الرئيسة \  دراسات  \  القانون الدولي للمياه وحقوق المياه الفلسطينية ـ4ـ

القانون الدولي للمياه وحقوق المياه الفلسطينية ـ4ـ

04.07.2015
هدى جمال محمد الردايدة

 

 
الفصل الثاني
المبادئ القانونية الدولية الخاصة باستعمال المياه الجوفية ومدى تطبيقها على الحوض الجوفي الغربي في فلسطين
 
      تعد المعاهدات الدولية التي تنشئ قواعد قانونية وتقبل من أعضاء المجتمع الدولي والعرف الدولي(1) ، الذي استقر التعامل به قبل الشروع بتقنينه معظم الأحيان ومبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتحضرة وأحكام القضاء الدولي وآراء الفقهاء الدوليين مصادر أساسية وثانوية للقانون الدولي العام, تلك المصادر أنشأت العديد من المبادئ القانونية الدولية الأساسية أهمها مبدأ المساواة بين الدول (Basic Rules) وأداء الالتزامات بحسن نية(Good faith) وحل المنازعات بالطرق السلمية(Settlement of Disputes) والتعاون الدولي ومنع اللجوء إلى القوة لحل المنازعات الدولية وتستند هذه المبادئ إلى قيم المساواة والحرية والعدالة والتعاون وغيرها من القيم المستمدة من الدين الإسلامي والديانة المسيحية(2).
 
      والذي يعنينا هنا هو مجموعة القواعد والمبادئ القانونية التي تحكم استخدام المياه الجوفية الدولية واستغلالها كما توصلت إليها الاتفاقيات الجماعية والثنائية الخاصة بالمجاري المائية الدولية والمياه الجوفية العابرة للحدود من مثل اتفاقية بلاجيو 1973 التي تضمنت مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول وعدم إلحاق التلوث بالمياه بالإضافة إلى توصيات مؤتمر الأمم المتحدة التي تعقد بخصوص المياه والاقتصاد والتي أكدت على مبدأ التعاون والتشاور بين الدول المشتركة في المياه. كما أصدرت توصيتها بالأخذ بمبدأ الاستعمال المنصف وضرورة استغلال مصادر المياه وإدارتها بطريقة مثلى دون إلحاق الضرر بها لتعزيز الإقليمية المتعلقة باستخدام مصادر المياه السطحية والجوفية وزيادة أنشطتها وتجدر الإشارة إلى أن القانون الدولي يتضمن مجموعة قواعد قانونية تطبق على المياه الجوفية المشتركة بين الدول بغض النظر عن الظروف الخاصة بكل دولة، فقد تطبق هذه القواعد في حال عدم إخضاع تلك المياه المشتركة إلى اتفاقية ثنائية تنظم كيفية استخدام المياه المشتركة بين دول الحوض.
     ومن أهم المبادئ القانونية التي توصل لها القانون الدولي للمياه التي تحكم استغلال المجاري المائية المشتركة ومدى تطبيقها على مياه الحوض الجوفي الغربي في فلسطين؛ تمت دراستها في المباحث التالية :
 
المبحث الأول: مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول
المبحث الثاني: مبدأ عدم إحداث الضرر
المبحث الثالث: مبدأ التعاون الدولي والإدارة المشتركة
 
المبحث الأول
مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول
The Principle of equitable and reasonable use
 
      يعد مبدأ الانتفاع المنصف والعادل من أهم المبادئ القانونية التي تطبق على المياه الدولية إذ إن كافة الدول تلجأ إليه لتحديد حقوقها من مجاري المياه المشتركة. وللحصول على الحقوق المائية الفلسطينية لا بد من دراسة هذا المبدأ لمعرفة، هل يمكن الاستناد عليه للمطالبة بالحقوق الفلسطينية؟ وكذلك هل من الممكن الوصول بوساطته إلى حلول عادلة في ظل المعطيات الموجودة على أرض الواقع؟ أو نقوم بتهميشه وعدم الاستناد عليه والبحث عن معايير أخرى لتحل محله للحصول على الحقوق المائية الفلسطينية.
 
المطلب الأول
القانون الدولي ومبدأ الاستخدام المنصف والمعقول
      يقضي مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول بأن يكون لجميع الدول التي تشترك في مورد طبيعي حقوق متساوية في استخدامه وتقاسم منصف للمكاسب التي يوفرها هذا المجرى، ويقصد بالتقاسم للمكاسب: تأمين أقصى الفوائد وأقل الأضرار عبر استعمال مياه المجرى المائي واحترام حقوق دول المجرى جميعها دون منح أفضلية لدولة معينة في الحصول على تلك الحقوق. وأن حسم النزاعات التي تنشأ بين دول المجرى يجب أن يكون أساسه قبول كل دولة من دول المجرى واعترافها بالحقوق المتساوية والمتبادلة في ما بينها بخصوص المجرى المائي؛ وذلك لإجراء عملية تحديد ذاتي متبادل لدول المجرى المائي عند حصول أي نزاع يتعلق بالمورد المائي(1).
     يرجع أصل مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول إلى السوابق القضائية التي أوجدتها المحاكم الفدرالية التي كرست هذا المبدأ بالاستناد إليه في الكثير من قضاياها إضافة إلى النص عليه في المعاهدات الثنائية من مثل الاتفاقية التي وقعت بين هايتي والدومينيكان 1929 وأحكام المحاكم الدولية وغيرها .
      وزيادة على ما ذكرته الباحثة سابقاً نجد بأن مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول الذي أصبح قاعدة مستقرة تشكل أساساً متيناً لتحديد حقوق الدول المشتركة في المجاري المائية والتزاماتها، لم يكن ما ورد في قانون معين وليد اتفاقية معينة أو معاهدة وإنما جاء نتيجة عوامل عديدة أبرزت وجوده ويعود الفضل في ظهور هذا المبدأ إلى محكمة العدل العليا الأمريكية عندما أصدرت حكمها في العام 1945 في قضية ولاية نبراسكا ضد ولاية ويومينغ بشأن عملية اقتسام المياه بين الولايات الفيدرالية إذ أوجبت أن تؤدي عملية الاقتسام إلى نتائج صحيحة وعادلة وبالتالي ارتكزت إلى قاعدة الاستخدام المنصف والمعقول؛ ولم تأخذ بقاعدة أولوية الاستخدامات السابقة وأفضليتها. ومن أحكام المحاكم الحكم الصادر عام 1936 الخاص بالنزاع الناشئ بين ولاية واشنطن وولاية اورغون ووالحكم الصادر عام1982 بين ولايتي كولورادو ونيومكسيكو(1).
       نجد بأن استناد المحاكم الفيدرالية على هذا المبدأ لحل المنازعات المتعلقة بالمياه المشتركة وتطبيقه في أكثر من موضع أدى إلى نقل هذا المبدأ إلى القانون الدولي الذي أخذ بمبدأ الاستخدام المنصف والمعقول.
     ومن قرارات المحاكم التي نصت بشكل واضح على مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول قرار محكمة التحكيم الفرنسية الإسبانية سنة 1957، الذي يطلق عليه تحكيم "لانو" فقد أصدرت المحكمة قرارها بالتأكيد على الالتزام الواقع على الطرف الفرنسي عند قيامها بإنشاء مشاريع هيدروكهربائية أن تأخذ بعين الاعتبار مصالح إسبانيا التي تشاركها في المياه حتى وإن كانت تلك المصالح لا ترقى بأن تكون حقوقا وأكدت المحكمة على أن مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول جاء نتيجة طبيعية للاعتراف المتبادل بين الدول المشتركة في المورد المائي(2).
      نستنتج بأن حكم المحكمة قد حدّ من مفهوم السيادة المطلقة على الإقليم الذي أيدته نظرية هارمون إذ قيدّ الدول في استخدام سيادتها على الإقليم إذ كانت تمنح الدول الحق المطلق في استخدام المصادر الموجودة على إقليمها بغض النظر عن الآثار لا بل الأضرار التي سوف تلحق بالدول المشاركة لها في تلك المصادر وقرار المحكمة هذا أكد على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار عند إقامة أية مشاريع مائية من قبل دولة ما مصالح الدول الأخرى المشتركة في الحوض المائي(3).
      بعد تحكيم لانو أخذ مبدأ الاستخدام المنصف حيزا في الإعلانات ذات الطابع القانوني الصادرة عن هيئات حكومية وغير حكومية إضافة إلى اهتمام لجنة القانون الدولي؛ إذ أصدرت توصيتها في العام 1961 الخاصة باستعمال المياه الدولية غير البحرية في الأغراض غير الملاحية إذ نصت في المادة الرابعة من تلك التوصية على أنه "في حالة عدم اتفاق الدول حول مضمون مدى الحقوق الخاصة باستعمال المياه فان أية تسوية ينبغي أن تتم على أساس الإنصاف مع الأخذ في الاعتبار الاحتياجات والظروف الخاصة بكل دولة من دول الحوض وأن الأعمال والاستخدامات التي تقيد بصورة خطيرة إمكانية استعمال المياه بواسطة الدول الأخرى لا يمكن السماح بها إلا إذا كفل الانتفاع بالمزايا وكذلك الحصول على تعويض عادل عن الأضرار التي نجمت من جراء هذا الانتفاع .
     كذلك التوصية رقم 51 الصادرة عن إعلان استكهولم لعام 1972 الذي اعتمده مؤتمر منظمة الأمم المتحدة التي أكدت على ضرورة اقتسام المزايا الناتجة عن المناطق المائية المشتركة هيدرولوجيا بشكل منصف بين الدول المعنية(1) ويعد اعلان استكهولم من القواعد القانونية الملزمة للدول بخلاف قواعد هلسنكي التي أصبحت عرفا دوليا وملزمة للدول من الناحية الادبية.
     أيضا أكد مؤتمر الأمم المتحدة حول المياه المنعقد سنة 1977 في الأرجنتين بأن تأخذ السياسات الوطنية بالحسبان عند استعمال مصادر المياه المشتركة وإدارتها ومن حق كل دولة المشاركة في هذه المصادر بشكل منصف لتعزيز الروابط والتضامن والتعاون الدولي وذلك بتوصيته رقم 91.
      حاز مبدأ الاستخدام المنصف على اهتمام الاتفاقيات الثنائية والدولية المتعلقة بالمجاري المائية فعلى سبيل المثال تضمنت المادة 10/2 من الاتفاقية التي أبرمت ما بين هايتي والدومنيكان حول استخدام المجاري المائية المشتركة على مبدأ الاستخدام الناصف والعاقل لكل من الدول المشتركة بالحوض،كذلك المادة 2/2 من معاهدة 1978 ما بين سويسرا وفرنسا بشأن استخدام المياه الجوفيه.
    وتضمنت المعاهدات الدولية هذا المبدأ إذ أصبح مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول المبدأ الضابط لاستخدام المياه المشتركة بين الدول فقد تضمنته قواعد هلسنكي في المادتين الرابعة والخامسة فقد نصت المادة الرابعة على المبدأ بصراحة إذ جاء فيها بأنه"يحق لكل دولة حوض ضمن أراضيها الحصول على حصة معقولة ومنصفة في الاستخدامات النافعة لمياه حوض تصريف دولي" ونلاحظ من خلال تلك المادة بأنها استندت وعكست المبدأ المتعارف عليه في القانون الدولي الذي ينص على أنه لكل دولة من دول حوض التصريف الدولي الحق في استخدام الحوض ضمن حدود معقولة .
 
     أما المادة الخامسة من تلك القواعد فقد تضمنت المعايير التي يجب الرجوع إليها عند استخدام دولة الحوض لمياه الحوض بشكل منصف ومعقول إذ نصت على ما يأتي:
"أولا: يتحدد المقصود بالحصة المعقولة والمنصفة ضمن مفهوم المادة 4 في ضوء كافة العوامل ذات الصلة في كل حالة خاصة.
ثانيا:تضمن العوامل ذات الصلة التي يجب اعتبارها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:(1)
  1. جغرافية الحوض (بما في ذلك على وجه الخصوص امتداد منطقة التصريف في كل حوض).
  2. هيدرولوجيا الحوض .
  3. المناخ الذي يؤثر على الحوض .
  4. الاستخدام السابق لمياه الحوض .
  5. الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية لكل دولة من دول الحوض.
  6. التكاليف النسبية للوسائل البديلة لتلبية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية لكل دولة من دول الحوض .
  7. تجنب الهدر غير الضروري في استخدام مياه الحوض.
  8. إمكان تعويض دولة أو أكثر من الدول المشتركة في الحوض وسيلة لتسوية صراعات بين مختلف الاستخدامات .
  9. الدرجة التي يمكن بها تلبية احتياجات دولة من دول الحوض من دون التسبب بأذى وأضرار تلحق بمصالح دولة من الدول المشاركة في الحوض.
ثالثا: يتحدد الوزن الذي يعطى لكل عامل بمدى أهميته مقارنة بأهمية عوامل أخرى ذات صلة في تحديد الحصة المعقولة والمنصفة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار كافة العوامل ذات الصلة وأن يتوصل إلى النتيجة استنادا إلى كل العوامل السابقة.(2) ويعد معيار الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية من اهم المعايير التي يمكن الرجوع اليها لتحديد الاستخدام المنصف والمعقول.
 
      لم تعط قواعد هلسنكي معيارا من المعايير السابقة الأفضلية للرجوع إليه عند تطبيق مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول إذ أبقت على أهمية مساوية لكافة المعايير ولم تعطي أي استعمال أولوية على آخر وإنما يجب النظر إلى كافة الاستخدامات للدول المشاركة بالحوض ويجب التطرق إلى أن الإنصاف عبارة عن مفاهيم أخلاقية لم تقر في القانون الدولي إلا من خلال صياغتها في بنود الاتفاقيات الثنائية والدولية ونلاحظ أيضا بأن قواعد هلسنكي منحت مبدأ عدم الإضرار الأولوية والأهمية عبر قواعدها وجعلته بالمقدمة خلافا لمبدأ الاستخدام المنصف والمعقول .
       مما سبق نتبين أن الاتفاقية الإطارية في استخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية جاءت تتويجا للجهود التي بذلت للوصول إلى قانون دولي للمياه وقد اعتمدت هذه الاتفاقية مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول في الباب الثاني وتحديدا في المادة الخامسة والسادسة(1).
 
