم، فالنبي محمد عربي، ومن جزيرة العرب خرجت جيوش الفتح الإسلامي، والدولة الإسلامية التي تنقلت في عواصم مختلفة – المدينة ودمشق وبغداد – كانت السلالات الحاكمة عربية، واستطاعت الدولة الإسلامية أن تهضم كل الثقافات التي تكون النسيج المجتمعي لها، ومنها نشأت الحضارة العربية الإسلامية، ولذلك أصبح الإسلام جزءاً مهماً في تكوينهم وإلهامهم كقوة دافعة وواقية، وميزة لهم، ومن ثم محل اعتزازهم وفخرهم وكبريائهم، وهذا ما دفع المستشرق برنارد لويس إلى القول([84]) : " هناك شيء ما في الثقافة الدينية الإسلامية ألهم حتى أولئك الناس الأكثر تواضعاً وسذاجة شعوراً بالكرامة والاحترام والتعالي تجاه الآخرين بشكل نادر جداً، قل أن نجحت الحضارات الأخرى في تحقيقه " .
ومنذ أن ظهر الإسلام فقد شكل خطراً على أوربا المسيحية، وقد نظروا إليه على أنه (دين مبتدع مزيف نشر بقوة السيف)([85])، إلى جانب نظرة من العداء والخوف تعود لدوافع دينية ونفسية وسياسية، وشعوراً بأن الإسلام يمثل منافساُ وتحدياً للمسيحية، وقد استمر هذا الخوف حتى بعد أن دخل المسلمون مرحلة الانحطاط، والغرب مرحلة النهضة([86]).
هذا الموقف السلبي من الإسلام والمسلمين عمم في الغرب المسيحي، وعززت ذلك الثقافة المعادية لهم، وبما أن معظم الأميركيين قد وصلوا إلى الأرض الجديدة من أوربا حاملين معهم الثقافة والمعتقدات والمشاعر الجماعية والرواسب الفكرية، ومنها كراهية الإسلام والمسلمين، والخوف والنفور منهم كأعداء([87]). فالموقف والصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين التي ورثها الأميركيون من أوربا، أضافوا إليها عناصر أميركية متأثرة بالإنجيل الذي يصورهم بطريقة سلبية جداً([88]) .
        ومن الجدير بالإشارة أن الأميركيين قد بدأوا في القرن التاسع عشر الاتصال بالعرب عن طريق المبشرين الذين يرسلون التقارير، ويؤلفون الكتب، وكانت على العموم لها أثار سلبية على الجمهور الأميركي، وعلى صناع السياسة الأميركيين([89]) .
وبعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الأنظمة الاشتراكية في أوربا الشرقية، وتفكك الاتحاد السوفيتي، وتفرد الولايات المتحدة الأميركية بقيادة النظام السياسي الدولي، وبالقرار والفعل في الساحة الدولية، في ظل هذه الأوضاع والظروف الجديدة كان لابد من خلق عدو بديل عن الاتحاد السوفيتي والشيوعية، وذلك لاستمرار المواجهة ، فكان العدو البديل في الاستراتيجية الأميركية الإسلام بكل أبعاده البشرية والفكرية والقيمية والحضارية، وكان من المنظرين لخلق العدو صموئيل هنتنغتون من خلال كتابه " صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي "، حيث عد الحضارة الإسلامية الحضارة الرئيسة المتحدية للغرب([90]). ويبدو من منطلق أن تاريخ هذه الحضارة التي يمثل العرب السنة عقلها، ووجدانها ويدها العاملة، كان ولا يزال حائزاً على قدر كبير من مكونات التحدي ومؤهلات التفوق .
وقد جاءت هجمات تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة في 11 أيلول 2001 لتزيد وترسخ من هذه الثقافة العدائية ضد الإسلام والمسلمين والعرب، وقد عمل الإعلام الأميركي وبعناية فائقة على تعزيز الخوف من الإسلام والمسلمين والعرب، وصناعة الرهاب من الإسلام أو ما يسمى " الإسلاموفوبيا "([91]) .
وعندما اندلعت الثورة السورية، ولغياب المجتمع المدني، وثقافته وآلياته بسبب الاستبداد وفرض حالة الطوارئ المزمنة على البلاد، فقد وجد الثائرون ضالتهم بالمساجد، باعتبار المسجد في التاريخ العربي الإسلامي ليس مكاناً لممارسة العبادة فحسب، بل منارة لتلقي العلم، ودعوة لرد الأذى الذي تتعرض له الأمة في أثناء المحن، وقد لجأ إليه الرئيس جمال عبد الناصر واعتلى منبره للتعبئة والتحشيد لرد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، كما أن التظاهرات السلمية وزخمها كان مرتبطاً بيوم الجمعة، حيث يوجد العدد الأكبر من المصلين، فكان الثائرون على اختلاف انتماءاتهم الدينية والأيديولوجية يتجمعون عند أبواب المساجد يوم صلاة الجمعة للانطلاق بالمظاهرات السلمية التي تحولت إلى ثورة لحمل السلاح من قبل المتظاهرين السلميين بسبب استخدام قوات النظام القوة المفرطة ضدهم؛ فانتشرت الكتائب المسلحة المقاتلة التي أطلقت على نفسها الأسماء الرمزية من التاريخ العربي الإسلامي، وحققت الانتصارات على قوات النظام وحلفائه، هذا التوجه بالعودة إلى الإسلام كعامل ملهم وحامل نهضوي، ترى فيه الولايات المتحدة مؤشراً خطيراً، وفرصة سانحة لتشويه الثورة السورية بربطها