الرئيسة \  تقارير  \  بشار الأسد : "فعلى أي جانبيك تميل"؟!

بشار الأسد : "فعلى أي جانبيك تميل"؟!

27.07.2024
بسام يوسف



بشار الأسد : "فعلى أي جانبيك تميل"؟!
بسام يوسف
سوريا تي في
الخميس 25/7/2024
لم يخض "نتنياهو" معركة غزة بكل هذه القوة والشراسة والتوحش كردّ فعل على ما فعلته حماس في "7" أكتوبر من العام الماضي، ولكي يعيد الرهائن، ويعيد هيبة الدولة الإسرائيلية التي أذلّتها حماس المحاصرة كما سوّق الإعلام العبري والعالمي المؤيد له، لقد أراد ما هو أبعد من ذلك بكثير، أراد أن يعيد ترتيب المنطقة سياسياً من جديد، عبر بوابة هذه الحرب.
أيضاً، لم توضع خطة "نتنياهو" وحلفائه بسبب هجوم "7" أكتوبر، بل كانت موضوعة قبل ذلك، وبغض النظر عن الآراء المتباينة حول معرفة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بهجوم أكتوبر المذكور قبل وقوعه، أو عدم معرفتها، فإن ما يهم هنا هو القول: إن تنفيذ هذه الخطة بدأ بذريعتها وبسببها كما ادّعت إسرائيل.
كل الوقائع التي حدثت خلال الأسبوع الأول من الحرب التي شنتها إسرائيل على "غزة" تؤكِّد على أمرين في غاية الأهمية، أولهما: أن أطرافا كثيرة إقليمية ودولية وافقت ووقفت إلى جانب إسرائيل بخطتها المعدّة قبل هجوم أكتوبر، وثانيها، أن المعركة لا تهدف فقط للسيطرة على "غزة" وتغيير واقعها السياسي والعسكري، بل تهدف أيضًا وبشكل أساسي لما هو بعد "غزة".
لم تنقذ "المقاومة الفلسطينية" قطاع غزة، فـ"غزة" بعد هذه الحرب لن تعود "غزة" التي كانت قبلها مهما تكن السيناريوهات المعدّة لما بعدها، ليس بالمعنى العمراني والاقتصادي والبشري فقط، بل بالمعنى السياسي أيضًا. لكن ما فعلته "المقاومة" هو أنها لا تزال تؤجِّل حتى اللحظة البدء بالمرحلة الثانية من خطة "نتنياهو"، لا بل ربما تُعيد ترتيب خطواتها وربما أهدافها، فالحرب التي توقّع "نتنياهو" أن يحسمها بأشهر قليلة على أسوأ تقدير، ها هي تستمر مقتربة من إنهاء شهرها العاشر، وها هي ارتداداتها تنعكس عميقاً داخل المجتمع، والجيش والاقتصاد في إسرائيل.
ما فرضته هذه الحرب حتى اللحظة، يُرغم "نتنياهو" وحلفاءه معه على اتجاه وحيد، هو استمرارها مهما كانت الخسائر فيها، فالخسارة التي تترتب على وقفها في الوضع الراهن، ستكون أفدح على إسرائيل من جهة، وعلى "نتنياهو" ومن يسانده من جهة أخرى. لهذا تحاول أطراف كثيرة صياغة حلٍّ سياسي، يُمكّن "نتنياهو" من الانتقال إلى خطوته التالية، بينما تحاول أطراف أخرى استمرار استنزاف "نتنياهو" في غزة، وهزيمته فيها كمقدمة لإفشاله في خطته التي بُنيت على مراحل متتالية أولها "غزة"، وفي مقدمة هذه الأطراف تأتي "إيران" بأذرعها المتعددة.
تحاول "إيران" اليوم الضغط على "إسرائيل" لمنعها من الانتقال إلى مرحلتها التالية من خطتها التي يأتي في مقدمة أهدافها تحجيم إيران، وتقليص امتداداتها، وحصر نفوذها في مساحتها الجغرافية فقط. ولهذا فهي – أي إيران – تتجنب الحرب المباشرة عبر دفع أذرعها إلى أتونها والبقاء بعيدة، وهي تزج بهذه الأذرع كما تقتضي مصالحها وخطتها، وما نراه اليوم من تقدّم "الحوثيين" إلى واجهة المعركة ليس إلا محاولة إيرانية للجم خطة إسرائيل من جهة، وتجنيب نفسها و"حزب الله" معركة شاملة مفتوحة. أما ما تريده "إيران" من إشعال هذه الجبهات فهو إرغام "إسرائيل" ومن معها على الاعتراف بالنفوذ الإيراني في المنطقة.
 تحييد "بشار الأسد" عن هذه المعركة، ليس تخوفًا من قدراته العسكرية، بل لأن الجغرافيا السورية بالغة الأهمية في هذه المعركة.
