الرئيسة \  مشاركات  \  المجلس الإسلامي السوري والفتاوى الغائبة

المجلس الإسلامي السوري والفتاوى الغائبة

29.10.2016
د. أسامة الملوحي


قبل مؤتمر الرياض نهاية عام 2015 بأسابيع عدّة وجه المجلس الإسلامي السوري دعوة فريدة مفاجئة إلى فصائل الجيش السوري الحر لاجتماع طارئ عاجل في اسطنبول، وكانت طروحات وضغوطات الدول اللاعبة بالقضية السورية تركز وقتها بقوة على عزل بعض الفصائل السورية المدرجة غربياً في قائمة الإرهاب, وظن بعض المدعوين أن المجلس الإسلامي الذي كان حاضراً بكل أعضائه التنفيذيين في الاجتماع سيدعو إلى توحيد وترصين جبهة المقاتلين في الداخل وإلى تفويت الفرصة على العابثين الدوليين الذين يريدون تفريق أو عزل وتصديع الصف المقاتل المقاوم على الأرض...
 
ولكن المفاجأة كانت حين أشار أعضاء المجلس الإسلامي بوضوح شديد إلى ضرورة التجاوب مع ما أسموه بالإرادة الدولية والموقف العالمي الراهن وكانت الدعوة المباشرة أوضح إلى فصائل الجيش الحر في وجوب الابتعاد والنأي عن الفصائل المصنفة الموصوفة بالإرهابية حتى لا تلحق الصفة بفصائل الحر، ولمّا قدَّم أحد الحاضرين وعرض ورقة عمل مكتوبة فيها أن يكون هناك وفد من المجلس الاسلامي يدخل إلى المناطق المحررة فيلتقي الفصائل فيحاورها بحُجَّة وعلمٍ واختصار ويحاول أن يأخذ منها ما يُخذِّل عنها ويشتت التركيز عليها ثم يؤلف بين الفصائل كلها بميثاق مختصر جامع ولا يستثني إلا الذين أظهروا العداء وأفتوا بردة وقتال الجميع....
 
لم يتحمس أعضاء المجلس الإسلامي لهذا الطرح أبداً ولم يطرحوه للدراسة بل عادوا فتفرغوا لأمرهم الذي له جمعوا فصائل الحر وأكملوا النصيحة وما رأوه مجتمعين أنه مطلوب و واجب.
 
ولمّا خرج بعض الحاضرين من قادة الفصائل من الاجتماع قال لبعض من كانوا معه: "إنها توصية أعتبرها فتوىً ظاهرةً جامعة، فهي صادرة من كل الهيئة التنفيذية للمجلس الإسلامي السوري الذي يمثل الجهة الشرعية الرسمية الوحيدة في جهة الثورة والمعارضة".
لقد كانت للبعض فعلاً فتوى جامعة أخذ بها وحاول أن يقنع كل القادة الميدانيين ليمتثلوا ويستجيبوا لأولي العلم المختصين.
 
لقد طلبت دول صديقة من المجلس الإسلامي في تلك المناسبة عبر أفراد ووسطاء ومديرو واجهات ليكون من المجلس جهد عاجل مع فصائل الحر ليعزلوه عن الفصائل "الإرهابية" فتحرَّك المجلس بسرعة قياسية واجتمع وأجمع ثم جمع فصائل الحر فأبلغهم وأفتى لهم....
 
ومنذ تأسيس المجلس الإسلامي السوري وفي هذه الأسابيع الأخيرة خاصّة وبشكل مكثّف وجّه ويوجه كثيرون للمجلس الاسلامي السوري كل يوم دعوات والتماسات وطلبات ليعلن فتاوى الطوارئ والنفير وفرضية الجهاد العينية....دعوات فردية وجمعية ...بيانات من حركات وتجمعات وشخصيات، واتصالات وتعليقات ولقاءات بعد وساطات ومواعيد كلها تنادي :"أفتوا للذين غفلوا فقعدوا وأفتوا على الذين مازالوا مع الطغاة يحاربون وأفتوا على الذين ينصاعون للإرادات الخارجية العابثة ...أفتوا فمازال كثيرون لاينصاعون إلا إلى الفتوى و لايردون إلا على من اشتهر أنه عالم وذو رأي شرعي سديد" ولكن المجلس الاسلامي السوري لم يستجب وأعضاؤه فرادى لم يخرجوا عن سربه لينفردوا بالفتاوى ,فلا إجماعٌ حدث ولا تَفرُّدٌ طرأ لتكون هناك فتاوى واضحة صارخة بفرضية النفير وعينية الجهاد وأمور أخرى محددة هامّة مؤثرة.
 