بالإرهاب، وتجريم الإسلام والعرب السنة بدعوى مكافحة الإرهاب بوصفهم الحامل الطبيعي للإسلام، فواجهت الإدارة الأميركية الحالة بإتباع سياسة غض النظر، وتجاهل الجرائم التي يرتكبها النظام وحلفاؤه ضد الشعب السوري الثائر، وذلك  لخلق فعل وردة فعل مقابل من أجل نشر التطرف والإرهاب في سورية، ومن ثم تبرير الدعوة إلى مواجهة ومكافحة هذا الإرهاب، لأنه يشكل خطراً على استقرار المنطقة، وعلى مصالح الولايات المتحدة فيها، وهذا ما فعلته من خلال اتخاذ جبهة النصرة، وتنظيم الدولة الإسلامية ذريعة للدعوة إلى مكافحة الإرهاب، والحرب عليه، ففي 11 كانون الأول 2012 أدرجت وزارة الخارجية الأميركية جبهة النصرة التي تقاتل النظام وحلفاءه على قائمة المنظمات الإرهابية، باعتبارها اسماً مستعاراً لتنظيم القاعدة في العراق، وعدت العمليات التي أعلنت جبهة النصرة عن مسؤوليتها القيام بها ضد قوات النظام منذ تشرين الثاني 2011 أنها اعتداءات حصلت على تجمعات سكانية، وقد أودت بحياة العديد من أرواح السوريين الأبرياء، وهي تسعى من خلال هذه الاعتداءات إلى تصوير نفسها على أنها جزء من المعارضة السورية المشروعة لمصادرة نضالات الشعب السوري من أجل أغراضها الشريرة الخاصة، وأن الولايات المتحدة اتخذت هذا الإجراء في سياق دعمها الشامل للشعب السوري، لأن توجه جبهة النصرة الطائفي والعنفي يتنافى مع تطلعات الشعب السوري، بما في ذلك الأغلبية الساحقة للمعارضة السورية التي تسعى من أجل سورية الشاملة والجامعة والديمقراطية، والتي أعربت عن رغبتها في قيام حكومة تحترم وتشجع الوحدة الوطنية، والكرامة وحقوق الإنسان، والحماية المتساوية في ظل القانون بصرف النظر عن الديانة والخلفية القومية والجنس، وأن التطرف والإيديولوجية الإرهابية لا مكان لهما في سورية ما بعد الأسد، وينبغي على جميع السوريين أن يرفعوا أصواتهم في وجه تنظيم القاعدة وأمثاله من العناصر المتطرفة([92]).
كما فتح المجال فجأة على مصراعيه أمام تنظيم الدولة الإسلامية للحركة والسيطرة والتمدد على مساحات شاسعة من العراق وسورية، بحيث يبدو في الحسابات العسكرية والإستراتيجية أكبر من حجمه وقوته الحقيقية، وقد رافق ذلك من أجل الإساءة والتشويه للعرب السنة إتباع الغلو في الدين الإسلامي، وإلى أساليب تفتقد إلى السياسة والرشاد، وعدم الاهتمام بأهمية كسب الرأي العام، والحاضنة الشعبية، بحيث تقوم أساليب هذا التنظيم على استخدام الشدة والغلظة، والعنف المفرط الممنهج، فضلاً عن التصوير الإعلامي الدعائي بأسلوب محترف،  وبث تلك المقاطع الهوليودية بحيث يظهر للرأي العام العالمي منفراً ومسيئاً وبعيداً عن تعاليم وأحكام ومبادئ الإسلام الحنيف، لاسيما معاملة الخصوم، والتنكيل بأبناء المناطق التي تم عليها السيطرة في سورية، وكانت محررة من قبل كتائب الجيش الحر، وسار على مبدأ التكفير، فكل الكتائب التي قاتلت النظام وحلفاءه مكفرة بما في ذلك النصرة وأحرار الشام،  كذلك الدخول في معارك دموية معها، في حين كان التنظيم يتجنب الدخول في معارك مع قوات النظام، أما النظام الذي يدعي أنه يحارب الإرهاب فلم يكن يضع على رأس أولوياته خوض المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية نظراً لأنه يعد أكثر نشاطاً في مناطق ذات أهمية ثانوية له فركز جهوده على تهديدات أكبر مثل تلك التي تشكلها جبهة النصرة، ومختلف الكتائب الإسلامية والوطنية في سورية([93]).
كذلك وبسبب أعمال تنظيم الدولة الإسلامية فقد تم إعطاء الذريعة للولايات المتحدة للتهرب من مسؤولياتها وواجباتها الأممية والأخلاقية والإنسانية تجاه ما يحصل للشعب السوري من جرائم إبادة، يقوم بها النظام وحلفاؤه، والتخلي عن الدعوة لرحيل النظام بذريعة محاربة الإرهاب، ولاسيما بعد قيام التنظيم بقتل الصحفي الأميركي جيم فولي، ما دفع الرئيس الأميركي باراك أوباما في 20 آب 2014 إلى إصدار بيان أكد فيه أن حياة جيم فولي تمثل نقيضاً صارخاً لقتلته، وستواصل الولايات المتحدة الأميركية عمل كل ما يجب عليها القيام به لحماية مواطنيها، وستعمل بلا هوادة ولاسيما حين يقوم أناس بإيذاء الأميركيين في أي مكان، وستفعل على تحقيق العدالة، وستتصرف ضد تنظيم داعش من خلال الوقوف إلى جانب الآخرين، ويجب أن يكون هناك جهد مشترك تبذله الحكومات والشعوب في منطقة الشرق الأوسط لاستئصال هذا النوع من السرطان حتى لا ينتشر؛ وأن يكون هناك رفض واضح لهذا النوع من الأيديولوجيات العدمية، وبخاصة أن ثمة شيئاً واحداً يمكن الاتفاق عليه هو أن تنظيماً مثل داعش لا مكان له في القرن الـ 21([94]).
