الرئيسة \  مشاركات  \  الشيخ العلامة المجاهد صلاح عبد الفتاح الخالدي

الشيخ العلامة المجاهد صلاح عبد الفتاح الخالدي

30.01.2022
الأستاذ عمر محمد العبسو


الشيخ العلامة المجاهد صلاح عبد الفتاح الخالدي
( ١٣٦٧ - ١٩٤٧م )/ ( ١٤٤٣ - ٢٠٢٢م)
 
هو الشيخ العالم المجاهد صلاح الدين عبد الفتاح الخالدي أحد أبرز علماء التفسير في الأردن.
المولد، والنشأة:
 ولد الشيخ د. صلاح الدين الخالدي  بفلسطين في مدينة جنين في 18 محرم 1367هـ ،1/12/1947م...ونشأ في أسرة مسلمة ملتزمة بتعاليم الدين تحب العلم وتحترم العلماء.
الدراسة، والتكوين:
  ودرس صلاح الدين الخالدي  في جنين في المدارس حكومية حتى الصف الثاني الإعدادي، ثم توجه إلى الدراسة الشرعية، وانتقل إلى نابلس للدراسة في المدرسة الإسلامية، وهذه المدرسة كانت مرتبطة مع الأزهر، فكان الطلاب الأوائل يذهبون في بعثة للدراسة في الأزهر، وقد تيسر له الحصول على البعثة، ثم سافر إلى القاهرة سنة 1965م.
  وهناك أخذ الثانوية الأزهرية، ثم التحق بكلية الشريعة وتخرج فيها سنة 1970م، ثم عاد إلى الأردن لأن الضفة الغربية كانت قد احتلت سنة 1967م.
  وسجل لدراسة الماجستير سنة 1977م في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وحصل عليها عام 1980م، وكانت تحت عنوان نظرية التصوير الفني عند سيد قطب...وقد أشرف عليها د. أحمد حسن فرحات، وكان الشيخ محمد قطب، والشيخ محمد الراوي من المناقشين.
  ثم حصل على درجة الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن سنة 1984م من الجامعة نفسها، وكانت الرسالة بعنوان (في ظلال القرآن : دراسة وتقويم )، وأشرف عليها أيضاً الأستاذ الدكتور أحمد حسن فرحات، وناقشه في الرسالة عالمان مشهوران هما: الشيخ مناع القطان رحمه الله، والأستاذ الدكتور عدنان زرزور -العالم القرآني المعروف.
فيقول في ذلك في حوار معه:
(فقد ولدت في مدينة جنين في (1/12/1947م) الموافق (18/محرم/1367هـ)، ودرست في جنين في المدارس الحكومية حتى الصف الثاني الإعدادي، ثم توجهت إلى الدراسة الشرعية، فانتقلت إلى نابلس للدراسة في المدرسة الإسلامية، ودرست فيها سنتين: الثالث الإعدادي والأول الثانوي، وهذه المدرسة كانت مرتبطة مع الأزهر، فكان الطلاب الأوائل يذهبون في بعثة للدراسة في الأزهر. وقد يسر الله لي الحصول على هذه البعثة.
  سافرت إلى القاهرة سنة 1965م، وهناك أخذت الثانوية الأزهرية، ثم دخلت كلية الشريعة وتخرجت فيها سنة 1970م، وعدت إلى الأردن لأن الضفة الغربية كانت قد احتلت سنة 1967م. ومن أبرز مشايخي في هذه المرحلة الشيخ موسى السيد رحمه الله أحد علماء فلسطين، وقد كان عالماً عاملاً ربانيّاً وخرج من العلماء الكثير.
  أما مصر فقد سافرت إليها في عز المحنة، وكان هناك حرب على العلماء وكثير منهم في السجون، ومنهم في تلك الفترة الشيخ محمد الغزالي، وسيد سابق ، وعبدالحليم محمود، حيث كان لهؤلاء جهود دعوية في تلك الفترة خاصة الشيخ محمد الغزالي، وكنا نحضر محاضراته في مختلف مناطق القاهرة.
  ثم سجلت لدراسة الماجستير سنة 1977م في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وكانت الرسالة التي قدمتها بعنوان: (سيد قطب والتصوير الفني في القرآن) وجاءت في قسمين: القسم الأول عن حياة سيد قطب، والثاني عن التصوير الفني في القرآن. وتمت المناقشة سنة 1980م، وتألفت اللجنة من الأستاذ الدكتور أحمد حسن فرحات مشرفاً، والأستاذ محمد قطب مناقشاً، والشيخ محمد الراوي العالم المصري المعروف مناقشاً.
  وكانت قاعة المناقشة ممتلئة بالحضور، وجاء عدد كبير منهم جاء ليسمع كلام الأستاذ محمد قطب، الذي أخجلني، وهو يثني على الرسالة والجهد المبذول فيها، حتى إنه قال: لو تقدم الطالب بالقسم الأول من الرسالة فقط لاستحق الماجستير عن جدارة! وهذا من فضل الله عليِّ، وأسأله القبول سبحانه.
  ثم حصلت على درجة الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن سنة 1984م من الجامعة نفسها، وكانت الرسالة بعنوان: (في ظلال القرآن دراسة وتقويم) وأشرف عليها أيضاً الأستاذ الدكتور أحمد حسن فرحات، وناقشني عالمان مشهوران هما الشيخ (مناع القطان رحمه الله،
 والأستاذ الدكتور عدنان زرزور -العالم القرآني المعروف)
الوظائف، والمسؤوليات:
 عين الشيخ صلاح عبد الفتاح الخالدي واعظا بوزارة الأوقاف في مدينة الطفيلة بالأردن.
