الرئيسة \  تقارير  \  بعد تعثر وساطة موسكو بينهما : ما هي تحديات مسار تطبيع أنقرة مع دمشق؟

بعد تعثر وساطة موسكو بينهما : ما هي تحديات مسار تطبيع أنقرة مع دمشق؟

07.02.2023
هبة محمد وإبراهيم درويش

بعد تعثر وساطة موسكو بينهما : ما هي تحديات مسار تطبيع أنقرة مع دمشق؟
هبة محمد وإبراهيم درويش
القدس العربي
الاثنين 6/2/2023
لندن – دمشق – “القدس العربي” : أعلنت وزارة الخارجية الروسية أمس عن اجتماع “مرتقب” على مستوى الوفود العسكرية لسوريا وروسيا وتركيا خلال الشهر الجاري، وقالت في بيان لها: “لا توجد بعد مواعيد لعقد اجتماع على مستوى وزراء خارجية الدول الثلاث، لكن المشاورات جارية”. ورأت صحيفة “فايننشال تايمز” أن الانتخابات واللاجئين والتوغل العسكري التركي شمال سوريا أبرز العقبات أمام التطبيع بينهما.
نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، تحدث عن إجراء مشاورات حول الاجتماع المرتقب لوزراء خارجية سوريا وروسيا وتركيا. وقال بوغدانوف لوكالة تاس الروسية: “نتعامل مع موضوع عقد اجتماع وزاري، أجرينا مشاورات هنا مع وفدي كل من سوريا وإيران، ونحن على اتصال مع شركائنا الأتراك عبر السفارات”. مؤكداً أن “العمل على هذا الصعيد مستمر، لكن لا توجد مواعيد نهائية حتى الآن، ولم تناقش شروط اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث”. مشيراً إلى أن العمل على إشراك إيران في مفاوضات تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا جارٍ أيضًا.
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت نهاية شهر ديسمبر /كانون الأول/ الماضي، عن المباحثات التي جرت في موسكو بين رؤساء وزارات الدفاع في روسيا وسوريا وتركيا، والتي ناقشوا خلالها سبل حل الأزمة السورية، ومشكلة اللاجئين، والجهود المشتركة لمحاربة الجماعات المتطرفة في سوريا. ونتيجة للاجتماع نوه الطرفان إلى أهمية الحوار وضرورة مواصلته من أجل زيادة استقرار الوضع في سوريا والمنطقة ككل.
في المرحلة الحالية تتواصل الاتصالات بين الإدارات المعنية، بما في ذلك إمكانية تنظيم اجتماع لوزراء الخارجية.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال في وقت سابق، إن “العمل جارٍ بشكل تدريجي فيما يخص الحوار مع النظام السوري”. كما كان وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، قد تحدث الأسبوع الفائت، عن اجتماع مرتقب لاستكمال المحادثات التي جرت في موسكو أواخر العام الماضي، مؤكدا أن المحادثات مع النظام السوري ستتواصل، وأن الجانبين سيعقدان اجتماعاً جديداً خلال الأيام القادمة. وأوضح آكار في تصريح صحافي أن الأيام القادمة، ستشهد اجتماعاً تقنياً بين وفود من تركيا وروسيا والنظام السوري، وقال سنبذل “كل ما نستطيع من جهد، بهدف التوصل إلى نتائج إيجابية من خلال هذه المحادثات”.
مسار التقارب
ونقلت صحيفة الوطن السورية، عن مصادر من أنقرة قولها إن اللقاء الذي تحدثت عنه الخارجية الروسية بخصوص الوفود العسكرية سيجري منتصف شباط الجاري، وكشفت أنه وفقاً لنتائج هذا اللقاء سيتم تحديد ما إذا كانت ستجري لقاءات سياسية لاحقة أم لا، واصفة اللقاء العسكري المرتقب بالمهم جداً لجهة تحديد مصير مسارات التقارب المستقبلية بين سورية وتركيا. وقالت “الوطن” إن تركيا “بدأت منذ أيام بتفكيك نقاط عسكرية في محيط الأوتوستراد الدولي M4 ما يؤشر إلى أن أنقرة قد تكون جادة في تلبية مطالب دمشق قبل الانتقال إلى مرحلة جديدة من المفاوضات السياسية والتقارب بين البلدين، الأمر الذي ترفضه واشنطن وسبق أن أعلنت ممانعتها لأي تطبيع مع دمشق”. وفي هذا الإطار، نفى مصدر عسكري واسع الاطلاع من ريف حماة، في تصريح لـ”القدس العربي” تفكيك الجيش التركي أياً من نقاطه العسكرية، وقال المسؤول لدى قوات المعارضة المقربة من أنقرة إن الجيش “لم يعمل على أي تغيير، بل نقل نقطة عسكرية تابعة له في بلدة قسطون في منطقة سهل الغاب بريف حماة باتجاه النقاط الشمالية” موضحاً أن القوات التركية “نقلت نقطة زيزون من موقعها ضمن مدرسة إلى تلة مرتفعة بجانبها فربما ظن البعض أنها تفكك نقاطاً”.