وفي 10 أيلول 2014 ومن أجل تحشيد وتعبئة الشعب الأميركي ضد الإسلام والمسلمين والعرب باسم مواجهة الإرهاب، خاطبه الرئيس باراك أوباما بخطة للقضاء على الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة الإسلامية، فأكد أن الولايات المتحدة ما زالت تواجه تهديداً إرهابياً، وأن أشد التهديدات تأتي من الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، حيث تستغل الجماعات المتطرفة المظالم لتحقيق مغانم خاصة لنفسها، وإحدى تلك الجماعات هي داعش التي تلقب نفسها بـالدولة الإسلامية، وهي كانت في السابق تنظيماً تابعاً للقاعدة في العراق، وقد استغلت الفتنة الطائفية، وحرب سورية الأهلية، لاجتياح أراض على جانبي الحدود العراقية السورية، وتمارس قسوة ليس لها نظير، فهم يعدمون الأسرى ويفتكون بالأطفال، ويستعبدون ويغتصبون النساء ويجبرونهن على الزواج، كما أنهم هددوا أقلية دينية بالإبادة، وفي أعمالهم الوحشية قضوا على صحفيين أميركيين، وأعلن أن الولايات المتحدة ستقود تحالفاً عريضاً لرد هذا التهديد الإرهابي على أعقابه، وذلك من خلال استراتيجية شاملة ومستدامة لمكافحته عبر القيام بحملة منظمة من الضربات الجوية ضده؛ وزيادة الدعم للقوات التي تقاتله في الميدان، ومواصلة الاعتماد على القدرات الهائلة للولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب منعاً لهجماته، ومواصلة توفير مساعدات إنسانية للمدنيين الأبرياء الذين شردتهم هذه المنظمة الإرهابية، ولكن استئصاله سيستغرق فترة من الزمن([95]) .
وفي 10 أيلول 2014 أصدر البيت الأبيض بياناً حول الاستراتيجية الأميركية لمجابهة تنظيم الدولة الإسلامية، أكد فيه على أنه يشكل خطراً على شعبي العراق وسورية، وعلى الشرق الأوسط،  فضلاً عن خطره على المواطنين الأميركيين، وحلفاء الولايات المتحدة، ومصالحها في المنطقة، وإذا ترك دون رادع يشكل خطراً متفاقماً يتجاوز تلك المنطقة ليشمل الولايات المتحدة؛ ولذلك سيكون الهدف هو الحد من قدراته وتدميره في نهاية المطاف، وذلك من خلال استراتيجية شاملة ومستدامة لمكافحة الإرهاب، بحيث لا يعود هذا التنظيم خطراً على العراق والمنطقة والولايات المتحدة وشركائها، وإن تحقيق هذا الهدف يكون من خلال استراتيجية قائمة على ائتلاف قوي من الشركاء الإقليميين والدوليين، يقوم على بناء القدرات والطاقات للشركاء في المنطقة، ولاسيما دعم ما أطلق عليه الحكم الرشيد والفعال في العراق، من أجل القدرة على مواصلة شن حملة مستدامة وناجعة وطويلة الأمد ضد التنظيم، وقد أعلن الرئيس أنه سيرسل 475 جندياً أميركياً إلى العراق لدعم القوات العراقية والكردية بالتدريب والاستخبارات والعتاد والمشورة؛ وأيضاً قرر الرئيس أن يطلب من الكونجرس توفير دعم للمعارضة السورية، بحيث تستطيع صد قوات داعش، وقوات نظام الأسد في سورية، وفي الوقت نفسه السعي إلى حل الأزمة السورية حلا نهائياً بالطرق السياسية، وأكد أن طبيعة تهديد تنظيم الدولة الإسلامية يتطلب وجود صندوق للشركاء في مكافحة الإرهاب فيه 5 بلیون دولار، يمكن من تدريب وبناء القدرات، وتوفير الدعم للدول الشريكة في الخطوط الأمامية لمكافحة التهديدات الإرهابية، ويشمل التمويل المخصص للصندوق مبلغاً قدره 500 مليون دولار لبرنامج وزارة الدفاع الخاص بتدريب وتجهيز المعارضة السورية، وبلیون دولار لدعم قدرة الدول المجاورة لسورية، وتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية عن داعش، وإعاقة مصادر تمويلها، وكشف الطبيعة الحقيقية لها، وعرقلة تدفق المقاتلين الأجانب، وحماية الولايات المتحدة، والدعم الإنساني للنازحين والمستضعفين في العراق وسورية([96]).
وفي 23 أيلول 2014 أصدر البيت الأبيض بياناً للرئيس باراك أوباما حول بدء الضربات الجوية ضد أهداف لتنظيم الدولة الإسلامية في سورية؛ حيث ورد فيه([97]) : " بناء على أوامري، بدأت القوات المسلحة الأميركية شن ضربات ضد أهداف لتنظيم داعش في سورية، ولقد انضم لنا في هذا الإجراء أصدقاؤنا وشركاؤنا - المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والأردن، والبحرين، وقطر،  وإن أميركا تعتز بالوقوف جنباً إلى جنب مع هذه الدول بالنيابة عن أمننا المشترك ".
وفي 24 أيلول 2014 ألقى الرئيس باراك أوباما كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى الرغم من ادعاء الولايات المتحدة على ضرورة عدم ربط الإرهاب بأي دين أو جنسية أو حضارة، إلا أنه اختزل الإرهاب بالعالم الإسلامي، وحذر فيها من التطرف العنيف الذي يجتاح الكثير من مناطقه، ولكنه رفض وجود صدام بين الحضارات، وأنه ينبغي على المجتمع الدولي مجابهة هذا التحدي أولاً بالحد من قدرات داعش، ومن ثم تدميرها في نهاية المطاف، وذلك من خلال مساندة العراقيين والسوريين الذين يقاتلونها لاستعادة ديارهم، وستستخدم القوة العسكرية الأميركية في حملة ضربات جوية لرد داعش على أعقابها، وستقوم بتدريب القوات التي تحارب هؤلاء الإرهابيين في الميدان، وتزويدها بالعتاد، كما سيتم العمل من أجل قطع مصادر تمويلهم، ووقف تدفق المقاتلين إلى المنطقة ومنها، وثانياً لقد حان الوقت للعالم وبخاصة مجتمعاته الإسلامية أن ترفض بكل جلاء وبشدة وبثبات عقيدة منظمات من أمثال القاعدة وداعش، فأحد واجبات كل الديانات العظيمة التوفيق بين التدين والعالم العصري المتعدد الثقافات، وثالثاً يجب معالجة الصراع الطائفي الذي يولد الظروف التي يتغذى عليها الإرهابيون، ورابعاً ينبغي على دول العالمين العربي والإسلامي أن تركز على الإمكانات الاستثنائية لشعوبها، وبخاصة الشباب([98]).