       فقد عرفت المادة الخامسة مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول إذ نصت على ما يأتي:
"1- تنتفع دول المجرى المائي كل في إقليمها بالمجرى المائي الدولي بطريقة منصفة ومعقولة وبصورة خاصة تستخدم هذه الدول المجرى المائي الدولي بهدف الانتفاع به بطريقة مثلى ومستديمة والحصول على فوائد منه وتنميته مع مراعاة مصالح دول المجرى المائي المعنية على نحو يتفق مع توفير الحماية الكافية للمجرى المائي.
2- تشارك دول المجرى المائي في استخدام المجرى المائي وتنميته وحمايته بطريقة منصفة ومعقولة".(2)
      تلك المادة أكدت مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول والتزمت به إذ شملت المشاركة في الانتفاع بالمجرى المائي إلى جانب الالتزام بالتعاون في حمايته وتنميته على النحو المنصوص عليه في الاتفاقية.
        اتفاقية هلسنكي 1966 وضعت معايير للرجوع إليها لتحديد الاستخدام المنصف والمعقول لكل دولة كذلك تضمنت الاتفاقية الإطارية في المادة السادسة بعضا من العوامل التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لضمان تحقيق الاستخدام المنصف ومن هذه العوامل على سبيل المثال لا الحصر"العوامل الطبيعية والهيدرولوجية والحاجات الاجتماعية والاقتصادية لدول الحوض والسكان الذين يعتمدون على المياه واستخدامات المجرى المائي والاستخدامات القائمة والمحتملة وصيانة الموارد المائيه وتنميتها والاقتصاد في استخدامها" وغيرها من العوامل التي تضمنتها المادة السادسة من اتفاقية الأمم المتحدة للأغراض غير الملاحية،أما اتفاقية عام 1992 لم تتعرض إلى تلك المبادئ لأنها خاصة بحماية المجاري المائية العابرة للحدود(3).
       في المحصلة نجد بأن اتفاقية الأمم المتحدة للأغراض غير الملاحية قد ركزت على مبدأ الانتفاع والمشاركة المنصفين والمعقولين وأعطت حيزا لتقسيم المجاري المائية الدولية وجعلته من أهم المبادئ التي يجب الرجوع إليها بعكس قواعد هلسنكي لسنة 1966 التي تضمنت أيضا بعض العوامل ذات الصلة بالحوض المائي لتطبيق مبدأ الاستخدام المنصف بشكل عادل بين الدول.
     وعلى الرغم من أن اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997صيغت بخصوص مجاري المياه الدولية بشكل عام إلا أنه جرى التعامل الدولي وخاصة الفقه الدولي بوصف تلك الاتفاقية خاصة بجميع أشكال المياه سواء السطحية أم الجوفية؛ وذلك لأنها تشكل دورة مائية متكاملة ونتيجة لذلك تطبق مبادئ استخدام المجاري المائية الدولية على المياه الجوفية الدولية دون وجود إشكالية في ذلك.
      وتجدر الإشارة أيضا إلى أن المعايير التي نصت عليها كل من قواعد هلسنكي والاتفاقية الإطارية التي يجب الأخذ بها عند تحديد المقصود بالاستخدام المنصف والمعقول وردت على سبيل المثال لا الحصر إذ يمكن إضافة عوامل أخرى تستجد خاصة بالحوض المائي الدولي.
       كذلك حذت الاتفاقية الإطارية حذو قواعد هلسنكي فلم تضع نظاما للموازنة بين تلك العناصر وإعطاء أولوية لعامل دون الآخر نظرا لأهمية ذلك العنصر في  استخدام المجرى المائي لدولة الحوض وتركت مسألة تحديد المعيار ذي الأهمية والأفضلية لاجتهادات الخبراء الدوليين بدراسة كل معيار وأهمية المجرى المائي لاستخدامه من أجل الوصول إلى الإنصاف والمعقولية؛ وذلك لأن تحديد المعايير يتطلب إجراء موازنة بين قيمة كل معيار من تلك المعايير على حدة لتقديره ووزنه ومدى اتصاله وتأثيره على الظروف الخاصة بدولة الحوض إضافة إلى أن الظروف المحيطة بالدول الأخرى إذ لا يمكن لاتفاقية دولية وضع نظام يشمل كافة الدول لوزن المعايير التي تهمها(1).
       ليتحقق تطبيق مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول يجب على الدول المشاركة بالحوض المائي أن تحسم النزاع القائم على استخدام مياه الحوض عن طريق الموازنة بين المصالح والمنافع التي سوف تحصل عليها من المياه وتحديد العناصر التي تشكل الأساس للوصول إلى مبدأ الاستخدام المنصف وموازنة الأضرار التي سوف تلحق بمصالح الدول المجاورة ؛إذا يجب على الدول الأخذ بعين الاعتبار المعايير التي تكون الأساس لقيام الاستخدام المنصف والمعقول وأهم هذه المعايير العناصر الاقتصادية والاجتماعية والخصائص الجغرافية والهيدرولوجية للأحواض المائية.
     ونظراً لأن ميدان الدراسة مقصورة على الحوض الغربي الفلسطيني وللجهود التي تبذلها دائرة المفاوضات الفلسطينية فقد حاز هذا المبدأ على الاهتمام لتطبيقه على الموارد المائية المشتركة بين فلسطين وإسرائيل لقيام هذا المبدأ لا بد من دراسة أهم المعايير التي يستخدمها الفلسطينيون ويستغلونها من مياه الحوض؛إذ يجب أخذها في الحسبان عند الوصول لأي اتفاق نهائي خاص بالمياه بين الفلسطينيين والإسرائيليين وحل الإشكاليات العالقة بين الطرفين,عليه سنقوم بدراسة احتياجات فلسطين من المياه بشكل عام وبشكل خاص احتياجاتها من مياه الحوض الجوفي الغرب.
المطلب الثاني
احتياجات فلسطين من المياه في ضوء المعايير التي وردت في الاتفاقيات
الدولية الخاصة باستخدام المجاري الدولية وفقا لمبدأ الاستخدام المنصف والمعقول
 
استخدامات المياه في فلسطين:
اولاً: الزراعة
      إن أهم استخدام للمياه في فلسطين الزراعة إذ تلعب الزراعة المروية دورا مهما في الاقتصاد الفلسطيني إذ تسهم بشكل ملحوظ في الدخل المحلي بالإضافة إلى أنها تساعد على تشغيل نسبة لا بأس بها من العمالة الفلسطينية وكذلك تشكل الصادرات الزراعية من المحاصيل المروية جزءا كبيرا من الصادرات الوطنية. ولهذا القطاع أهمية خاصة في الاقتصاد الوطني الفلسطيني حيث تقدر حصته بحوالي 28-32 %من الإنتاج المحلي الإجمالي وتعد الزراعة من أهم الدعائم التي تربط المواطن بأرضه أما بالنسبة للصناعة فلا يوجد أية استعمالات مهمة للمياه إذ اقتصر استخدام المياه صناعيا على بعض المصانع الصغيرة من مثل مناشير الحجارة والطوب الموجودة في مناطق مختلفة من الضفة الغربية(1).
       تشكل كمية المياه المستعملة لأغراض الري حوالي172م م3 منها 89مليون تستخدم في الضفة الغربية وحوالي 83 مليون تستخدم في قطاع غزة،ونتيجة للزيادة السكانية المطردة أكدت الدراسات التي تقوم بها سلطة المياه الفلسطينية بأن الزراعة المروية في فلسطين ستحتاج إلى ما يفوق 400مليون متر مكعب وتشير الدراسات بأن الكمية التي يحصل عليها الفرد الفلسطيني للزراعة هو الأقل في المنطقة مقارنة مع الأردن وإسرائيل،مما أدى إلى الحد من إمكانيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بسبب تحديد كميات المياه التي يحتاج إليها الفلسطينيين من قبل إسرائيل إذ إن ما يحصل عليه الفلسطينيون لا يتعدى خمس الاحتياجات الفعلية لهم.
ثانياً: الاستخدام المنزلي
تشير الاحصائيات الى أن المياه الكلية المستغلة للأغراض المنزلية في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال العام 1999 قدر بحوالي 101م م3 منها تقريبا 52م م3 في الضفة وحوالي 49م م3 في قطاع غزة في حين أن الإحصائيات تشير إلى ما مجموعه 97م م3 من المياه المستغلة في هذا القطاع وهذه الإحصائيات أجريت قبل بناء جدار الضم والتوسع الذي أدى إلى انهيار قطاع المياه لدى السلطة الفلسطينية نتيجة ضمه لأكبر عدد من الآبار والينابيع مما أدى إلى انخفاض أقل لما كان يحصل عليه الفلسطيني لتلبية احتياجاته.
ثالثاً: الصناعة
بالنسبة للقطاع الصناعي في فلسطين ومدى استهلاكه للمياه نجد أن الاحتلال فرض العوائق والتحديات أمام القطاع الصناعي فقد كانت مساهمة هذا القطاع محدودة وثانوية في تطور الاقتصاد الفلسطيني. وتشير الدراسات بأن الاستهلاك المائي للصناعة الفلسطينية يمثل حوالي9%من الاستهلاك المنزلي وذلك لأن الصناعات في فلسطين متنوعة فمنها المحاجر والصناعات الغذائية ومثل هذه الصناعات لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه ولا يمكن في ضؤها تحديد كميات المياه التي سوف تحتاج إليها الصناعة الفلسطينية إلا باعتماد المشاريع الصناعية التي أعدت من قبل وزارة التخطيط والصناعة وبناء على احتياجات تلك المشاريع يجب زيادة كميات المياه التي سوف يحتاج إليها القطاع الصناعي وفصله عن الاحتياج المنزلي وذلك لأن الاحتياجات المائية الحالية للصناعة الفلسطينية لا يمكن استخدامها لعكس الاحتياجات الصناعية المائية المستقبلية(1).
       نتوصل مما سبق إلى أن تلك الاستخدامات تقع تحت معيار الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية (  Standard social and economic needs) للدول التي نصت عليها كل من قواعد هلسنكي والاتفاقية الإطارية للأخذ بها عند إعمال مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول.
      فعند الشروع في أجراء مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي لتقاسم مياه الحوض الغربي يجب على الجانب الفلسطيني الأخذ بعين الاعتبار تلك الاحتياجات ومنح أولوية لعامل دون الآخر لأهمية استخدامه ونحن نجد بأن الأفضلية لاستخدام مياه الحوض يجب أن تمنح للعوامل الاجتماعية أي لاستخدام المياه للأغراض المنزلية وخاصة الشرب لحاجة السكان الفلسطينيين للمياه لسد احتياجاتهم الأساسية فإسرائيل بممارستها لسياستها المائية فرضت سيطرتها الكاملة لاستغلال مياه الحوض لتحقيق مصالحها دون النظر إلى مصالح الفلسطينيين من المياه ودون الاهتمام بالحقوق المائية الفلسطينية من مياه الحوض الغربي .
      ونتيجة للممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني نجد أن الصناعة لم تتقدم فعليا في فلسطين إلا في مجالات محدودة لا يكون لعنصر الماء أهمية فيها بالإضافة إلى أن الزراعة تتراجع في معدلها من سنة لأخرى بسبب مصادرة الأراضي وقلع الأشجار والسيطرة الكاملة على الموارد المائية.
إضافة إلى تحديد أهمية المياه لكل من الزراعة والصناعة فقد واجهت المفاوض الفلسطيني إشكالية العامل الاجتماعي المتعلق بالسكان المتواجدين بمنطقة الحوض والآخرين المحيطين بالحوض وبناء على ذلك يجب أن يمنح هذا العنصر الاهتمام من الجانب الفلسطيني عندما نتوصل إلى اتفاق لتقاسم مياه الحوض الجوفي الغربي حيث يجري الاسترشاد به لتقدير الحصص المائية التي يجب أن يحصل عليها الفلسطينيون للوصول إلى مبدأ التحصيص العادل والمنصف.
       وقد كان للقضاء الدولي(1) تجربته في مناقشة معيار الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية لدول الحوض للحصول على الحصص المنصفة من المياه ومدى ارتباط عنصر السكان بتلك الاحتياجات عندما استخدمت المحكمة العدل الدولية مفهوم الاعتماد الاقتصادي في قضية خليجMaine  1984إذ أخذت الاعتماد الاقتصادي لدول الحوض على مصادر التغذية معياراً مسترشد به عند ترسيم خط الحدود ولتقدير مدى إنصاف هذا الترسيم وبوصفه معياراً مساعداً للتأكد من أن خط الحدود لا ينطوي على آثار ضارة بحياة السكان وأنماط معيشتهم،كانت المحكمة الدولية تتجاهل معظم الأحيان العناصر الاقتصادية والاجتماعية لصعوبة إعمال هذه العناصر في تحصيص المياه وفي إجراءات الترسيم الخاصة بالحدود للحصول على العدل والإنصاف لكل دولة مشاركة بالحوض المائي(2) .
       إن تحديد الحاجات الاجتماعية والاقتصادية يتطلب الوقوف على مدى اعتماد الدول على   مصادر المياه وليس على درجة التطور الاجتماعي والاقتصادي للدول حيث أن معرفة الاحتياجات الحقيقية للدول من المياه والبحث في إمكانية منح أولوية لبعض هذه العناصر هو الذي يؤدي إلى المعرفة الحقيقية بمدى اعتماد الدول على المياه المشتركة وهذه المعرفة بالاحتياجات الفعلية لها أهميتها عند الشروع في اقتسام المياه .
        وقد بحثنا في العوامل الاجتماعية والاقتصادية بشكل عام إلا أن عنصر السكان وخاصة المقيمين في منطقة الحوض وإمكانية توزيع المياه على السكان المقيمين خارج المنطقة بالإضافة إلى العلم باحتياجات المنطقة من المياه وحدها أم الأخذ بعين الاعتبار المناطق البعيدة عن المياه الجوفية؛هذه العناصر تواجه الفلسطينيين والإسرائيليين بالنسبة لكافة مصادر المياه وخاصة في ما يتعلق بمياه الحوض الجوفي الغربي عند تحصيص منتوجه السنوي وللحصول على حصة عادلة ومنصفة بحق الفلسطينيين يجب تحديد احتياجات سكان منطقة الحوض بالإضافة للسكان الفلسطينيين المقيمين في المناطق المجاورة لمنطقة الحوض من أجل الحصول على احتياجاتهم من مياه الحوض؛ تلك الإشكالية في تحديد عنصري السكان وعدد المستفيدين منهم من مياه الحوض ومدى تغطية مياه الحوض للمناطق البعيدة والمجاورة له تواجه الفلسطينيين لعدم تقديم كل من القانون والقضاء الدولي أسئلة حول تلك المسألة في ما إذا كان الأمر يقتصر على تحديد الاحتياجات الفعلية للدول من المياه على منطقة الحوض أم يمتد ليشمل احتياجات المناطق المجاورة للحوض المائي .
       ووفقا لما جرى العمل به في المحاكم الفيدرالية (1)فإنه لا يوجد سند قانوني يسوغ تجاهل احتياجات المناطق والسكان المجاورين لمنطقة المياه أو للادعاء بأن نقل المياه لتلك المناطق يعد عملا غير قانوني وهذا ما تضمنته الفقرة الأولى من المادة السادسة الواردة في الاتفاقية الإطارية والتي ذكرت سابقاً بأنه يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار الحاجات الاقتصادية والاجتماعية لدول المجرى المائي المعنية إذ لا وجود لحدود إقليمية داخل إقليم الدولة الواحد،كذلك أعطت قواعد هلسنكي في المادة الرابعة الحق لكل دولة من دول حوض التصريف المائي استخدام مياه الحوض بشكل معقول وعليه فان الدولة المعنية بتقسيم المياه داخل إقليمها وتعتبر دولة حوض مائي دولي لها الحق في استخدام مياهها بالطريقة التي تراها مناسبة للمناطق البعيدة عن مستودع المياه طالما ذلك لا يضر بمصالح الدول الأخرى(2) .
 
