الرئيسة \  تقارير  \  بايدن وبوتين ... من خسر أكثر بين أفغانستان وسوريا؟

بايدن وبوتين ... من خسر أكثر بين أفغانستان وسوريا؟

26.12.2024
جورج عيسى



بايدن وبوتين ... من خسر أكثر بين أفغانستان وسوريا؟
جورج عيسى
المصدر: "النهار"
الأربعاء 25/12/2024
كان السقوط مفاجئاً للجميع. بالنسبة إلى الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن، كانت المفاجأة سارة على الأقل. ثمة أسباب عدة كي يتلقى بايدن نهاية حكم الأسد بإيجابية، تتصدرها الضربة الكبيرة التي تعرضت لها روسيا والتي يبدو أنها تتكشف تباعاً. نظرياً، بدت موسكو عاجزة عن حماية حليفها وبالتالي حماية مصالحها على شرق المتوسط. لكن ثمة ما هو أبعد من ذلك.
حالياً لا تزال القاعدتان العسكريتان في حميميم وطرطوس تنتظران المفاوضات مع الحكومة السورية الجديدة، على ما قاله الكرملين. بالحد الأدنى، يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حالة من الغموض حيال بصمة بلاده على شاطئ المتوسط. بالحد الأقصى، قد تودع بلاده تلك المنطقة نهائياً. أن يكون مصير قوة عالمية كبيرة معلقاً على قرارات متمردين سبق أن قاتلتهم منذ 2015 هو دليل إلى مأزق روسيا.
محللون في روسيا يعترفون
نفى بوتين في إطلالته الأخيرة أن يكون سقوط الأسد هزيمة لروسيا. ربما يتحقق هذا الكلام إذا تمكنت موسكو من الاحتفاظ بقاعدتيها في سوريا. لكن حتى ذلك الحين، تبدو الآفاق سلبية. ففي حال خسارة موطئ قدمها هناك، سيكون تأسيس قواعد جديدة في السودان أو ليبيا أو اليمن صعباً، بحسب ما قاله مسؤول أميركي لصحيفة "نيويورك تايمز". فالحروب الأهلية تعقّد الوضع، إلى جانب أن الشركاء المحتملين يدركون وضع روسيا، ولهذا سيحرصون على انتزاع تنازلات كبيرة من موسكو.
ليس المحللون الأميركيون وحدهم الذين يتوقعون أياماً صعبة لموسكو في الشرق الأوسط بعد سقوط الأسد. كان لبعض المحللين والصحافيين الروس تعليقات مشابهة على الحدث. صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" ذكرت أن "كامل نظام الحضور الروسي في الشرق الأوسط تحول في طرفة عين إلى حقبة سياسية منقضية". من جهتها، نقلت "كومسولسكايا برافدا" عن العالم السياسي الروسي فيودور لوكيانوف قوله إن الأحداث في سوريا ضربة لصورة روسيا. ويقول إن دول المنطقة وحتى منظمة "أوبك" لم تكن مهتمة بالحديث إلى موسكو. لكن عندما برهنت روسيا عن نفوذها وإمكاناتها هناك، تغير النقاش. وأضاف لوكيانوف: "واضح أنه من المستحيل الآن استعادة حتى الستاتيكو الذي كان موجوداً قبل بضعة أسابيع خلت".
بوتين يلوم إيران... ويذكّر بكينيدي
قد تكون أوكرانيا أكثر أهمية لروسيا، وخصوصاً لبوتين، من سوريا. لكن حتى المكاسب الضئيلة والمكلفة هناك قد تعجز عن محو آثار الانتكاسة على ضفاف المتوسط. فميناء طرطوس عمره أكثر من نصف قرن واستغلته روسيا لنقل قواتها، وبالتالي تأثيرها، إلى أفريقيا. لكن السيطرة على الأقاليم الأربعة شرقي أوكرانيا، إن حصلت، لن تعطي روسيا منصة متقدمة لنفوذ دولي إضافي، بخاصة مع تعزز الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي (ناتو).