ولكن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة للحد من قدرات تنظيم الدولة الإسلامية وتدميره في نهاية المطاف بدعوى مكافحة الإرهاب، الغرض الحقيقي منها هو تحجيم وتهميش العرب السنة، ووأد الثورة السورية وروحية التغيير في العالم العربي، والقضاء على التنظيمات والقيادات الثورية السورية الوطنية التي لا تعمل بأجندات خارجية باسم مكافحة الإرهاب وجذب المزيد من الجهاديين الإسلاميين من كل دول العالم إلى سورية من أجل تصفيتهم، والتخلص من مخزون الأسلحة الأميركية القديمة التي ستخرج من الخدمة بعد مدة والحصول على ثمنها من الحلفاء، وجعل الأراضي السورية ميدان اختبار لتجربة أسلحة جديدة، ومحاولة إنشاء نظام إقليمي جديد يكون أكثر موالة للولايات المتحدة من سابقه الذي لم يعد ذا جدوى ضمن المعطيات الحالية، وإقامة نظام جديد في سورية يتشكل من النظام والمعارضة الضعيفة، على أساس قومي وطائفي، يكون أكثر تبعية من النظام الحالي، وكذلك استعراض قوة جديد للولايات المتحدة أمام كل الخصوم.
7 - تمكين أصحاب القدرات السياسية المحدودة
قامت السياسة الأميركية ومن خلال حلفائها الإقليميين على تمكين الكثير من أصحاب القدرات السياسية المحدودة، حيث لم يعرف عنهم بأنهم من النخب السياسة والثقافية السورية، ولا من معارضي النظام واستبداده، تنقصهم المعرفة والدراية، والخبرة بالسياسة، والعلاقات الدولية، وإدارة الدولة، وجعلهم في الواجهة السياسية والإعلامية كممثلين للثورة السورية([99]).
لقد كانت حالة تمكين أشباه السياسيين من تسلم الحكم والسلطة وإدارة الدولة قد أسست لها الولايات المتحدة بعد غزو العراق، من أجل إضعاف ومن ثم تفكيك الدولة، وبعد اندلاع الثورة السورية، ومن ثم تصاعدها، وتشكل نوع من الوعي الثوري الذي يذهب باتجاه إسقاط النظام الطائفي، وبناء دولة المواطنة، شعرت الإدارة الأميركية بأن ثمة انفلاتاً من الهيمنة الأميركية على المنطقة عبر البوابة السورية، ولهذا سارعت إلى محاولة إظهار نفسها بأنها داعمة لتطلعات الشعب السوري الثائر،  فدعت إلى تشكيل معارضة موحدة، وفي واقع الأمر أرادت إفشال الثورة السورية، وإطالة عمر النظام، وذلك بأنها لم تقم بسحب اعترافها به، كما أنها منعت كل أسباب الدعم الحقيقي للثوار على الأرض، واكتفت بما سمته بالمساعدات غير الفتاكة([100]).
إن تشكيل معارضة سياسية، يسيطر عليها أصحاب القدرات المحدودة من الجهلة بالسياسة، والعلاقات الدولية، وإدارة الدولة، كان الغاية منها إسقاطهم في أعين العالم، والشعب السوري، من أجل إعادة إنتاج النظام بطرح الحل السياسي بناء على بيان جنيف 1، وقد بدأ التأسيس لتمكينهم منذ قيام المجلس الوطني السوري، وترسخ بتشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية برعاية أميركية، فأغلبية الذين دخلوا فيه ليس على أساس الكفاءة السياسية والانتماء الوطني أو الحزبي أو الأيديولوجي؛ وإنما على أساس الانتماء القومي والمذهبي والعشائري والمناطقي، وبعد تشكيل الائتلاف الوطني أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً في 14 تشرين الثاني 2012 تهنئ فيه الولايات المتحدة ممثلي الشعب السوري على تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية؛ وتتطلع قدماً إلى دعمه، وهو يقوم برسم مسار من شأنه وضع نهاية لحكم الأسد الدموي، وبدء مستقبل سلمي وعادل وديمقراطي، يستحقه جميع أبناء الشعب السوري([101]).
ولكن سرعان ما ظهر الائتلاف الوطني بأنه تشكيل يهيمن عليه أفراد يتصفون بالجهل السياسي والفساد والأنانية، متعطشين للوجاهة والسلطة، ويسعون الى تحقيق مصالحهم الخاصة، ومصالح الداعمين الإقليميين والدوليين لهم، وليس تحقيق أهداف الثورة السورية، ومصلحة الشعب السوري، فهم يهدرون الكثير من الجهد والوقت في الصراع مع بعضهم بعضاً حول مسائل هامشية من أجل الحصول على مكاسب لا معنى لها بسبب افتقارهم لمواصفات القيادة الوطنية وللمأسسة والتنظيم، وكذلك للاستراتيجية، أو أية سياسة محددة الملامح تجاه التعامل مع الداخل السوري، والمجموعة الدولية والإقليمية، ولم يستطيعوا القيام بواجبهم الوطني من خلال عدم الوفاء بالوعود التي قطعوها للثورة والثوار، فضلاً عن أنهم لم يتخذوا الموقف الوطني المسؤول في تعرية وفضح سياسة الوعود التي تفتقد إلى المصداقية المتبعة مع الثورة السورية من قبل ما يسمى بأصدقاء الشعب؛ وبخاصة الولايات المتحدة، ولذلك أصبحوا لا قيمة وطنية لهم، ولا يمثلون أحداً، والأشخاص الذين قادوا الائتلاف ومعهم رئيس ما يسمى بالحكومة المؤقتة يمثلون دليلاً صارخاً على تمكين أصحاب القدرات المحدودة، مع تغييب متعمد لأهل الخبرات والكفاءات الوطنية، وهذا ما دفع الرئيس باراك أوباما إلى التهكم بمثل هذه المعارضة([102]) : " لقد قضينا الكثير من الوقت ونحن نعمل مع المعارضة المعتدلة في سورية، لكن لا يمكن لمزارعين وأطباء أسنان، لم يسبق لهم أن حاربوا أن يتغلبوا على نظام الأسد، والمجموعات الجهادية ".
