الرئيسة \  مشاركات  \  المياه... والخطر القادم -1

المياه... والخطر القادم -1

31.01.2024
المهندس هشام نجار




المياه... والخطر القادم
بقلم المهندس هشام نجار*
موضوع من جزئين - الجزء الأول
أعزائي القراء..
منذ سنوات ليست بالبعيدة أصدرت حكومة نيويورك تحذيرآ إلى السكان طلبت منهم التقنين في إستخدام المياه, ووضعت لائحة من المحظورات تمنع السكان من ادائها ومنها: الإمتناع عن غسيل السيارات امام بيوت اصحابها, عدم إملاء المسابح الخاصة بالماء وإستبدال ذلك بإستخدام نظام المعالجة , ملاحقة اهالي الاولاد الذين يعبثون بالحنفيات الخاصة بالحريق والموجود بكثرة عند تقاطع شوارع المدينة وسط مراقبة صارمة حتى بطائرات الهليكوبتر, علماً ان مدينة نيويورك تتزود بالمياه من بحيرة كبيرة تقع شمالها محاطة بجبال وتتغذى من مياه جوفية وجداول مائية عديدة وتقع تحت حراسة مشددة ...
هنا يأتي السؤال الملح هذا ما حصل ويحصل احياناً على فترات زمنية مختلفة ومتقاربة في نيويورك وكما هو معلوم هي مدينة محصنة مائياً, إذن ماهو مستقبل المياه في بلادنا العربية ؟ سؤال كبير وعلامات إستفهام اكبر وخاصة إذا علمنا ان اكبر نهرين في البلاد العربية هما النيل والفرات ينبعان من خارج بلادنا العربية كما ان اللص الإسرائيلي يقبع في منتصفنا ويريد ان يشاركنا حتى في حقوقنا الواضحة كالشمس.
سأتطرق لهذا الموضوع بجزئين.
 الجزء الأول: سأعطي فكرة فنية مبسطة عن الخطوات الدراسية التي نقوم بها نحن المهندسون والفنيون لتأمين المياه النظيفة للسكان .اما في الجزء الثاني:فساتطرق الى الصراع السياسي والعسكري والذي سيتمحور حول هذه الثروة النادرة والتي إسمها الماء.
أعزائي القراء..
عندما نقوم بالدراسة الهندسية لتزويد مدينة جديدة بالمياه فإننا نعتمد على الأمور التالية :
اولاً : المعايير العالمية لإستهلاك الفرد اليومي من الماء, قد يختلف هذا المعيار من شعب إلى آخر ولكن هناك حداً يجب ان نلاحظه وان لاننزل إلى ادنى منه.
ثانيآ: إستلام المخططات الأولية المعمارية للمدينة مبيناً فيها توزيع البيوت السكنية والخدمات الحكومية من مدارس ومصانع ومستشفيات وحدائق عامة...الخ.
ثالثآ: التوزيع السكاني في كل جزء من أجزاء المدينة وهذا يعطي دليلاً على إستهلاك الذروة لكل منطقة على حده.
رابعاً : العدد الإجمالي لسكان المدينة وطبيعة عملهم ..موظفين.. زراعيين.. صناعيين..؟
خامساً : الموقع الجغرافي للمدينه وتأثيرات المناخ...الخ.
بعد إستلام المخططات والزيارات الميدانية لموقع المدينة وإجتماعات التنسيق بين مختلف الإختصاصات. اطلب تقريراً من مهندس المياه اقرأ فيه مايلي: التدفق الأعظم والأدنى في الثانية , يبين التدفق اليومي والشهري على مدار العام والتفاوت في التدفق من سنة إلى اخرى. وتقريراً آخر يبين تحليلاً بيولوجياً ومعدنياً لعينات من الماء المتوفر لهذه المدينه، وعلى كل فان اي مخالفة نجدها في التحليل عن المواصفات الفنية العالمية يمكن استدراكها ببساطة باضافات كيميائية معينة .