   وعمل مراقباً للتوجيه الإسلامي (مساعد مدير أوقاف) في عام 1974م بمدينة السلط.
   ثم عُيِّن في كلية العلوم الإسلامية في عمان، في سنة 1980م بعد حصوله على الماجستير، وبقي فيها حتى عام 1991م، وكان عميداً لها في آخر سنتين.
  ثم أصبح مدرساً في كلية أصول الدين- جامعة البلقاء التطبيقية، وما زال يعمل فيها إلى الآن.
 وخلال هذه الفترة من عام 1981م-1994م عمل خطيباً وإماماً في مسجد عبد الرحمن بن عوف في منطقة صويلح بعمان.
علاقتة بجماعة الإخوان المسلمين:
يقول الشيخ صلاح الدين الخالدي حول هذه العلاقة:
أذكر وأنا في الصف الثاني الإعدادي بمدرسة جنين تعرفت على بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وكانوا يأخذونني لشعبة الإخوان بجنين لنقرا القرأن والصحف وغيرها من الأنشطة.
  تعرف على جماعة الإخوان وعمره كان 13 عاما حيث التقى بقادة الإخوان بجنين أمثال الشيخ فريد جرار، وتوفيق جرار.
  كانت التربية والنشأة الدينية لدى الشيخ هي الدافع القوى الذي جعله يسلك درب الإخوان حيث التحق بهم في عام 1963م، وظل معهم وقد حدث بعض الاختلاف في وجهات النظر في بعض القضايا فترك الجماعة على إثرها (إلا انه عاد مرة أخرى إلى أحضان الجماعة).
المشايخ الذين تتلمذ علي أيديهم:
الشيخ موسى السيد رحمه الله –أحد علماء فلسطين.
الشيخ الداعية محمد الغزالي.
الشيخ الفقيه سيد سابق.
الشيخ عبدالله الغديان عضو هيئة كبار العلماء.
الدكتور مصطفى مسلم: وهو من العلماء السوريين المعروفين.
الأستاذ : محمد قطب الذي ناقشه في رسالة الماجستير.
 الشيخ د. أحمد حسن فرحات: الذي أشرف عليه في الماجستير والدكتوراه.
الشيخ العالم المصري محمد الراوي.
الشيخ د. عدنان زرزور.
 وقد تأثر الشيخ تأثرا كبيرا بالشيخ الأستاذ سيد قطب وكانت صلته بالشيخ صلة محبه وتلمذة، أما الصلة شخصية فلم يكن بين الشيخ صلاح، وبين الأستاذ سيد قطب صلة شخصية.
  ويصف ذلك بقوله: كانت علاقتي بالشهيد سيد قطب هي علاقة محبة وتلمذة، أما صلة شخصية فلم يكن بيني وبين الأستاذ سيد قطب صلة شخصية، لم ألتق معه لأني عندما سافرت إلى مصر، كان سفري في شهر (9) سنة 1965م، وكان سيد قد اعتقل في شهر (7) من السنة نفسها، وبعدها أعدم، فلم ألتق معه لقاء شخصيّاً إنما تتلمذت على كتبه، قرأتها كلها.
  لما سافرت للقاهرة كان قد وقع في محنة فزاد إعجابي بالرجل، فأقبلت على كتبه، رغم أنها كانت ممنوعة وغير متوفرة في المكتبات، لكن كنا نحصل عليها عن طريق بعض الزملاء والمعارف وبطرق خاصة.
 أما أول كتاب قرأته لسيد فله قصة.. كنت في المدرسة أحب القراءة والمطالعة، وكنت أتردد على مكتبة المدرسة، فاستهواني اسم كتاب بعنوان: (مشاهد القيامة في القرآن) ومؤلفه سيد قطب، قبل ذلك لم أكن قد سمعت عنه، فأعجبني اسمه (سيد) و(قطب)، وعنوان الكتاب أعجبني، فاستعرت الكتاب من المكتبة، وأخذته إلى البيت، وقرأته، وأعترف أنني لم أفهم معظم ما فيه إلا أنها كانت أول مرة أسمع فيها عن سيد وأقرأ له.
  وحينما استشهد سيد قطب، وكان الخالدي في القاهرة في ذلك التوقيت فيضف شعوره بقوله: حقيقة حزّ في نفوس الجميع استشهاد سيد، كان استشهاده في(29/8/1966م) فتألمنا جميعاً، وأذكر منظراً لا أنساه، فقبل استشهاده كنا في كافتيريا المدينة الجامعية في الأزهر، وفيها تلفاز، وكنا نجلس نستمع لنشرة أخبار الساعة الثامنة مساءً، وفي النشرة عرضوا صورة سيد قطب عندما خرج من السجن لتنفيذ حكم الإعدام عليه، فسلَّم على جميع الضباط والجنود الموجودين وصافحهم واحداً واحداً، ولما وقف على باب السجن، صافح الواقفين، وكانت سيارة السجن تنتظره، فركب السيارة والتفت للخلف وحياهم جميعاً، وابتسم ابتسامته الكبيرة التي انتشرت بعد ذلك في الصحف.. كان منظراً مؤثراًً، وهذا ردّ على من يقول: إن سيداً كان رجلاً مكتئباً وسوداويّاً.. بالعكس كان وجهه مشرقاً في الصورة، وكان يسلم على أعدائه الذين حاربوه وعذّبوه، ومع ذلك كان يسعهم بقلبه الكبير.