وعلى الرغم من هذا فقد ظلت الإدارة الأميركية تدعم ما سماهم الرئيس أوباما بالمزارعين وأطباء الأسنان، وهذا يدل على أن السياسة الأميركية مع الثورة السورية ذات وجهين ويبرز التناقض في تصريحات الإدارة الأميركية، ففي 8 أيار 2014 أكد وزير الخارجية جون كيري على التزام الولايات المتحدة بدورها في دعم المعارضة المعتدلة في جهودها الرامية إلى توفير صوت شرعي يعبر عن تطلعات وآمال الشعب السوري؛ وإن ائتلاف المعارضة السورية هو مؤسسة شاملة ومعتدلة ملتزمة بالشعب السوري، وحماية جميع الناس وجميع الأقليات، وجميع الحقوق داخل سورية،  فقد عبر ائتلاف المعارضة السورية عن أصوات جميع السوريين الذين تعرضوا للاضطهاد من جانب النظام على مدى عقود من الزمن([103]).
الخاتمة
وبناء على ما تقدم من هذه الدراسة فإننا نخلص :
إن الانتفاضات والثورات التي اندلعت في بعض دول العالم العربي، وبخاصة في سورية قد فاجأت الولايات المتحدة، وما حصل ليس لها يد فيه، إنما يعود لإرادة شعوبها وقد اعترف بذلك الرئيس الأميركي.
كما أن غزو أفغانستان والعراق من قبل الولايات المتحدة، والخسائر البشرية والمالية التي تكبدتها القوات الأميركية فيهما، دفعتها إلى تجنب الدخول بحرب جديدة ولاسيما في سورية.
وإن السياسة الخارجية الأميركية تقوم على اعتماد الرؤى الفكرية التي يكتبها علماء السياسة الصادرة عن مراكز الأبحاث والدراسات الأميركية، خارطة طريق لتحقيق المصالح الأميركية، والتعامل مع الحالة السورية أنموذجاً.
كما أن سياسة الولايات المتحدة هي من شجعت النظام في سورية على ارتكاب الجرائم ضد الشعب السوري، وكان الغرض من هذه السياسة جذب المقاتلين الجهاديين لتبرير الحرب على الإرهاب، ومن أجل تحويل اتجاه هدف الثورة السورية من سقوط نظام الأقلية الطائفي المستبد، وإقامة دولة النظام الديمقراطي، إلى نزاع أهلي طائفي، وحرب ضد الإرهاب بغية إعادة إنتاج النظام وتطبيق ما يسمى بالديمقراطية التوافقية القائمة على المحاصصة القومية والطائفية، وتهميش العرب السنة الذين يشكلون الأكثرية من الحكم والسلطة، وتفضيل الأقليات على الأكثرية بشكل تمييزي، وذلك لربط الأقليات بالولايات المتحدة، والغرب، للتدخل بالشأن السوري، ونزع السلاح الكيميائي السوري وإخراجه من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، وتحويل اتجاه الصراع في المنطقة من صراع عربي إسرائيلي، إلى صراع عربي فارسي كردي، وتجريم الإسلام والعرب السنة، واتهامهم بالإرهاب بذريعة تنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة، وتمكين أشباه السياسيين لإفشال الثورة السورية.
ولكن هذه الأهداف الاستراتيجية بمقدور الولايات المتحدة كدولة عظمى، وصاحبة القرار الفاعل في الساحة الدولية أن تسعى لتحقيقها، إلا أن تاريخ العلاقات الدولية يؤكد أن النجاح لم يكن دائماً حليفاً لمشروعاتها، وتحقيق أهدافها الاستراتيجية وبخاصة في العالم العربي.
ولذلك سوف يبقى تحديد مستقبل سورية مرتبطاً بإرادة شعبها ونخبها الوطنية التي يجب عليها أن تعمل لتأسيس وإطلاق حملة وطنية ودولية تفضح وتندد بالسياسة الأميركية تجاه الثورة السورية؛ وتحمل الولايات المتحدة الدولة الأعظم مسؤولية ما وصلت إليه الأمور في سورية بسبب سياساتها القائمة على الإصرار على عدم السماح بإسقاط نظام الأقلية الطائفي، ومحاولة إعادة إنتاجه، من خلال الحل السياسي، ومخرجات جنيف 1، الذي يبقي على مؤسسات النظام العسكرية والأمنية، كما تدعوها إلى مراجعة سياساتها تجاه الثورة السورية، والشعب السوري وترك المجال له لتقرير مصيره واختيار نظامه السياسي. 

[1] د. هالة مصطفى، محاضرة وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس بالجامعة الأميركية بالقاهرة، الموقع على الانترنت :
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=815019&eid=1894
[2] قصي غريب، الربيع العربي صناعة شعبية عربية وليس أميركية، الموقع على الانترنت :
 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293584
[3] المصدر نفسه .