ولكن يبقى السؤال المزعج وهو: ماذا لو كانت كمية المياه لاتفي حاجة هذه المدينة؟
هنا يجب علي كمصمم لشبكات المياه لهذه المدينة ان الجأ إلى طرق التحايل الفني واضرب مثالاً على ذلك:المنطقة الشرقية من المدينة مثلاً يسكنها على الأغلب طبقة من العمال الذين يصلون بيوتهم بعد الخامسة مساءاً ووجبتهم الرئيسية على العشاء, فذروة إستهلاك الماء عندهم تكون حوالي السادسة مساءاً, بينما المنطقة الغربية من المدينة يقطنها موظفون فذروة الإستهلاك عندهم حوالي الثالثة هذا التفاوت والذي يدعى بــ" diversity factor" يعطيني مرونة في تغطية كل منطقة دون ان يشعر سكانها بانقطاع المياه عنها حيث ابرمج الكومبيوتر بإغلاق صمامات جزئياً او كلياً في ساعات انخفاض الإستهلاك معتمدين على الماء في الخزان العلوي الخاص بالمنطقة وتحويل كمية من الماء الى مناطق ذات الاستهلاك الأعظمي يتم كل ذلك الياً بواسطة اجهزة تحكم مركزية بالصمامات ومضخات الرفع وغير ذلك, كما استطيع عبر غرفة عمليات مركزية فيها مخطط "mimic Diagram" موضوع امامي فيه ما يماثل شبكة المدينة والتي قمت بتصميمها مع اضواء صغيرة تبين الحالة الميكانيكية لكل جهاز مثل حالة التشغيل (جزئي, كلي), حالة توقف, حالة عطل...الخ. واستطيع برمجة الكومبيوتر ليلاً و نهاراً واستفيد من ساعات انخفاض الإستهلاك الليلي لأملئ كافة الخزانات العلوية والأرضية لساعات النهار, ويمكنني اجراء تعديل إسبوعي على برنامج الكومبيوتر لأجعل المضخات تعمل بكافة طاقتها لتغطية العجز ايام العطل الاسبوعية والاعياد, كما ان التصميم المتكامل والذي قمت بدراسته سيشمل محطة لمعالجة مياه المجاري وموقعها حساس بالنسبة للمدينة بحيث لايتعرض سكانها إلى الروائح الصادرة عن المعالجة وكذلك من رائحة غاز الميتان والذي يحرق منتجآ رائحته واخزة, هذه المحطة تخفف عبئاً كبيراً من استهلاك الماء في المرافق العامة كري الحدائق والتنظيف وغيرها من الإستخدامات الصناعية والزراعية الأخرى والماء المعالجة الناتجة لا لون لها ولارائحة وخالية من البكتيريا ولكنها طبعاً غير مهيئة لإستخدامات الشرب اوالطبخ في كل دول العالم, هذه المحطات اصبحت إلزامية في معظم المدن بعد تفاقم ازمة المياه الحادة.
هذا بإختصار شديد بعض الجهد المبذول وراء قطرة الماء والتي هي عنوان حياتنا على هذه الأرض، ولكن يبقى الآن السؤال الكبير وهو: ماذا لو اني قمت بكل الطرق الفنية الممكنة ولكني عجزت عن توفير الماء وخاصة صيفاً لكثير من سكان المدينة بالرغم من ان الشبكه التي قمت بدراستها تستوعب حاجة السكان لخمسين سنة قادمة والتحكم الألكتروني المرن متوفر فيها؟ هنا نستطيع ان نقول ان المدينة وصلت الى حالة عجز مائي ويجب التفتيش عن مصادر مياه داعمة لتعويض هذا العجز.
أعزائي القراء…
كثير من مدننا العربية وصلت الى حالة عجز مائي وهذه هي معضلة كبرى في السنين القادمة والى اللقاء مع الجزء الثاني والذي سأروي فيه الشق السياسي والعسكري مع إسرائيل فيما يتعلق في موضوع المياه.
مع تحياتي
______________
*مدير المشاريع الهندسية لأدارة الصحة في نيويورك