  وأذكر أنني في يوم استشهاده كنت في البيت ولم أخرج.. كان من الصعب أن يخفي أحدنا حزنه وألمه على ما جرى، لكن رجال البوليس المصري آنذاك كانوا يحاسبون الناس على عواطفهم، ففي اليوم التالي لاستشهاده، رأيناهم يعتقلون أي رجل ملتزم تبدو عليه مظاهر الحزن لما حدث! وهذه قمة السوء؛ أن تحارب الناس على عواطفهم.
مؤلفاته:
عدد المطبوع من مؤلفاته بلغ (44) كتاباً، وهي:
١- سيد قطب الشهيد الحي.
٢- نظرية التصوير الفني عند سيد قطب.
٣- أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب.
٤- مدخل إلى ظلال القرآن.
٥- المنهج الحركي في ظلال القرآن.
٦- في ظلال القرآن في الميزان.
٧- مفاتيح للتعامل مع القرآن.
٨- في ظلال الإيمان.
٩- الشخصية اليهودية من خلال القرآن.
١٠- تصويبات في فهم بعض الآيات.
١١- مع قصص السابقين في القرآن: 1-3.
١٢- البيان في إعجاز القرآن.
١٣- ثوابت للمسلم المعاصر.
١٤- إسرائيليات معاصرة.
١٥- سيد قطب: من الميلاد إلى الاستشهاد.
١٦- لطائف قرآنية.
١٧- هذا القرآن.
١٨- حقائق قرآنية حول القضية الفلسطينية.
١٩- الخلفاء الراشدون بين الاستخلاف والاستشهاد.
٢٠- التفسير والتأويل في القرآن.
٢١- الأتباع والمتبوعون في القرآن.
٢٢- التفسير الموضوعي بين النظرية والتطبيق.
٢٣- الخطة البراقة لذي النفس التواقة.
٢٤- تفسير الطبري تقريب وتهذيب 1-7.
٢٥- الرسول المبلغ صلى الله عليه وسلم .
٢٦- القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث 1-4.
٢٧- تهذيب فضائل الجهاد لابن النحاس.
٢٨- تعريف الدارسين بمناهج المفسرين.
٢٩- القبسات السنية من شرح العقيدة الطحاوية.
٣٠- سيد قطب الأديب الناقد والداعية المجاهد.
٣١- صور من جهاد الصحابة.
٣٢- إعجاز القرآن البياني ودلائل مصدره الرباني.
٣٣- مواقف الأنبياء في القرآن : تحليل وتوجيه.
٣٤- سعد بن أبي وقاص : المجاهد الفاتح.
٣٥- الحرب الأمريكية بمنظار سيد قطب.
٣٦- سيرة آدم عليه السلام: دراسة تحليلية.
٣٧- بين الإسلام الرباتي والإسلام الأمريكاني.
٣٨- عتاب الرسول في القرآن: تحليل وتوجيه.
٣٩- وعود القرآن بالتمكين للإسلام.
٤٠- حديث القرآن عن التوراة.
٤١- جذور الإرهاب اليهودي في أسفار العهد القديم.
٤٢- سفر التكوين في ميزان القرآن 1-2.
٤٣- تهافت فرقان متنبئ الأمريكان أمام حقائق القرآن.
٤٤- الأعلام الأعجمية في القرآن: تحليل وتوجيه.
٤٥- الكليني وتأويلاته الباطنية للآيات القرآنية في أصول الكافي.
قالـوا عنه:
  يقول فضيلة الأستاذ الدكتور علي الصوا – أستاذ الفقه في الجامعة الأردنية:
" الشيخ صلاح الخالدي عالم رباني ولا أزكي على الله أحدا يتمتع بخلق رفيع تأثر فيه بكتاب الله وعالم تفسير تأثر بأخلاق القرآن الكريم وحقيقة له باع طويل بالعلم والتفسير وقد نحى منحى الكتابة عن تفسير الظلال.
وشخصية صاحب الظلال، وهو متخصص به، وهذا يعكس شخصية الشيخ صلاح الخالدي الداعية وبصفته أحد العلماء الذين يتمتعون بفهم كتاب الله تعالى والدعوة إلى مايتضمنه الكتاب الكريم … وهو أيضا إلى جانب ذلك له شخصية محببة تقربه من الناس.
  ويصرف قسما كبيرا من جهده ووقته في تعليم كتاب الله في المساجد وخاصة مسجده الذي يصلي فيه وكذلك الدورات الشرعية التي استفاد منها الكثير من طلبة العلم الشرعي… وهو كذلك عف اللسان .. ويتقبل وجهات النظر المختلفة" .
  ويقول فضيلة الأستاذ الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني رئيس جمعية المحافظة على القرآن الكريم:
" جزى الله الشيخ صلاح الخالدي خيرا فيما قدم للمكتبة الإسلامية من نفائس الكتب في التفسير وبالتعريف بإمام من أئمة التفسير في العصر الحديث الإمام سيد قطب .
  لقد كان الشيخ صلاح الخالدي بعلمه وبحثه وجهده كاشفا عن كنوز سيد قطب وعن آثاره ومساعدا للقارئ العربي والمسلم بالتعرف على كنوز هذا الإمام رحمه الله. وقد اجتمع في منهج الشيخ صلاح الخالدي مداد العلماء الموصول بدماء الشهداء… والشيخ صلاح رجل دعوة .