من الواضح أن "إسرائيل" خططت لأن تكون معركتها التالية بعد "غزة" هي في الشمال، أي ضد "حزب الله" في لبنان وميليشيات إيران في سوريا. وهي من أجل ذلك ترتب على الأرض عسكريًا وسياسيًا ما يساعدها على إنجاز هدفها، فهي تؤجل حربها الواسعة هذه إلى ما بعد الانتهاء من غزة، لكنها تحضّر لها وتسعى لأن تحقق على الأرض ما ترى أنه بالغ الأهمية للانتصار فيها، ويتمثّل بما يلي:
1- منع "حزب الله" و"الحرس الثوري الإيراني" ومن يتبع له في الأراضي السورية ليس من تعزيز قدراته العسكرية فقط، بل من إضعافها أيضًا، وفي هذا السياق تأتي الهجمات الدائمة لها على منشآت ومناطق عسكرية "إيرانية" داخل الأراضي السورية.
2- تحييد "بشار الأسد" عن هذه المعركة، ليس تخوفًا من قدراته العسكرية، بل لأن الجغرافيا السورية بالغة الأهمية في هذه المعركة. وتحييده لا تعني فقط عدم اشتراكه في المعركة بشكل مباشر – وهو ما وافق عليه بشار الأسد ونفذه طوال أشهر الحرب على غزة، ووافق على تنفيذه فيما إذا اندلعت الحرب مع حزب الله – بل تعني بشكل أساسي إلزامه بمنع إيران وأذرعها من استعمال الأراضي السورية لصالح إيران في حال نشوب المعركة.
ما نشهده في هذه المرحلة من تصاعد التجاذب السياسي حول بشار الأسد، ليس مردّه وزن سوريا العسكري، ولا أهمية بشار الأسد السياسية، إنما مرده لأهمية الجغرافيا السورية، وما الاهتمام الذي نراه من بعض دول المنطقة وفي مقدمتها "تركيا" وبعض دول "الخليج" بـ"بشار الأسد"، إلا محاولة لمنع، أو تقييد، استعمال الأرض السورية من قبل إيران وحلفائها في المعركة القادمة. لكن هل يستطيع "بشار الأسد" القيام بهذا الدور؟
 في الصراع على تبعية القرار السوري لهذا الطرف أو ذاك لن يكون بشار الأسد مقرّرًا، فهو ليس أكثر من ورقة سيقرر من يمتلكها متى سيحرقها لخدمة مصالحه.
حتى لو أراد "بشار الأسد" ذلك مقابل استمراره في حكم سوريا فإن أمامه عقبات كثيرة هو أضعف من أن يواجهها، وهي عقبات لا تبدأ من عدم قدرته على اتخاذ القرار أساسًا، خصوصًا أن أقوى التشكيلات العسكرية السورية "الفرقة الرابعة" يرأسها حليف إيران في سوريا "ماهر الأسد". وأيضًا فإن الوجود العسكري لـ"إيران" و"حزب الله" ومن يتبع لهما داخل سوريا، يجعل من قدرة "بشار الأسد" على تنفيذ ذلك معدومة تقريبًا.
العامل المهم جدًا أيضًا في قرارات "بشار الأسد" واصطفافه في المعركة القادمة، هو "روسيا" التي لها حساباتها الخاصة والتي لا تتطابق مع الحسابات الإيرانية. وهذا ما ينعكس واضحًا في الحرب غير المعلنة بينهما داخل البيت الداخلي الذي يدير سوريا، وهذا ما قد يفسّر الكثير من حوادث الاغتيالات والعزل والترقية التي تجري داخل الجيش السوري، وداخل الأذرع الاقتصادية للمافيا التي يقودها بشار الأسد وعائلته.
الصراع يحتدم اليوم داخل بنية السلطة السورية وعلى الأرض السورية حول امتلاك القرار السوري، وإيران التي ترى أنها المهدَّد الأول في هذا الصراع، لم تعد قادرة على إغماض عينيها عن محاولات تحجيمها، لذلك تمضي بسرعة نحو ترسيخ وجودها وإظهاره داخل كل مفاصل السلطة في سوريا، العسكرية، والأمنية، والسياسية والاقتصادية، وكأنها تعلن فرض سيطرتها الكاملة على القرار السوري. هذا ما لا تريده روسيا، ولا تريده إسرائيل وأطراف كثيرة أخرى إقليمية ودولية.
في الصراع على تبعية القرار السوري لهذا الطرف أو ذاك لن يكون بشار الأسد مقرّرًا، فهو ليس أكثر من ورقة سيقرر من يمتلكها متى سيحرقها لخدمة مصالحه.