الرئيسة \  مشاركات  \  بيوجرافيا ترامب وانعكاساتها على السياسة الخارجية الاميركية

بيوجرافيا ترامب وانعكاساتها على السياسة الخارجية الاميركية

16.11.2016
أ .محمد بن سعيد الفطيسي




       يقول عالم الاجتماع الامريكي هارولد لاسويل " إنَّ القادة السياسيين يُسقطون حاجاتهم الشخصيَّة على الحياة العامَّة ، ويُعطون عقلانيَّة لأفعالهم على أساس ما يُعْرف بالخير العام ، باختصار: إنَّ القادة يَعكسون صراعاتهم اللاشعوريَّة ورغباتهم الداخليَّة على الواقع الخارجي ، وحتى في الشؤون الدولية . لذا فان تحليل ما يطلق عليه ببيوجرافيا شخصية من الشخصيات الحاكمة يمكن ان تعطي تصورا استشرافي قابلا لإمكانية التحقق والحدوث على مستوى وضع او توجه او سياسة او سيناريو ما في المستقبل للدولة التي يحكمها , وبمعنى اخر , ان السيرة الذاتية والتاريخ الشخصي للرئيس دولة ما يمكن ان يعطي نوعا من الصور الذهنية القابلة للحدوث في المستقبل بناء على سلوكيات وانفعالات الماضي الشخصي , وتعد شخصية الرئيس ترامب من الشخصيات التي تحمل في طياتها الكثير من الصفات والسمات والسلوكيات  الشخصية التي يمكن ان يستنبط منها بعض الاسقاطات والصور والتصورات الذهنية المستقبلية على صعيد الواقع الخارجي والشؤون الدولية والسياسة الخارجية الاميريكية.
        وبالعودة الى تفكيك السيرة الذاتية للرئيس الاميركي دونالد ترامب منذ نشأته الاولى وحتى نجاحه في الانتخابات الرئاسية الاميركية والتي يمكن الاطلاع عليها عبر العديد من الكتب والدراسات والمواقع الالكترونية التي تناولت حياته الخاصة والعامة , يلاحظ انها تحفل بخليط يتناقض وصفات ومتطلبات رجل السياسة والدبلوماسية والعلاقات العامة , خصوصا عندما تقود وتوجه سياسات وتوجهات دولة عظمى كالولايات المتحدة الاميركية , مع التأكيد على ان هذا النوع من الشخصيات لا يعد استثناء في التاريخ الاميركي , حيث سبقه الى كرسي الرئاسة من امثال شخصيته هذه العديد من الرؤساء كبوش الابن على سبيل المثال .
       وبقراءة سيكوسياسية لأبرز الصفات التي طغت على شخصيته منذ صغره , يلاحظ انه يتصف بصفة الغضب والانفعال الشديد في ردود الافعال تجاه العديد من القضايا التي واجهته في حياته العملية والاكاديمية , كما انه يتصف باستخدام العنف في السلوكيات مع الاصدقاء والعصبية في الكثير من التصرفات خصوصا مع زملاء الدراسة والعمل .يضاف الى ذلك خليط من الغرور والسخط على الاخرين خصوصا الاشخاص الناجحين من حوله .لا يعترف بالأخطاء ومتعصب لأفكاره كثيرا . لا يثق بالآخرين , مشاغب ويحب الانتقام , مع الاشارة الى جانب هو بحد ذاته يعد نوع من التناقض مع تلك السلوكيات الشخصية نفسها , بحيث يستغرب ان تحملها شخصية واحدة في نفس الوقت , وهي حبه للفن والموسيقى والسينما والغناء , وكذلك امتناعه عن التدخين وشرب الكحول .
        بينما ومن جانب اخر يحمل صفات نفسية شديدة العنف الجسدي كحبه لرياضة المصارعة , وكذلك التشدد والعنف الذهني من خلال تطرف الافكار والكراهية للآخر غير الاميركي , يضاف الى ذلك انه من الشخصيات التي تحمل بين جنباتها نوع من حب الذات المريضة والتعصب الشخصي من جهة , وكذلك التعصب الوطني والقومي الشعوبي من جهة اخرى , والذي يمكن تأكيده والاطلاع عليه من خلال مؤلفاته وكتبه ككتاب البقاء في الأعلى وكيف تصبح غنياً وكتاب لن أستسلم أبداً: كيف واجهت أكبر التحديات في النجاح , وآخر كتبه : "أمريكا المريضة...كيف نستعيد عظمة أمريكا", وقد اشار الى هذا الجانب خصوصا المفكر الاميريكي نعوم تشومسكي في قوله ان صعود ترامب يمثل احد العوامل التي دفعتها الشعوبية المستبدة والقومية المتطرفة الى كرسي السلطة والرئاسة .
