الرئيسة \  تقارير  \  المنظمات السورية تنفذ مهام بحجم دول والملف الإنساني خضع للتسييس والانحياز

المنظمات السورية تنفذ مهام بحجم دول والملف الإنساني خضع للتسييس والانحياز

20.02.2023
حسام محمد

المنظمات السورية تنفذ مهام بحجم دول والملف الإنساني خضع للتسييس والانحياز
حسام محمد
القدس العربي
الاحد 19/2/2023
هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها الشعب السوري لزلزال مصدره الطبيعة، إلا أنهم كانوا قد تعرضوا طيلة العقد الماضي لزلازل بشرية توصف بالمرعبة، من الكيميائي الذي ضرب غوطتي دمشق الشرقية والغربية، ومات المئات في لحظات، وزلزال ملف صور قيصر المسرب، الذي أظهر وحشية مرعبة من قبل أجهزة استخبارات النظام السوري ضد المعتقلين، وزلازل أخرى على يد الجيش الروسي والميليشيات العابرة للحدود وتلك الحاملة للظلام وغيرهم، إلا أن المجتمع الدولي بأممه المتحدة ومجلس أمنه لم يتحرك لإيقاف الزلازل البشرية المستمرة بحق السوريين، فجاءت الطبيعة بزلزالها ليضرب السوريين الذين لم تنقذهم الأمم المتحدة من العسكر والمخططات الدموية للاحتفاظ بعرش السلطة مهما كانت التكلفة البشرية.
في السادس من شباط /فبراير الحالي، ضرب زلزال العديد من المحافظات جنوبي تركيا وشمالي سوريا، فأوقع عشرات الآلاف من الضحايا، وأضعاف ذلك العدد من المصابين والمنكوبين والمشردين، بعد أن تدمرت مدن وبلدات، في نكبة قد تستمر دواعيها لأشهر طويلة مقبلة.
كان السوريون هم الأكثر تضررا من الزلزال بعد الخسائر التي ألمت بالشعب التركي، ووفق تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن 6319 سورياً توفوا بسبب الزلزال، يتوزعون حسب مناطق السيطرة إلى 2157 في المناطق خارج سيطرة النظام في شمال غرب سوريا، و321 توفوا في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام و3841 لاجئاً سورياً توفوا داخل الأراضي التركية.
ففي الوقت الذي صدم الشعب السوري بتأخر وصول المساعدات الأممية والدولية لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض في شمال غرب البلاد، كانت المنظمات السورية المحلية تعمل بطاقات أعلى من قدراتها لمواكبة الكارثة التي خلفها الزلزال، وتكثيف عمليات الإنقاذ والإسعاف.
مدير الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” رائد الصالح قال لـ “القدس العربي”: “خلال عمليات إنقاذ العالقين تحت الأنقاض، كنا بسباق حقيقي مع الزمن، وكان الأهم لدينا هو إنقاذ الأرواح، على الأرض كنا نقوم بعمليات الإنقاذ والإسعاف ورفع الأنقاض وتقديم الإسعافات الأولية والمساعدة بالجلاء والمشاركة بتأهيل مخيمات الإيواء وتقديم الرعاية الطبية للمهجرين.
كنا نتمنى لو كانت لدينا قدرة وإمكانات أكبر لنقدمها، ونعتذر من كل من لم نستطع الوصول إلى أهله وذويه على قيد الحياة في كل أنحاء سوريا”.
وحول أهم المعوقات التي واجهت فرق الإنقاذ خلال البحث عن العالقين تحت الأنقاض، قال الصالح: يمكن تحديد نوعين من المعوقات التي أثرت نسبياً بعمليات الإنقاذ وهي:
أـ معوقات طبيعية، منها التوزيع الجغرافي الواسع للزلزال وما نتج عنه من أضرار في جميع أنحاء شمال غربي سوريا والقدرة على العمل مقارنة مع الإمكانات وقدرة المؤسسة، كما أن انخفاض درجات الحرارة والأمطار الغزيرة في أول يومين صعب عمليات الإنقاذ وأدت الأمطار لانهيارات في الركام، كما هددت الهزات الارتدادية الكثيرة عمل الفرق.