مخاطر
ورغم تكثيف الاجتماعات، إلا أن مسار التطبيع يواجه جملة من العقبات وعلى رأسها المطالب التركية والمصالح الحقيقية في إعادة اللاجئين ومحاربة “قسد” فهل النظام السوري قادر على تحقيقها؟ وهل تستطيع تركيا أن تقدم مساعدات اقتصادية للنظام وهو تحت تأثير عقوبات قيصر وقانون المخدرات بعد تقارير الأمم المتحدة في ملف الكيماوي؟
وفي هذا الصدد، يعتقد الباحث لدى مركز مشارق ومغارب عباس شريفة أن هذه التحديات جعلت من مسار التطبيع مسار محفوف بالمخاطر ويحتاج إلى وقت طويل حتى يتبلور، مضيفا أن المسار متعثر بسبب تعنت النظام السوري والضغط الإيراني، حيث قال إن “تغيب الجانب الإيراني عن مسار التطبيع جعل النظام يتعنت، بينما لعبت إيران دور المخرب في هذا التقارب، لكن على ما يبدو الآن تم إدخال إيران ضمن المسار الذي تحول من مسار ثلاثي إلى رباعي ويبدو أن إيران قد تسمح بانطلاق مسار التطبيع”.
وفي وقت سابق أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عن التوصل لاتفاق حول مشاركة إيران في عملية التطبيع التركي مع النظام السوري التي ترعاها موسكو. وقال لافروف خلال مؤتمر صحفي عقب محادثات مع وزير الخارجية المصري سامح شكري في العاصمة الروسية موسكو، إنه “جرى التوصل الآن إلى اتفاق من حيث المبدأ على مشاركة إيران في هذا العمل”. وفق ما أوردت وكالة (سبوتنيك) الروسية.
واعتبر أن من المنطقي أن ترافق روسيا وإيران المزيد من الاتصالات لتعزيز تطبيع العلاقات التركية مع النظام السوري. مضيفاً “أما بالنسبة للتوقيت، والأشكال المحددة للمشاركة، سواء كان على مستوى الجيش، أو على مستوى الدبلوماسيين، فيتم العمل على هذا”.
وحول التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الإصرار التركي على استكمال مسار تطبيع العلاقات مع النظام السوري، قال عباس شريفة “تتعلق التحديات الداخلية بالانتخابات والملف الاقتصادي وبعض الأوراق السياسية المهمة منها ورقة اللاجئين” لافتاً إلى أن “الكثير من الناخبين الأتراك يعتقدون أن إعادة اللاجئين عبر تفاهمات مع النظام السوري قد يحسن من الوضع الاقتصادي في تركيا، وهذا ما تسعى إليه الحكومة التركية، بناء على الاستجابة لمطالب الناخب التركي ولسحب الورقة من المعارضة التركية التي بدأت باستعمالها في حملتها الانتخابية”.
أما التحديات الخارجية فهي متعلقة وفق المتحدث بالضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تحاول الكثير من الدول التطبيع مع النظام، من أجل عدم إنجاز حل، بينما تعتبر واشنطن أن أي دولة تتقارب مع النظام، تذهب باتجاه تعزيز الحل الروسي بفرض النظام السوري واعتباره نظاماً شرعياً منتصراً، ويجب التطبيع معه وإنهاء أي حل سياسي على أساس القرارات الأممية وبيانات جنيف، وبالتالي تحاول تركيا الضغط في هذا الإطار على الجانب الأمريكي، بينما يبدو أن واشنطن لم تقدم الثمن المناسب لتركيا لثنيها عن هذا المسار. ومن المفترض أن تعقد اللقاءات بين الجانبين التركي والسوري على ثلاثة مستويات أساسية، الأمني والعسكري والسياسي. أما المستوى الأمني فهو قائم منذ 2015، وتم الاتفاق على تطويره عبر لقاءات عسكرية، وفي حال نجحت هذه اللقاءات سوف تنتقل إلى المستوى السياسي، وربما يكتفي الجانبان بلقاء وزيري الخارجية، وربما يتطور إلى لقاء على مستوى الرؤساء. وشهدت قضية تطبيع العلاقات مع النظام بعد اللقاء الذي جمع وزراء دفاع ورؤساء استخبارات تركيا والنظام برعاية من روسيا نهاية عام 2022؛ تطور غير مسبوق، حيث أعطى مؤشرا إلى وجود رغبة مشتركة للتقارب والتعاون بين الطرفين وإن كان كل منهما يتمسك برؤيته وشروطه.