      ومن أجل الوصول إلى الإنصاف في تقاسم المياه الجوفية يجب الأخذ بعين الاعتبار عند تحديد الحصص من المياه الجوفية بين الدول المشتركة حجم المياه الموجودة في كل دولة على حدة وكمياتها ولتطبيق مبدأ الأنصاف فانه ينبغي أن تحصل الدولة على حصتها من المياه الجوفية بما يعادل نسبة المياه الجوفية الموجودة داخل إقليمها أي داخل الحدود الدولية للدولة.
 
المطلب الثالث
مدى تطبيق مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول على مياه الحوض الغربي وفقا لرؤية كل من الفلسطينيين والإسرائيليين
 
      لكل من الجانبين مبادئه التي يستند إليها في تقاسم المياه المشتركة بين الطرفين فإسرائيل مثلاً تتمسك بمبدأ الاستخدام السابق ( Former Principle use) للمياه لتسويغ استغلالها للموارد المائية الفلسطينية وسيطرتها عليها بالإضافة إلى تمسكها بهذا المبدأ في كافة المواقف التي يجري فيها تداول وضع المياه لإنهاء جانب من مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إذ تشكل المياه حجر الزاوية لتسوية النزاع ولتداخل هذه المسألة مع بقية ملفات الوضع النهائي للمفاوضات وخاصة الحدود والأمن والمستوطنات .
        فالقاعدة التي تمسك بها المفاوض الإسرائيلي ويعمل على تطبيقها عند الوصول إلى حل لاقتسام المياه الفلسطينية وخاصة مياه الحوض الغربي هي قاعدة الحق المكتسب التي تروج لها إسرائيل وتعتبرها الأساس لاستخدام الموارد المائية إذ إنها استغلت الموارد المائية منذ العام1967 وعملت على تطوير عنصر المياه واستغلاله في كافة المجالات خاصة بالتطور الصناعي، الزراعي فتعد من الدول ذات الأسبقية في استخدام المياه وخاصة أن الفلسطينيون لم يستغلوا مياه الحوض لعدم توافر التطور التكنولوجي والتي ساهمت إسرائيل على عدم نموه وازدهاره في الوسط الفلسطيني(1) .
      إن قاعدة احترام الحقوق التاريخية ( Base respect historical rights ) التي ينادي بها الإسرائيليون وعلى الرغم من ورودها في القانون الدولي قاعدة عامة فقد وضع القانون الدولي لاكتساب هذا الحق في استخدام المياه عن طريق مبدأ الأسبقية في الاستخدام ثلاثة شروط هي وجود ممارسة مستمرة لاستخدام المياه وعدم الاعتراض لفترة زمنية طويلة من الدول المشتركة في المجاري المائية إضافة إلى استمرار عدم الاعتراض لفترة زمنية طويلة يتبين بعدها بأن الدول المشاركة غير معترضة على استخدام المياه المشتركة إلا أن إسرائيل لم تراع تلك الشروط إذ إنها تستغل المياه الفلسطينية وكافة مصادر المياه الموجودة في المنطقة بشكل عام بالرغم من اعتراض الفلسطينيين والدول العربية المجاورة وتقديم اعتراضاتهم بشكل مستمر للسياسة التي تتبعها إسرائيل للسيطرة على الموارد المائية، كذلك أكدّ المسؤولون الإسرائيليون على أن ما قدم للفلسطينيين من مياه خلال سنوات المفاوضات هو عبارة عن منحه إسرائيلية قدمت لاعتبارات إنسانية وليس بوصف تلك المياه حقا من الحقوق التي يتفاوض حولها.
     إضافة إلى أن إسرائيل لم تتطرق إلى مواضيع الحقوق والسيادة والحصص المائية للطرفين في الاتفاقيات التي عقدت بين الطرفين وإنما أبقتها مبهمة وفضفاضة إذ لم تقر بأي منها في المفاوضات التي جرت بين الطرفين وأجل البحث في تلك القضايا لمرحلة المفاوضات النهائية.
    أيضا قامت إسرائيل في مرحلة المفاوضات بإلزام السلطة الفلسطينية لكي تحصل على المياه وتزود المناطق بها أن يكون ذلك عبر اتفاقيات وعقود تجارية مع شركة ميكوروت الإسرائيلية للمياه وهذا يؤدي إلى إمكانية التلاعب بالأسعار كونها شركة تجارية مما يدفع الفلسطينيين إلى تحمل أعباء مالية إضافة إلى ما تنفقه لعمليات الصيانة الخاصة بالشبكات المائية الموجودة في أراضي السلطة(1) .
     وإسرائيل متمسكة بمبدأ الاستخدام الأسبق غير المعمول به في الوقت الحاضر بالرغم من أنه مبدأ من عدة مبادئ أهمها التحصيص العادل وتجنب الإضرار بينما الفلسطينيين يتمسكون بالمبادئ والمعايير الآتية عند البحث في مسألة المياه بالمفاوضات التي تجري بين الطرفين لاستعادة الحقوق المائية الفلسطينية:
   *التمسك بمبدأ المحاصصة العادلة ( The principle of fair redistribution) عند القيام باقتسام المياه المشتركة ما بين الطرفين إضافة إلى مطالبتهم بتطبيق هذا المبدأ على الحوض الغربي والذي تم الاتفاق بشأنه في اتفاقية إعلان المبادئ باعتباره حوض جوفي مشترك إلى جانب الحوض الشمالي وذلك لأن المياه فيهما تتسرب داخل الطبقات الصخرية لتستقر في مناطق داخل الخط الأخضر خاضعة للسيادة الإسرائيلية .
    ومن الجدير ذكره بأن مساحة 85% من الحوضيين تقع داخل الأراضي الفلسطينية وتقدر حصة الجانب الفلسطيني بنحو 80%من مياه الحوضيين إلا أن الفلسطينيين لا يحصلون إلا على 13% من الطاقة الإنتاجية لكل من الحوضيين بينما تستغل إسرائيل بقية المياه(2) .
    *تأكيد الجانب الفلسطيني على استعادة البنية التحتية للمياه في منطقة الحوض الغربي والتي تتضمن الآبار والخزانات وشبكات الأنابيب التي تستخدمها شركة ميكوروت في استغلال مياه الحوض.
    *المطالب الفلسطينية المتمثلة بالتعويض المادي والمعنوي عن كافة الأضرار التي لحقت بالفلسطينيين منذ عام 1967 حيث يشمل التعويض كميات المياه التي أخذتها إسرائيل وقامت باستغلالها دون الخضوع لمبادئ القانون الدولي عند استخدامها لتلك الموارد وكذلك عن الأضرار الاجتماعية واليئية التي نتجت عن الاحتلال الإسرائيلي لمنطقة الضفة الغربية وما خلفته من أضرار في كل من الزراعة والصناعة والتقدم الاقتصادي بحق الشعب الفلسطيني .
     من هنا نجد أن لكل من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني وجهات نظر مختلفة حول سبل الوصول إلى حل عادل ونهائي لتقاسم الموارد المائية المشتركة إذ يتمسك الإسرائيليون بمبدأ مغاير تماما لما يسعى إليه الفلسطينيون إذ يستندون إلى مبدأ الاستخدام الأسبق وهو الطرف الذي يستخدم المياه قبل غيره أي تحكمه الفترة الزمنية وكما تم بيانه سابقا فإن هذا المبدأ لا يعمل به في القانون الدولي بالإضافة إلى أن فلسطين صاحبة الحق الأصيل في استخدام الموارد المائية الموجودة داخل أراضيها وأن إسرائيل مجرد قوة عسكرية يجب أن تزول.
 
      ونلاحظ بأن الجانب الفلسطيني لا يخوض مع الإسرائيليين في هذه النقاط لأن الذي يعنيه ويسعى إلى تحقيقه هو تطبيق مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول للحصول على الحصص المائية العادلة من المياه الفلسطينية بشكل عام إذ إنهم يعدونها النقطة المحورية لسير المفاوضات.
 
 
المبحث الثاني
مبدأ عدم إحداث الضرر The Principle of non- injury incidents
 
    يرتبط هذا المبدأ بشكل وثيق بمبدأ الانتفاع المنصف والمعقول ويعد المبدأ الثاني من حيث أهميته في تحديد استخدامات المجاري المائية المشتركة وتختلف طبيعته القانونية عن بقية المبادئ الدولية الأخرى إذ إنه يستند إلى القانون الخاص في نشأته وبناء عليه سنبحث في هذا المبدأ وفقا للقانون الدولي بالإضافة إلى دراسة الطبيعة القانونية لمبدأ عدم إحداث الضرر وعلاقته بمبدأ الاستخدام المنصف والمعقول في المطالب الآتية :
 
المطلب الأول
مبدأ عدم إحداث الضرر وفقا للاتفاقيات الدولية
In accordance with international conventions
 
     نشأت قاعدة عدم إحداث الضرر من قاعدة عدم إساءة استخدام الحق "التعسف في استخدام الحق"(Abuse of Right) إذ يرجع نشؤها إلى القانون الخاص الذي لم يعطي الحق لأصحاب العقارات المتجاورة بالتصرف كما يريدون في ممتلكاتهم وإنما وضع قيود وضوابط بحيث لا تلحق ضررا بالآخرين وقد حازت هذه القاعدة مجالا في القانون الدولي العرفي(1) .
 
      فالاتفاقيات الجماعية التي تشكل مصدرا من مصادر القانون الدولي والتي إهتمت بالمجاري المائية المشتركة مثل اتفاقية الأمم المتحدة لاستخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية وقواعد هلسنكي لسنة 1966 وقواعد هلسنكي الخاصة بحماية المجاري المائية المشتركة لسنة 1992 قد تضمنت بأنه يجب أن تلتزم الدول عند استخدام المياه بعدم إحداث ضرر للغير أو بعدم استخدام إقليمها على نحو يؤدي إلى إلحاق الضرر بالدول المجاورة . وقد طبقت محكمة العدل الدولية ذلك في تحكيم بحيرة لانو بين فرنسا وإسبانيا إذ أشارت المحكمة إلى وجود المبدأ الذي يحرم ويمنع دولة المنبع من تغيير أو تعديل مياه النهر إذا ترتب على ذلك أضرار جسيمة بدولة المصب، وبناء على قرار المحكمة ذلك فإن التزام الدولة بعدم إحداث الضرر يتضمن التزامين؛ الأول التزامها بالامتناع عن القيام بأنشطة ضارة والثاني التزامها بعدم استخدام الإقليم الذي تفرض سيادتها عليه بطريقة تؤدي إلى إلحاق ضرر بالدول المجاورة المشتركة معها في الحوض(1) .
     إن قاعدة عدم الإضرار تشمل جانبين من جوانب قانون المجاري المائية الدولية وهما تخصيص استخدامات هذه المجاري وحماية بيئتها إلا أن وجود مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول هو الذي نظم استخدام المجاري وذلك لكون معظم المجاري المائية مستغلة حاليا ومستخدمة بشكل واسع لذا يبقى إطار قاعدة عدم الأضرار مقتصر على حماية البيئة.
    وبالنسبة للأضرار التي يمكن أن تلحق بالمياه الجوفية عند استخدامها فإنها تتمحور في الأصل حول كميات المياه أو نوعها أو هيكلها وتركيبها الجيولوجي؛ فالضرر المتعلق بالمياه يتمثل في: اولاً: الاستعمال المفرط للمياه الذي يلحق بكميات المياه الجوفية ويمكن إدراكه .
ثانياً: تغيير مسار المجرى المائي الذي يشكل مصدرا للإمداد والتغذية .
     أما الضرر الذي يلحق بنوعية المياه فيحصل عند وجود التلوث الناتج عن سلوك الإنسان ؛التلوث يعني هنا أي تغيير ضار في تركيب المياه بينما الضرر الذي يتعلق بالتكوين والهيكل الجيولوجي لحوض المياه الجوفية يحدث نتيجة تجارب نووية تحت سطح الأرض وكذلك فإن الاستغلال المفرط لبعض مستودعات المياه الجوفية العميقة يؤدي إلى نضوب أحواض أخرى قريبة منها.
     مبدأ عدم إحداث الضرر جرى تأكيده في أحكام القضاء الدولي والمعاهدات الثنائية والدولية والإعلانات الصادرة عن المنظمات الحكومية وغير الحكومية؛ حيث أورد هذا المبدأ في كل من إعلان استكهولم للبيئة الإنسانية لسنة 1972 ومؤتمر الأمم المتحدة للمياه واتفاقية التلوث الطويل الأمد العابر للحدود وإعلان ريو لتنمية البيئة لسنة 1992 وميثاق الحقوق والواجبات الاقتصادية للدول وأكد في كل منها على أنه يحق للدول استغلال مصادرها الطبيعية الخاصة بها وفقا لسياستها الوطنية التي تطبقها في مجال البيئة بشرط ألا يسبب استغلالها لتلك الموارد ٍأية أضرار بالبيئة تلحق بالدول الأخرى(2) .
    وقد اهتمت اتفاقية هلسنكي لحماية البيئة التي حررت في عام1992 بمبدأ عدم إحداث الضرر؛ إذ أكدت في ديباجتها بأن هدف الاتفاقية حماية المياه الدولية من التلوث والتخفيف من التلوث الحاصل فيها وكررت النص عليه في المادة الثالثة منها تحت بند المنع والمكافحة والخفض؛ وذلك لأن هدف تحرير الاتفاقية كان لحماية المياه الدولية وتعزيز التعاون بين الدول. ونص المادة هو"
  1. توخيا لمنع ومكافحة وخفض الأثر العابر للحدود تتولى الأطراف وضع واتخاذ وتنفيذ التدابير القانونية والإدارية والاقتصادية والمالية والنقدية ذات الصلة وجعلها متسقة إلى الحد الممكن وذلك للتكفل في جملة أمور بما يلي:(أ) منع ومكافحة وخفض انبعاث الملوثات عند المصدر عن طريق تطبيق عدد من الطرق منها التكنولوجيا القليلة النفايات وعديمة النفايات.(ب) حماية المياه العابرة للحدود من التلوث من المصادر الثابتة عن طريق الترخيص المسبق لعمليات تصريف المياه المستعملة من جانب السلطات الوطنية المختصة ورصد وضبط عمليات التصريف المأذون بها.(ج) الاستناد في وضع الحدود المنصوص عليها في التراخيص لعمليات التصريف للمياه المستعملة.(د) فرض متطلبات أكثر صرامة حتى إذا أدت إلى الحظر في بعض الحالات الفردية حين تستلزم ذلك نوعية المياه المتلقية أو النظام الايكولوجي.(هـ) استخدام المعالجة البيولوجية على الأقل أو ما يعادلها من العمليات للمياه المستعملة عند الاقتضاء.(و) اتخاذ التدابير المناسبة كاستخدام أفضل التكنولوجيا المتاحة لخفض مدخلات المغذيات الآتية من المصادر الصناعية والبلدية.     (ز) إيجاد وتطبيق التدابير المناسبة وأفضل الممارسات لبيئية لخفض مدخلات المغذيات والمواد الخطرة الآتية من المصادر الثابتة وخاصة إذا كانت المصادر الرئيسية زراعية. (ح) تطبيق تقييم الأثر البيئي وغير ذلك من وسائل التقييم. (ط) التشجيع على الأخذ بالإدارة المستدامة للموارد المائية بما في ذلك تطبيق نهج النظم الايكولوجية. (ي) التخطيط لحالات الطوارئ. (ك) اتخاذ تدابير إضافية محددة لمنع تلوث المياه الجوفية. (ل) خفض خطر التلوث العرضي إلى حده الأدنى.
  2. وتحقيقا لهذه الغاية يقوم كل طرف بوضع حدود انبعاث لعمليات التصريف من المصادر الثابتة إلى المياه السطحية بالاستناد إلى أفضل تكنولوجيا متاحة تنطبق بالتحديد على قطاعات صناعية أو صناعات بعينها تأتي منها المواد الخطرة.ويجوز للتدابير المناسبة المذكورة في الفقرة السابقة من هذه المادة لمنع ومكافحة وخفض مدخلات المواد الخطرة من المصادر الثابتة وغير الثابتة إلى المياه أن تشمل جملة أمور؛ الحظر الكلي أو الجزئي لإنتاج أو استخدام تلك المواد ويؤخذ بعين الاعتبار في هذا الخصوص ما يوجد في الاتفاقيات أو الأنظمة الدولية المنطبقة في المجال المشمول بهذه الاتفاقية من قوائم بتلك القطاعات الصناعية أو الصناعات وتلك المواد الخطرة.
  3. يحدد كل طرف عند الاقتضاء أهدافا لنوعية المياه ويعتمد معايير لنوعية المياه لغرض منع ومكافحة وخفض الأثر العابر للحدود.وترد في المرفق الثالث لهذه الاتفاقية توجيهات عامة بشأن وضع مثل تلك الأهداف والمعايير وإذا اقتضت الضرورة تسعى الأطراف إلى تحديث بيانات هذا المرفق.(1)
 