ب ـ معوقات تقنية إذ أثر غياب المعدات الثقيلة القادرة على التعامل مع كوارث مثل الزلزال من قدرة الفرق على الاستجابة بالوقت المناسب، إضافة لغياب المعدات المتطورة القادرة على كشف العالقين تحت الأنقاض وأيضا الكلاب البوليسية المدربة، كما لحقت أضرار مادية بمبانٍ ومخازن ومعدات الخوذ البيضاء.
الأمم المتحدة أدارت ظهرها للسوريين
علق مدير الدفاع المدني السوري رائد الصالح على تأخر المساعدات الأممية عن العالقين تحت الأنقاض في شمال غربي سوريا بالقول: “نعم.. الأمم المتحدة أدارت ظهرها للسوريين وخذلت العالقين تحت الأنقاض وتخلت عنهم، ولم تسمع نداءات استغاثة، وهذا شي غير مقبول بعرف العمل الإنساني، وهو انحياز وتسييس واضح على حساب أرواح السوريين.
كنا في واجهة الاستجابة للزلزال على الرغم من فداحة الكارثة وتواضع الإمكانيات المتاحة من جهة، وتخاذل الأمم المتحدة من جهةٍ أخرى، رغم أن الدفاع المدني السوري أعلن عن أن منطقة شمال غرب سوريا هي منطقة منكوبة منذ صباح يوم الزلزال”.
وأضاف: “المساعدات المنقذة للحياة لم تصل بالسرعة والنطاق الضروريين، رغم أن الكارثة واحدة من أكبر الكوارث في الذاكرة الحديثة وعشرات آلاف العائلات التي نجت من الزلزال يكافحون للبقاء على قيد الحياة، وهم مشردون يعيشون في درجات حرارة تحت الصفر.
والأمم المتحدة أقرت بتقصير واعترفت بالأخطاء وأخبرني بذلك مارتن غريفيث خلال لقائي به قرب الحدود التركية السورية، ولكن حتى الآن لم تحدث أي استجابة حقيقية ولم يتم تقديم أي مساعدات لفرق البحث والإنقاذ في الدفاع المدني السوري، وحتى الاستجابة للمدنيين، والأمين العام للأمم المتحدة لديه سلطة تفعيل آليات الكوارث وآليات استجابة أكثر مرونة، لكنه لم يتخذ أي إجراء، رغم تصريح السلطات التركية أن جميع المعابر مفتوحة، وأن الوصول ليس مشكلة.
ولديه إمكانية فتح أي معبر بدون العودة لمجلس الأمن، لكن كل ذلك لم يحصل في الأسبوع الأول وهو الأسبوع الفعلي للاستجابة، باعتقادي أن المجتمع الدولي يجب أن يسمع صوت الضحايا الذين لم يسمع صوتهم أحد عندما كانوا أحياء ويحقق لهم العدالة”.
ويمكن للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ووكيل الإغاثة الطارئة مارتن غريفيث توجيه كافة الآليات والوكالات الأممية للعمل بتفويض مباشر من الأمانة العامة للأمم المتحدة، وتجاوز كافة الصعوبات اللوجستية واستخدام كافة المعابر الممكنة عبر الحدود للوصول إلى شمال غربي سوريا، ويمكنه توجيه المجموعة الدولية الاستشارية لفرق البحث والإنقاذ للتدخل فورا عبر الحدود في شمال غربي سوريا، وتوجيه فرق دولية للدخول مع معداتها لمساندة فرق الدفاع المدني السوري في جهود البحث.