ووفقاً لمركز جسور للدراسات الاستراتيجية فإن “تركيا لا تبدو أنها مستعدة لتحسين مستوى العلاقات، ليس بسبب العقوبات الأمريكية المتوقعة فحسب، بل لأنّ هناك ملفات خلافية كبيرة بين الطرفين من الصعب للغاية حلها؛ حيث يطالب النظام بوقف دعم تركيا للمعارضة، وانسحاب قواتها من سوريا، وهي ترفض ذلك؛ ومن المتوقع أيضاً وفق المصدر “أن تشدّد الولايات المتحدة العقوبات المفروضة في إطار قانون قيصر”.
“فايننشال تايمز”
ونشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريراً لمراسلتها في إسطنبول أيلا جان ياكلي قالت فيه إن تركيا وروسيا تواجهان معضلة كبيرة لإصلاح العلاقة بعد سنوات الحرب و”صفر ثقة”.
وبعد سنوات من الدعوة لتغيير النظام في دمشق ودعم الجماعات المسلحة المعادية للأسد، تضيف “فايننشال تايمز” بأنه يبدو أن أنقرة مستعدة لتغيير موقفها ومرة أخرى، حيث قال اردوغان الشهر الماضي بأنه سيقابل الأسد.
وحسب الصحيفة، لدى كل طرف ما يحفزه على التقارب، فمن ناحية الأسد يعني التفاوض مع دولة كبيرة وعضو في الناتو تخفيفًا للعزلة الدولية. أما اردوغان فيواجه حملة إعادة انتخابية صعبة، ويهدف لنجاحه في انتخابات 14 أيار/مايو المقبل. ويواجه اردوغان تداعيات وجود 4 ملايين لاجئ سوري، مما زاد من حنق الناخبين الأتراك وسط أزمة اقتصادية حانقة، وزادت التوقعات من عودتهم إلى تراجع التوتر. ويعتقد المحللون أن التقارب مع سوريا سيكون صعباً. ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي متقاعد قوله “هناك صفر ثقة بين الطرفين وليس من السهل على أي منهما تقديم التنازلات التي يحتاج إليها التقارب”. وعارضت تركيا نظام الأسد بسبب تعامله الوحشي مع الانتفاضة وأصبحت الداعم الرئيسي للجماعات المسلحة، وفي الوقت الذي استعاد فيه الأسد السيطرة بدعم من روسيا وإيران، حرفت أنقرة نظرها لمجال آخر. ومنذ عام 2016 قامت بسلسلة من التوغلات الحدودية ضد تنظيم الدولة الإسلامية والمناطق التي يهيمن عليها الأكراد. وباتت القوات التركية تتحكم بمناطق واسعة من شمال سوريا تمثل نسبة 5% من أراضيها يعيش فيها ربع سكانها.
وتطالب دمشق أنقرة بالانسحاب من الأراضي السورية قبل الحديث عن عودة العلاقات بين البلدين. وقال وزير الخارجية فيصل مقداد في الشهر الماضي ” لا نستطيع الحديث عن استئناف العلاقات مع تركيا بدون إنهاء الاحتلال”. وهددت أنقرة بعملية جديدة ضد الجماعات الكردية المسلحة. وتقول سنيم أيدن- دوجغيت، استاذة العلاقات الدولية بجامعة صابنجي في اسطنبول “حتى لو كانت تركيا قادرة على تغيير موقفها فجأة فربما لن يرد الطرف الآخر بالسرعة نفسها”. مشيرة إلى أن الأسد ربما ينتظر ويراقب الانتخابات التركية ومعرفة نتيجتها، وليس من المحتمل التوصل إلى اتفاق قصير الأمد.
وفي الوقت نفسه، حذرت الولايات المتحدة تركيا من تحسين علاقاتها مع سوريا وكذا القيام بعملية عسكرية جديدة شمال سوريا. وعارضت أيضا روسيا التي يقيم اردوغان علاقات قوية مع رئيسها فلاديمير بوتين أي توغل جديد. ويرى غالب دالاي، الزميل غير المقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية حسب الصحيفة أن محادثات تركيا مع سوريا تزيد إمكانية عملية عسكرية لا منعها، فهي تتوقع ضوءاً أخضر من موسكو مقابل التقارب مع الأسد.
ويواجه حزب العدالة والتنمية معركة للحفاظ على الدعم بين السكان في وجه تحالف للمعارضة والذي تعهد بإرسال السوريين إلى بلادهم. وفي استطلاع أجراه مركز متروبول في كانون الأول/ديسمبر وجد أن نسبة 59% من الأتراك تؤيد إرسال السوريين إلى بلادهم.