  ويقول فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد شكري أستاذ التفسير في الجامعة الأردنية:
" صلاح الخالدي: هو العالم العامل المخلص قليل المثال في هذا الزمان لقد رأيت من كلامه ما يذكر بأحوال السلف الصالح .. وتدل كثرة مؤلفاته وتنوعها على سعة علمه واستثماره لوقته وله نظرة طيبة في الموضوعات التي يبحث فيها" .
ويقول الأستاذ عاطف الجولاني رئيس تحرير صحيفة السبيل الأردنية:
" الشيخ صلاح الخالدي حفظه الله من العلماء المعروفين , الذين يشار إليهم بالبنان في الأردن والساحة العربية وآثاره العلمية في مجال العلم الشرعي والتوعية والإسهام في المشروع الإسلامي واضحة وجلية تشهد له كتاباته ومؤلفاته المتميزة .. حيث تخصص في عدة جوانب وأبدع فيها وكان له عظيم الأثر في التركيز عليها وأخص بالذكر تركيزه على الخطر الصهيوني وجذوره التاريخية ومنطلقاته التوراتية التلمودية ...أسأل الله أن يوفق الدكتور صلاح الخالدي بمزيد من العطاء بما فيه خير الأمة ومشروعها النهضوي . ا.هـ .
  هذه بعض الشهادات في الثناء على أستاذنا العلامة صلاح الخالدي ومؤلفاته . وكذلك نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا .
من كلماته:
- صراعنا مع اليهود مفتوح ومستمر ومتواصل، ونحن نعيش في هذا الزمان الإفساد الثاني لليهود، الذي تحدثت عنه الآيات الأولى من سورة الإسراء.
   والأرجح أن الإفساد الأول الذي تحدثت عنه الآيات كان في الحجاز، في منطقة المدينة وما حولها، وأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه هم الذين أزالوا ذلك الإفساد الأول.
  ويعقب بعدها والإفساد الثاني اليهودي إفساد حول "المسجد الأقصى"، والاحتلال اليهودي احتلال للأرض المباركة وحول المسجد الأقصى، وستتوحد الأمة المسلمة بإذن الله حول المسجد الأقصى، وسيحدوها النداء المبارك الصادر مما حول المسجد الأقصى، وسترتبط قلوب المسلمين في المشارق والمغارب "حول المسجد الأقصى"، وستكون نبضات هذه القلوب مبرمجة مع ما حول المسجد الأقصى.
  وستنجح مواكب المجاهدين القادمة في الوصول إلى ما حول المسجد الأقصى، وستدخل هذه المواكب المباركة المسجد الأقصى، كما دخله أجدادها من الصحابة ! وهذا ما جزم به القرآن (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (الإسراء: من الآية 7).
وفاته:
  توفي الشيخ الداعية د. صلاح الدين الخالدي في عمان عاصمة الأردن يوم الجمعة ٢٦ جمادى الأخرة عام ١٤٤٣ للهجرة/ الموافق ٢٨ كانون الثاني عام ٢٠٢٢م.
رحمه الله رحمه واسعة، وأسكنه فسيح جناته
 وانا لله وانا اليه راجعون
أصداء الرحيل:
*نعي العلامة المجاهد المفسّر المربّي صلاح عبد الفتاح الخالدي*
قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} الأحزاب 23‏
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم ‏الدّين؛ وبعد:‏
  فإنّنا في هيئة علماء فلسطين ننعى إلى أمتنا الإسلاميّة جمعاء وإلى شعبنا الفلسطينيّ وإلى أهل العلم في كلّ ‏مكانٍ ببالغ الصبر والاحتساب شيخنا العلامة المجاهد المفسر المربي الدّاعية ‏*صلاح عبد الفتّاح الخالدي*
  أحد أبرز رموز العلماء العاملين، وأهل التفسير، والدعوة والتربية، عضو هيئة علماء فلسطين، والأستاذ ‏بالعديد من الجامعات، وصاحب المؤلّفات والمصنّفات الجليلة النافعة، الذي لبّى نداء ربّه تعالى قبل قليل ‏في العاصمة الأردنيّة عمّان هذه الليلة الجمعة 26 جمادى الآخرة 1443ه الموافق 28 كانون الثّاني ‏‏"يناير" 2022م عقب حياة حافلةٍ بالدعوة إلى الله تعالى وتربية الأجيال والتعليم الشرعي والحياة مع ‏كتاب الله تعالى تفسيرًا وتعليمًا ونصرة لقضايا الأمة كلّها وفي الصّدر منها قضيّة فلسطين والقدس ‏والمسجد الأقصى المبارك.‏
  وإنّ هيئة علماء فلسطين إذ تنعى الفقيد الكبير والعالم الجليل فإنّها تعزّي نفسَها وتعزي علماء الأمّة قاطبة ‏بهذا المصاب الجلل، كما تعزّي الأمة الإسلاميّة جمعاء وشعبنا الفلسطينيّ في مختلف أماكن وجوده، وتعزّي ‏أهل شيخنا الرّاحل وأسرته وأبناءه وطلابه وتلاميذه.‏
  وإننا نضرع إلى الله تعالى أن يتقبّل فقيدنا وشيخنا بقبول حسن، وأن يرزقه الفردوس الأعلى في صحبة ‏النبيين والصديقين والشهداء والصّالحين، وأن يربط على قلوب أهله وأحبابه، وأن يعوّض المسلمين بفقده ‏من يحمل الرّاية من بعده، وإنّ القلب ليحزن وإنّ العين لتدمع وإنا على فراقك يا شيخنا لمحزونون ولا ‏نقول إلا ما يرضي ربنا. ‏
وإنا لله وإنا إليه راجعون
هيئة علماء فلسطين
‏  26/جمادى الآخرة/1443هـ، 28/كانون الثاني "يناير"/2022م
 الأحد 27 جمادى الآخرة 1443 - 30 يناير 2022
كلمة في وداع الأخ الدكتور صلاح الخالدي رحمه الله
 الأحد 27 جمادى الآخرة 1443 - 30 يناير 2022 5 
كاتب الترجمة: أحمد حسن فرحات
  رحم الله أخانا أبا أسامة-الدكتور صلاح الخالدي- وأسكنه فسيح الجنان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فلقد عادت بي الذكريات  إلى أيام عملي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- أيام كان طالبا في الدراسات العليا-حيث زارني في بيتي في الرياض- مع مجموعة من زملائه الفلسطينيين والأردنيين- للاستشارة في موضوعات البحوث التي يمكن أن يكتبوا فيها في درجة الماجستير، وقد ذكرت لهم عدة موضوعات كان منها: "سيد قطب والتصوير الفني في القرآن" -وهو الموضوع الذي اختبأته لنفسي- حيث كنت أنوي الكتابة فيه-.