يبدو جلياً من النص السابق أن مؤتمر هلسنكي للعام 1992 اهتم بحماية المياه المشتركة بين الدول إذ خصص البنود التي توصل إليها فقط لحماية الموارد المائية،ونلاحظ بأنه وضع عدد من التدابير التي يمكن أن تقوم بها الدول لمنع تلوث المياه وترك تلك التدابير بدون حصر إذ يمكن لأي طرف اتخاذ التدابير الملائمة لخفض التلوث حتى وان لم يكن منصوص عليها بالاتفاقية،وكذلك أعطى الأطراف الحق بتحديث البيانات المتعلقة بأهداف ومعايير المياه والتدابير التي يمكن اتخاذها.
      كذلك أكدت قواعد هلسنكي على هذا المبدأ إذ ضمنته المادة التاسعة إذ أشارت إلى مصطلح تلوث الماء والذي عنت به"أي تغيير ضار ينشأ عن سلوك بشري يلحق بالتركيب الطبيعي لمياه حوض التصريف الدولي أو محتوياته أو نوعيته"، أيضا نصت المادة العاشرة من تلك القواعد على انه انسجاما مع مبدأ الاستخدام المنصف لمياه الحوض الدولي يتعين على الدولة اتخاذ ما يأتي :
 "1- منع أي شكل جديد من تلوث الماء أو أية زيادة في درجة تلوث الماء القائمة في حوض تصريف دولي من شأنهما التسبب في ضرر ذي شأن في أراضي دولة مشاركة.
2-اتخاذ جميع التدابير اللازمة والمعقولة لوضع حد لتلوث الماء القائم في الحوض إلى الحد الذي لا ينجم عنه ضرر ذو شأن في أراضي دولة مشاركة في الحوض".تنطبق هذه المادة على تلوث الماء الصادر داخل إقليم الدولة أو خارجه نتيجة الأعمال التي تقوم بها"(1).
     كذلك ورد تعريف التلوث في المادة 21/1 من الاتفاقية الإطارية لعام 97 إذ نصت على "أن المقصود بالتلوث المجرى المائي الدولي أي تغيير ضار في تركيب مياه المجرى المائي الدولي أو في نوعيتها ينتج بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن سلوك بشري"(2).
كذلك نصت اتفاقية الأمم المتحدة لاستخدام المجاري المائية للأغراض غير الملاحية على مبدأ عدم إحداث الضرر في المادة السابعة حيث تضمنت بأنه:"
1- يجب أن تتخذ دول المجرى المائي عند الانتفاع بمجرى مائي دولي داخل أراضيها كل التدابير اللازمة والمناسبة للحيلولة دون التسبب في ضرر ذي شأن لدول المجرى المائي الأخرى.
2-ومع مراعاة عدم حدوث الضرر فإنه متى وقع ضرر ذو شأن لدولة أخرى من دول المجرى المائي تتخذ الدول التي سبب استخدامها لهذا الضرر في حالة عدم وجود اتفاق على هذا الاستخدام كل التدابير المناسبة مع مراعاة الأحكام الواردة في كل من المادتين 5و6 وبالتشاور مع الدولة المتضررة من أجل إزالة أو تخفيف هذا الضرر والقيام بما يلزم لمناقشة مسألة التعويض عن الأضرار التي لحقت بالدولة"(3).
       تلك المادة تضمنت التدابير المزمع اتخاذها والإجراءات التي ينبغ اتخاذها وإتباعها في ما يتعلق بأي نشاط من أية دولة من دول الحوض ويكون له أثر سلبي على الدول المشاركة معها في الحوض المائي وهذا الضرر الذي تسببت في حدوثه الدولة يترتب عليها إزالته أو التخفيف من حدته وذلك لأنه لا يحق للدولة المشاركة بالحوض المائي فرض سيادة مطلقة عليه بأن تقوم بأفعال وأنشطة كيفما تشاء وبما ترغب بالجزء الواقع في نطاق إقليمها وولايتها من الحوض المائي الدولي.
    إن كل المواد السابقة أكدت على التلوث الذي يصيب العناصر الطبيعية المكونة للمياه ولم تتطرق إلى الآثار التي سوف تنتج عن هذا التغيير في عناصر المياه الطبيعية.  
    وقد اهتم البنك الدولي بمبدأ عدم إلحاق الضرر بوصفه قاعدة موضوعية جوهرية والأساس الذي يستند عليه في تنفيذ المشاريع التي يقوم بها البنك الدولي والسياسة التي يتبعها، ويرجع استناد البنك الدولي لقاعدة عدم الإضرار إلى عدة أسباب مختلفة؛ منها أن مبدأ عدم إحداث الضرر لا يصدر عن دولة معينة إذ إن الدول المشاطئة للحوض سواء في أعاليه أم أسفله يمكن أن تسبب الضرر للدول المجاورة لها بغض النظر عن موقعها(1).
    ومبدأ عدم إحداث الضرر أكثر ملاءمة للتطبيق بالنسبة لأنشطة البنك الدولي وهذا لا ينقص من أهمية مبدأ الانتفاع المنصف إذ عندما يقرر البنك الدولي تنفيذ مشاريعه يستند إلى عدم حصول أضرار جسيمة؛ وذلك لأنه يكون من الصعب عليه تحليل ما هو منصف لكل دولة من دول الحوض؛ ولتحليل العوامل التي من شأنها أن تحدد الاستخدام المنصف والمعقول لكل دولة لا بد من موافقة الدول المشاطئة للحوض من أجل الوصول إلى نتائج تخص كافة الأطراف وهذا عمل لا يمكن للبنك الدولي انجازه لأنه لا يعتبر محكمة أو هيئة تحكيم لهذا قام منح مبدأ عدم الإضرار الأفضلية على مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول لصعوبة تطبيقه من قبل البنك الدولي(2).
   يجب الإشارة هنا إلى أن مبدأ عدم الإضرار كما وردّ  في تلك الاتفاقيات لا ينطوي على تحريم لمطلق الضرر فالضرر الذي يؤخذ به هو الذي ينطوي على درجة من الأهمية الضرر الفاحش             (Serious Consequences) وليس الضرر البسيط أو مجرد عدم ملاءمة الإجراءات يمنع استخدام المجاري المائية وهنا يمكن منع الدول التي تقوم بإجراءات من شأنها إلحاق الضرر الجسيم بالدول المجاورة إذا توفرت المستندات الغير مشروعة لاستخدام المياه.
   وقد اهتمت محاكم التحكيم بنوعية الضرر إذ اشترطت بأن يكون الضرر ذا نتائج خطيرة   (Dom mage Important Grave) أو جوهرياً (Substantial) وورد ذلك أيضا في قواعد هلسنكي في المادة العاشرة إذ نصت في الفقرة الثانية منها على صفة الضرر بأنه يجب أن يكون ضرراً ذا شأن، يجب على الدولة اتخاذ التدابير لمنعه والحد منه .
     أيضا ورد مصطلح الضرر المحدق(Significant Harm) والمهم(Appreciable Harm) في المادة الأولى من قواعد مونتريال الخاصة بتلوث المياه والمادة الرابعة من قواعد سيئول والمادة السابعة من اتفاقية الأمم المتحدة المشار إليها سابقا.
    ونجد بأن الضرر ذو النتائج الخطيرة أو ذو الطبيعة المهمة هو الذي يؤدي إلى المسِّ بالصحة العامة أو بيئة الدولة أو إنتاجيتها الاقتصادية أو يؤدي إلى إعاقة الدول الأخرى من ممارسة الاستعمال المعقول للمياه.
    يمتاز مبدأ عدم إحداث الضرر بالعمومية في التطبيق ولا يقتصر مجاله في دول الحوض التي تستقر فيها المياه السطحية أو الجوفية أي يمكن للماء الذي لا يعرف الحدود بين الدول المرور والعبور داخل إقليم دولة ما لا تشارك بأية إمدادات للمياه الجوفية كما لا يوجد فيها أية مستودعات للمياه وهذه الدولة لا تعد دولة حوض دولي وإنما دولة عبور للمياه الجوفية وذلك لأن دولة الحوض وفقا لقواعد هلسنكي في المادة الثالثة هي الدولة التي يوجد على إقليمها جزء من حوض التصريف الدولي(1).
    بناء على ذلك فإن الدولة تعد دولة حوض إذا وجد في إقليمها مستودع للمياه الجوفية يعتمد على مياه السطح في تغذيته وإمداده بالمياه فالدولة لا تعد دولة حوض في حالة عدم وجود مياه جوفية مستقرة في التكوين الجيولوجي للإقليم وفي حالة عدم وجود مياه سطحية.
    واعتبرت الاتفاقية الإطارية الأحواض المائية بأنها هي التي تشكل مع مياه السطح وحدة هيدرولوجية واحدة ولا تتجه صوب نقطة وصول مشتركة؛نجد من المتقدم ذكره بأن الدول التي تعبر المياه من أقاليمها لا تتقيد بالقواعد القانونية المنظمة لاستخدام المياه المشتركة وإنما تبقى هذه الدولة ملتزمة بعدم القيام بأية مشاريع أو أنشطة على إقليمها يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمياه الجوفية التي تعبر إقليمها مما يؤثر على تركيبتها ونوعيتها ومثل تلك الأفعال دفن النفايات السامة داخل أراضيها والتي تتسرب إلى مستودعات المياه وتلحق الضرر بها .
    بالإضافة إلى أن هذا المبدأ ملموس لكافة دول الحوض التي يقع عليها الالتزام بالامتناع عن القيام بأية أنشطة تؤدي إلى إحداث ضرر بمصالح الدول المجاورة .
    وقد أكد على هذا المبدأ في المحاكم الفيدرالية العليا الموجودة في الدول التي تتمتع بصفة دولة الحوض إذ أكدت على مبدأ عدم إلحاق الضرر بالدول المجاورة.
    نستخلص مما سبق إلى أن الضرر ذو الأهمية الذي يلحق بالمياه الجوفية هو تلوث تلك المياه وذلك لعدة اعتبارات،إن مثل هذا التلوث لا يمكن إصلاحه لطبيعة المياه الجوفية وعدم قدرتها على التخلص من المواد الملوثة من تلقاء ذاتها إذ إن تطهير المستودعات المائية من المواد الملوثة يحتاج إلى تكاليف باهظة بالإضافة إلى صعوبة معرفة درجة التلوث أو مداه الزمني وكذلك الكشف عنه في وقت مبكر؛ فالالتزام الذي يقع على الدول لمراعاة مبدأ عدم الإضرار هو حماية المياه الجوفية من التلوث وقد ورد هذا الالتزام في غير اتفاقية ثنائية ودولية خاصة بالمجاري المائية.
    ومما يجب ذكره بان اتفاقية بلاجيو(1) ((Plagio treaty التي وقعت بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية عام 1973 فرقت في المعنى بين كل من مصطلح التلوث والتلويث إذ أن نصت المادة 6/1 على معنى التلوث بأنه"كل تعديل كيميائي أو فيزيائي أو بيولوجي أو في درجة الحرارة للمياه أو خصائص المياه نتيجة سلوك بشري "ووردّ مصطلح التلويث في المادة 17/1 بأنه "إدخال أيه مادة ملوثة بواسطة الإنسان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في المياه الجوفية أو السطحية وجاء التفصيل بشان المواد في المادة 15/1 بأن "المقصود بالمواد الملوثة أي مادة أو طاقة تحتوي على آثار ضارة بالمياه بسبب تراكمها أو اختلاطها بمواد أخرى مما يضر بصحة الإنسان وسلامته أو بالإنتاج الصناعي أو الزراعي أو الحياة البرية أو النظام الايكولوجي ".
     هذه المادة استند عليها البروفيسور"ستيفن ماكافري" في تعريفه للتلوث وأساس مبدأ عدم الإضرار بالمياه الذي يفضله على مبدأ الاستخدام المنصف إذ اعتمد على التغيير الذي يلحق بالعناصر المكونة للمياه وكذلك آثاره على صحة الإنسان وسلامته واستخدامات المياه وهنا يتضح لنا بأن اتفاقية بلاجيو نصت على التلوث بشكل واسع وتفصيله بعكس قواعد هلسنكي والاتفاقية الإطارية التي لم تتطرق إلى الآثار الضارة الناتجة عن تلوث المياه الجوفية(2).
    وعلى ذلك فإن التغيير الطبيعي في نوعية المياه لا يمكن اعتباره تلوثا؛ وذلك لأن تلوث المياه يعود إلى سببين رئيسين هما:
 
السبب الأول: يتمثل في الاستخدام المفرط للمياه الجوفية وذلك بشكل خاص بالنسبة للأحواض المتواجدة بالقرب من شواطئ البحار ولا يفصلها عن مياه البحار سوى تربة صلصالية منفذة للمياه.
فسوء استخدام المياه الجوفية واستعمالها بشكل مفرط يؤدي إلى انخفاض مستوى المياه في مستودع التخزين مما يفسح المجال للمياه المالحة باختراق التربة والاختلاط بالمياه العذبة الموجودة بالخزانات الجوفية مما يؤدي إلى عدم صلاحيتها للاستخدام.
لكون المياه الجوفية مستقرة في خزانات جوفية تحت سطح الأرض فإن إعادة المياه الملوثة إلى طبيعتها غير ممكن وذلك لعدم تعرضها الدائم للهواء والشمس التي تساعد على إعادتها إلى طبيعتها من مثل المياه السطحية ولعدم حركتها باستمرار إذ إنها مستقرة في خزانات جوفية فإنها تعمل على تراكم التلوث وتحتفظ بها مما يمكن اعتبارها في حالة من حالات التلوث بأنها خزانات للتلوث وليس للمياه .
     ولاتساع أهمية المياه الجوفية في الوقت الحاضر بين جميع الدول فإن معظم دول العالم تسعى إلى حمايتها لكونها من مصادر التنمية الرئيسية في الوقت الحاضر بعكس السنوات الماضية التي كانت فيها الدول تعتني بالمجاري المائية السطحية فقط وحمايتها من التلوث حتى لو يتم ذلك على حساب نوعية المياه الجوفية .
      ويجب أن لا ننسى بأن معظم مصادر المياه الفلسطينية هي مياه جوفية لذا لا بد من وضع التشريعات المناسبة لحمايتها والمحافظة عليها بالإضافة إلى فرض السيادة الوطنية عليها.
 