ما هي الخطوة التالية؟
الأولويات وفق مدير الدفاع المدني الصالح في درجتها الأولى هي الاستمرار في عمليات البحث لتضميد جراح الناس، “ربما نستطيع تخفيف مصاب الناس لو حصلوا على جثامين ضحاياهم، ونرى في ذلك واجباً كبيراً علينا.
ولقد سخرنا كل إمكانات وقدرات المؤسسة والموضوع لا يقاس أبداً بالكلفة المادية عندما يكون مقابلها أرواح، والعمليات مستمرة حتى الآن ولم تتوقف بعد.
والأولويات حالياً أيضاً هي رفع الأنقاض وفتح الطرق في كامل المناطق المتضرّرة، وهذه هي المرحلة التالية، وذلك يحتاج إلى جهدٍ ووقتٍ كبيرين، بسبب العدد الهائل من الأبنية المتضرّرة مقارنةً بمساحة منطقة شمال غربي سوريا.
وبعد رفع الأنقاض بالكامل سنبدأ بإعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة، نعلم تماماً أن شمال غربي سوريا منطقة هشة اقتصادياً وفي بنيتها التحتية وأن آثار الزلزال ستكون طويلة الأمد ولن يكون التعافي منها أمرا سهلا أبداً ويحتاج لدعم ومساعدة دولية، لن ندعي أبداً أننا سنتمكن من محو آثار هذا الزلزال المدمر لكن على الأقل نحن نؤمن أننا قادرين على البدء بخطوات التعافي المبكر.
وقال: “إعادة الإعمار لم تبدأ ولن تبدأ قريباً، مسألة إعادة الإعمار المتعلقة بالزلازل ليست مسألة منفصلة عن السياق السوري بالكامل، أما التعافي المبكر ففعليا سيبدأ مع إزالة الأنقاض، ولا يمكننا التوقع حاليا ًوحقيقة حجم العمل كبير والأهم أننا لن نتوقف حتى نتمكن من مساعدة المنكوبين”.
ونوه الصالح إلى أن عمليات الإنقاذ ومساعدة الجرحى والمنكوبين كانت تحتاج إلى جهود عظيمة، وأردف: “وجدنا حالة من التلاحم الشعبي، ولنسمّها ملحمةً أو حالةً من التكافل الكبير بين الدفاع المدني وبين المدنيين الذين ساعدونا بشكلٍ هائل، فأعطونا آلياتهم، وتشكّلت فرق تطوّعية من المدنيين، وقمنا بتوزيعهم على فرقنا، فكنا نُلحق مدنيين أو ثلاثة مع كل فريق من فرقنا. وهذا ما ساعدنا، فكنا نستطيع نحن قيادة العمليات على الأرض، مع مساعدة الناس لنا”.
وكان لذلك أثر كبير على صعيد تسريع عمليات البحث والإنقاذ بشكل هائل. ولهذا السبب استغرقت عمليات إنقاذ الأحياء أول ثلاثة أيام فقط، ونعتقد أن السبب الأكبر في ذلك هو دور المدنيين الذين نفتخر بدعمهم ومساعدتهم لنا.
إعادة الإعمار
استبعدت مديرة الوحدة المجتمعية في مركز الحوار السوري كندة حواصلي خلال حديث خاص مع “القدس العربي” البدء بعملية إعادة إعمار الشمال السوري في المنظور القريب، وهذه الخطوة تخضع لعملية سياسية شاملة، ومرهونة بإعادة إعمار شاملة للبلاد، وتأتي كخطوة تالية للعملية السياسية.
“نستطيع تقسيم العمليات الإنسانية في حالات الزلزال والكوارث إلى 3 أقسام، وهي عملية الاستجابة الطارئة، وهي مرحلة آنية وهدفها إنقاذ الأرواح وإسعاف الجرحى وتأمين المشردين، ومن ثم تأتي مرحلة تأمين المساكن المؤقتة، وهي متوسطة المدى، وهنا ليس لزاما أن تكون المساكن عبارة عن أبنية اسمنتية، وربما مخيمات أو أي شكل من أشكال الإيواء.