  غير أن الأخ صلاح- هو الذي التقط الموضوع من بين زملائه جميعا- وطلب أن يكتب فيه، وأن أشرف عليه، فسارعت لإجابة طلبه، لأن هذا الموضوع كان يعيش في نفسي- فإذا لم أكتب أنا فيه- فليكتب فيه أحد طلابي بإشرافي.
 ومن خلال الإشراف يمكن أن أقول كل ما عندي من أفكار وملاحظات.
  وهكذا كان، حيث شاركته في وضع خطة البحث، ووجهته إلى المصادر التي تفيده فيه، وكنت أتابعه متابعة دقيقة في جميع مراحل البحث، وأذكر له ملاحظاتي على ما يكتب، وأوجهه إلى بعض الجوانب التي أغفلها، وأشهد أنه كان سريع الاستجابة لكل ما أشير به عليه.
  ولما كان الموضوع- موضع قنا عتي واهتمامي-كنت أشير على الأخ صلاح بكل ما يمكن أن يفيده حتى في الأمور التي لم تكن تخطر على البال، وأذكر من ذلك:
  أنني سمعت يوما بأن الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار-العالم اللغوي المكٍّي-يزور الرياض، وينزل في أحد فنا دقها، فاتصلت بالأخ صلاح وقلت له:
  استعد لمقابلة الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار-الصديق الحميم لسيد قطب - فعنده من المعلومات عن "سيد" ما ليس عند غيره، ومررت بسيارتي على الأخ صلاح، وذهبنا معا للقاء الأستاذ العطار حيث احتفى بنا احتفاء بالغا- لما علم أن الأخ صلاح يكتب عن سيد-.
  وتحدث عن سيد قطب حديث المحب العاشق وعن ذكرياته معه، وكان مما تحدث به- عن كرم سيد-:
أن أحد أصدقائه كان يزوره في منزله ويريد الزواج، ولكنه لا يجد الأثاث المناسب لمسكن الزوجية، فلم يكن من الأستاذ سيد إلا أن تبرع له بالأثاث الذي في منزله.
  ولقد ذكر كثيرا من ذكرياته مع سيد، ثم ذكر قصة عن سيد، وقال للأخ صلاح : هذه القصة للعلم، وليست للنشر - وقد ذكرها الأخ صلاح بعد ذلك - دون أن يشير إلى اسم الدولة التي ينتمي إليها السفير .. وخلاصتها:
أن سيد قطب أعلن أنه يريد إنشاء مجلة -بمائة سهم، لمائة مشارك-حتى لا يكون لأحد وصاية عليها، وتأثير على حريتها.
  ولقد اتصل سيد بصديقه أحمد عبد الغفور عطار، وطلب إليه زيارته في منزله، ولما وصل الأستاذ أحمد قرب المنزل: وجد سيارة لأحد السفراء العرب، فلما دخل المنزل وجد سفير أحد الدول العربية- وقد وضع على الطاولة رزمة من المال-قدمها السفير لإنشاء المجلة بدلا من المائة سهم التي أعلن عنها سيد.
 فقال سيد: إن هذا السفير جاء يشتري دين سيد قطب وعقيدته بهذا المال، ولولا أنه كان في منزلي لكان له معه شأن آخر.  
  ثم قال سيد إن مثل هذه المحاولة جرت معه في أحد فنادق دمشق أثناء زيارته لكلية الآداب في جامعة دمشق عام 1954.                                                                                                
ولما انتهى الأخ صلاح من رسالته أشرت على زميلنا الشيخ محمد الراوي-رحمه الله-رئيس القسم آنذاك- بأن يكون في لجنة المناقشة: لأستاذ محمد قطب، كذلك رغب الشيخ الراوي في أن يكون مناقشا، وتألفت اللجنة مني باعتباري مشرفاً، ومن الشيخ محمد قطب مناقشاً، والشيخ محمد الراوي مناقشا.
 وتمت المناقشة سنة 1980م، وكانت الرسالة بعنوان: (سيد قطب والتصوير الفني في القرآن)، وجاءت في قسمين:
القسم الأول عن حياة سيد قطب، والثاني عن التصوير الفني في القرآن.