بالرغم من أن توسيع النفوذ الروسي في الشرق الأوسط مثّل الأولوية القصوى للتدخل العسكري في سوريا بدءاً من خريف 2015، كان إنقاذ الأسد جزءاً لا يتجزأ من الأدوات الأساسية لتحقيق هذه الغاية. ظهور روسيا بصورة الدولة التي لا تتخلى عن حلفائها ساهم في رسم القوة الروسية الصاعدة حينذاك. ليس سهلاً على الكرملين اليوم تجاهل سقوط الأسد باعتباره حدثاً ثانوياً بالنسبة إلى المصالح الروسية.
ومحاولة بوتين إلقاء اللوم على ضعف القوات الإيرانية في الميدان لتفسير سقوط الأسد ترتد سلباً على سردية النجاح السابقة. فبعد محاصرة المعارضة السورية المسلحة في إدلب، قامت سردية حماية الأسد على أن روسيا هي الصانعة الأولى لهذه النتيجة إلى حد بعيد. إنما مع سقوط النظام السابق، تروج موسكو لمقترح أنها في حِل من أي مسؤولية. يظهر أن بوتين عمل بكلام جون كينيدي: "للانتصار ألف أب أما الهزيمة فيتيمة".
من خسر أكثر؟
طرح الباحثان في مؤسسة "أولويات الدفاع" جيل بارندولار وماثيو ماي سؤالاً مثيراً للاهتمام في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية: "من الذي خسر أسلحة أكثر روسيا في سوريا أم أميركا في أفغانستان؟"
باختصار، خسرت روسيا أكثر. لكن الجواب لا يكمن في الأعداد الخام للخسائر بحسب الباحثين. الفرق الأساسي هو أن الأسلحة الأميركية التي قدمت إلى أفغانستان كانت خفيفة وتصلح أساساً لمقاومة تمرد وحسب. علاوة على ذلك، كانت كلفة نقل تلك المعدات إلى الولايات المتحدة كبيرة ولم تستحق حتى جهد شحنها. بالمقابل، وبسبب حرب أوكرانيا، كانت روسيا بحاجة إلى الدبابات والمقاتلات والمركبات المدرعة التي أرسلتها إلى سوريا على مدى عقود، والتي انتهت بين أيدي المتمردين، أو مدمرة بفعل الغارات الإسرائيلية.
نقاط أخرى
كانت مقارنة الباحثين لافتة للنظر، بصرف النظر عن نتيجة التحليل. فهي تنطوي ضمناً على مشهدين متشابهين في الصورة العامة حيث كان الحدثان مهينين للولايات المتحدة وروسيا. لا ينفي ذلك وجود بعض التفاصيل المختلفة، لكن المهمة أيضاً. فبايدن ارتكب خطأ مباشراً في الانسحاب من أفغانستان، أو على الأقل في تنفيذه، بينما ارتكب بوتين خطأ غير مباشر عندما أساء تقدير قدرة بلاده على دعم الأسد لفترة طويلة بالتوازي مع الفشل في تحويل النصر العسكري إلى نصر سياسي في سوريا. لكن على الأقل، لم تخسر روسيا أفراداً من قواتها خلال سقوط الأسد كما حصل مع الأميركيين حين تعرض مطار كابول لتفجير انتحاري ذهب ضحيته 13 جندياً أميركياً ونحو 170 أفغانياً.
مع ذلك، وعلى الصعيد الاستراتيجي، يبدو أن قوة الولايات المتحدة تمنحها هامشاً أوسع من هامش روسيا لارتكاب الأخطاء. يكفي التأمل في طريقة تكشف الحدثين أمام العالم: حين بدأت أميركا تنسحب من أفغانستان، انهار حكم أشرف غني. وبالعكس، حين انهار حكم الأسد، بدأت روسيا تنسحب (موقتاً على الأقل) من سوريا. وهذا دليل كبير إلى الفارق بين قوتي واشنطن وموسكو.