السبب الثاني : إدخال مواد كيميائية أو جرثومية في مستودعات المياه الجوفية ويتم ذلك من خلال استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة والمخصبات التي تستخدم للزراعة حيث تتسرب تلك المواد إلى باطن الأرض بواسطة مياه الصرف الصحي والأمطار(1).
 
     بالإضافة إلى الممارسات الزراعية الخاطئة التي تؤدي إلى التلوث والأنشطة الصناعية أيضا تساعد في حصول التلوث عن طريق إلقاء المياه غير المعالجة وتخزينها أو الزيوت أو النفايات الصلبة أو الغازية في باطن الأرض بالإضافة إلى أن العمليات التي تقوم بها الدول لاستخراج المعادن من باطن الأرض تؤدي إلى تلوث المياه الجوفية عن طريق عمليات الحفر التي تحتاج إلى مواد مشعة وكيميائية كما أن الوصول إلى بعض المعادن من مثل الفوسفات أو الملح يجري عن طريق ملء المناطق التي تتواجد فيها المعادن بالمياه لإذابتها ومن ثم استخلاصها للحصول على المعادن المذابة التي ينتج عنها مياه ملوثة تتسرب داخل طبقات الأرض وتصل إلى مناطق المياه الجوفية القريبة منها وتعمل على تغيير خصائصها الطبيعية كذلك فان تخزين المواد النفطية يعد من أهم أسباب تلوث المياه لسهوله تسربه للأحواض المائية الجوفية .
إن كافة أشكال التلوث السابقة تحصل عن طريق تسرب عناصر ملوثة تضخ في باطن الأرض وتصل إلى مستودعات المياه الجوفية .
     يفتقر النظام القانوني الدولي إلى وجود اتفاقية دولية خاصة بحماية المياه الجوفية الدولية من التلوث فقد اقتصر موضوع حماية المياه الجوفية بالنص عليه ضمن معاهدات ثنائيه بين الدول المشتركة بالأحواض الجوفية والمجاري المائية الدولية ومن تلك الاتفاقيات الاتفاقية المبرمة بين يوغسلافيا وبلغاريا عام 1958 والاتفاقية التي عقدت بين فنلندا والسويد 1971 والاتفاق الفرنسي السويسري 1962 و 1976 والاتفاقية التي عقدت ما بين يوغسلافيا والمجر 1955 هذه الاتفاقيات أنشأت لجان مكلفة بحماية المياه التي تقع على حدودها بما فيها المياه الجوفية.                                                                                                               
     بالإضافة إلى وجود تلك المعاهدات الثنائية التي كانت بمثابة التشريع الذي تعمل وفقه الدول في استخدام المياه المشتركة فيما بينها والتزامها ببنود الاتفاقية الثنائية؛فقد قامت المعاهدات التي تضم مجموعة من أعضاء المجتمع الدولي بالنص على حماية المياه الجوفية والسطحية من التلوث.
       فقد نصت المادة الثالثة من قواعد سيؤل والمشار إليها سابقا إلى أنه"يتوجب على دول الحوض منع أو الحد من تلوث المياه الدولية وإعطاء التلوث الذي يلحق بالمياه الجوفية أهميه خاصة "وكذلك تم التأكيد على حماية المياه الدولية في كل من قواعد هلسنكي والاتفاقية الإطارية التي تمت الإشارة إليهما فيما سبق .
     إلا أن القيمة القانونية للاتفاقيات الثنائية أفضل وذلك لأنها ملزمة للطرفين ولا يمكن لأي طرف أن يخل بالتزاماته بينما الاتفاقيات الدولية سواء قواعد هلسنكي والاتفاقية الإطارية لم يصادق عليهما بالرغم من اعتمادها وبالتالي يلتزم بها أعضاء المجتمع الدولي من قبيل الالتزام الأدبي إذ يحق لهم عدم الأخذ بما وردّ فيها.
    بالإضافة إلى تلك المعاهدات فإن المنظمات الحكومية وغير الحكومية قد اعتمدت قواعد جديدة لمعالجة تلوث المياه الجوفية ومنها اللجنة الاقتصادية لأوروبا التي أصدرت إعلان بالمبادئ الخاصة بتحريم تلوث المياه السطحية والجوفية المشتركة وقامت بإنشاء لجنة خاصة لدراسة المبادئ الخاصة باستخدام المياه الجوفية سنة 1985 وقامت بتنفيذ هذا المشروع إذ أقرت مبادئ لكافة الجوانب الرئيسة لتلوث الأحواض المائية الجوفية والتغذية والإمداد الصناعي وتصريف المياه العادمة والتلوث الناشئ عن كل من الزراعة والصناعة وتسرب مياه البحر للأحواض المائية الجوفية القريبة من الشاطئ وتابعت اللجنة ذاتها في العام التالي عملها في توثيق التعاون الدولي لاستخدام المياه المشتركة والعمل على مكافحة تلوثها(1).
      ومن أفضل المنظمات التي تعمل على مكافحة تلوث المياه وخاصة المياه الجوفية مجلس أوروبا الذي اعتمد ميثاق المياه سنة1967 بناءا على مقتضيات المنظمة الأوروبية وقد نصت المادة الثالثة من الميثاق على أنه "ينبغي الحفاظ على المياه الجوفية والسطحية من التلوث"،كما قام بإصدار عدة قرارات تتمحور حول المحافظة على نوعية المياه الجوفية في أوروبا والتخلص من النفايات الصلبة والكيميائية لحماية المياه الجوفي.
 
المطلب الثاني
طبيعة الالتزام بعدم إحداث الضرر
The nature of the obligation not to cause damage
 
      إن مبدأ عدم إحداث الضرر ورد بصياغة عامة مطلقة من السهولة تطبيقه داخل الأقاليم بوساطة القانون الدولي إلا أنه يصعب تطبيقه على الدول إذ إن لكل دولة نظامها الخاص بها لاستخدام المياه الموجودة في إقليمها وأيضا لا يمكن تحريم التلوث بشكل مطلق إذ من الممكن استخدام المياه الجوفية من قبل دولة بشكل عادل ومنصف إلا أنه يلحق ضررا بدول أخرى،وفقا لمبدأ عدم حدوث الضرر لا يحق لأية دولة سحب الحقوق المائية للدول الأخرى بحجة قيامها بإلحاق الضرر بالدول المجاورة لها؛فالضرر الذي يجب الأخذ به والذي اعتمد عليه البروفيسور ماكافري هو الضرر ذو الطبيعة الخطرة وأن يؤدي إلى تهديد المصالح الجوهرية للدول ولا يعير القانون الدولي أهمية للتلوث البسيط الذي يعتبر نتيجة طبيعية للاستعمال العادي والطبيعي للمياه.
     الالتزام بعدم إحداث الضرر إذا نظرنا إلى هذا الالتزام في القانون الخاص نجد أنه ينقسم إلى التزام ببذل عناية خاصة بوصفها أصلاً عاماً، والتزام بتحقيق نتيجة؛ وذلك حسب موضوع الالتزام ووفقا لذلك فإن مبدأ عدم الإضرار الذي يجب أن تلتزم به الدول لا يعني التزامها بعدم التسبب في أية أضرار تلحق بمصالح الغير الذي يقابل الالتزام بتحقيق نتيجة وإنما التزامها يتضمن أخذ وإتباع التدابير اللازمة لمنع المشاريع والأنشطة ذات الطبيعة الخطرة التي تؤدي إلى حدوث ضرر على درجة من الأهمية وعليه فالالتزام ببذل العناية هو الأساس الذي يقوم عليه مبدأ عدم إحداث الضرر ويقرر مسئولية كل دولة فيما إذا بذلت جهودها لعدم حصول الضرر أم لا(1).
     يوجد جزء من المعاهدات الثنائية التي لم تتبنَ مبدأ عدم إحداث الضرر على أنه بذل عناية وإنما عدته تحقيق نتيجة إذ تضمنت بنودها تحريماً مطلقاً للتلوث الذي يلحق بالمياه ومن تلك الاتفاقيات الاتفاقية المبرمة بين الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا المادة(14)منها وهذه الاتفاقية تأخذ بالقاعدة العامة في المسئولية الدولية للدولة، المادة (4)من الاتفاقية التي عقدت بين بولندا والاتحاد السوفيتي سنة1961 والمادة(19)من اتفاقية الحدود بين الاتحاد السوفيتي وفنلندا1964.
     ثمة اتفاقيات لم تحرم كافة أنواع التلوث وذلك وفقا للسياسات التي تتبعها الدول عند استخدامها للمياه فقد وضعت المعاهدة المبرمة ما بين الهند وباكستان الخاصة بنهر الهندوس سنة1960 ضوابط وقيود على الاستخدامات الصناعية وطالبت باتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة التلوث الذي يلحق بمصالح الدول الأخرى فهذه الاتفاقية لم تحرم كافة أنواع التلوث(1).
    كذلك نصت اتفاقية الأمم المتحدة للأغراض غير الملاحية لسنة 1997 في مادتها 21/2من الباب الرابع الخاص بالحماية والصون والإدارة على الأخذ بالالتزام المتضمن بذل عناية والذي يقع على الدول حسب نص المادة اتخاذ التدابير لمنع ومكافحة التلوث إذ نصت على ما يلي:"تقوم دول المجرى المائي منفردة أو مجتمعة عند الاقتضاء بمنع وتخفيض ومكافحة تلوث المجرى المائي الدولي الذي يسبب ضررا ذا شأن لدول أخرى من دول المجرى المائي أو لبيئتها بما في ذلك الإضرار بصحة البشر أو بسلامتهم أو لاستخدام المياه لأي غرض مفيد أو للموارد الحية للمجرى المائي وتتخذ دول المجرى المائي خطوات للتوفيق بين سياساتها في هذا الشأن".
     هذه الفقرة حددت طبيعة الالتزام الذي يجب على الدول التقيد به وهو التزام الدول بمنع حدوث التلوث وهنا التزامها تحقيق نتيجة وإذ لم تستطع ذلك يكون التزامها بذل العناية اللازمة لخفض التلوث الذي يلحق بالمياه مكافحته وأيضا قامت في الفقرة الثالثة من المادة(21) بالنص على انه  في حال حدوث التلوث يجب العمل على التخفيف من حدته إذ جاء فيها "تتشاور دول المجرى المائي بناء على طلب أي دولة منها بغية التوصل إلى تدابير وطرق تتفق عليها فيما بينها لمنع تلوث المجرى المائي الدولي والحد من التلوث ومكافحته عن طريق وضع أهداف ومعايير مشتركة لنوعية المياه أو استحداث تقنيات وممارسات لمعالجة التلوث من المصادر الثابتة والمنتشرة أو وضع قوائم بالمواد التي يجب حظر إدخالها في مياه المجرى المائي الدولي أو الحد من إدخالها أو استقصائها أو رصدها". وفي حال حدوث التلوث يترتب على الدولة المسببة للتلوث مسؤولية إخلالها بالالتزام الواقع عليها لذا من الأفضل النظر إلى التزام الدول بعدم إحداث الضرر وحماية المياه الجوفية على أنه التزام ببذل عناية التي أقرتها معظم المواثيق الدولية الخاصة بالمياه تحت صياغة أنه على الدول اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لمنع التلوث.
 