[4] مروان بشارة، أهداف الولايات المتحدة واستراتيجيتها في العالم العربي، سياسات عربية، العدد 1، آذار 2013، ص 1، الموقع على الانترنت :
http://www.dohainstitute.org/file/Get/0184e884-a9b2-410c-bd65-ddad1d3eacc1.pdf
[5] محمد السعيد إدريس، أمريكا والعراق والربيع العربي، الموقع على الانترنت :
 http://www.alarabiya.net/views/2011/06/04/151739.html
[6] روبرت ساتلوف، محور الرئيس أوباما الدقيق: من أبوت أباد إلى رياح التغيير العربية، الموقع على الانترنت :
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/president-obamas-delicate-pivot-from-abbottabad-to-the-arab-winds-of-change
[7] محمد المنشاوي، الرؤية الإستراتيجية الأميركية للثورات العربية، الموقع على الانترنت :
http://www.alzaytouna.net/permalink/5596.html
[8] قصي غريب، الربيع العربي صناعة شعبية عربية وليس أميركية، مصدر سبق ذكره.
[9] نص خطاب الرئيس أوباما حول سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2011/05/20110519180857x0.3721995.html#axzz3fWvCAjI6
[10] المصدر نفسه.
[11] محمد ماضي، الانسحاب الأميركي من العراق: هزيمة استراتيجية ونهاية لهيمنة قوة عظمى، الموقع على الانترنت :
http://www.swissinfo.com/
[12] نص بيان الرئيس أوباما حول سورية، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2013/08/20130831282088.html#axzz3VYKLBOQM
[13] كلمة الرئيس أوباما إلى الأمة حول أهمية الوضع في سورية، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2013/09/20130911282582.html#axzz3ea9qyOcv
[14] خطاب الرئيس أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2013/09/20130925283464.html#axzz3OPRev24z
[15] مقتطفات من خطاب الرئيس أوباما حول حالة الاتحاد للعام 2015، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2015/01/20150123313140.html#axzz3VYKLBOQM
[16] نص خطاب الرئيس أوباما حول سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مصدر سبق ذكره.
[17] Daniel Pipes : The argument for Assad If the Syrian regime falls now, worse rogues will win , Thursday, April 11, 2013
http://www.washingtontimes.com/news/2013/apr/11/pipes-argument-assad/
[18] Anthony H. Cordesman , Syria, Geneva II, and the Era of "Least Bad Options" , JAN 22, 2014 الموقع على الانترنت :
http://csis.org/publication/syria-geneva-ii-and-era-least-bad-options
انتوني كوردسمان، سورية وجنيف 2 وعصر أقل الخيارات سوءاً، المستقبل العربي، عدد 421، بيروت، آذار 2014، ص 215 – 219، الموقع على الانترنت :
http://www.caus.org.lb/Home/publication_popup.php?ID=5020&MediaID=2
[19] غريغوري غوس، ما وراء الطائفية : الحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط، ص 2، الموقع على الانترنت :
 http://www.brookings.edu/~/media/research/files/papers/2014/07/22-beyond-sectarianism-cold-war-gause/arabic-pdf.pdf
[20] توماس باركر، الديمقراطية والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، الموقع على الانترنت :
 http://fikraforum.org/?p=6173&lang=ar
[21] باتريك سيل، الصراع على سورية: دراسة للسياسة العربية بعد الحرب 1945 – 1958، ص 3، الموقع على الانترنت : 
https://docs.google.com/file/d/0B1hVHp4YpIKoNjlPZFRZRThqWHc/edit?pli=1
[22] مايلز كوبلاند، لعبة الأمم، تعريب مروان خير، الطبعة الأولى، ( بيروت، مكتبة الزيتونة، 1970 )، ص 73.
[23] قصي غريب عليوي، السياسة الخارجية الأميركية تجاه سورية في المدة الواقعة بين 1989 - 2004، اطروحة دكتوراة غير منشورة مقدمة إلى مجلس كلية العلوم السياسية - جامعة بغداد، 2007، ص 14 - 26.
[24] سليم حداد، قوات الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في لبنان، الطبعة الأولى، ( بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1981 )، ص 52 – 53 .
[25] جيمي كارتر، دم ابراهام رؤية إلى الشرق الأوسط، ترجمة سامي جابر، بلا طبعة، ( بيروت، دار المروج، 1986 )، ص 103.
[26] بيان حقائق حول المساعدات الإنسانية الأميركية إلى سورية وجيرانها، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2012/11/20121127139152.html#axzz3gYrewMz2
[27] نص خطاب الرئيس أوباما حول سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مصدر سبق ذكره.
[28] - بيان حقائق من البيت الأبيض حول إستراتيجية الأمن القومي للعام 2015، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2015/02/20150209313502.html#axzz3ZmVoKaZ5
[29] بيان الرئيس أوباما عن الوضع في سورية، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2011/08/20110818104611x0.3939434.html#axzz3X89Gs6SN
[30] – أوباما : استخدام دمشق الكيماوي سيغير قواعد اللعبة، الموقع على الانترنت :
http://archive.arabic.cnn.com/2013/syria.2011/4/27/obama.game.changer
[31] هارون ي. زيلين، سورية مركز الجهاد المستقبلي، الموقع على الانترنت :
 http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/syria-the-epicenter-of-future-jihad
[32] بيان حقائق لوزارة الخارجية بشأن مضاعفة المساعدات الأميركية للمعارضة السورية، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2013/04/20130423146291.html#axzz3ea9qyOcv
[33] الولايات المتحدة تدعم حلاً سياسياً متفاوضاً عليه في سورية ، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/article/2013/04/20130412145696.html#axzz3glNwUS00
[34] رسالتان متطابقتان مؤرختان 5 تموز 2012 وموجهتان من الأمين العام إلى رئيس الجمعية العامة وإلى رئيس مجلس الأمن ، البيان الختامي الصادر عن مجموعة العمل من أجل سورية - بيان جنيف ، 1 -  S/2012/522 - 2012-07-06 ، الموقع على الانترنت :
 http://www.un.org/ar/sc/documents/letters/2012.shtml
[35] قصي غريب، تهافت الحل السياسي في سورية بناء على جنيف 1 ، الموقع على الانترنت :
 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=463783
[36] نص بيان الرئيس أوباما حول سورية، مصدر سبق ذكره.
