الرئيسة \  مشاركات  \  السياسة والأخلاق

السياسة والأخلاق

17.08.2016
د. أحمد محمد كنعان


يكشف لنا تاريخ السياسة عن علاقة ملتبسة ما بين الأخلاق والسياسة، فالأخلاقي يرى أن السياسي ينبغي أن يتحلى بالأخلاق الفاضلة البريئة من المصالح الشخصية ، ويرفض الأخلاقي بشدة أن تكون الأخلاق مادة مطّاطة تتمدد وتنكمش حسب الطلب !!
أما السياسي فهو يمارس سياسته بمنطق المصلحة لا بمنطق الأخلاق ولذلك فهو لا يتورع عن استخدام أحطّ الوسائل في سبيل تحقيق مصالحه ، حتى بات مصطلح "السياسي" يطلق على الشخص الانتهازي البارع في الوصول إلى غاياته بالمكر والحيلة واللف والدروان، ومن أجل أن يغطي السياسي على أفعاله غير الأخلاقية نراه يتفنن في تحسين صورته أمام الآخرين ، كما كان يفعل مثلاً الزعيم النازي "أدولف هتلر" الذي أشاع بين أتباعه أنه ينام وتحت وسادته كتاب (الأخلاق) لأرسطو لكي يوحي للأتباع أن كل ما يرتكبه من جرائم هي أفعال أخلاقية مبررة ، والحقيقة أن معظم السياسيين ـ وأكاد أقول كلهم ـ ينامون وتحت وسائدهم ليس كتاب "الأخلاق" لأرسطو بل كتاب "الأمير" للفيلسوف السياسي الانتهازي "مكيافيلي" الذي تلخصه عبارته الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة" وهي تعني التنكر لجميع الفضائل الأخلاقية ، وتبرير أحطّ الوسائل لتحقيق الغايات السياسية ، ومن الطريف أن كل السياسيين بلا استثناء يشتمون هذا المبدأ المكيافيللي ظاهراً لكنهم يمارسونه عملياً ليلاً ونهاراً دون أن يرفّ لهم جفن ، وربما لهذا السبب ينجح السياسيون بتحقيق مطامعهم السياسية نجاحاً باهراً بينما يفشل الأخلاقيون فشلاً ذريعاً ، وقد لخص مكيافيلي نفسه هذه الحقيقة حين قال : "إن جميع الأنبياء المزودين بالسلاح ينجحون ، والأنبياء العزل يخفقون" وهو بالطبع لا يعني الأنبياء الحقيقيين وإنما يعني السياسيين المسلحين بسلاح المكر والحيلة والخديعة ، المعطلين  ضمائرهم !!!