تلك أمثلة على بعض التدابير التي يمكن للدول الأخذ بها للحد من التلوث الذي أصاب المجاري المائية الدولية وللقيام بالتزامها بحماية المياه المشتركة بين الدول.
      بينما ميزت قواعد هلسنكي لسنة 1966 في المادة 10/1 بين التلوث القائم والتلوث الجديد بان نصت على أنه يجب على الدول"1- أن تمنع أي شكل من أشكال تلوث المياه أو أية زيادة في درجة التلوث القائم للمياه في أي حوض صرف دولي ،مما قد يتسبب في إلحاق ضرر جسيم بإقليم دولة أخرى تشاركها في الحوض . 2- أن تتخذ جميع التدابير المعقولة للتقليل من تلوث المياه القائم في مياه حوض الصرف الدولي إلى الحد الذي لا ينجم عنه ضرر جسيم لإقليم دولة أخرى تشاركها في الحوض"(1) .
    وعليه فإنني أرى بأن الالتزام هنا يكون التزاماً ببذل العناية الواجبة لعدم التسبب بأي ضرر ملموس للدول المشتركة في المجرى المائي، وبناء على ذلك لا تعد مسئولية الدولة التي ينشأ تسبب التلوث مسئولية مطلقة عن أي ضرر ملموس يتسبب فيه هذا التلوث، إذ إنها تبذل العناية اللازمة للحد من مخاطره .
    وهذا ما أخذت به الولايات المتحدة في اتفاقية بلاجيو لسنة1973 بتأكيدها على التمسك باستخدام المياه للري حتى لو ترتب عليه ضرر للمياه؛ وذلك لأن هذا يعد استخداما معقولا في نظر الولايات الأمريكية.
    إلى جانب ذلك يسعى المجتمع الدولي ممثلاً بلجنة القانون الدولي لتحديد المسائل التي تتعلق بتلوث المياه وخاصة المواد الخطرة إذ أكدت اتفاقية حماية استخدام مجاري المياه العابرة للحدود والبحيرات الدولية المحررة عام1992 حظرها على الدول التخلص من تلك المواد عن طريق المياه الجوفية أو السطحية باعتبارها مواد سامة ومشعة(2).
   نجد أن الاتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1997 لم تحدد المواد الخطرة التي تعمل على تلوث المياه إذ وصفتها في المادة (22) بأنها مواد غريبة أو جديدة إذ نصت المادة على ما يلي "تتخذ دول المجرى المائي جميع التدابير اللازمة لمنع إدخال مواد غريبة أو جديدة في المجرى المائي الدولي يمكن أن تكون لها آثار ضارة على النظام الايكولوجي للمجرى المائي مما يلحق ضررا ذا شان بدول أخرى من دول المجرى المائي ". أما قواعد هلسنكي فلم تضّمن أيضا أي تحديد للمواد الخطرة التي تؤدي إلى تلوث المياه وإنما وصفت الفعل الذي يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمياه بالسلوك غير المشروع وذلك في المادة11/1 إذ نصت على انه " يتوجب على الدولة المسئولة أن تتوقف عن السلوك غير المشروع وان تعوض دولة الحوض المشاركة المتضررة عما لحق بها من ضرر"(3).
    بناء على ذلك فإن الدول تراعي التزامها ببذل العناية اللازمة إذ لا يجوز لدولة ما التخلص من المادة الخطرة التي تؤدي إلى تلويث المياه وإلا ترتبت عليها المسؤولية إذ إن التزام الدولة بعدم إلقاء المواد الخطرة في المياه أو تعريض المياه الجوفية بإمكانية الاتصال بها يشكل حالة من حالات المسؤولية المشددة نتيجة للآثار التي من الممكن ترتبها على تلوث المياه الجوفية خاصة صحة الإنسان وسلامة البيئة المحيطة به والنظام الطبيعي للمياه فانه يمكن اعتبار أساس التزام الدول ببذل العناية اللازمة لحماية المياه من التلوث إلى حق الإنسان في الحياة والصحة لكونها المتضررة من تلوث المياه أما إذا حصل التلوث يرتب على الدولة اتخاذ كافة الإجراءات لمنع ومكافحة التلوث الذي يحصل داخل أقاليمها أو يكون له اثر عابر للأقاليم الأخرى .
فالمادة (2) من اتفاقية سنة 1992 عرفت الأثر العابر بأنه كل أثر ضار بالمياه من مثل التغيير الفيزيائي للمياه الذي يحصل بسبب سلوك إنساني يقع كله أو جزء منه ضمن اختصاص دولة من دول الحوض ويؤثر على البيئة الموجودة في دولة أخرى(1). 
     إن مضمون الالتزام بعدم حدوث تلوث المياه الجوفية الدولية يحتوي على اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمكافحة التلوث وهذا الالتزام لا يقتصر على منع التلوث وإنما مكافحته بكافة أشكاله أي أنه التزام ببذل عناية خاصة وفائقة .
وبناءا على ما تم ذكره فانه يترتب على الدول نوعين من الالتزام:
1- الالتزام بالامتناع عن تلويث المياه عن طريق إدخال مواد سامة وخلافة
2- الالتزام بالعمل على مكافحة التلوث في حالة حدوثه وذلك بالقدر الممكن واللازم وهذا ما احتوته المادة السابعة من اتفاقية الامم المتحدة سنة 1997 المذكورة سابقا إذ ألزمت الدول باتخاذ التدابير المناسبة لعدم حدوث الضرر وفي الفقرة الثانية باتخاذ الدولة التي أحدثت الضرر بسبب استخدامها للمياه كل التدابير اللازمة لوقفه مع مراعاة المواد 5,6 وبالتشاور مع الدول المتضررة من اجل إزالة أو تخفيف الضرر .
     ولتحقيق عدم حدوث الضرر ومكافحته لابد لكل دولة من اعتماد إجراءات قانونية وإدارية ومالية وفنية فعلى سبيل المثال تم اعتماد قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 في مصر بإدارة المياه الجوفية وحمايتها وكذلك القانون الأردني رقم 18 لسنة 1988 الخاص بسلطة المياه والنظام رقم(85) لسنة 2002 الخاص بمراقبة المياه الجوفية والقانون رقم12 لسنة 1995 المتعلق بحماية البيئة والقانون رقم 26 لسنة 1997 المتعلق بنظام مراقبة المياه الجوفية؛ وكذلك شرعت لبنان قانوناً خاصاً بإدارة الموارد المائية الجوفية ويحمل رقم144/د لسنة 1925 وأصدرت العديد من المراسيم الاشتراعية الخاصة بكيفية إدارة وتعبئة واستخراج المياه الطبيعية من باطن الأرض ومثل تلك المراسيم المرسوم رقم108 لسنة 1983 والمرسوم رقم 14438 /1670 وكذلك أصدرت ليبيا قانون رقم(3) لسنة 1982 الخاص بإدارة المياه الجوفية وحمايتها"(2) . وسنّ المجلس التشريعي في فلسطين كل من قانون المياه رقم (3) لسنة 2002 وقانون البيئة رقم (7) لسنة 1999 بهدف ادارة الموارد المائية وحمايتها .
     ووفقا لتلك القوانين واللوائح فإنها وضعت القواعد المتبعة لاستخدام المياه الجوفية دون تعريضها للتلوث بحيث حددت التراخيص التي يجب الحصول عليها للقيام لسحب المياه الجوفية وقيام الدراسات الفنية للكشف عن المصادر الجوفية ومراقبة كميتها ونوعيتها وكيفية استخدامها بشكل لا يلحق ضررا بالمياه وقامت تلك الأنظمة والقوانين بتحديد المناطق التي يجوز فيها حفر آبار للمياه وفق شروط معينة يجب مراعاتها وإتباعها بالإضافة لتحديدها للمناطق المحظورة التي لا يجوز فيها حفر آبار للمياه وذلك لتجنب نضوب المياه الجوفية وإلحاق الضرر بها.
    وعبر البحث في التزام الدولة المتعلق بمنع التلوث ومكافحته وفي حال حدوثه فإن خفض نسبة التلوث الحاصلة تقع على كاهل الدولة التي أحدثته؛ وذلك بالنسبة للتكاليف التي تدفع للقيام بالإجراءات  المناسبة لخفض نسبة التلوث وذلك نتيجة إخلالها بالتزامها(1) .
ويتطلب التزام الدول بمكافحة التلوث التعاون والتشاور وتبادل المعلومات وإجراء المشاورات في ما بين دول الحوض المائي؛ وذلك من أجل الوصول إلى حل للتخلص من المواد الخطرة التي تهدد المياه الجوفية.
 
المطلب الثالث
العلاقة بين مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول وقاعدة عدم إحداث الضرر
The relation ship between the principle of equitable and reasonable use and the non-events of damage
 
    عندما نشأ مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول  اعتبر القاعدة العامة المرشدة لاستخدام المياه في إطار قواعد هلسنكي 1966 وبان قاعدة عدم الإضرار عنصر من العناصر التي يجب دراستها بالإضافة إلى العناصر الأخرى الخاصة بالحوض المائي للوصول إلى الاستخدام المنصف والمعقول فإذا توصل إلى أن استخدام المياه مبني على الإنصاف والعدالة. وترتب على هذا الاستخدام ضرر بالدول الأخرى فإن هذه الأضرار الناتجة عن استخدام المياه لا يجري تحريمها بل تقبل في إطار عملية التقييم الشامل لكافة العناصر التي تتصل باستخدام المياه الجوفية ولا يمكن هنا غض النظر عن النتيجة الخطيرة التي يحدثها استخدام المياه الجوفية؛ إذ لا بد لنا من إجراء الموازنة بين كل من مبدأ الإنصاف وعدم الإضرار .
    إن الضرر الذي يمكن حدوثه للمياه لا يحصل نتيجة استخدام المياه الجوفية فقط ،وهنا لا تثور مشكلة في تحديد العلاقة بين الاستخدام المنصف وعدم إحداث الضرر، إذ إن استخدام المياه الجوفية قد يرتب ضررا ملموسا للدول المشتركة بالحوض، الضرر الذي يلحق بالمياه الجوفية إما أن يكون نتيجة أفعال تتم يمكن السيطرة عليها أو أن يكون نتيجة عوامل طبيعية .
    ففي الحالة التي ينشا فيها الضرر عن الأفعال التي تجري بإقليم الدولة وتحت سيطرتها مثل إلقاء مخلفات صناعية أو نفايات سامة أو مشعة في باطن الأرض التي تتسرب إلى مستودعات المياه الجوفية وتلحق ضررا بها من مثل هذا الفعل لا يمكن ضمه في بند الاستخدام للمياه ومن ثم لا يمكن بحث الضرر الناتج عنه بوصفه من العناصر التي تساعد على تحديد الانتفاع المنصف والمعقول، وإنما يرجع هذا الفعل إلى القاعدة العرفية العامة في القانون الدولي مسئولية الدولة الدولية ؛ وهي عدم استخدام الإقليم بشكل يلحق الضرر بالأقاليم المجاورة.                                                                                                                
   هذا المبدأ يقابله في القانون الخاص مبدأ التعسف في استخدام الحق (The principle of the abuse of the right) ، إذ لا يجوز استخدام الحق بشكل يلحق ضررا بالغير.(1)
إلا أن استعمال المياه من قبل دولة من الدول قد يرتب ضررا في استخدام المياه الجوفية فالمياه السطحية المرتبطة معها في دورة هيدرولوجية واحدة قد يصيبها الضرر من جراء ذلك  فقد ينطوي هذا الاستخدام على أضرار تلحق الدول المشتركة بالحوض، وذلك عن طريق استغلال مياه الحوض ومن ثم خفض كميات مياهه وعدم حصول الدول الأخرى على حصتها من المياه، أو قد تؤدي إلى زيادة نسبة ملوحة الحوض. وهنا يمكن الربط بين استخدام مياه الحوض بشكل منصف ومعقول ومبدأ عدم الإضرار والتعاون وتبادل المعلومات للوصول إلى وضع إيجابي حول المياه الجوفية.(1)
      وقد ثار الجدل حول أهمية وأولوية كل من مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول وقاعدة عدم الإضرار و كيفية إدراجهما في معاهدة الأمم المتحدة لعام 97 ،إذ اقترح Sehwefel في مسودة الاتفاقية إدخال المادة 8/2 التي تجعل قاعدة عدم الإضرار ثانوية تابعة لمبدأ الاستخدام المنصف والمعقول، إذ تضمنت بأنه "لا يعتد بقاعدة عدم الإضرار إلا إذا كان من المرجح أن يتجاوز استخدام جديد أو توسيعه لاستخدام قائم إذ أن مبدأ الإنصاف هو الأساس لإجازة الاستخدام"،وهنا الضرر يعد عنصراً من العناصر التي تستخدم للتحقق من عدم عدالة وإنصاف ذلك الاستخدام للمياه .إلا أن كلاً من المستشارين الدوليين السيد ايفنسن والسيد ماكافري فصلا قاعدة عدم الإضرار عن مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول وعداها قاعدة أساسية وليست مجرد عنصر من قائمة العناصر التي تستخدم لتحديد ما هو منصف ومعقول. ونتيجة لمعارضة دول أعالي الأحواض المائية قام السيد روزنستوك بالتوفيق بين وجهات النظر المتعارضة، وذلك باقتراحه المادة 7/1 التي تتحمل فيها الدولة المشاطئة لمجرى مائي بغض النظر عن موقعها المسؤولية الدولية نتيجة تجاوزاتها لقاعدة عدم الإضرار إذا لم تتخذ العناية اللازمة.
 والمعيار الخاص بهذه العناية هو الحرص المعتاد عليه في القضايا ذات المسؤولية الدولية وفقا لظروف الوضع(2).
    أما المادة 7/2 فتناولت عواقب الضرر ذي الشأن الذي يقع بالرغم من بذل العناية اللازمة من قبل الدولة لتفاديه إذ نصت على إلزام الدولة بإزالة الضرر أو التخفيف منه عن طريق التشاور بين الدول المشاطئة للمجرى المائي، وهنا يشترط بالضرر الذي يلحق بالبيئة أو المجرى المائي أن يكون ضررا ذا أهمية.
المادة السابعة من اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1997 أثارت الجدل والنزاع خاصة ما بين الدول المشاطئة لأسفل المجاري المائية والدول المشاطئة لأعالي المجاري المائية إذ أن الأولى أيدت المادة السابعة من الاتفاقية بينما الأخيرة عارضتها وبذلت الجهد لإزالة هذه المادة من الاتفاقية وذلك بوضع بنود حول استخدام المياه تتمشى وفق مصالحها إلا أن وفود الدول المشاطئة لأسفل المجاري المائية عارضتها ورفضتها وذلك لأنها تهدف إلى جعل الاستخدام المنصف والمعقول المبدأ الرئيسي واعتبار الالتزام بعدم إحداث الضرر مجرد عنصر من العناصر التي تؤخذ عند تحديد مدى العدالة والإنصاف في استخدام المياه المشتركة.
     بقيّ الجدل والنقاش يدور حول تلك المبادئ إلى أن أقرت كل من المواد 5،6،7،كان هذا نتيجة الاقتراح الذي قدمته كل من النمسا وكندا والبرتغال وسويسرا وفنزويلا وتضمن الاقتراح بأنه إذا نجم ضرر ذو شأن من قبل دولة مشاطئة لحق بدول الحوض فعلى تلك الدولة التي تسببت بذلك الضرر في حالة عدم وجود اتفاق أن تتخذ كل التدابير المناسبة بالتشاور مع الدول المتضررة من أجل إزالة أو تخفيف الضرر ومناقشة مسألة التعويض.
    من خلال الصياغة نتبين بأنه يوجد لقاعدة عدم الإضرار حضورها الخاص بها إلا أن هذا الحضور للقاعدة لا يطبق إلا عند فشل تطبيق مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول على الحوض فهذا المبدأ يخضع لمبدأ الاستخدام المنصف والمعقول ولكن ليس في جميع الحالات وقد تم اعتماد عدم الإضرار كعامل من العوامل التي يتم الرجوع إليها لتحديد فيما إذا كان استخدام المياه منصفا أم لا وذلك في المادة السادسة تحت صياغة "آثار استخدامات المجاري المائيه في إحدى دول المجرى المائي على غيرها من دول المجرى المائي(1).
      يبقى أن تحديد العلاقة ما بين كل من مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول ومبدأ عدم إحداث الضرر غامضة وشائكة وذلك لأن دول الحوض المائي هي التي تحدد القواعد العامة التي تنظم المجاري المائية وكل ما يتعلق بها من أنشطة وإعطاء الأولوية لمبدأ من المبادئ في استخدام المجاري المائية الدولية .
      وأرى بأن الالتزام بعدم التسبب بالضرر لدول المجرى المائي يكمل مبدأ الانتفاع العادل إذ إن من حق أي دولة للمجرى المائي الانتفاع العادل باستخدام مياهه بطريقة منصفة ومعقولة وهذا الاستخدام يوجد القيد والحد في واجب دولة المجرى بعدم التسبب في أي ضرر يلحق بالدول المشتركة معها بالمجرى المائي سواء الجوفي أم السطحي .
 
 
المبحث الثالث
مبدأ التعاون الدولي والإدارة المشتركة
The principle of international cooperation and co-management
 
     مع انتهاء الحرب العالمية الثانية ونشوء منظمة الأمم المتحدة أصبح مبدأ التعاون الدولي بين الشعوب المتمدنة من أهم المبادئ التي تنادي بها المنظمة من خلال مبدأ حل المنازعات بالطرق السلمية ومنع استخدام القوة في العلاقات الدولية ومعاونة الأمم المتحدة والامتناع عن مساعدة الدول التي تعاقبها وكذلك من الأهداف الأساسية للأمم المتحدة إنماء العلاقات الودية بين الدول وتحقيق التعاون الدولي في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية إذ أصبح مبدأ التعاون الدولي الأساس في نشوء العلاقات الدولية إذ أكد على جميع هذه المبادئ في ميثاق الأمم المتحدة(1).
 