       كل تلك الصفات الشخصية والسلوكيات والتصرفات النفسية تعطي انطباعا مقلقا كثيرا حيال انعكاساتها على شخصيته كرئيس قادم لأقوى دولة في العالم , والتي تتعامل مباشرة مع الالاف من القضايا الدولية الحساسة والخطيرة . صحيح انه وكما يقول الكثيرون , ان هياكل البناء السياسي للولايات المتحدة الاميركية ونظام الحكم والية اتخاذ القرارات ونظام الفصل بين السلطات سيشكل نوعا من الاحتواء والجدار المانع لانحراف سلوكيات الرئيس وانجرافه وراء العديد من العواطف والاندفاعات والسلوكيات المتسرعة والتصرفات الخارجة عن العقل والمنطق والمصالح السياسية والجيوسياسية الاميركية , والتي لا شك بانها تأخذ في الحسبان في ذلك علاقاتها الدولية والدبلوماسية ومصالحها السياسية مع دول العالم .
        رغم ذلك فإنني ومن وجهة نظري الشخصية اتصور بان السنوات الرئاسية للرئيس الاميركي دونالد ترامب ستحفل بالكثير من المفاجآت العابرة للحدود الوطنية للعديد من دول العالم وملفاته السياسية والاقتصادية , خصوصا دول الشرق الاوسط وعلى وجه التحديد الملفين العراقي والسوري , اللذين اعتقد بانهما سيلامسان خلال الشهور المقبلة نوعا من التوجه الاميركي غير المعتاد حيالهما , مع سيناريو دولي لا اتصور بانه سيخرج عن خليط من القلق والاستفزازات والضغوطات السياسية الدولية التي ستوجهها وترسم ملامحها انطباعات وسلوكيات الرئيس الاميركي دونالد ترامب وكادره الرئاسي المتعصب حيال العديد من الملفات السياسية والاقتصادية على راسها ملف الصراع العربي الاسرائيلي وكذلك علاقة الولايات المتحدة مع بعض دول الشرق الاوسط والخليج العربي التي يجب ان تحتاط للاسوا في مقبل الايام . لذا يمكن تصنيف شخصيته وفق تصنيف باربر الشهير للرؤساء الاميركيين بانه من الشخصيات التي سيسيطر او يهيمن عليها النمط الفاعل – السلبي : حيث يملك صاحب هذا النمط طاقة شخصية عالية ، لكنها موجّهة في كفاح قهري لا متعة فيه ، وليس له سوى مردود عاطفي محدود. ويواجه أصحاب هذا النمط صعوبة في كبت وضبط مشاعرهم العدائية. من أهم أمثلة هذا النمط الرؤساء جورج بوش الابن والرئيس ولسون وجونسون ونيكسون.
       ويرى عالم السياسة "بروس بوكانان" ، أن الرؤساء الأميركيين بلا استثناء يواجهون أربعة تحديات أساسية تعترض مدة إقامتهم في البيت الأبيض , وهي اولا :- المجد المفرط : حيث يكثر المادحون والمتزلفون حولهم ، وتتحول المعارضة إلى مفاجأة يستجيب لها البعض بالغضب حيث يزداد الغضب مع ازدياد القناعة بأقوال المادحين وإجهاد القرارات  وهذا التحدي الاخطر الذي سيواجهه ترامب خصوصا اذا ما اخذنا في الحسبان انه من الشخصيات التي تتصف بحب الذات والظهور الاعلامي والبروز الشخصي وعدم الثقة في الاخرين وكذلك عدم الاعتراف بالأخطاء , وهو ما سينعكس سلبا على بعض الملفات الدولية التي سيعتريها مزاجية التصرف وعدم التحيز في الطرح كما هو حال الملف النووي الايراني الذي سيعاد فتحه بطريقة مقلقة ومستفزة لا يستبعد ان تأخذ طابع الانتهازية .