[37] - نص كلمة السفيرة باور خلال مناقشة في مجلس الأمن الدولي حول الشرق الأوسط، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2015/01/20150120313063.html#axzz3gYrewMz2
[38] جيمس جيفري، التعامل مع النجاح في القتال ضدّ داعش، الموقع على الانترنت :
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/coping-with-success-against-isis
[39] د. ياسين سعد محمد البكري، إشكاليات الديمقراطية التوافقية وإنعكاساتها على التجربة العراقية، الموقع على الانترنت :
http://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=9309
[40] نص خطاب الرئيس أوباما حول سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مصدر سبق ذكره.
[41] رئيس الأركان الأميركي : لا مكان للسنة في العراق وندعم الأكراد بالسلاح والتدريب، الموقع على الانترنت :
https://www.youtube.com/watch?v=mv2Yjtij0eg
[42] رئيس ما يسمى بالحكومة السورية المؤقتة أحمد الطعمة في تسريب صوتي، الموقع على الانترنت :
 https://soundcloud.com/field-journal/f2w5xldtj5bx
[43] السفير تنشر محضر لقاء كلينتون بـالمجلس الوطني: غليون يطلب إبلاغ النظام السوري بأن كل الخيارات على الطاولة، الموقع على الانترنت :
 http://www.kharejalserb.com/?p=5370
[44] خطاب الرئيس أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة، 24 أيلول 2013، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2013/09/20130925283464.html#axzz3OPRev24z
[45] سي آي إيه: واشنطن لا تريد انهيار النظام السوري، الموقع على الانترنت :
http://www.alarab.co.uk/?id=47550
[46] جون كيري : علينا التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد لإزاحته من السلطة ، الموقع على الانترنت :
http://arabic.cnn.com/john-kerryunited-states-will-have-negotiate-syrian-president-bashar
[47] نص كلمة مساعدة وزير الخارجية باترسون حول السياسة الأميركية تجاه سورية بعد جنيف ، الموقع الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2014/03/20140328297065.html#axzz3ea9qyOcv
[48] بيان حقائق حول الاستراتيجية الأميركية لمجابهة داعش،الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2014/09/20140912308270.html#axzz3ea9qyOcv
[49] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، الموقع على الانترنت :
http://www.un.org/ar/documents/udhr/
[50] هند قبوات ناشطة مسيحية تدافع عن السنة أمام الكونغرس الأميركي ، الموقع على الانترنت :
https://www.youtube.com/watch?v=WhZDVUQfgw4
[51] بيان حقائق : تنفيذ قانون محاسبة سورية واستعادة السيادة اللبنانية للعام ‏2003 ، الموقع على الانترنت
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2004/05/20040513123602hmkaed0.1571619.html#axzz3ZmVoKaZ5
[52] قصي غريب ، الشعب السوري في ظل الحماية الدولية بموجب القرارين الأممين 2042 و 2043 ، الموقع على الانترنت :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=311300
[53] بيان البيت الأبيض حول استخدام الحكومة السورية الأسلحة الكيماوية 30 آب 2013، الموقع على الانترنت:
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2013/08/20130830282059.html#axzz3ZmVoKaZ5
[54] نص بيان الرئيس أوباما حول سورية ، مصدر سبق ذكره.
[55] رسالة مؤرخة ١٩ أيلول ٢٠١٣ من الممثلين الـدائمين للاتحـاد الروسـي والولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة إلى الأمين العام ، الموقع على الانترنت :
http://repository.un.org/bitstream/handle/11176/24343/A_68_398-AR.pdf?sequence=1&isAllowed=y
[56] القرار ٢١١٨ الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته ٧٠٣٨ المعقودة في ٢٧ أيلول ٢٠١٣، الموقع على الانترنت :
http://www.un.org/ar/sc/documents/resolutions/2013.shtml
[57] بيان للرئيس أوباما حول استكمال تدمير الأسلحة الكيميائية السورية المعلنة على متن السفينة م/ف كيب راي، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2014/08/20140819305963.html#axzz3ea9qyOcv
[58] بيان للوزير كيري حول تدمير أسلحة سورية الكيميائية المعلن عنها ، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2014/08/20140819305969.html#axzz3dYP33Gqy
[59] مازن الرمضاني، العلاقة العراقية الإيرانية، الموقع على الانترنت :
http://www.dohainstitute.org/release/232a0cb2-70bd-4555-8186-6176c61cfbd5
[60] وزير إيراني سابق: نسيطر على 4 عواصم عربية، الموقع على الانترنت :
 http://www.alarabiya.net
[61] المصدر نفسه.
[62] المصدر نفسه .
[63] المصدر نفسه .
[64] نص وثيقة البيت الأبيض حول الخواص المحددة للعمل بشأن البرنامج النووي الإيراني ، الموقع على الانترنت:
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2015/04/20150403314542.html#axzz3f9WgdBpa
[65] Secretary Kerry : July 2015 » Press Availability on Nuclear Deal With Iran
http://www.state.gov/secretary/remarks/2015/07/244885.htm
[66] قصي غريب عليوي، السياسة الخارجية الأميركية تجاه سورية في المدة الواقعة بين 1989 -2004، اطروحة دكتوراة غير منشورة مقدمة إلى مجلس كلية العلوم السياسية - جامعة بغداد ، 2007 ، ص 164 – 170 .
[67] وزير الدفاع الأميركي بانيتا يقول : إيران تزيد دعمها لنظام الأسد ، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/article/2012/08/20120820134868.html#axzz3gYrewMz2
[68] الولايات المتحدة تصنف 39 مجموعة كمنظمات إرهابية أجنبية ، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2004/10/20041020151737liameruoy0.7341577.html#axzz3fygca3Hz
[69] اتحاد علماء المسلمين : الإسلام يحرم سفك الدماء ، الموقع على الانترنت :
http://mubasher.aljazeera.net/news/2015/02/2015216163551113276.htm
[70] مخاوف أميركية من تهجير أكراد سورية للعرب والتركمان ، الموقع على الانترنت :
http://www.aljazeera.net
[71] المصدر نفسه .