المطلب الأول
القانون الدولي ومبدأ التعاون
 
      في ظل ازدياد النزاعات المتعلقة بالمياه الدولية ومع زيادة عدد سكان العالم الذي يرافقه زيادة في استهلاك الماء بالإضافة إلى التطور التقني في كل من الصناعة  والزراعة فان الماء أصبح يتناقص بشكل ملحوظ في جميع دول العالم وهذا يقود إلى انه لا بد من ضرورة تعاون الدول المشتركة في المجاري المائية الدولية بصيانة تلك المجاري والمحافظة عليها وتنميتها(2).
     إن مبدأ التعاون الدولي فضفاض واسع وغير محدد ويستمد وجوده من مبدأ حسن الجوار
 (The principle of good neighborly ) وقد أكد عليه في العديد من المواثيق الدولية فقد أكد تحكيم لانو بين فرنسا وإسبانيا  لعام 1958 على التعاون بحسن نية بين دول المجرى المائي المشترك إذ قررت بأنه يحق للدولة التي من الممكن أن تتأثر سلبا بمشاريع اقتصادية تقوم بها الدول المجاورة مطالبة تلك الدولة بتقديم المعلومات الكاملة عن مشاريعها حتى تأخذ كافة احتياجاتها في حال موافقتها على إنشائه أو تقرر رفض إنشاء المشروع لأنه سوف يلحق ضررا ملموسا بمصالحها،وتقوم سياسة حسن الجوار على عدة عناصر أهمها العلاقات الودية ما بين الدول يجب أن تقاس وفقا للعلاقات ما بين الجيران والعنصر الآخر احترام الدول لحقوق بعضها البعض وكذلك احترام المعاهدات الدولية المبرمة بين الجيران ويتضح من ذلك بان هذه المبادئ سياسية أكثر مما هي قانونية وترمي إلى خلق جو من الطمأنينة والثقة المتبادلة(1).
     وأيضا من مقاصد الأمم المتحدة وفقا للمادة 1/3 من الميثاق تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية. وكذلك جعلت المادة (17) من ميثاق حقوق وواجبات الدول الاقتصادية من التعاون الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه بين الدول لتحقيق التنمية في كافة المجالات الاقتصادية(2).
     أيضا أولت الاتفاقيات الثنائية أهمية لمبدأ التعاون الدولي في استخدام وإدارة الموارد المائية المشتركة إذ نصت المادة 35/3 من اتفاقية 1964 بين بولندا وروسيا على أن الهدف من هذه الاتفاقية هو ضمان التعاون ما بين الإطراف في المجال الاقتصادي والعلمي والفني المتعلق باستخدام المياه. وكغيرها من الاتفاقيات فقد تضمنت الاتفاقية الإسرائيلية الفلسطينية المؤقتة حول الضفة والقطاع لعام 1995 التعاون المشترك بين الطرفين إذ نصت في المادة 20/3و/4/5منها على ما يلي(3):
"1- التعاون ضمن إطار اللجنة الإسرائيلية الفلسطينية الأمريكية المشتركة حول إنتاج المياه وتطوير المشاريع المتفق عليها من قبل اللجنة المائية المشتركة.
2- التعاون في تطوير الوسائل الكفيلة بمعالجة الأوضاع الطارئة والصعبة التي قد تحصل نتيجة لنشاطات طبيعية وبشرية متعلقة بالمياه.
3_ التعاون في تبادل المعلومات المتوافرة المتعلقة بالمياه والمجاري بما فيها:
 *القياسات والخرائط المتعلقة بمصادر المياه واستخدامها.
 *التقارير والخطط والدراسات والأبحاث والوثائق المتعلقة بمشاريع المياه والمجاري.
 *المعلومات المتعلقة بالضخ الحالي وبالاستخدام وتقديرات موجودات الأحواض الشرقية والغربية".
     هذا البند أكدّ على ضرورة تبادل المعلومات الحقيقية المتعلقة بالمياه بين الطرفين.
أيضا جاء مبدأ التعاون الولي في البند السادس من الاتفاقية الأردنية الإسرائيلية للعام 1994 إذ نص على ما يلي توجها لتحقيق اتفاق دائم وشامل حول المشاكل المائية بينها:
1-
     2-على إسرائيل والأردن أن يتعاونا على تطوير الخطط بهدف زيادة مصادر المياه وتحسين فعالية استخدامها ضمن سياق تعاون ثنائي وإقليمي وعالمي "(1).
     كذلك جاء المبدأ رقم 24 من إعلان استكهولم لسنة 1972 الذي تناول بأنه "يجب العمل على معالجة المسائل الدولية المتعلقة بحماية البيئة وتحسينها بوساطة التعاون من كافة أطراف دول الحوض على قدم المساواة وذلك من خلال أية وسيله ملائمة للمحافظة على المجرى المائي" وهنا تدخلت الجمعية العامة للامم المتحدة إذ أصدرت قرارها رقم (3129) لسنة 1973 والخاص بالتعاون بين الدول في مجال البيئة وحماية الموارد الطبيعية المشتركة الذي نص على أنه يجب" أن تسعى الدول من خلال آلية إقليمية إلى الحفاظ على البيئة وتحسينها"(2).
     وقام المجتمع الدولي بالتأكيد على هذا المبدأ عبر المؤتمرات العالمية التي عقدت وخاصة مؤتمر الأمم المتحدة للمياه لسنة 1977 الذي صدر عنه توصيات عديدة تتعلق بالتعاون الإقليمي والدولي ما بين الدول في المياه المشتركة والذي أكدّ أيضا على ضرورة أن يتم التعاون في إدارة الموارد المائية المشتركة وفقا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وعلى أساس المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية.
 
    بالنسبة لمؤتمر هلسنكي الذي أقر القواعد المعروفة بقواعد هلسنكي فإنه لم يأت بنص صريح على مبدأ التعاون إذ شملته القواعد  بمبدأ عدم إحداث الضرر؛ وذلك بالنص في المادة العاشرة التي تستوجب اتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة التلوث وعدم حصوله واتخاذ تلك التدابير يتطلب التعاون فيما بين الدول لوضعها وتحديدها والعمل وفقها في استخدام المياه الدولية بالإضافة إلى ذلك تعرضت قواعد هلسنكي لمبدأ التعاون بشكل أكبر عند نصها على المنازعات الدولية الخاصة بالمياه المشتركة وكيفية تسويتها في المواد 29-34 .
    كذلك فإن الاتفاقية المتعلقة بحماية واستخدام المجاري المائية العابرة للحدود والبحيرات الدولية الموقعة في هلسنكي 17 آذار 1992 تضمنت مبدأ التعاون الدولي والإدارة المشتركة وذلك في المادة 2/6 التي نصت على أن "تتعاون الأطراف المشاطئة على أساس المساواة والمعاملة بالمثل ولا سيما عن طريق الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف بغية تطوير سياسات وبرامج واستراتيجيات منسقة تشمل مستجمعات المياه ذات الصلة أو أجزاء منها وتهدف إلى منع ومكافحة وخفض الأثر العابر للحدود كما تهدف إلى حماية بيئة المياه العابرة للحدود أو البيئة المتأثرة بتلك المياه بما في ذلك البيئة البحرية"(1).
      هذه المادة شملت كافة أنواع التلوث التي تلحق بالمياه سواء السطحية أو الجوفية أو البحرية والتعاون يجري في كافة الحالات سواء لحق التلوث بإقليم الدولة أو بأقاليم أخرى نتيجة مرور المياه عبر أقاليمها ولم تحدد هذه المادة شكل التعاون إذ أحالته للاتفاقيات الثنائية الخاصة بالمجاري المائية المشتركة .
    إلا أن مبدأ التعاون الدولي في مجال المياه الإقليمية والدولية ظهر بوضوح في المادة الثامنة من اتفاقية عام 1997 للأغراض غير الملاحية إذ نصت على أن:
1- تتعاون دول المجرى المائي على أساس المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية والفائدة المتبادلة وحسن النية من أجل تحقيق الانتفاع الأمثل من المجرى المائي الدولي وتوفير الحماية الكافية له .
2- لدى تحديد طريقة هذا التعاون لدول المجرى المائي أن تنظر في إنشاء آليات أو لجان مشتركة حسب ما تراه ضروريا لتيسير التعاون بشان اتخاذ التدابير والإجراءات ذات الصلة في ضؤ الخبرة المكتسبة من خلال التعاون في إطار الآليات واللجان المشتركة القائمة في مختلف المناطق"(2).
      إن هذه المادة قد بنت مبدأ التعاون على أسس المساواة في السيادة بين الدول والمصالح والفوائد المتبادلة فيما بينها بالإضافة إلى حسن النية وذلك لتحقيق استخدام أفضل للحوض المائي بالإضافة إلى صيانته وحمايته من التلوث.
     ووفقا لما تقدم ذكره فإن مبدأ التعاون الدولي ينطوي على عدة التزامات تقع على دول الحوض المائي الدولي أهمها الالتزام بالتبادل المنتظم للمعلومات والمعطيات والالتزام بالإخطار المسبق عند استخدام مياه الحوض والالتزام بالتفاوض بخصوص استخدامات مياه الحوض وتسوية النزاعات الناشئة عن تلك الاستخدامات بالإضافة إلى الالتزام بالاداره المشتركة للأحواض المائية وذلك من أجل الوصول إلى الاستخدام الأمثل لها .
 
وأهم الأسس التي يقوم عليها مبدأ التعاون الدولي هي:
  1. الالتزام بالإخطار المسبق عند استخدام المياه المشتركة من طرف واحد .
  2. الالتزام بالتبادل المنتظم للمعلومات بين دول الحوض المائي .
  3. الالتزام بالتشاور والتفاوض من أجل حل الخلافات بين الدول حول استخدام المياه المشتركة.
 
المطلب الثاني
مدى التزام إسرائيل بمبدأ عدم إحداث الضرر ومبدأ التعاون الدولي
       وأما بالنسبة إلى مدى تطبيق إسرائيل لكل من مبدأ عدم إلحاق الضرر ومبدأ الإدارة المشتركة للمجاري المائية الدولية "التعاون الدولي" مع الدول المجاورة فنجد بأنها لم تلتزم به وقامت بخرقه إلى أبعد الحدود في ما يتعلق بالحقوق العربية للمياه وخاصة الحقوق الفلسطينية من مصادر المياه الموجودة لدى الطرف الإسرائيلي وبهذا يتضح لنا من المشاريع المائية التي نفذتها إسرائيل أو التي وضعت لإنماء مصادر المياه الفلسطينية على مدار  قرن من الزمن تقريبا ابتداء بالمشاريع التي وضعت زمن الدولة العثمانية في العام 1913 وفي عهد الانتداب والتي تمثلت بخطة مافروماتيس وهنريك  وغيرها الكثير من الخطط والمشاريع من مثل خطة كوتون وبكر حرزا وقناة الغور الشرقية  وانتهاءً بمشروع قناة البحرين.
 
     ومع التوصل إلى الاتفاقيات الثنائية الفلسطينية الإسرائيلية اكتشفت الباحثة بأنها اهتمت بالإدارة المشتركة للمياه الموجودة  لدى كل من الطرفين ووضعت الالتزامات على كل منهما للمحافظة على المصادر المائية المشتركة بينهما إذ تضمن الملحق الثاني لاتفاقية أوسلو2 في البند الرابع المتعلق بالمياه والمجاري على المبادئ التي يجب على الأطراف الالتزام بها إذ ورد فيه ما نصه "مع احترام كل طرف لحقوق ومسؤوليات الطرف الآخر في مجال المياه والمجاري كل في منطقته يوافق الطرفان على التعاون في إدارة مصادر المياه والمجاري وأنظمتها في الضفة الغربية خلال الفترة المؤقتة وذلك بناء على المبادئ التالية(1) :
  1. منع تدهور نوعية المياه في المصادر المائية.
  2. استخدام المصادر المائية بطريقة تضمن استدامة استعمالها كما ونوعا في المستقبل.
  3. تعديل استخدام المصادر بناء على الظروف المناخية والمائية المختلفة.
  4. اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لمنع حدوث أي ضرر لمصادر المياه بما فيها تلك المستخدمة من قبل الطرف الآخر.
  5. معالجة أو إعادة استخدام أو التخلص من مخلفات المجاري المنزلية والبلدية والصناعية والزراعية.
  6. التعاون على تشغيل و صيانة وتطوير أنظمة المياه والمجاري الموجودة حاليا كما هو مبين في هذا البند.
  7. على كل طرف أن يتخذ الإجراءات الضرورية لمنع حدوث أي ضرر للأنظمة المائية أو أنظمة المجاري كل في منطقته.
  8. على كل طرف أن يضمن تطبيق شروط هذا البند على جميع المصادر والأنظمة بما فيها تلك المملوكة أو المدارة شخصيا كل في منطقته"(2) .
 
     وبالرجوع إلى اللجنة المسؤولة عن تطبيق تلك المبادئ لدى الطرفين نجد بأن إسرائيل تلتزم بها إذا تعلق الضرر بمصادر المياه الموجودة لدى السلطة الفلسطينية فقط وتطالبها بالتعويضات عن الأضرار التي تلحق بالمياه بينما إذا تعلق إلحاق الضرر بالموارد التي تحت السيطرة الإسرائيلية فإنها لا تعير الموضوع أية أهمية ولا تلتزم بتلك المبادئ التي وقعت عليها في الاتفاقية المرحلية. ومتداول قانونيا بأن الأثر القانوني للمعاهدات هو تنفيذ الأطراف الالتزامات المترتبة عليهم تجاهها وتحديداً عند عقد الاتفاقية وهنا نجد بأن إسرائيل لا تنفذ ما التزمت به في تلك الاتفاقية.
 
      وكذلك الحال بالنسبة للإدارة المشتركة بين الطرفين والتي تداولتها الاتفاقية في المادة  العشرين (20 ) بشأن التعاون المشترك التي أشير إليها سابقا عند البحث في مبدأ التعاون الدولي والاتفاقيات الدولية ، إذ إن إسرائيل لا تطبق ما جاءت به تلك المادة إلا إذا تعلق الأمر بمشروع تريد تنفيذه في الأراضي الفلسطينية ويخص مستوطناتها في الضفة الغربية.
إلى جانب أنها ترفض كافة المشاريع المائية الفلسطينية التي تهدف إلى تطوير الوضع المائي لدى السلطة الفلسطينية وإذا قبلت أحد تلك المشاريع يكون المقابل قبول الطرف الفلسطيني لمشروع تنوي إقامته في أراضيه.فالتزامها بالاتفاقية يتوقف على مدى استفادتها من البنود الواردة فيها وتلتزم بالاتفاقية أيضا في كل ما يتعلق بالطرف الفلسطيني ومدى التزامه بعدم إحداث ضرر يلحق بالموارد المائية دون التعرض للسياسة التي تتبعها في إدارة الموارد المائية أو للمحافظة عليها من التلوث.
    وتعد الممارسات الإسرائيلية الأساس في إلحاق الضرر بالمياه الفلسطينية وتلوثيها إذ إنها اختارت المناطق التابعة للسلطة الفلسطينية مكبا لنفاياتها الصلبة والسائلة.
 
