الرئيسة \  مشاركات  \  الشرق الأوسط من اتفاق سايكس – بيكو الى تفاهم كيري- لافروف

الشرق الأوسط من اتفاق سايكس – بيكو الى تفاهم كيري- لافروف

24.04.2016
حسان القطب




مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات
ضعف وتداعي قوة وحضور الإمبراطورية العثمانية اواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، سمح لدولتي فرنسا وبريطانيا برسم خريطة الشرق الأوسط بالطريقة التي تتناسب مع طموحاتهم الاستعمارية، وتخدم مصالحهم وتثبيت نفوذهم في المنطقة.. فاجتمع الدبلوماسيين، الفرنسي فرانسوا جورج بيكو، والبريطاني مارك سايكس، بين نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1915 ومايو/آيار من عام 1916  واثمرت المفاوضات السرية بينهما على تبادل وثائق تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وشاركت في تلك المفاوضات روسيا القيصرية وكانت شاهدة وموافقة على هذه الاتفاقية آنذاك، قبل ان ينهار النظام القيصري ويستولي الشيوعيون على السلطة عام 1917، ويكشفون للعالم تفاصيل تلك الاتفاقية...؟؟؟. التي تضمنت تقسيم الشرق الأوسط الى دول ودويلات وفق ما عرف فيما بعد باتفاقية سايكس – بيكو..
ما يقارب القرن من الزمن والمنطقة تعيش وفق هذا التقسيم الجغرافي والتوزيع السياسي، والخضوع للنفوذ الغربي، عسكرياً في بداية الأمر، ثم سياسياً واقتصادياً.. لاحقاً... حتى اندلاع الثورات العربية الجديدة في دول عربية عدة، معلنةً رفضها لأنظمة الحكم وشكلها ودورها.. ولم يتحدث اي فريق بشكل مباشر او غير مباشر، أو يرفع اي من القوى المنتفضة راية رفض الحدود البرية، أو اعادة تشكيل جغرافية المنطقة..؟؟ باستثناء ما قام به تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام..(داعش) من تجاوز للحدود البرية واعادة تسمية مناطق سيطرته الجغرافية باسم (دولة الخلافة)... وما قام به حزب الله كان برعايةٍ وبقرارٍ ودعمٍ ايراني من تجاوزٍ لحدود لبنان نحو سوريا واحتلال شريط حدودي سوري بمحازاة الحدود اللبنانية ووضعها تحت سيطرته، وانتقال عناصره نحو عمق الاراضي السورية ومن ثم الى اليمن والعراق للقتال الى جانب الميليشيات الشيعية هناك.. والتدخل في البحرين والمملكة العربية السعودية..فيما يعتبر تجاوزاً للحدود البرية وتجاهلاً لتقسيمات سايكس – بيكو.. الجغرافية والادارية والسياسية... ويمكن القول ان ايران استخمت حزب الله وبعض الميليشيات الشيعية في المنطقة في سعيها لبسط نفوذها الأمني والسياسي على بعض الدول العربية متجاهلةً نفوذ ومصالح وقدرات الدول الغربية والولايات المتحدة، إلى جانب روسيا الاتحادية.. ومستغلةً الفوضى التي وقعت في بعض الدول العربية نتيجة الثورات الشعبية، ولتلكؤ الدول الغربية عن اعلان موقف واضح من هذه الثورات..؟؟
ضعف الدول العربية، وعدم وجود استراتيجية سياسية وعسكرية واضحة لديها، لحماية المنطقة او حتى رسم مستقبلها، وتراجع دور مصر الاقليمي، عقب سيطرة نظام الانقلاب في مصر بقيادة عبدالفتاح السيسي، الذي جعل منها دولة بحاجة لرعاية مالية مستمرة من دول الخليج العربي، حتى لا تنهار اقتصادياً وتتفكك سياسياً، وتعيش الفوضى الامنية...التي تلوح في الافق..؟؟ جعل المنطقة العربية والشرق الأوسط، امام مستقبل مجهول، وساهم في تعزيز هذا الخوف والقلق غياب القيادة السياسية الجامعة والقادرة، على اعادة صياغة الاستقرار في عالمنا العربي، سياسياً وامنياً واقتصادياً..فحال الفوضى المستمرة والدائمة سوف يتم استثمارها في تعزيز التطرف والتشدد في المنطقة والعالم وما جرى في اوروبا مؤخراً خير دليل... واستمرار التدخل الايراني في دول العالم العربي والاسلامي تحت راية دينية وبتوجهات مذهبية سوف يعزز الانقسام العامودي .. ويعطي دفعاً لقوى التطرف في مختلف الاطياف الدينية، والسنية منها بشكل خاص...؟؟ وهذا ما تخشاه دول الغرب والانظمة العربية ايضاً..؟؟
