الرئيسة \  تقارير  \  بعد الترحيب السوري المشروط : ما هي الحاجات التركية من التطبيع مع النظام؟

بعد الترحيب السوري المشروط : ما هي الحاجات التركية من التطبيع مع النظام؟

21.07.2024
هبة محمد



بعد الترحيب السوري المشروط : ما هي الحاجات التركية من التطبيع مع النظام؟
هبة محمد
القدس العربي
السبت 20/7/2024
دمشق – “القدس العربي”: ضمن مسار الدبلوماسية التركي – السوري، الذي يرجح أن يكون شاقاً وطويلاً في ظل ما يعتريه من تحديات وعقبات، رد المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية على الترحيب السوري المشروط بانسحاب قوات بلاده مقابل تطبيع العلاقات مع الجانب السوري، أن وجود القوات التركية في سوريا جاء في إطار مبدأ الدفاع المشروع عن النفس لإزالة الهجمات والتهديدات الإرهابية الموجهة نحو أراضيها.
وعقدت وزارة الدفاع الوطني، أمس، اجتماعاً إعلامياً لمناقشة آخر التطورات في العلاقات مع سوريا، حيث تم استعراض المبادئ الأساسية التي تحكم وجود القوات التركية في الأراضي السورية.
وتطرق المتحدث باسم وزارة الدفاع إلى عملية التقارب التي أطلقتها تركيا مع النظام السوري، قائلاً: “أبدى رئيسنا إرادة واضحة فيما يتعلق بالحوار. تركيا موجودة في سوريا في إطار مبدأ الدفاع المشروع لإزالة الهجمات والتهديدات الإرهابية الموجهة نحو أراضيها، لحماية حدودها ومنع إنشاء ممر إرهابي في شمالي سوريا كأمر واقع”.
وأضاف المتحدث في بيانه الذي نقلته وكالة “دي اتش أي” التركية: “إن عملياتنا تساهم بشكل كبير في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية. نحن نرغب في القضاء على الإرهاب في سوريا، وضمان وحدة أراضيها، وإعادة الاستقرار السياسي، وعيش الشعب السوري في سلام وأمان”.
وكان الأسد قد قال في تصريحات صحافية أثناء الإدلاء بصوته في انتخابات مجلس الشعب، الإثنين: “إذا كان اللقاء أو العناق أو العتاب أو تبويس (تقبيل) اللحى يحقق مصلحة البلد سأقوم به. المشكلة تكمن في مضمون اللقاء. لم نسمع ما هو الهدف من اللقاء؟ طرح المشكلة؟ تحسين العلاقات؟”.
وأعرب بشار الأسد عن ترحيبه بالمبادرة التركية، ولكن بشروط، قائلاً: “نحن إيجابيون تجاه أي مبادرة، لكن هذا لا يعني أن نذهب من دون قواعد. اللقاء وسيلة ونحن بحاجة لقواعد ومرجعيات عمل. هناك لقاء يترتب مع المستوى الأمني من بعض الوسطاء وكنا إيجابيين”.
عودة المساعي التركية وتحريك المياه الراكدة في مسار التطبيع السياسي برعاية روسية، فتح الباب أمام مجموعة من التساؤلات التي تحظى باهتمام الشارع السوري المعارض، ولعل أهمها: كيف سيتعامل الجانب التركي مع شروط النظام السوري، وما هي الخطوات المقبلة في مسار التقارب الثنائي، وما هي حاجة تركيا لنظام منبوذ دولياً؟
ويجمع مراقبون وخبراء أن لتركيا أهدافاً وحاجات من وراء تطبيع العلاقات السياسية، أهمها احتواء خطر الإدارة الذاتية، وانتزاع اعتراف رسمي من النظام السوري، ينظم التواجد العسكري التركي ويضبط أمن الحدود، وكما أن تركيا تسعى لحلحة ملف اللاجئين وتسهيل عودتهم إلى سوريا، فضلاً عن اعتبارات اقتصادية هامة.
تدور حاجة تركيا للنظام السوري، وفق رؤية الباحث لدى مركز الحوار السوري د.أحمد القربي حول نقطتين أساسيتين، وهما ملف اللاجئين، وقضية محاربة تنظيم بي واي دي.
وقال القربي لـ”القدس العربي”: “تركيا بحاجة لقضية التطبيع من أجل الورقة السياسية، لأن نظام الأسد هو نظام معترف فيه أولاً وأخيراً، وقد تكون تركيا بحاجة إلى هذا الغطاء من أجل تجديد أو تعديل معاهدة أضنة وتمديد الإطار الجغرافي من 5 كيلو مترات إلى نحو 40 كيلو متراً كما صرح وزير الدفاع التركي”.
كما أن لتركيا حاجة تتعلق بمحاربة “بي واي دي”، في حال “الانسحاب الأمريكي من سوريا، وهو أمر ملّح بالنسبة لتركيا التي تخشى من حالة فراغ أو شاغر في تلك المنطقة، والتي قد يملؤها روسيا أو الأسد”.