        اما التحدي الثاني والذي سيواجهه الرئيس ترامب هو العراقيل والحواجز المؤدية للإحباطات وكيفية التعامل معها. من حيث معرفة متى يحارب ومتى ينسحب؟ وهل هو قادر على تحمّل الفشل وهضمه ؟ وفي هذا السياق كذلك , هناك جانب خطير في شخصية ترامب الرئاسية لا يساعد على تحييد القرارات والبعد عن العاطفة والانفعال , حيث وكما سبق واشرنا بانه شديد السخط والامتعاض وسريع الاحباط , اما التوفيق بين أجنحة ادارته وهو التحدي الثالث في مواجهة الرئيس. ونقصد به أسلوب الإدارة التي غالبا ما تواجه الرئيس بمطالب متناقضة ، حيث يجب أن يملك الرئيس القدرة على التوفيق بين هذه القدرة من المتناقضات. وهو التوفيق الذي فشل فيه جيمي كارتر لتدخّله الزائد لدرجة التورط . كما فشل فيه ريغان بسبب تراجعه وعدم تدخله بالمستوى المطلوب , وهو ما نتوقع ان ينطبق على ترامب في موجهة العديد من الملفات والقضايا الدولية القادمة خصوصا حيال الملف الكوري الشمالي الذي سيحاول ترامب مواجهته بشيء من القوة المدفوعة بحب البروز والظهور الاعلامي الهادف الى ترك بصمة ما له في التاريخ الاميركي , كما اتوقع بروز خلافات صينية اميركية قادمة.
       واخيرا الإغراءات الضخمة وهي التحدي الرابع للرئيس الذي يؤكد عليه عالم السياسة الاميركي بروس بوكانان من جامعة تكساس , ويعطي بوكانان مثال على هذا النوع من التحديات في شخصية الرئيس الاميركي السابق جونسون الذي رغب في تحقيق برامجه الاجتماعية مشروع المجتمع الكبير وبأن ينتصر في فييتنام في آن معا. لكن الكونغرس لم يكن مستعدا" لتمويل الاثنين معا . كما أن ريغان كان مستميتا لتحرير الرهائن الأميركيين ولم يكن مستعدا" لإجراء أية مقايضة مع الزعماء الإيرانيين. وفي كلتا الحالتين فإن فشل الرئيسين في تحقيق إغراء الحصول على هدفين في آن واحد قد دفعهما إلى الكذب. كما ان هناك جملة من العوامل تؤثر في أسلوب مواجهة الرئيس لهذه التحديات، كمجموعات المصالح التي يقع على راسها منظمة ايباك والحزب المسيطر على الكونغرس والمحكمة العليا وكذلك الدعم الشعبي, واخيرا أجواء التوقع والتي تذكيها الصحافة ووسائل الاعلام من حوله , وهو امر سيغلب كثيرا على شخصية ترامب المحب للظهور والشهرة والتفاخر والاضواء اصلا منذ مراحل حياته الاولى وحتى لحظات وصوله الى كرسي رئاسة الولايات المتحدة الاميركية .
        عليه فان شخصية الرئيس الاميركي دونالد ترامب والتي وضعناها في خانة الفاعل السلبي مع شخصيات امريكية اخرى كالرئيس الاميركي جورج بوش الابن وكل من الرئيس الاميركي ولسون وجونسون ونيكسون كما سبق واشرنا , ستسير وفق التوجهات والسلوكيات والتصرفات التالية : سيعتمد كثيرا على مستشاريه خصوصا العسكرين والامنيين منهم والذين سيحيط بهم نفسه ورئاسته , ما سيؤثر على توجهاته السياسية اللينة باتجاه المزيد من السياسات الصلبة والنزوع الى التسلح , مع الاشارة الى احتمالات كبيرة للانقلاب على بعضهم بسبب انعدام الثقة وارتفاع منسوب الخوف والتعصب النابع من صراع حب الذات وعدم الاعتراف بالأخطاء والغرور , كما انه وان كان سيعتمد على مستشارية في اتخاذ العديد من القرارات , الا انه وفي نفس الوقت سيحيط نفسه بسياج من السرية الرئاسية كثيرا . ما سيؤدي الى سوء اتخاذ العديد من القرارات من قبل تلك الشريحة او المستشارين انفسهم في بعض الملفات , وهو جانب ستؤكده الاستقالات العديدة التي ستبرز في فترته الرئاسية من قبل كادره الرئاسي .
         كما انه سيندفع نحو اتخاذ قرارات غير مدروسة جيدا في احايين كثيرة وفي اتجاهات استراتيجية غير منطقية او خاطئة على مستوى السياسية الخارجية نظرا لتطرفه وتعصبه من جهة , كما ستنطوي العديد من القرارات على صفة التهرب من الالتزام او الخوف من المواجهة , ما سيوقعه ضحية للعديد من الاغراءات ومساعيه للجمع بين الأهداف المتناقضة. دون امتلاكه المرونة الكافية لوضع جدول اولويات يتيح له التركيز على الأهداف الأهم والتخلي عن الأقل أهمية. وهي سمة مشتركة بين الرؤساء السلبيين ( فاعلين أو منفعلين).
_______________
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية