الرئيسة \  في وداع الراحلين  \  الشيخ عبد الحفيظ قلعجي رحمه الله تعالى وتقبله في الصالحين

الشيخ عبد الحفيظ قلعجي رحمه الله تعالى وتقبله في الصالحين

20.11.2023
زهير سالم




في وداع الراحلين
الشيخ عبد الحفيظ قلعجي رحمه الله تعالى وتقبله في الصالحين
وأعلى مقامه في عليين
زهير سالم*
بلغني اليوم عن طريق المتابعين وفاة الشيخ الدكتور الفقيه الأصولي عبد الحفيظ قلعجي.. رحمه الله تعالى..
وكانت لي معه رفقة في إعدادية الثأر في حلب. كنت انا مكلفا بالتدريس في سنوات الطلب، وكان هو مدرسا. حاملا لشهادة العالمية، كما يقول أساتذتنا الأزهريون.
أنا حتى الآن لا أعرف كيف يلفظون هذه الرتبة العلمية، بفتح اللام أو بكسرها، ولعل متمكنا يفيد!!
كان الشيخ عبد الحفيظ رحمه الله تعالى حساسا مفرط الحساسية، نبيها شديد النباهة، حاضر الجواب، وإذا حكمه القول قال؛ تستوي عنده السواقي والبحور.
يقولون كان حاد المزاج…
رحمه الله تعالى كنت أستشعر عذاباته بين البلداء. وكنت أكون بجواره فأضغط على يده بجانب يدي ليقصر في كلام من باب الاخوة، إشفاقا عليه؛ فيقول لي: لستَ وصيا عليّ، فأبتسم له وأجيب: أنا الذي أحتاج إلى وصيّ!!
ورطني يوما في قضية، وكنت طالبا في الجامعة في الصف الثالث؛ وقد حرمت من الحصول على حقي في الساعات، إلا ست ساعات أحرجت فيها، فريد جحا رحمه الله تعالى، فقال لي فقيدنا عبد الحفيظ مناغشا، وسط المدرسين، والمناغشة ضرب من الحوار يكون بين الأحباب، هي دون المناقشة وفوق المجاقمة، ألست تزعم أنك مدرس لغة عربية؟؟ قلت بلى..!!
وكنا في غرفة المدرسين، وكانت مكتظة، وتعلمون معنى الاكتظاظ ومحاذيره، وكان في غرفة المدرسين مكتبة..
فسألني: وما معنى العفلق في اللغة العربية؟؟
فقلت له: لا أدري..
فقال: أتحسن استخدام المعجم؟؟ قلت نعم..
قال قم فهاته، وكنت أرى للعمامة العثمانية فوق رأسه مزيد فضل، فقمت ممتثلا؛ فقال ابحث عن لفظة العفلق واقرأ علينا..فبحثت ثم قرأت متلعثما…ولعلكم تعلمون اليوم ما لم أكن أعلم قبل خمسين سنة!!
وأقول لعلكم تترحمون معي على الشيخ الحفيظ عبد الحفيظ قلعجي، الذي كان إذا وقعت الحاء قبل القاف يقول ولا يخاف.. وربما كان حقَّ في مثله فاتحة اللزوميات:
أولو الفضل في أوطانهم غرباء..
اللهم اغفر له، وارحمه وأحسن نزله، وزده ولا تنقصه.
وأحسن عزاء أهله ومحبيه..
وبلغني أنه اشتغل بقالا قبل أن يقضي.
كان نيتشة الذي يزعمون أنه ملحد، وأنه أعلن موت الله، يقول: ما أذلنا الله بشيء مثل الضمير.. يظل يلسعنا بسوطه..
ويا ذلة حاجتنا إلى لقمة الطعام…
ويا لعار قوم كان فيهم. ويا لعار قوم عرفوه وتابعوه ولم يرفدوه حتى يكفوه، أقول يكفوه، ولا أقول يغنوه، وحق مثله الغنى وليس فقط الكفاية!!
أكتب على طريقته رحمه الله تعالى. وقد حضر ذكره.
يحكي لي فيقول: وقلت لحسن الخطيب وهو في ذلك الزمان مفتش للغة العربية قبل أن يكون الوزير، وهذا الرجل من معدن حافظ الأسد كان..
يقول لي: وقلت لحسن الخطيب: لو كان عندي معزى ما ائتمنتك عليها.
واقتبستها منه؛ وكنت أقول للناس، فلان، لو عندي ثلاث معزات ما ائتمنته عليها..وتأتمنونه على مصائر المسلمين..!!
رحم الله الدكتور عبد الحفيظ قلعجي وغفر لنا من بعده. تفقدوا نور الأفق في حلب لعله خبا…
لندن: ٥/ جمادى الأولى/ ١٤٤٥
١٩/ ١١/ ٢٠٢٣
____________
*مدير مركز الشرق العربي