بعد الانتهاء من هذه الخطوة، تأتي مرحلة التعافي المبكر، وهي تشمل التعافي الاقتصادي وإعادة ترميم البنية التحتية، ففي الدول المستقرة سياسيا وليس لديها حالة نزاع مثل الحالة السورية، يمكن البدء بإعادة الإعمار بعد إزالة الأنقاض كما هو سير العمليات الجارية اليوم في تركيا.
على المستوى السوري، لدينا 3 فئات من السوريين المتضررين جراء الزلزال:
– الفئة الأولى: الذين يعيشون في تركيا، وهذه الفئة هشة.
– الفئة الثانية: الذين يعيشون في شمال غربي سوريا، وهي الأكثر هشاشة، وهنا نتحدث عن 5 إلى 6 مليون شخص، ثلثهم يعيشون في المخيمات قبل الزلزال، والبنى التحتية منتهية، ومنظمات المجتمع المدني مستنفذة بعمليات الإغاثة المتضررة.
– الفئة الثالثة: السوريون الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام ممن تضرروا بالزلزال في عدة محافظات في حلب واللاذقية، وتختلف أوضاع كل جهة باختلاف الجهة المسيطرة عليها، وحاليا نشهد كيفية نقل المساعدات الدولية أو الحكومية وتوجيهها إلى تركيا كدولة، وإلى سوريا عبر نافذة النظام كجهة معترف بها.
سواء كان الحديث عن خطة الاستجابة والمدة الزمنية أو التكلفة المادية، فما زال من المبكر الحديث عنه، ففي مطلع آذار/مارس المقبل، نحن على أبواب مؤتمر لجمع التبرعات لضحايا الزلزال، وحتى الآن من غير الواضح من هي الجهات التي ستشارك فيه، رغم مشاركة تركيا وممثلين عن النظام السوري، ولكن مشاركة منظمات المجتمع المدني العاملة في مناطق سيطرة المعارضة السورية في المؤتمر المرتقب غير معروفة حتى اللحظة.
وفي هذا الإطار حواصلي: غالبية التبرعات تأتي أقل من الاحتياجات، وبالتالي نحن أمام حالة كبيرة من تضرر البنى التحتية والطرقات وشبكات الصرف الصحي والأبنية.
من المهم الإشارة أيضا، إلى أن الجهات القائمة على إعادة البناء، هي إما منظمات أو شركات مقاولة محلية، وبعد الزلزال الكارثي ستكون هناك حالة من التدقيق الكبير على تشييد الأبنية السكنية، وستُفرض خطوط حمراء، بعد تهدم أعداد كبيرة من الأبنية المبنية بشكل حديث، وأن هذه الأبنية لم تراع شروط السلامة، خاصة أن الأمم المتحدة والمنظمات الأجنبية لم تدعم أبدا أي مشروع سكني له علاقة بالإيواء باستخدام النمط الإسمنتي للبناء، سواء كانت تلك المشاريع أبنية سكنية أو إنشاء قرى أو غيرهما، لاعتبارات متعددة، وهو ما سيجعل عمليات الإيواء أو إعادة البناء تتم تحت ضوابط شديدة، وأن المنظمات أو الأفراد ستتردد في دعم مثل هذه المشاريع بعد الفاجعة الأخيرة التي تسبب بها الزلزال.
واستبعدت تقديم الجهات الدولية دعما لإعادة إعمار المنازل المدمرة في شمال غربي سوريا، في حين قد تقوم بعض المنظمات النشطة في المنطقة بإعادة ترميم المنازل المتصدعة، بعد قيام فرق بالكشف الهندسي عن المنازل والتأكد من سلامتها، وأن إعادة الإعمار لن نشهدها في المرحلة القريبة، وفي حال حصوله قد تقوم به شركات خاصة تفتقد الرقابة الهندسية والإشراف ما قد يؤدي إلى تكرار المأساة مرة أخرى.