ولكن لماذا هذه الفتاوى ولماذا يطلبها القريبون المتابعون العاملون وما أصداءها وآثارها؟
عندما يسمع المتسكعون السوريون وهم بالملايين فتوى جامعة من ثلّة مشهورة من العلماء أن الجهاد فرض عين على كل مسلم سوري ومسلمة لِما آل إليه الأمر من خطر على العرض والأرض والحرمات قد يخرج منهم آلاف يعودون لبلدهم لينقذوه....
 
وقد يُقال أن الذي لم يبال بكل تلك الدماء والأشلاء كل تلك السنين فلن تُلفتَه فتوى ولو كانت جامعةً وبإجماع, ولكن يبقى في الأمر احتمال وارد أن يشعر المتسكع في ساعة يجافيه فيها النوم بتأنيب الضمير أو يأتيه من داخله هاتف يقول له :لعل الذي قاله المشايخ العلماء صحيح وأن عذاب الله للقاعدين شديد.
 
 أو يرى المتسكع في صدفة عابرة على شاشة طفلاً سورياً ممزقاً فيقول لعل الذي صدر عن المفتين المشهورين صحيح فيمسني العذاب والعقاب في الدنيا والآخرة إن تركت الأرض والعرض للطغاة والمحتلين.
 
ولعل سورياً بعيداً منسلخاً يستيقظ تحت وطأة لوعة شوق طارئة فينظر إلى وطنه فيرى أشلاء الأطفال السوريين ويستمع لأهم ما قيل في المواجهة فيسمع قولاً من جمهرة معروفة عريقة من العلماء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.
 
وعندما يسمع الذين مازالوا في صفوف جيش النظام يُقاتلون أنهم مرتدون بفتوى ظاهرة صارخة وأنهم إن قَتلوا أو قُتلوا فإن مصيرهم إلى النار فسيكثر تباطؤهم وترددهم وهروبهم وقد ينشق عدد منهم قليل أو كثير.
 
وفتاوى أخرى للراكنين الذين هم في كنف النظام وتحت سيطرته أن يقوموا فيفعلوا ما يستطيعون سراً ليستنزفوا العدو ويرهقوه كأي مقاومة شعبية سرية وأن غير ذلك لا يُقبل منهم ولا يستقيم.
 
ولابد أن تصل الفتاوى للمعنيين المشمولين بها...أن تصلهم صارخة مدوية بإعلان قوي وإعلام واسع وبتكرار كثيف لا يتوقف، وأن يُكلف كل سوري أن يوصلها ويكررها على نفسه والآخرين.
 
وقد تصل الفتاوى بالإجماع...إجماع علماء المجلس الإسلامي...قد تصل إلى فرضية ووجوب خروج السوريين أجمعين عن جزء مقسوم معلوم من مالهم، فجزء من عدونا يدفع أفراده خمس مالهم ليصب عدوانا وظلماً في الحرب علينا أو في حطب النار التي تُصب علينا.
 
وهناك غير الفتاوى أمورٌ أخرى عظيمةٌ يستطيع فعلها المجلس الإسلامي السوري ولكنه لا يفعل ومنها أمر محدد عظيم أُبلغ به بعض أعضائه لو فعلوه لحولوا مسيرة الثورة السورية باتجاه طريق مستقيم قصير نهايته قريبة حتمية بالنصر الأكيد للشعب السوري المُستضعف المنتفض  والوطن  المحتل الجريح .
 
و لكل سوري اليوم دور في هذه اللحظات الحرجة تجاه المجلس الإسلامي السوري أن يَطلب فتاوى النفير العام وأن يكرر الطلب ثم أن يشتدَّ في الطلب صعوداً حتى المفاصلة التامًة فيستجيب أو يستقيل:" المجلس الاسلامي السوري".