  وكانت قاعة المناقشة ممتلئة بالحضور، وجاء عدد كبير منهم، ليسمع كلام الأستاذ محمد قطب، الذي أخجل الباحث- وهو يثني على الرسالة، والجهد المبذول فيها- حتى إنه قال: لو تقدم الطالب بالقسم الأول من الرسالة فقط، لاستحق الماجستير عن جدارة! وكانت المناقشة أشبه بمهرجان علمي- لم تتسع له قاعة المحاضرات في الجامعة- مما جعل الجمهور يملأ الأفنية والممرات الملحقة التابعة للمبنى..
 ولما سئل الأستاذ محمد قطب- في إحدى محاضراته- عن أخيه سيد، قال اسألوا الدكتور صلاح الخالدي-اعترافا بسعة ما جاء فيها عن حياة سيد-.
  ولما قدم الباحث" صلاح"   رسالة الماجستير للطباعة: أحب أن يقدم له الأستاذ الأديب عبد الله الطنطاوي -صديق أستاذه المشرف، ورفيق حياته- والذي كان يسمع منه دائما ثناء عليه، فلم يسع الأستاذ الطنطاوي إلا أن يستجيب لطلبه، وأن يكتب له المقدمة، وقد أثنى الأستاذ الطنطاوي- في مقدمته- على الرسالة، وعلى الجهود المبذولة فيها، في جزأيها:
 الأول المتعلق بترجمة سيد، والثاني المتعلق بنظرية التصوير الفني، حيث قال في تعليقه على الجزء الأول:
"إن ما كتبه المؤلف- يقصد الباحث صلاح- هو جهد ضخم، قدمه في تواضعٍ جم، وإنه خيرُ كتاب صدرَ عن سيد، فهو يترجم له ترجمة دقيقة، يبرز فيها شخصية سيد الأديب، وسيد السياسي، وسيد الداعية الحكيم المحنك...، وهذه الإيجابيات تثلج الصدور من جهة، إذ تبين عبقرية هذا الرجل العملاق، ولكنها تؤلم من جهة أخرى، إذا قارنا حياة سيد بحياة من نعايشهم اليوم من العاملين في الحقل الإسلامي....، ولعلها تكون مهمازا يدفع هؤلاء إلى أن يكونوا مثله، وعيا وإخلاصا وحركة، وزهدا بهذا الحطام الذي يشوه النفوس، ويخالف بين الصفوف، ويجعل الدعاة كسائر الناس لا يكادون يتميزون منهم، ولا يرتفعون عنهم إلا قليلا...."
ثم ختم مقدمته بالنص التالي: لقد اكتشف المؤلف-الباحث صلاح- مفتاحين لدراسة سيد للقرآن الجليل...
أولهما: المفتاح الجمالي المتمثل في نظرية التصوير الفني، الذي برز في كتابه "التصوير الفني في القرآن " وفي بعض المواضع من كتبه وكتاباته الأخرى.
وثانيهما: المفتاح الحركي الذي برز في كتابه العظيم (في ظلال القرآن).
 ولئن أخرج المؤلف كتابه الثاني عن المفتاح الجمالي، فإنه وعد أن يتابع المسير في إصدار كتاب عن المفتاح الثاني الحركي .....، وإننا لمنتظرون.                                                                              
  ثم يتابع الأستاذ الطنطاوي حديثه عن المفتاح الجمالي قائلا: ولئن أفاد النقاد ورادة الجمال من هذا الكتاب، فإن الجمهرة الكبيرة من تلاميذ سيد والمعجبين به يتطلعون إلى الكتاب الثالث الذي يتناول الجوانب الحركية التي وعاها سيد وهو يعيش في ظلال القرآن. وأخيراً...
  لا يسعني إلا أن أشد على يد المؤلف، مباركاً وطالباً منه أن يفي بما وعد، وننتظر، فتفرغه لدراسة سيد، وتخصصه بعالمه الوسيع، كفيلان بهدايته إلى جوانب أخرى لا تقل ثراء ولا روعة عن هذه الجوانب التي وعاها فكتب بها... خاصة وأن الأستاذ المشرف هو الدكتور أحمد فرحات، التلميذُ النجيب لسيد، والمعجبُ به منذ يفاعته...، ولعلَّ جهود الرجلين: الأستاذ والتلميذ، تقضي من نفوسنا حاجة...، بل حاجات...، وتخدم الدعوة الإسلامية من خلال الحديث عن عبقري من رجالها....، وعندئذ..... نستطيع أن نطمئن إلى مسيرة الدعوة، وإلى أن أبناءها البررة الذين آلوا على أنفسهم أن ينتصفوا لمعلميهم، ويرفعوا الظلم الذي حاق بهم، وإلى لقاء قريب، في كتاب جديد، والسلام على سيد في الخالدين.
  ثم جاءني الأخ صلاح-بعد مناقشة رسالة الماجستير- يستشيرني في موضوع رسالة الدكتوراه فقلت له: أكمل مشوارك مع سيد قطب، واكتب عن " في ظلال القرآن"-دراسة وتقويم- وهكذا كان. فقد شاركته في وضع خطة البحث، وتابعته بالملاحظات والتوجيهات -كما في رسالة الماجستير-.