وحول الخطوات المقبلة، توقع القربي أن يبقى الباب التركي مفتوحاً اتجاه التطبيع مع نظام الأسد، مع إمكانية أن تنخفض وتيرة الترحيبات التركية خاصة أن اردوغان كان قد دعا بشار الأسد إلى زيارة تركيا أو اللقاء في دولة ثالثة، ومن الممكن أن نسمع تصريحات على مستوى أدنى، ونفس الأمر بالنسبة للنظام السوري الذي سوف يستمر في وضع شروطه، لا سيما فيما يتعلق بجدولة الانسحاب أو طلب انسحاب القوات التركية.
ورجح المتحدث أن ينتظر الطرفان الانتخابات الأمريكية خصوصاً فيما يتعلق بالإدارة الجديدة، لأن وجودها سيكون أساسياً في تطوير مسار التطبيع بين البلدين، خاصة إذا وصلت إدارة جمهورية والتي ممكن أن تتخذ موقفاً متشدداً من نظام الأسد، وبالتالي تتراجع حركة التطبيع بين الجانبين.
وحول تطوير مستوى التنسيق الأمني، قال القربي: “بما أن التنسيق أصلاً موجود، ولا جديد في هذا الملف، فإن الحديث سيكون حول تطوير التنسيق الأمني عبر التواصل السري الذي كان يجري بين مخابرات البلدين، وتطويرها باتجاه التطبيع السياسي”.
وتوقع أن يستمر الطرف التركي بدعوة النظام إلى الحوار دون شروط مسبقة، حتى لا يتمكن الأسد من سحب تنازلات قبل المضي بمسار التطبيع، ولا الحضور بسقف عال. ولفت إلى أن “الطرف التركي يريد جلب نظام الأسد إلى طاولته، ونزع ورقة التطبيع التي تتمسك بها المعارضة التركية، وهذا الأمر يحسب لإدارة اردوغان”، وفق المتحدث.
وهو ما اتفق معه مدير وحدة الدراسات في مركز أبعاد، محمد سالم، الذي اعتبر في حديث مع “القدس العربي” أن تركيا تحتاج للنظام السوري في أمرين أساسيين، الأول متعلق بأمنها القومي، وبالتالي التنسيق المشترك المحتمل ضد قسد ويشمل ذلك مصادقة النظام على وجود طويل الأمد للقوات التركية داخل سوريا وبالتالي يصبح وجودها قانونياً ويصبح الوجود الوحيد غير القانوني في سوريا هو الوجود الأمريكي وهو الوجود الذي تتحسس منه تركيا كونه يدعم قسد. أما الأمر الثاني، وفق سالم، هو التنسيق لإعادة اللاجئين.
وكانت وزارة الخارجية في دمشق قد ذكرت أن أي مبادرة للتقارب مع أنقرة ينبغي أن تبنى على أسس واضحة ضماناً للوصول إلى عودة العلاقات بين البلدين إلى حالتها الطبيعية. وطالب البيان بانسحاب القوات التركية الموجودة “بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، ومكافحة المجموعات الإرهابية التي لا تهدد أمن سوريا فقط، بل أمن تركيا أيضاً”.
وحول الغاية من تبادل الرسائل والتصريحات والخطوات المتوقعة قال الباحث لدى مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أيمن الدسوقي، إن الهدف منها تأطير المسار التفاوضي بين الطرفين وضبط التوقعات.
ويبدو بأن مسار الدبلوماسية سيكون شاقاً وطويلاً، لذلك توقع المتحدث لـ “القدس العربي” أن تكون الخطوات المقبلة مزيجاً من مسارين متوازيين، مواصلة جهود الوساطة من عدة أطراف لحلحة العقد بين الطرفين وتقريب وجهات النظر، ومسار تقني للوصول إلى خارطة طريق للقضايا الإشكالية.
وبالتالي فإن مسار التطبيع سيبقى قائماً من وجهة نظر الدسوقي “وإن تفاوتت الاندفاعة بين فترة وأخرى”.
وعن التعاطي التركي مع شروط النظام السوري، قال الدسوقي: “لدى أنقرة عدة أدوات للتعامل مع شروط النظام، كالاعتماد على قوى (روسيا، الإمارات، السعودية، العراق…إلخ) لتمرير رسائل إلى دمشق بغية ضبط توقعاتها وتليين موقفها، كذلك تفعيل لجان تفاوضية تقنية للوصول إلى تفاهمات معينة بشأن بعض القضايا، فضلاً بأن لدى أنقرة قواتها المتواجدة داخل سوريا، والتي لا يمكن تجاهلها كأداة ضغط على دمشق”.
ولدى تركيا أهداف عدة تسعى إليها من وجهة الباحث الساسي، على رأسها الحاجة للتنسيق مع النظام السوري لاحتواء خطر الإدارة الذاتية وارتدادات أي سياسة أمريكية مستقبلية تجاه سوريا، فضلاً عن انتزاع اعتراف رسمي مقونن من النظام (باعتباره يمثل الدولة السورية) ينظم التواجد العسكري التركي في الشمال ويضبط أمن الحدود، إلى جانب الرغبة التركية بإعادة تموضعها في الملف السوري لتصبح أقرب إلى وسيط بين النظام والمعارضة، وما يمكن لذلك من تسهيل عودة اللاجئين من تركيا إلى سوريا، فضلاً عن اعتبارات اقتصادية تتعلق بمعادلات خطوط التجارة والتنمية إقليمياً، وإن كان الأمر يواجهه العديد من التحديات.