السوريون في الشمال هم الحلقة الأضعف، ويليهم السوريون في تركيا لغياب أي جهة حقيقية تمثلهم وتحظى بدعم ووزن سياسي لدى المجتمع الدولي يخولها التحرك لدعمهم، والجهات والمنظمات التي كانت تشرف على السوريين في تركيا باتت محملة بأعباء الزلزال الذي ضرب تركيا.
أوجاع السوريين
مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني قال لـ “القدس العربي”: شمال غرب سوريا كان الأكثر تأثراً بالزلزال، وأرجع السبب إلى أن المنطقة تعاني من اكتظاظ سكاني كبير بسبب أعداد المشردين قسرياً الذين هجروا من مناطق أخرى بسبب الانتهاكات التي مارسها النظام بحقهم طيلة السنوات السابقة.
الأمم المتحدة ارتكبت أخطاء كارثية عقب الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري، وخاصة تأخرها في إيصال المساعدات الأممية إلى شمال غرب سوريا، وتركها للمنظمات المدنية المحلية تواجه بمفردها أهوال الزلزال ومخلفاته.
الأخطاء الأممية الكارثية وفق المتحدث، تسببت في زيادة أعداد الضحايا الذين ماتوا تحت الأنقاض، كما أن استجابة الأمم المتحدة لم تكن بشكل يتناسب مع هول الزلزال في شمال غرب سوريا، وتم تأخير تفعيل بعض آليات الأمم المتحدة لمواجهة الكوارث، فيما لم تفعل الأمم المتحدة آليات أخرى مثل إطلاق نداءات لحشد الجهود والفرق من كافة دول العالم، وهو ما أدى بداية إلى الاعتذار الأممي عن تلك الأخطاء والتوجه للمطالبة بإجراء تحقيق حول أسباب ودوافع فشل الأمم المتحدة في إنقاذ الضحايا من تحت الركام والأنقاض.
الأمم المتحدة ساقت من جانبها تبريرات عدة لهذا التأخر والذي لاقى انتقادات كبيرة في المجتمع السوري، ففي 7 شباط/فبراير خرجت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ماديفي سون بتصريح قالت فيه إن تدفق مساعدات المنظمة المهمة من تركيا إلى شمال غربي سوريا توقف مؤقتاً بسبب الأضرار التي لحقت بالطرق ومشكلات لوجستية أخرى مرتبطة بالزلزال العنيف الذي ضرب البلدين، وأضافت بأن “بعض الطرق معطلة والبعض الآخر لا يمكن الوصول إليه، وهناك مشكلات لوجستية تحتاج إلى حل”.
وفي 8 شباط/فبراير صرح ينس لاركي المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأن “العملية عبر الحدود نفسها تأثرت” لكن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قال في نفس اليوم بأن معبر باب الهوى لم يتضرر وأنهُ مؤهلٌ للاستخدام لإعادة شحن المساعدات الإنسانية.
وقال عبد الغني، يتوجب على الأمم المتحدة بعد فشلها أو تقاعسها خلال عملية إنقاذ الضحايا السوريين من تحت الأنقاض، الدفع باتجاه تأمين المساعدات والمأوى للمتضررين في الشمال الغربي من البلاد والمقدر عددهم ما بين 65 إلى 75 ألف مشرد نتيجة الزلزال.
كما هناك أولويات أخرى تضاف لقائمة تأمين المساعدات الغذائية والمأوى والمستلزمات الطبية، ومنها العلاج النفسي من الصدمات الهائلة التي تعرض لها كل من أصيب أو تكبد خسائر في الأرواح وهي خطوات ضرورية لتعافي المجتمع من كارثة الزلزال. ورأى فضل عبد الغني أن المنظمات المحلية النشطة في الشمال الغربي بذلت من دون استثناء جهدا أسطوريا يفوق قدراتها لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض وانتشال الجثث وإسعاف المصابين وتقديم الرعاية للمتضررين. وهذه المنظمات تستحق كل التقدير والدعم، خاصة من المؤسسات التي أثبتت مصداقيتها وشفافيتها في الميدان السوري، والتي قامت بمهام دول في مساعدة المنكوبين.