[72] المصدر نفسه .
[73] المصدر نفسه .
[74] بشير البكر ، الوصفة الأميركية للأكراد ، الموقع على الأنترنت :
http://www.alaraby.co.uk/opinion/2015/6/25/%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B5%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A3%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AF
[75] تصريحات أوباما حول خطة القضاء على داعش ، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2014/09/20140911308076.html#axzz3ea9qyOcv
[76] بيان لوزارة الخارجية حول إدراج جبهة النصرة على قائمة المنظمات الإرهابية ، الموقع على الانترنت:
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2012/12/20121211139860.html#axzz3fGN2POzw
[77] الولايات المتحدة تفرض عقوبات على داعمين آخرين لجبهة النصرة وتنظيم القاعدة ، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/article/2014/08/20140826307209.html#axzz3fWvCAjI6
[78] قرارات مجلس الأمن، القرار 2178 الذي اتخذه مجلس الأمن في 24 أيلول 2014، الموقع على الانترنت :
http://www.un.org/ar/sc/documents/resolutions/2014.shtml
[79] بيان حقائق حول قرار مجلس الأمن رقم 2178 الخاص بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2014/09/20140925308895.html#axzz3fGN2POzw
[80] قرارات مجلس الامن، القرار 2161 الذي اتخذه مجلس الامن في 17 حزيران 2014، الموقع على الانترنت :
http://www.un.org/ar/sc/documents/resolutions/2014.shtml
[81] قرارات مجلس الأمن، القرار 2170 الذي اتخذه مجلس الأمن في 15 آب 2014، الموقع على الانترنت :
http://www.un.org/ar/sc/documents/resolutions/2014.shtml
[82] نص بيان السفيرة باور حول اعتماد قرار الأمم المتحدة بشأن العراق وسورية، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2014/08/20140816305905.html#axzz3fGN2POzw
[83] روبرت ساتلوف، سياسة الولايات المتحدة حيال التهديدات المزدوجة للدولة العربية، الموقع على الانترنت :
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/american-policy-toward-the-dual-threats-to-the-arab-state
[84] برنارد لويس ، جذور السخط الإسلامي ، من كتاب الإسلام الأصولي في وسائل الإعلام الغربية من وجهة نظر أميركية ، برنارد لويس وإدوارد سعيد ، الطبعة الأولى ، دار الجيل ، بيروت ، 1994 ، ص 29  ، الموقع على الانترنت :
 https://docs.google.com/file/d/0B7-qKwQtngv9RUxVcWdERjVaNms/edit?pli=1
[85] Albert Habib Hourani, islamin European thouht, cambridge, New York, Cambridge university press, 1991,pp.7,8,10
[86] إدوارد سعيد ، الإسلام والغرب ، من كتاب الإسلام الأصولي في وسائل الإعلام الغربية من وجهة نظر أميركية ، مصدر سبق ذكره ، ص 35 .
[87] نظام شرابي ، أميركا والعرب ، الطبعة الأولى ، رياض الريس للكتب والنشر ، لندن ، 1990 ،  ص 693 .
[88] د. ميخائيل سليمان ، صورة العرب في عقول الأميركيين ، ترجمة عطا عبد الوهاب ، الطبعة الأولى ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، 1987 ، ص 24 .
[89] – المصدر نفسه ، ص 25 .
[90] صموئيل هنتنغتون ، صدام الحضارات وإعادة  بناء النظام العالمي ، تعريب د. مالك عبيد أبو شهيوة - د. محمود محمد خلف ، الطبعة الأولى ، الدار الجماهيرية ، مصراته ، 1999 ، ص 335 .
[91] - خالد سليمان ، ظاهرة الإسلاموفوبيا : قراءة تحليلية ، الموقع على الانترنت :
 http://www.asharqalarabi.org.uk/markaz/m_abhath-56.htm
[92] بيان لوزارة الخارجية حول إدراج جبهة النصرة على قائمة المنظمات الإرهابية ، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2012/12/20121211139860.html#axzz3ea9qyOcv
[93] جيفري وايت، العمليات العسكرية للنظام السوري ضد تنظيم الدولة الإسلامية، الموقع على الانترنت :
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/syrian-regime-military-operations-against-isis
[94] بيان الرئيس أوباما حول مقتل الصحافي الأميركي على يد تنظيم داعش الإرهابي، الموقع على الإنترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2014/08/20140820306027.html#axzz3ea9qyOcv
[95] تصريحات أوباما حول خطة القضاء على داعش، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2014/09/20140911308076.html#axzz3ea9qyOcv
[96] بيان حقائق حول الاستراتيجية الأميركية لمجابهة داعش ، مصدر سبق ذكره.
[97] بيان للرئيس أوباما حول الضربات الجوية ضد أهداف لداعش في سورية ،الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2014/09/20140923308776.html#axzz3ea9qyOcv
[98] مقتطفات من كلمة الرئيس أوباما في الدورة الــ 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة ، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2014/09/20140924308849.html#axzz3ea9qyOcv
[99] مقابلة مع ميشيل كيلو ، الموقع على الانترنت :
 http://all4syria.info/Archive/232329
[100] بيان حقائق حول المساعدات المقدمة من الحكومة الأميركية للشعب السوري ، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2013/03/20130305143706.html#axzz3frUVSDux
[101] بيان وزارة الخارجية الأميركية حول تشكيل ائتلاف المعارضة السورية، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2012/11/20121114138629.html#axzz3fWvCAjI6
[102] أوباما : لا يمكن لمزارعين وأطباء أسنان أن ينتصروا على الأسد!، الموقع على الانترنت :
https://orient-news.net/index.php?page=news_show&id=79520
[103] مقتطفات من تصريحات كيري قبل اجتماعه برئيس ائتلاف المعارضة السورية ، الموقع على الانترنت :
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2014/05/20140509299010.html#axzz3fWvCAjI6