   من الجدير ذكره انه عندما توافق اللجنة المائية المشتركة على المشروع الذي قدمه الطرف الفلسطيني ذلك لا يعني بدء التنفيذ في إنشائه؛ إذ يكون بدء التنفيذ حسب المنطقة المنوي إقامة المشروع بها فمناطق السلطة الوطنية الفلسطينية مقسمة إلى مناطق أ، ب، ج ود فإذا كان المشروع المراد إقامته في مناطق ألف وباء يحتاج فقط إلى موافقة اللجنة المائية المشتركة للبدء في تنفيذه بينما إذا كان عدّ له ليقام في مناطق سي فإنه بحاجة إلى موافقتين ، أي الحصول على الترخيص ببنائه يجري على مرحلتين؛ المرحلة الأولى موافقة اللجنة المائية المشتركة والمرحلة الثانية الحصول على موافقة الإدارة المدنية الإسرائيلية "الحكم العسكري" على بناء المشروع وكما هو متعارف عليه فإن قرار الحكم العسكري قطعي لا يقبل مناقشة أسباب صدوره من الطرف الآخر عكس القرار الذي تتخذه اللجنة المشتركة الذي تجري مناقشة أسباب صدوره وطرح المعطيات للموافقة عليه لسير في بناء المشروع .
عبر استقراء المشاريع التي قدمت إلى اللجنة المائية المشتركة من الطرف الفلسطيني نرى بأن المشاريع التي تعد في غاية الصعوبة لأخذ الموافقة عليها والتي يسميها المفاوضون بالمشاريع الوعرة، وهي مشاريع الصرف الصحي ومكبات النفايات ومحطات المياه وآبار المياه؛ وأغلب هذه المشاريع يتم التخطيط لها لتبنى في مناطق سي بحيث تكون بعيدة عن مناطق التجمع السكان. وتلقائيا فإن الإدارة المدنية ترفض هذه المشاريع لمبررات أمنية كونها قريبة من المستعمرات الإسرائيلية .
ومما يجد ذكره أنه في هذه الأيام قام الطرف الإسرائيلي بمساعدة الأوروبيين داخل اللجنة المائية المشتركة بوضع شروط للموافقة على المشاريع الفلسطينية وهو أن يتم ربط المستوطنة الموجودة قرب المشروع به، وبناء عليه يقوم الطرف الإسرائيلي بدفع الجزء المترتب عليه من تكاليف المشروع . وطرحت هذه المشاريع تحت مسمى مشاريع للتطبيع والتعايش معا.
 
واجد هنا بأن الأمر تخطى الواقع الفلسطيني ومبادئ القانون الدولي الذي لم يعترف بشرعية المستوطنات الإسرائيلية، فكيف يطلب الجانب الإسرائيلي مثل هذا الشرط وبقبوله يعترف الطرف الفلسطيني بشرعية المستوطنات الإسرائيلية ويساعد على تثبيتها في الأراضي الفلسطينية .
ومن الامثلة على هذه المشاريع مشروع محطة المجاري لبلدة سلفيت التي تحتاج لوجود مثل هذه المحطة فحتى توافق إسرائيل عليه طلبت اللجنة من الطرف الفلسطيني الموافقة على ربط مستوطنة أرئيل مع هذه المحطة وذلك للاستفادة منها. وكذلك تبينت بأن مستعمرة الجبل الطويل الموجودة قرب البيرة متصلة بمحطة المجاري الخاصة بالبيرة وتم ذلك المشروع بخفية وسرية وهذا الارتباط عطل كثيرا على محطة البيرة بسبب كميات المياه الضخمة التي تصل الى محطة البيرة .
 
ومن الأمثلة التي رفضت مؤخرا ؛ المشروع الخاص بكب النفايات لكل من مدينة رام الله والبيرة فتم التخطيط له ليبنى في مناطق سي للمدينة رفض من الطرف الإسرائيلي لقربه من مستوطنة بيت إيل القريبة من دير دبوان . قام الطرف الفلسطيني بتعديل بسيط على منطقة إنشائه لتكون بالقرب من المنطقة الفلسطينية أي بالقرب من بلدة دير دبوان إلا أن المشروع رفض مرة أخرى من قبل أهالي البلدة إذ كان مصير هذا المشروع الفشل الذريع .
 
وترى الباحثة بأن التخطيط لا يصلح بدون حرية فيجب على الجانب الفلسطيني في مفاوضاته مع الإسرائيليين التخلص من هذه اللجنة التي ليس لها مهمة سوى تعطيل تنفيذ المشاريع المائية الفلسطينية والعمل على تدميرها في حال جرى إنشائها بدون الحصول على موافقة اللجنة المائية المشتركة، بعكس الجانب الإسرائيلي الذي يخطط لمشاريعه ويقوم بتنفيذها دون الحصول على موافقة الطرف الفلسطيني .
ووجدت ذات المشكلة بالنسبة لحفر الآبار المائية فعندما وافق الإسرائيليون على حفر بعض الآبار للفلسطينيين استندوا في ذلك إلى سياسة كونهم أفضل الأجناس ومن ثم يجب عليهم التنازل عن بعض الآبار وذلك حتى لا يبقوا خدم لتوصيل المياه للفلسطينيين وتم حفر هذه الآبار في عهد كل من الرئيس الأمريكي السابق كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو .
وكذلك فان حفر مثل هذه الآبار يحتاج إلى موافقة كل من اللجنة المائية المشتركة والإدارة المدنية، وعندما تمنح رخصة الحفر للآبار فإنها تختلف عن رخصة الإنشاء التي لا بد من الحصول عليها من الإدارة المدنية التي تماطل في منحها للفلسطينيين إذ تبقى الرخصة لدى الإسرائيليين سنوات عديدة حتى يتم المصادقة عليها ( validation).
     ومن أهم الممارسات التي اتبعتها إسرائيل بخصوص المياه الفلسطينية وألحقت ضررا جسيما بالفلسطينيين تجفيفها لمياه بحيرة الحولة وإنشاء الناقل القطري للمياه، قناة الغور الشرقية الذي أدى إلى انخفاض منسوب المياه في كل من نهر الأردن وبحيرة طبريا والبحر الميت وكذلك حفرها الآبار العميقة لسحب كافة المياه الجوفية وتجفيف الآبار الفلسطينية .
وبناء عليه تطبق إسرائيل سياسة القوة والأمر الواقع ولا تعير مبادئ القانون الدولي الخاصة بالتعاون والإدارة المشتركة أية أهمية .
 
وتشير كافة المشاريع السابقة إلى أن إسرائيل تعد من الدول التي نفذت مشاريع مائية ضخمة دون الالتزام بإخطار الدول المجاورة لها والمشتركة معها في المياه  ودون الدخول في مفاوضات بخصوص المشاريع التي أقامتها ولم تول أية أهمية لموافقة تلك الدول على المشاريع أو عدم موافقتها واستمرار إسرائيل في تلك السياسة المائية قد يؤدي إلى نشوء حرب للمياه في المنطقة .
يتبع الخاتمة
 
(1) تعد حرية الملاحة(Free Navigation) في عرض البحار عرف دولي درج التعامل عليه ما بين الدول ،ويجب أن يتضمن هذا العرف عنصرين؛العنصر المعنوي وهو الالتزام القانوني بالعرف والعنصر المادي عبارة عن ضرورة التصرف في حالة معينة وبشكل متكرر وأن يقبل من الدول التي صدر في مواجهتها.
(2) علوان خضير ، المرجع السابق، الكتاب الرابع، ص78 . علوان خضير . (1997): الوسيط في القانون الدولي العام المعاصر ، الكتاب الأول الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر، عمان ، ص111.
(1) الجندي ، المرجع السابق، ص82.
(1) زناتي ، المرجع السابق، ص48. انظر قرارات المحاكم الفيدرالية http//www.law.berkeley,edu/faculty/ddcaron/courses/ie01005.htm
(2) زناتي ، المرجع السابق، ص47. والعادلي ، المرجع السابق ، ص174وص373 تتعلق الإشكالية بنقل مياه الكارول وإعادتها مرة أخرى إلى مجرى النهر قبل دخولها إلى الإقليم الاسباني بعد استخدامها بالمشاريع الكهربائية وعليه جاء قرار المحكمة بأنه يجوز لفرنسا أن تستخدم حقوقها، ولا يجوز لها أن تتجاهل مصالح اسبانيا كونها دولة مجرى مائي ، ويجوز لاسبانيا أن تطالب باحترام حقوقها وبايلاء الاعتبار لمصالحها .
(3) وهنا أكد القرار على مبدأ الاستخدام المنصف إذ أكد على أنه يجب على دولة الحوض أن تأخذ مختلف المصالح المعنية لجميع دول الحوض ، وأن تسعى إلى منحها كل رعاية تتفق مع سعيها إلى تحقيق مصالحها ، وذلك بأن تظهر رغبة حقيقية في التوفيق بين مصالح الدول المشاطئة الأخرى ومصلحتها ، ويعد هذا الأمر من مبادئ القانون الدولي الخاص بالمياه .
(1) الجندي، المرجع السابق، ص85.
(1) دراسة للبنك الدولي ، المرجع السابق ،231 .
(2) للمراجعة انظر قواعد هلسنكي 1966 ومعاهدة هلسنكي 1992 http//www.international.waterlaw.org/IntDocs/Helsinki-Rules.htm
(1) للتدقيق في المواد انظر العادلي ، منصور.(1999): قانون المياه ، سلسلة المياه(1) ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، ص20-24.
(2) عامر 2001، المرجع السابق ، ص106.
(3) عامر، المرجع السابق ، ص71 . العادلي ، المرجع السابق ، ص117-118 . زناتي ، المرجع السابق ، ص52 .
(1) المفتي، أحمد. (2001): اتفاقية استخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية 1997.
(1) سلسلة دراسات شؤون الوطن المحتل (1987).
(1) (الإحصائيات حسب مركز الإحصاء الفلسطيني لعام 1999، مأخوذة من تقارير ودوريات سلطة المياه الفلسطينية)
(1) زناتي ، المرجع السابق ، ص54.
(2) زناتي ، المرجع السابق ، ص55.
(1) أكدت عليه المحكمة التي نظرت في النزاع الذي نشأ ما بين ولايتي Maharashtraو Madhypradesh حول نهر Narmada في الهند سنة 1987 على أن توزيع حصص المياه يقتصر على منطقة النهر والسكان المقيمين فيها، إلا أن هذا الحكم غيّر في النزاع الذي دار حول نهر Krisha في الهند إذ أكدت المحكمة على منح المناطق البعيدة عن النهر والمحرومة من المياه نسبة من مياه النهر لأن ذلك يتصل بإجراءات التوزيع المنصف للمياه.
ومن المنازعات أيضا ما نظرته المحكمة العليا الوطنية الألمانية في النزاع الذي حصل بين ولايتي فير تمبرج وبروسيا ضد ولاية بادن بشأن انخفاض مياه الدانوب ، للمزيد من المعلومات انظر العادلي ، منصور. موارد المياه في الشرق الأوسط ، المرجع السابق، ص53.
(2) العضايلة ، المرجع السابق، ص186-190 .
(1) د.العتيلي، محادثة شخصية ، 22 ديسمبر ، 2005.
(1) العضايلة ، المرجع السابق ، ص23.
(2) اليوم العلمي للمياه والبيئة تحت رعاية جامعة القدس ،8 نيسان، 2007.
(1) العادلي ، المرجع السابق ، ص134 .
(1) زناتي ، المرجع السابق ، ص 80.
(2) زناتي، المرجع السابق ، ص83.
(1) ملحق دراسة للبنك الدولي ، ص67-70.وص  272 .
(1) (قواعد هلسنكي،1966 المادة 3)
(2) عامر ، المرجع السابق ، ص489 .
(3) العادلي ، قانون المياه ، المرجع السابق ، ص27.
(1) العادلي ، موارد المياه في الشرق الأوسط ، المرجع ،السابق ، ص280 .
(2) البنك الدولي ، المرجع السابق ، ص16-21 .
(1) زناتي، المرجع السابق ، ص83 -90 .
(1) (اتفاقية بلاجيو،1973)  http://mgd.nacse.org/qmt/water treaty/textdocs/international/99.htm.
انظر زناتي ، المرجع السابق ، ص147 .
(2) دراسة فنية رقم 414 صادرة عن البنك الدولي .(1999): المجاري المائية الدولية . تحرير سلمان محمد سلمان ولورنس بواسون دي شازورن، الطبعة الأولى، البنك الدولي، واشنطن ، ص32. وزناتي ص92 .
(1) العادلي ، المرجع السابق ، ص58. عبد الباري ، رضا عبد الحليم. (2003):  النظام القانوني للمياه الجوفية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، ص42 .
(1) زناتي ، المرجع السابق ، ص85-98.  
(1) زناتي ، المرجع السابق ، ص100-103 . العادلي ، المرجع السابق ، ص137.
(1) (اتفاقية الهند وباكستان،1959،1960). http://mgd.nacse.org/qmt/water treaty/textdocs/international/20.htm
العادلي ، المرجع السابق ، ص326 .
(1) العادلي ، المرجع السابق ، ص278.
(2) البنك الدولي،1999 دراسة فنية رقم 414 ،المرجع السابق ،ص16 وص34.
(3) العادلي، منصور.(1999): سلسلة المياه (1)، قانون المياه. اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1997بشأن قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية ، دار النهضة العربية المرجع السابق ، ص57.
(1)  دراسة البنك الدولي، المرجع السابق، ص269.
(2) عبد الباري، 2003، المرجع السابق ، ص111.
(1) البنك الدولي، 1999 ،ص18 _20. العادلي ، المرجع السابق ، ص129 .
(1) يأخذ بعض الفقه بنظرية التعسف في استعمال الحق في القانون الدولي المعاصر كأساس لمسئولية الدول التي تسبب ضررا للغير .
انظر العادلي ، المرجع السابق ، ص134.
(1) العادلي ، موارد المياه في الشرق الأوسط،  المرجع السابق ، ص302-ص306 .
(2) دراسة صادرة عن البنك الدولي ، لمرجع السابق ، ص20 وص108.
(1) المفتي ، أحمد، 2001 ، المرجع السايق. المواد، 5،6،7 من اتفاقية الأمم المتحدة لاستخدام المجاري المائية للأغراض غير الملاحية ،لتدقيق انظر العادلي ، قانون المياه .
(1) (المادة1/2/3،المادة33/1 المادة2/4/5/6 من ميثاق الأمم المتحدة والفقرة الخامسة والرابعة من الديباجة)
(2) الجندي ، المرجع السابق ، ص117. والعادلي ، المرجع السابق ، ص155.
(1) Albert,E .utton and Laudwik ,A.Teclaff. (1987): Transboundary Resources Law .P10
(2) العادلي ، موارد المياه في الشرق الأوسط، المرجع السابق ، ص155.
(3) المياه للمستقبل ، المرجع السابق ، ص230 .
(1) دراسة للجنة الموارد المائية المستدامة  المياه للمستقبل ، المرجع السابق ، ص225 .
(2) الجندي، المرجع السابق ، ص118 -122. العادلي، موارد المياه في الشرق الأوسط،  المرجع السابق ، ص142.
ينص إعلان استكهولم على ما يأتي "للدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة ولمبادئ القانون الدولي ،الحق السيادي  في استغلال مواردها الخاصة طبقا لسياساتها البيئية وتتحمل المسئولية عن ضمان ألا تسبب الأنشطة المضطلع بها داخل نطاق إقليمها أو تحت سيطرتها ضررا لبيئة الدول الأخرى أو لبيئة المناطق الواقعة خارج الولاية الوطنية"وأنه على كل دولة أن تمد يد التعاون على أساس نظام الإعلام والتشاور المسبق لتحقيق الاستخدام الأمثل لهذه الموارد دون إلحاق الضرر بالمصالح المشروعة للغير .
(1) تقرير  البنك الدولي،1999 ، المرجع السابق ، ص271.
(2) العادلي ، اتفاقية الأمم المتحدة لاستخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية .
(1) المياه للمستقبل ، المرجع السابق ، ص227 .
(2) العضايلة ، المرجع السابق ، ص230-231 .