الرئيسة \  تقارير  \  القانون الدولي كما يريده بشار الأسد

القانون الدولي كما يريده بشار الأسد

22.07.2024
سمير صالحة



القانون الدولي كما يريده بشار الأسد
سمير صالحة
سوريا تي في
الاحد 21/7/2024
المثل الشعبي التركي القديم يحذر من خسارة برغل المنزل في الطريق إلى أرز دمياط. ما الذي يدفع أنقرة لسحب قواتها من شمالي سوريا دون خارطة طريق واضحة البنود والمعالم مصحوبة بالكثير من الضمانات الفعلية لأمن حدودها الجنوبية؟ "أضنة" معدلة هو هدف تركيا كحد أدنى
لم يكن بشار الأسد موفقًا وهو يقرر الخروج عن صمته والتعقيب أمام "الصناديق" على الدعوات التركية للحوار والتفاهم. "ما تريده دمشق قبل إعادة العلاقات مع أنقرة لشكلها الطبيعي ليست شروطًا، بل هي متطلبات يفرضها القانون الدولي وطبيعة العلاقات بين الدول".
وزارة الدفاع التركية ذكّرت بأسباب وجود القوات التركية في سوريا، مشيرةً إلى أن انتشار القوات التركية في شمالي سوريا يتم في إطار الحق المشروع الذي يوفره لها القانون الدولي، وأن هدفها هو منع قيام ممر للإرهاب على حدودها الجنوبية.
رؤية المجتمع الدولي، كما يعبر عنها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، تختلف عما يراه الأسد. جهود بيدرسن تسير في اتجاه "إعداد الأرضية لنهج شامل جديد بشأن العملية السياسية في سوريا التي هي في أزمة خطيرة، ولا يمكن معالجة أي من مشكلاتها العديدة بشكل مستدام دون حل سياسي". المقصود هنا هو احترام القرارات الأممية التي يوفر لها القانون الدولي الغطاء والدعم باتجاه التسوية السياسية التي يعرقلها النظام منذ سنوات.
ستُعقد المحادثات بين أنقرة وأركان النظام في دمشق بفضل ضغط موسكو وبعض العواصم الإقليمية. واشنطن وطهران وبعض العواصم الغربية تريد العرقلة، لكن الرئيس الروسي، الذي يحتاج إلى إنجاز من هذا النوع، يمسك بالكثير من خيوط اللعبة. مشكلة بوتين تبقى ليس في جلوس الأطراف على طاولة التفاوض، بل في تنفيذ ما يتفق عليه، خصوصًا عندما تتعارض المصالح والحسابات.
تصريحات الأسد تتعارض مع سياسات دمشق ومواقفها وتحالفاتها مع طهران وحزب الله والميليشيات العراقية واللبنانية التي تواجه الشعب السوري والقوات التركية في شمال البلاد. كما أن أسماء كبار قيادات النظام مدرجة على لوائح اتهامات المحاكم والمؤسسات الدولية الناشطة في مجال حقوق الإنسان بسبب جرائم الحرب.
 المثل الشعبي التركي القديم يحذر من خسارة برغل المنزل في الطريق إلى أرز دمياط. ما الذي يدفع أنقرة لسحب قواتها من شمالي سوريا بلا خريطة طريق واضحة البنود والمعالم مصحوبة بالكثير من الضمانات الفعلية لأمن حدودها الجنوبية؟ "أضنة" معدلة هو هدف تركيا كحد أدنى
القضاء الفرنسي يتحرك لترجمة هذه الخطوات والمساءلة القانونية لكوادر النظام، وواشنطن تجدد موقفها بعدم تطبيع العلاقات مع النظام السوري ما لم يتخذ خطوات جادة لإيجاد حل سياسي للأزمة. كما تم توقيف محافظ دير الزور السابق، سمير عثمان الشيخ، في أميركا بتهم المشاركة في قتل قرابة 4 آلاف مواطن سوري، بينهم 93 تحت التعذيب وإخفاء 508 آخرين. وواشنطن تؤكد تمسكها بعدم مغادرة سوريا في الوقت الحالي لأن خطط الحرب على داعش لم تنته بعد.
تصريحات الأسد عن القانون الدولي وضرورة تطبيق واحترام قواعده لافتة، لكن قرارات مجلس الأمن الدولي، وتحديدًا القرار رقم 2118 المتعلق بإدانة نظام الأسد لاستخدامه السلاح الكيميائي، وطلب تدمير كامل ترسانته قبل عام 2014، والقرار رقم 2254 الذي يفتح الطريق أمام الشعب السوري لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، تظل مهمة.
هناك عشرات التقارير الدولية والإقليمية التي كشفت النقاب عن الخروقات والتجاوزات الحاصلة في سوريا على مدار 13 عامًا من عمر الثورة. تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى محكمة العدل الدولية في العام المنصرم، وتقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر الذي يصف العنف في سوريا بالنزاع المسلح، وقرار القضاء الفرنسي الأخير الذي أصدر حكمًا بالسجن مدى الحياة على 3 مسؤولين في النظام السوري بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، كلها توضح الانتهاكات التي حدثت.
من نصح الأسد بلعب ورقة القانون الدولي ضد أنقرة، كان يريد أن يورطه أكثر في مشكلته مع المجتمع الدولي ومؤسساته التي تطارد رموز نظامه في أكثر من مكان. يمكن للأسد أن يذكر أنقرة بقواعد القانون الدولي، لكن القانون الدولي الذي يتحدث عنه يدعوه أيضًا لتطبيق قرارات أممية صادرة حول سوريا ونظامه، وفي مقدمتها القرار رقم 2254.
تعول قيادات النظام في دمشق على الجهود الروسية العراقية الجديدة للخروج من أزماتها. هناك فرصة عربية جديدة لمراجعة المواقف والسياسات. لكن من الذي ورطها في مصيدة اللجوء إلى قواعد وأسس القانون الدولي وهي محاصرة بالكثير من القرارات الأممية التي لا تحترمها وتنفذها؟
وزارة خارجية النظام السوري ترى أن نتيجة المبادرات على خط أنقرة – دمشق ينبغي أن تُبنى على أسس واضحة تتمثل في عودة العلاقات بين البلدين إلى حالتها الطبيعية، وفي مقدمة تلك الأسس انسحاب القوات الموجودة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، ومكافحة المجموعات الإرهابية التي تهدد أمن سوريا وتركيا معًا. لكن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، يؤكد أن الحوار السري والعلني بين أنقرة ودمشق الذي انطلق في عام 2017 للبحث عن تفاهمات جديدة في سوريا لم يصل إلى نتيجة.
هناك ملفات متشابكة ومتداخلة تحتاج إلى فترة زمنية طويلة لمعالجتها. أولويات تركيا معروفة، القرارات الأممية وبينها القرار رقم 2254.
المثل الشعبي التركي القديم يحذر من خسارة برغل المنزل في الطريق إلى أرز دمياط. ما الذي يدفع أنقرة لسحب قواتها من شمالي سوريا بلا خريطة طريق واضحة البنود والمعالم مصحوبة بالكثير من الضمانات الفعلية لأمن حدودها الجنوبية؟ "أضنة" معدلة هو هدف تركيا كحد أدنى، وموسكو قد تريد تكرار تفاهمات درعا في خريف 2021. فما رأي النصرة، وقسد، وواشنطن في ذلك؟