مشيرا إلى حساسية العمل في المجال الإغاثي، فهو يخدم المجتمع المتضرر من النظام السوري، وهنا لا بد من التأكيد على اتسام العمل الإغاثي بصفة “الحيادية” تجاه الضحايا وليس حيادية تجاه مرتكبي الانتهاكات، لذا على المنظمات الإغاثية عدم التشعب والعمل خارج العمل الإغاثي، وكل الكوادر تعمل في ذات الإطار.
الخوذ البيضاء
من جانبه، قال الباحث والأكاديمي عرابي عرابي لـ “القدس العربي” عمومًا فإن هذه المنظمات السورية المحلية-على اختلاف توجهاتها ومموليها- سعت منذ اليوم الأول للكارثة إلى تنفيذ برامج إغاثة عاملة، لكنها كذلك تضررت في كثير من الجوانب، سواء من حيث إصابة المستودعات أو فقدان الأرواح أو انقطاع خطوط الإمداد اللوجستية وإدارة البرامج والعمليات والتنسيق مع فروعها وداعميها جنوب تركيا التي تلقت أقوى آثار الزلزال المدمر.
هذا الحال أدى إلى تعطل كبير في آليات العمل الإنسانية المعتمدة، وقد فقدت المنظمات الإنسانية عددًا كبيرًا من طواقمها، في حين أن العدد المتبقي وقع في ظروف طارئة والبحث عن ملجأ له ولعائلته وربما بقوا داخل سياراتهم، ورغم ذلك ظهرت استجابة طارئة من حيث محاولة إغاثة المنكوبين وتقديم الوجبات الغذائية ومحاولة التواصل مع المنظمات العالمية لفتح الحدود وتقديم المساعدات، إلى جانب تنظيم فرق تطوعية للمساهمة في استخراج الأحياء من تحت الأنقاض.
أما الخوذ البيضاء فيمكن القول إنهم من أكثر الفرق عملية وحرفية في التكاتف والعمل في استخراج الناس من تحت الأنقاض، فكانوا هم والمتطوعون سببًا من أسباب الحياة لكثير من الناس الذين وقعوا تحت ركام الأبنية.
بفريق يبلغ تعداده ثلاثة آلاف شخص تعمل الخوذ البيضاء، نصف الفريق تقريبا متخصص بأعمال الإنقاذ، وهو رقم صغير مقابل أربعة ملايين ونصف مليون إنسان يقطنون شمال غربي سوريا، ليست مشكلة النقص في عدد المنقذين هي الوحيدة، إنما أيضا تعاني الخوذ البيضاء من نقص فادح في معدات الإنقاذ ورفع الأنقاض، فحتى اليوم الخامس من وقوع الزلزال لم تدخل أي مساعدات خاصة بإزالة الأنقاض وأعمال الإنقاذ إلى شمال سوريا، يفترض أن تضم آليات حفر ورافعات ومواد أخرى لمساعدة العالقين تحت الأنقاض على البقاء أحياء لأطول مدة ممكنة ريثما يتم الوصول اليهم وانتشالهم بسلام.
ففي الإحصائيات الأخيرة يتبين أن هناك أكثر من 1770 بناء مدمرا في الشمال السوري، إلى جانب ضعف هذا الرقم من الأبنية المتضررة، وهذا يجعل السوريين في الشمال أمام تحدٍّ كبير، مثل النزوح، وتعطل المصالح، وكثرة الإصابات والارتفاع الهائل في عدد الشهداء ما يفرض واقعًا جديدًا إلى جانب الواقع الكارثي الأصلي.