لذا فقد برز مؤخراً تفاهم كيري – لافروف، لرسم وادارة الصراع وتحديد طبيعته ومستقبله في هذه المنطقة..لأن هذا المشهد الأمني والسياسي لم يكن، ولم يعد مقبولاً من قبل الدول الغربية وروسيا.. وبما ان اعادة صياغة المنطقة جغرافياً يرتب مسؤوليات بالغة الصعوبة والتعقيد.. كان لا بد من العمل على ضبط وتيرة الايقاع الأمني ولجم انتشار الصراع المسلح او على الاقل احتوائه والحد من تفاقمه.. فكانت اجتماعات الكويت لايجاد حل سياسي لمشكلة اليمن التي تسبب بها التدخل الايراني...؟؟ واجتماعات جنيف لاطلاق عملية سياسية في سوريا تؤدي الى تغيير سياسي ينتهي بغياب الاسد وفريقه عن المشهد السياسي، وانتاج سلطة جديدة مدنية لا دينية..؟ والتدخل العسكري في العراق من قبل بعض الدول الغربية واخرها بل اخطرها قصف الطائرات الأميركية الاستراتيجية ب – 52 لمناطق عراقية حول مدينة الموصل..كل هذه التحركات الهدف منها وقف حضور وتمدد واستمرار (دولة الخلافة الاسلامية) التي اعلنها ابو بكر البغدادي، المعلوم - المجهول..الاهداف والمنشأ..والحد من حضور النفوذ الايراني في الشأن العراقي..والغاء دور الميليشيات الطائفية المذهبية في العراق والمنطقة العربية ..وتؤشر زيارة الرئيس الفرنسي الى لبنان ولقائه بقادة سياسيين وحزبيين باستثناء حزب الله الذي نرى تسارع الإدانة الدولية لدوره ووضعه على لائحة الارهاب الدولية وحصاره اعلامياً وسياسياً ومالياً.. وتجريمه امنياً..؟؟  دلالة على ان لبنان ومستقبله واستقراه سوف يكون من ضمن التفاهم الدولي على تجفيف مصادر القلق الأمني ووقف الصراع الديني بين مكونات المنطقة، الذي عززته السياسات الايرانية وردود الفعل المتطرفة على هذه السياسات..؟؟ هنا يمكن القول ملامح المرحلة المقبلة تؤكد ان ان مصير داعش والميليشيات الطائفية ومن بينها حزب الله سوف يعالج بالحسم العسكري وليس بالتفاهم السياسي...؟؟
القرن الماضي رسمت معالمه وحدوده اتفاقية سايكس- بيكو.. جغرافياً وسياسياً لمرحلة زمنية معينة، وعاشت المنطقة في مرحلة محددة من الزمن صراعاً سوفياتياً – اميركياً .. بعد ان اصاب فرنسا وبريطانيا ما سبق ان اصاب الامبراطورية العثمانية من ضعف ووهن وتردي.. ..؟؟ اما اليوم فإن مستقبل المنطقة يرسمه كما يبدو تفاهم وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية..(كيري – لافروف) ولكن يمكن القول ان الصورة او المشهد الاقليمي لن يتغير جغرافياً كما يتصور البعض، بل سوف يشهد تبدلاً سياسياً، وضبطاً امنياً.. فقط.. والسبب هو ان أي تغيير جغرافي يتطلب رعاية مالية وحماية امنية وقراءة سياسية، وتبريراً قومياً او دينياً.. لأن الصراعات في المنطقة اليوم هي بين قوميات متناحرة او مذاهب واديان متصارعة .. واي تقسيم جغرافي يستند الى اي تفسير او تبرير يتضمن هذا الشكل والعنوان، سوف يكون عامل فوضى وليس مؤشر استقرار في المنطقة، والتضحية ببعض الحلفاء او الميليشيات.. والتخلي عن بعض الانظمة قد يكون السبيل الوحيد لاعادة انتاج الاستقرار في المنطقة وانظمتها السياسية، وحماية مصالح الدول الكبرى  في عالمنا المتهاوي والمتصارع...