  ثم حصل على درجة الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن سنة 1984م من الجامعة نفسها، وكانت الرسالة بعنوان: (في ظلال القرآن – دراسة وتقويم) وكانت لجنة المناقشة تتألف مني باعتباري مشرفا، ومن الأستاذين الجليلين: الشيخ مناع القطان-رحمه الله- الأستاذ في الدراسات العليا في الجامعة، والأستاذ الدكتور عدنان زرزور -الأستاذ بجامعة قطر-.
  ولا شك بأن الأستاذ الطنطاوي اطلع بعد ذلك على ما أصدره الأخ صلاح مما كان ينتظره منه
 حيث صدرت رسالة الدكتوراه عن كتاب" في ظلال القرآن" بثلاثة أجزاء – - تمثل المفتاح الحركي- والأجزاء هي:
مدخل إلى ظلال القرآن، والمنهج الحركي في ظلال القرآن، وفي ظلال القرآن في الميزان.
-وهو ما كان ينتظره الأستاذ الطنطاوي-من إنجاز الوعد.
  وفي لقاء مجلة الفرقان مع الدكتور صلاح سأله المحاور عن الميزة التي يتميز بها الظلال عن باقي كتب التفسير؟ فأجاب:
سيد قطب كان عنده مبدأ: ما قاله الناس لا يعيد قوله، إنما كان يضيف إلى ما قاله الناس.
 فسيد في (تفسيره) لم يقف أمام تحليلات القرآن البيانية واللغوية وغيرها فهذا موجود في التفاسير السابقة، إنما أضاف معاني جديدة غير موجودة في التفاسير السابقة، فلهذا (الظلال) لا يغني عن غيره ولا يغني عنه غيره، (الظلال) هدفه: بيان روح القرآن، كيفية الحياة مع القرآن، كيف يدخل المؤمن عالم القرآن، ويخرج منه صاحب رسالة، يحمل رسالة القرآن ويواجه أعداء الله، هذه المعاني ركز سيد عليها، سيد علَّمنا كيف نواجه الحرب التي شنها الأعداء على القرآن.
 السابقون لم يتكلموا فيها لأنهم كانوا يكتبون لأناس كانوا يعيشون مع القرآن، فكانوا يقدمون للناس ثقافة تفسيرية.
سيد لم يقدم ثقافة تفسيرية، سيد قدم للناس منهجاً تربويّاً حركيّاً مع القرآن، سيد أراد تخريج الشخصية الإسلامية القرآنية، عندما تقرأ (الظلال) تصاغ صياغة قرآنية من جديد؛ فتخرج من الظلال وأنت جاهز لكي تستوعب العلم القرآني بشكل دقيق.
 بعدها اذهب إلى باقي كتب التفسير، وابدأ من جديد ادرس دراسة ثقافية تفسيرية؛ فعندها تجمع ما بين التربية والحركة في (الظلال)، والعلم التفسيري في التفاسير الأخرى.
ويعجبني كلام الدكتور أحمد حسن فرحات عندما كان يقول: (الظلال) كتب الله له القبول لأنه كتب مرتين: مرة بمداد العالم، ومرة بدم الشهيد. فكان العلم نوراً، والشهادة نوراً، و(الظلال) نور على نور.
 ثم قلت للأخ صلاح: أنت يجب أن تكون متخصصا ومرجعا في كل ما كتب سيد قطب، وما كتب عنه، وأن تجمع من تراثه الموزع في المجلات ما تستطيع، وهكذا كان.
فجمع ما كتبه سيد قطب عن أمريكا بعنوان: "أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب" بدلا من كتاب سيد قطب الضائع: " أمريكا التي رأيت". وهكذا نشر بعض الرسائل التي أرسلها سيد لإحدى أخواته بعنوان:" أفراح الروح"....
 لقد استفاد الأخ صلاح من دراسته لسيد قطب استفادة كبيرة، حيث كونت هذه الدراسة لديه قاعدة علمية متينة، انطلق بعدها ليثري المكتبة الإسلامية بمؤلفاته الكثيرة-والتي تقرب من خمسين كتابا-والتي تلبي حاجة الأمة الإسلامية في حاضرها.
وساعده في هذا الثراء حرصه على الوقت، فلا يسمح لنفسه بأن يضيع من وقته شيء، وفي ذلك يقول في حواره مع مجلة الفرقان:
 حقيقة:
الوقت يذهب بسرعة، ولكن ينبغي على الإنسان أن يحسن استغلاله ويحسن تنظيمه، والبركة تأتي من الله تعالى، ذكرت في أحد كتبي -وهو (الخطة البراقة لذي النفس التواقة)- كيف ينظم المسلم وقته ويستفيد منه فائدة جيدة، حقيقة أنا عندي حرص والحمد لله على الوقت، وينبغي على أحدنا أن يستعين بالله سبحانه، ويحرص على أن لا يضيع شيئاً من وقته فيما لا فائدة فيه، يتقلل من الأمور الاجتماعية والمظاهر التي ليس لها داع مثل الزيارات غير المناسبة، وما يتبقى من الوقت يغتنمه بالاشتغال بالأعمال العلمية، ولابد للإنسان أن يجمع بين الكتابة والدعوة، بمعنى أن يخصص جزءاً من وقته للكتابة والتأليف، ويخصص جزءاً آخر لتعليم الناس وإرشادهم عن طريق الدروس والمحاضرات وغير ذلك، لأن المغالاة في الكتابة فقط وترك الناس بدون دعوة غير مناسب، وأيضاً الانشغال بالدروس فقط دون كتابة لمن عنده القدرة عليها أيضاً غير مناسب، فالحل هو الموازنة بين الكتابة والدعوة ليكون الإنسان رجل علم في جانب، ورجل دعوة في الجانب الآخر.