ولا تجرؤ الكثير من العائلات حتى الآن على العودة إلى المنازل المنهارة بشكل جزئي أو المتصدعة، ومن المرجح أن إعادة إعمارها سيحتاج لجهود وأموال كثيرة، ومن ناحية أخرى فيجب حصر الأضرار وإحصاء المتضررين ورسم برامج وسيناريوهات فورية لمساعدة المصابين والمنكوبين.
ورأى عرابي عرابي أن إشكالية تسييس الملف الإنساني وبقائه عرضة للمساومات السياسية التي يعدّ النظام السوري طرفًا فاعلًا فيها، يعتبر تهديدًا للوضع الإنساني الكارثي في مناطق شمالي غرب سوريا، وهو ما سيترتّب عنه تداعيات سلبية خطيرة، متمثلة في إبقاء المنطقة رهينة لمزاجية النظام وعنجهيته، ما يعني زيادة معاناة المهجّرين والنازحين القاطنين في تلك المناطق.
لم تمضِ ساعات قليلة على الزلزال المدمّر الذي خلّف آلاف الضحايا والجرحى، حتى سارعت بعض الدول العربية إلى استغلال المحنة لمد جسور التواصل مع النظام السوري، متناسية آلاف المكلومين والعالقين تحت الركام والدمار في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام شمال غربي سوريا، والمكتظة بالنازحين والمهجّرين، والتي تعاني أصلًا من أزمة اقتصادية وإنسانية كارثية، وسط ظروف مناخية قاسية وانعدام للاحتياجات الأساسية، فضلًا عن الطبية والإغاثية.
حيث وصل عدد طائرات المساعدات المقدمة للنظام 112 طائرة، وبدأت فرق الجيش وعناصرها تبيع الكثير من هذه المساعدات في الطرقات والتجمعات المدنية.
في حين أن الأمم المتحدة لم تضغط على المانحين لتقديم المساعدات العاجلة، بل سعت لمغازلة نظام الأسد في سبيل أخذ موافقته لإمداد مناطق الشمال من خلال المعابر مع تركيا رغم أنها ليست تحت سيطرته. هذا كله يؤكد لنا سيطرة أجنحة موالية لرؤى النظام على مسار أعمال الإغاثة ومحاولات التطبيع مع النظام والترويج لكونه طرفا شرعيًّا رغم جرائمه ليس إلا أحد الأوجه القبيحة للنظام الدولي. وكانت فاتورة الزلزال باهظة أيضا على السوريين في تركيا، وهو أدى إلى تأثر الملايين بشكل مباشر من خلال فقدان المنازل والانتقال لمدن أخرى، وهذا سيؤثر في حياتهم بصعوبة إيجاد المأوى واستغلال بعض الأطراف لبث خطاب الكراهية والتعامل العنصري معهم بحجة أن الأولوية للأتراك.
وأشار عرابي إلى مخاوف من عودة الخطاب العنصري الذي يحرّض عليه أطراف عديدة من المعارضة التركية، بالإضافة إلى صعوبة سير العمليات الروتينية الحياتية كالتعليم والطبابة والعمل، وهذا سيؤثر بشكل كبير في حياتهم اليومية نظرًا لغياب الآليات القانونية والتنفيذية التي تساعد على تجاوز هذه الآثار.
