الرئيسة \  تقارير  \  بعد استهداف قاعدة التنف بالطائرات المسيرة : ميليشيا الوارثون العراقية تستعد لمهاجمة القوات الأمريكية

بعد استهداف قاعدة التنف بالطائرات المسيرة : ميليشيا الوارثون العراقية تستعد لمهاجمة القوات الأمريكية

30.01.2023
منهل باريش

بعد استهداف قاعدة التنف بالطائرات المسيرة : ميليشيا “الوارثون” العراقية تستعد لمهاجمة القوات الأمريكية شرق سوريا
منهل باريش
القدس العربي
الاحد 29/1/2023
استهداف قاعدة التنف ليس جديدا فقد تكرر مرات، إلا أن الإعلان عنه وبث شريط مصور، يؤكد بدء مرحلة جديدة من الصراع بين إيران وأمريكا على أراضي الغير.
أعلنت القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم” ظهيرة يوم الجمعة 20 كانون الثاني (يناير) الجاري عن استهداف ثلاث طائرات مسيرة مجهولة الهوية قاعدة التنف العسكرية التابعة للجيش الأمريكي، وأشارت القيادة أن القوات الأمريكية المتواجدة في القاعدة أسقطت طائرتين بينما تمكنت الثالثة من تنفيذ الهجوم ما أسفر عن إصابة عنصر من “جيش سوريا الحرة” العامل في القاعدة.
وقال المتحدث باسم “سنتكوم” جو بوتشينو إن مثل هذه الهجمات “تعرض الحرب ضد تنظيم داعش للخطر” وتجنب بيان القيادة المركزية اتهام أي جهة، إلا أن الكثير من المراقبين أشاروا لدور للميليشيا المدعومة من إيران في الهجوم الذي لا يعتبر الأول من نوعه، فقد اتهم مسؤولون أمريكيون إيران بالوقوف وراء هجوم بخمس طائرات مسيرة استهدفت القاعدة في تشرين الأول (أكتوبر) 2021.
وفي مقابلة متلفزة، قال قائد “جيش سوريا الحرة” العقيد فريد القاسم أن الهجوم الأخير استهدف نقطة طبية تخدم المدنيين والنازحين من مخيم الركبان، وردًا على سؤال حول اتهام الميليشيا الإيرانية أجاب القاسم بأن الجهة المسؤولة “لا تزال مجهولة” دون الإشارة لأي جهة أو نية الرد على الميليشيا الإيرانية المتواجدة في محيط المنطقة.
وفي تحول خطير، تبنى “تشكيل الوارثين” التابع لـ “المقاومة الإسلامية في العراق” العملية في بيانٍ نشره على معرفاته في تطبيق “تلغرام” في اليوم التالي للهجوم بالطائرات المسيرة ثابتة الجناح على التنف.
وجاء في البيان “نتبنى عملية استهداف قاعدة التنف في البادية السورية بتمام الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرًا والتي يتخذها الاحتلال الأمريكي مركزًا له ولإدارة أعماله داخل العراق” وأشار البيان إلى أن مواقف “الوارثين” ميدانية ولا يتستر التشكيل خلف ما وصفها بـ “تصاريح كيبوردية”.
ونشر “تشكيل الوارثين” الثلاثاء على قناته في “تلغرام” مقطعًا مصوراً لعملية تجهيز وإطلاق المسيرات الثلاث التي استهدفت القاعدة الأمريكية من قبل ملثميّن اثنين، على وقع أغنية تتوعد بالثأر لمقتل “قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس”.
و”تشكيل الوارثين” ميليشيا عراقية تأسست في تشرين الأول (أكتوبر) 2019 حسب دراسة لـ”مركز مكافحة الإرهاب” شكلها “فيلق القدس” الإيراني أحد الوحدات الخاصة التابعة لـ “الحرس الثوري الإيراني” والعامل خارج حدود إيران الإقليمية، وذكر “مركز مكافحة الإرهاب” أن ميليشيا “الوارثين” يقودها شخص يعرف بـ (الحاج حميد) أحد المقربين من قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس، وأشارت دراسة المركز إلى أن “الوارثين” درب عددا من المجندين العراقيين في أحد معسكرات “الحرس الثوري الإيراني” في مدينة دزفول في الجنوب الغربي من إيران.
ورصدت “القدس العربي” علاقة “تشكيل الوارثين” بالميليشيات العراقية المرتبطة بفيلق القدس حيث اجتمع الأمين العام لـ “حركة النجباء العراقية” أكرم الكعبي مع قيادات ثمانية تنظيمات من المقاومة العراقية الإسلامية الموالية لإيران وتجهر بالعداء للقوات الأمريكية في كانون الأول (ديسمبر) 2021 وكان “تشكيل الوارثين” من ضمن الميليشيا المجتمعة مع الكعبي، إضافة إلى “أصحاب الكهف ولواء الثائرين ولواء ثأر المهندس ولواء القاسم وفصيل المقاومة الدولية ورجال الله وسرايا ثورة العشرين الثانية” ووصف الكعبي حينها بأن سلاح ما أسماها فصائل “المقاومة” المجتمعة، والتي تضم “الوارثين” بـ “الكابوس الذي يهدد أمريكا وإسرائيل”.