أما بالنسبة لبرنامجي اليومي فأحب أن أقول –بداية-: إنه ثبت من خلال التجربة أن أفضل شيء استغلال وقت ما بعد الفجر، لأن بعض الناس يضيع هذا الوقت في النوم بسبب السهر إلى وقت متأخر من الليل، برنامجي يبدأ بعد الفجر مباشرة، أستيقظ على الأذان الأول، أصلي الفجر في المسجد والحمد لله، وعندي برنامج تفسير القرآن في المسجد -مسجد عبدالرحمن بن عوف- الحمد لله عندي كل يوم درس تفسير حوالي 7-8 دقائق، أتناول فيه تفسير آية بشكل مختصر، بدأت بهذا الدرس قبل (16) سنة بتفسير سورة الفاتحة، وأوشكت الآن على إكمال تفسير القرآن كله، حيث وصلت إلى سورة الغاشية، لم أتوقف عن هذا الدرس إلا إذا كنت مسافراً أو مريضاً، ولعل هذا أول مرة يحصل في الأردن أن يكمل تفسير القرآن كله في مسجد واحد، وهذا بفضل الله سبحانه، الشاهد أنه بعد الفجر لا أنام، واستغل هذا الوقت الثمين المبارك، وقت صفاء الذهن، وأنجز فيه أعمالاً جيدة، ثم استغل الفترة من الشروق حتى الظهر بالكتابة والتأليف، ثم أذهب إلى الجامعة وغالباً تكون محاضراتي بين الظهر والعصر، أما فترة ما بعد العصر فتكون للدروس العامة للناس، أما في الليل فأنا لست ليليّاً وأحرص على النوم مبكراً، حتى إني في ليالي الصيف أنام بعد العشاء مباشرة
 كما ساعده على ذلك إخلاص في العمل، ومواكبة للحركة الإسلامية المعاصرة في نشاطها، فبقي- على العهد- ملتزما بالخط الأصيل، لم يغير ولم يبدل. لقد كان الأخ صلاح وفيا كل الوفاء: لسيد قطب، ولكتبه ومؤلفاته، فحينما أخبر بأن أحد الإخوة المصريين يريد أن يعيد طباعة " في ظلال القرآن"- إلى طبعته الأولى- غضب غضبا شديدا، وكتب إليَّ هذه الرسالة:
فضيلة أستاذي الدكتور احمد فرحات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أخبرني الأخ أيمن ...اليوم أن بعض الاخوان المصريين يريد إعادة طبع الطبعة الاولى من الظلال.. لتحل محل الطبعة المنقحة المنتشرة...وقد رددت عليه رافضا هذا العبث...فأحببت أن أسمعك ذلك.. والأمر اليك استاذي الكريم الفاضل...
وقد كتبت إليه جوابا على رسالته:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فسأحاول غدا أن ابحث عن بعض الإخوة- الذين يمكن ان يكون لهم تأثير في هذا الأمر- ليوقفوا هذا العبث، الذي يدل على عدم إحساس بالمسؤولية، وعدم تقدير لنتائجه. ولكم الشكر والتقدير على متابعة الموضوع، وليس ذلك غريبا على الأخ صلاح، فهو خير من يقدر خطورة هذا الأمر.
 فجزاك الله خيرا على هذه الغيرة.
والمفروض في من يفكر بمثل هذا: ان يستشير الأخ صلاح- الذي عاش طويلا مع تراث سيد، وعرف منه مالم يعرفه غيره-كما أشار إلى ذلك الأستاذ محمد قطب-حين سئل عن أمر يخص أخاه سيد، فقال:
اسألوا الدكتور صلاح الخالدي.
 وكما كان الأخ صلاح وفيَّا لسيد وتراثه، فقد كان وفيا لإخوانه وأصدقائه والمقربين منه.
 ولقد كان حريصاً على زيارتي في منزلي كل ما قدمت إلى عمَّان، وكان يتحفني بكتبه الجديدة، وكنا نتجاذب أطراف الحديث في هموم الأمة، وما ينبغي عمله في مستقبل الأيام.
رحم الله الأخ صلاح وأجزل مثوبته، وأنزله في عليين- منازل الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين-.
إننا نعَزٍّي فيه أنفسنا، كما نعَزٍّي الأمة الإسلامية بفقدها لواحد من علمائها البررة، والذي نذر نفسه لخدمتها بما كتب وألَّف وحاضر، كما نعزٍّي الحركة الإسلامية المعاصرة بفقدها لعلم من أعلامها - والذي خط لها في منهجيتها الحركية- معالم واضحة، كما نعَزٍّي فيه الحركة الفلسطينية المجاهدة، وهيئة علماء المسلمين في فلسطين.
  كما نعَزٍّي أسرة الفقيد، وبخاصة نجله الدكتور" حذيفة" الذي نرجو له أن يكون على خط والده، كما نعَزٍّي أساتذته وطلابه وأصدقاءه، ومحبيه، ومنابر العلم في الجامعات التي درَّس فيها. وإننا على فراقك يا أبا أسامة لمحزونون. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
رحمه الله رحمه واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
مصادر الترجمة:
١- الموسوعة التاريخية الحرة.
٢- موقع رابطة أدباء الشام.
٣- موقع رابطة العلماء السوريين.
٤- موقع الشيخ د. علي محمد الصلابي.