إرسال المساعدات عبر الأسد
على الرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها السوريون وحاجتهم للمساعدات الإنسانية بعد زلزال سوريا، إلا أن إرسال المساعدات إلى المتضررين عن طريق النظام يُعتبر خطيراً لأسباب كثيرة، ومنها وفق مدير مركز جسور للدراسات:
1. سرقة النظام لأموال المساعدات: لن يدفع النظام الأموال التي ستقدم له لشراء أي مساعدات، فموارده أساساً يضعها في خدمة المعركة التي يخوضها ضد السوريين، وبالتالي فهو غير موثوق لتقوم الدول بتفويضه عبر مؤسساته في العملية الإنسانية
2. سيطرة النظام على الأسواق الداخلية وسوق الصرافة: إن لجوء الدول لشراء المواد من داخل سوريا يعني تقديم الدعم للنظام الذي يسيطر على هذه الأسواق وحيتانها من التجار، فضلاً عن الدعم المباشر الذي سيحصل عليه من تحكمه بسعر صرف الأموال التي ستدخل بها الدول المتبرعة للسوق.
3. تبعية المنظمات المدنية للنظام: إذا أرادت الدول الابتعاد عن مؤسسات النظام والتعامل مع منظمات المجتمع المدني في سوريا فإنها ستواجه حقيقة أن النظام هو الذي صنع هذه المنظمات وجعلها تابعة له، وفي مقدمتها “الأمانة السورية للتنمية” التي تديرها أسماء الأسد.
4. حواجز من اللصوص تتحكم بمناطق النظام: لدى النظام وعناصره سجل حافل بسرقة كل ما يمكن سرقته، فقد سرقوا منازل المهجرين ونشأت أسواق لبيع ممتلكاتهم، وتعمل الحواجز على نهب جزء من أي حمولة تجارية أو إنسانية تمر عبرهم، إضافة إلى خبرتهم في سرقة المساعدات التي توزع في مناطقهم.
5. تدخل أفرع الأمن ومراقبة اللوائح: تؤخذ الموافقة على طلب المنظمات الإنسانية لإدخال المساعدات من حكومة النظام، وتقوم الأفرع الأمنية بمراجعة الأصناف، فتشطب ما يمكن أن يكون حيوياً لصالح هذه المناطق، كالمواد الجراحية، ومعدات الإنقاذ ما يفرغ العملية من محتواها.
6. سلوك النظام في ابتزاز المانحين وابتزاز المحتاجين: يفاوض النظام على عمليات إدخال المساعدات لتحقيق مكاسب، فإما أن يبتز المنظمات الإنسانية مستغلاً حرص ولهفة بعض موظفيها، أو يبتز السكان والجهات في المناطق التي ستدخل لها المساعدات للحصول على مقابل.
7. استغلال العمل الإنساني في خروقات أمنية: ينتقي النظام سائقي الشاحنات ومرافقي القافلة، ويضع فيهم عناصر أمنية وشخصيات محسوبة على الأفرع الأمنية، ويستخدم القوافل كأداة تجسس، تمهيداً للقيام بعمليات أمنية قد تودي بحياة المئات، محولاً المهمة الإنسانية إلى وسيلة موت.
8. لوجستياً: عندما يكون الهمّ الرئيس هو مساعدة السكان المحليين في سوريا، فالحلول اللوجستية السهلة هي التي يجب التفكير بها، ويُعَد إيصال المساعدات جواً بشكل مباشر إلى هذه المناطق، أو عبر الحدود السورية التركية، هو الحل الأسرع والأقل كلفة.
9. تبعات التقرب من نظام مدان دولياً: اعتماد الأمم المتحدة أو أي جهة لتمرير المساعدات لمتضرري الزلزال في سوريا عن طريقه يعني التعامل لخدمة السوريين مع الجهة ذاتها التي شردتهم سابقاً بالقصف والرصاص والاعتقال، وهذا مثبت دولياً، ولا يتوقع من المجرم أن يساعد الضحية.
10. عرقلة النظام للعمليات الإنسانية: تتطلب موافقة النظام السوري وقتاً طويلاً، وأفرعه الأمنية تجري عمليات تفتيش وتقييم بطيئة ومملة، وهي خطوات يقوم بها النظام عادة في سبيل عرقلة وصول المساعدات للناس، والحفاظ على حالة الترقب والاستنفار من قبل المتضررين وهو ما يريده ويُجيده.