الجدير بالذكر، أن العلاقة المتينة بين “تشكيل الوارثين” وحركة “النجباء” التي تصل لمرحلة رعاية الأخيرة لـ “الوارثين” تعكس صورة الرؤية الإيرانية المتمثلة في دعم ميليشيا شيعية عراقية تضمن مد “جسر شيعي” من طهران الى بيروت ومنها إلى حلفائها في لبنان وأبرزهم “حزب الله اللبناني”.
وفي آب (أغسطس) الماضي، أعلن التشكيل عن استهداف قاعدة علي سالم العسكرية في دولة الكويت بطائرات مسيرة ثابتة الجناح، ادعى أنها ألحقت أضرارا جسيمة في القاعدة الأمر الذي نفته الكويت والقيادة الأمريكية في المنطقة، جملة وتفصيلا. لكن بعد أيام من ذلك الإعلان، عثرت القوات الأمنية العراقية على طائرة قاصف-2 في قضاء الفهود جنوب العراق، وحينها نفت القوات العراقية أية معرفة بنوع الطيار أو الدولة المصنعة، رغم نشر السلطات عدة صور للطائرة، وهو ما يعزز بالفعل فرضية استهداف “الوارثين” للقاعدة الجوية الكويتية ولكن من غير المعروف فيما إذا انطلقت المسيرات من العراق أو أنها أطلقت من إيران.
دفع استهداف منطقة الـ 55 وقاعدة التنف قائد قوات “التحالف الدولي لمحاربة داعش” الجنرال ماثيو مكفارلين إلى زيارة القاعدة الأمريكية والإعلان عن تزويد جيش سوريا الحرة بمعدات جديدة للتصدي للطائرات المسيرة وتدريب عناصر الجيش على استخدام الأسلحة.
بالتوازي قالت مصادر مقربة من “سرايا الخرساني” التابعة لإيران والنشطة في مدينة الحسكة، أن قيادات من “الحجاج” الإيرانيين أبلغوا العناصر المحليين من الميليشيا المذكورة ومن ميليشيا “قوات المهام” التي يقودها (الحاج مهدي) أن “عليها الاستعداد والتجهز لبدء المرحلة الثانية من العمل وهي مرحلة الهجوم على القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية قسد في محافظة الحسكة”. ويأتي الطلب الإيراني بعد إخضاع عناصر ميليشيا المهام إلى دورات تدريب على قيادة الطائرات المسيرة ثابتة الجناح إيرانية الصنع في معسكر الديماس قرب دمشق.
ويترافق الإيعاز الإيراني مع وصول شحنات من الأسلحة إلى الميليشيات المذكورة عبر مطار القامشلي خلال الأسبوع الأخير، بينها أسلحة متوسطة، ولم تتمكن “القدس العربي” من التأكد إذا ما نقلت الميليشيات أي طائرات مسيرة في تلك الشحنات.
في سياق متصل، سقطت طائرة مسيرة ثابتة الجناح قرب إحدى القواعد الأمريكية جنوب الحسكة، يوم 19 كانون الثاني (يناير) الجاري، حيث أبلغ مدنيون من قرية الفدعمي التابعة إداريا إلى ناحية الشدادي عن مشاهدتهم طائرة مسيرة تسقط في الأراضي المجاورة للقرية. وقامت دورية أمريكية بالانتشار بالمكان على الفور وتفكيك الطائرة المذخرة ونقلها إلى داخل القاعدة لفحصها. ولكن ذلك لم يمنع الأهالي من تصويرها ونشر الصورة قبل وصول القوات الأمريكية. وتظهر الصورة أن الطائرة بدائية الصنع وليست من أجيال الطائرات الإيرانية المتعارف عليها.
ان استهداف قاعدة التنف ليس جديدا فقد تكرر مرات، إلا أن الإعلان وبث شريط مصور، يكاد يعلن بدء مرحلة جديدة من مراحل الصراع بين إيران وأمريكا على أراضي الغير.
يرجح أن يكون الصراع أكثر شدة في شرق سوريا مقارنة بقاعدة التنف وذلك لعدة أسباب أهمها أن محيط القاعدة في التنف مؤمن بنسبة لا بأس بمحيط 55 كم، وهو يمنع الاختراق الأمني البري ويجعل الهجوم الجوي هو الوسيلة الوحيدة لإزعاج القوات الأمريكية، وبما أن المسافة داخل الأراضي السورية طويلة نسبيا، تبقى احتمالية انطلاق الهجمات من الأراضي العراقية هي الأكثر.
في حين، تعتبر منطقة انتشار التحالف الدولي في شرق سوريا هي الأشد خطرا على القوات الأمريكية، إذ أضحت منطقة شديدة التعقيد ويكثر فيها الفاعلون الأمنيون والعسكريون، وتسبب قرار الرئيس الأمريكي السابق بالانسحاب من تل أبيض وراس العين بالسماح للقوات الروسية والإيرانية بتعزيز تواجدهما، بشكل مباشر أو عبر الوكلاء. ومن الواضح أن “الحجاج” الإيرانيين في سوريا قد اتخذوا قرارهم ببدء شن الهجمات على القواعد الأمريكية، وبخلاف سيناريو الهجمات على قاعدة التنف، يرجح أن تشمل الهجمات نصب كمائن وتفجير عربات مدرعة واعتراض دوريات بأشكال متعددة.