الرئيسة \  كتب  \  تحقيق كتاب تحفة الترك فيما يجب أن يعمل في الملك

تحقيق كتاب تحفة الترك فيما يجب أن يعمل في الملك

22.10.2016
الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي


بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
     إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلا هادي له ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليماً .
     أما بعد ، فقد أصبح من قبيل الواجب ، أَن يولى نظام الحكم في الإسلام ، ما يستحقه من عناية و اهتمام ؛ خاصة والأُمة الإِسلامية قاطبة ، ترزح تحت أَنظمة سياسية مضطربة ، لا تكاد تصح نسبتها إِلى مبدأٍ سماوي أو نظام أرضي ؛ و شعوبها تئن تحت وطأة الظلم و العسف ، والجور و الاستغلال ؛ وقد ضاقت بها الأرض بما رحبت ، وتشوفت إِلى الخلاص … ولا خلاص ؛ وأعداء الإِسلام السافرون والمقنعون ، يحاولون إِحراج دعاة الحل الإسلامي ، بأسئلة خبيثة عن طبيعة المشروع السياسي الإسلامي ، الذي حال دون ظهوره غبش الماضي ، ومكر الحاضر ، وقلة الناصر …
     هذا الوضع المفجع ، تعيشه الأمة منذ قرون منذ انتقاض الحكم الإسلامي الحق ، بسقوط الخلافة الراشدة .
     وقد حاول طيلة هذه الحقب ، فقهاء وعلماء ، أَن يعيدوا بناء التصور الإِسلامي لنظام الحكم الرشيد ، بمصنفات حقق قليل منها ونشر ، وما زال أكثرها في زوايا النسيان والإهمال ، بمختلف المكتبات العالمية والعائلية .
     ولئن كان الصواب قد جانب كثيراً من هذه المصنفات ، في بعض مباحثها ودراساتـها ، فإِن في جميع ما ألف وصنف ، أرضية صالحة ، تشكل منطلقاً لتجديد البحث و تطويره ، وقاعدة تبنى عليها جهود الخلف المعاصر في هذا الميدان.
     لذلك كان الاتجاه إِلى تراث الأَحكام السلطانية ، الفقه السياسي الإسلامي ، لإحيائه بالتحقيق والدراسة والنشر ، عملية ضرورية للانطلاق في إِعادة بناء التصور السياسي الإسلامي الحق ، وتقديمه إِلى الأمة بديلاً ربانياً عَلَّ الصادقين القادرين من أَبنائها ، يستبين لهم الحق من الباطل ، والرشد من الضلال ، فتكون أوفر النتائج وأطيب الثمار ، لجهودهم الصادقة المخلصة ، الهادفة إِلى إقامة أمر للإسلام ، يعز فيه أَهل طاعة الله ، ويتوب فيه أَهل معصيته و يؤمر فيه بالمعروف ، وينهى فيه عن المنكر ، وتصان فيه كرامة الإنسان ، أَيّاً كان دينه ومذهبه ، ولونه ولسانه ، ومنهج حياته وطريقة تفكيره في ظل المحبة الإِلهية ، والمودة الربانية ) يا أَيُّها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ و أُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوْباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوْا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ  (الحجرات 13 .
     لذلك ، ارتأيت أن أساهم في الجهود التي برزت للنور أخيراً ، جهود إِحياء التراث الفقهي السياسي للأمة ، بتحقيق مصنف (تحفة الترك فيما يجب أن يعمل في الملك) الذي ضمن كتاب ( النور اللامع فيما يعمل به في الجامع ) لإبراهيم بن على الطرسوسي الحنفي ، الدمشقي ، وتقديمه لأبناء الإسلام.
     ولئن كان التصنيف في الأحكام السلطانية قد مَرَّ خلال العهود الماضية بعدة مراحل :
     مرحلة كان فيها الفقه السياسي مواعظ مبثوثة في كتب الأخبار والأدب ، مقتبسة من مبادئ الإسلام ، ونصائح الحكماء ، وتجارب الإنسان ، وتقاليد العرب والفرس والهند واليونان.
     ثم مرحلة كانت مصنفاتها كتباً مستقلة بها، حاول مؤلفوها وضع تصور فقهي لنظام الحكم في الإِسلام ، نائين فيها عن تأثير الثقافة الأجنبية والفلسفة اليونانية، التي حمل لواءها الفارابي وابن سينا وغيرهما ، متخذين من القرآن والسنة النبوية ، وعادات العرب وتقاليدهم ، وسير الخلفاء الراشدين ، والملوك من بعدهم ، مرجعاً تشريعياً وتبريرياً لما ذهبوا إِلى تقنينه من نظم ، وما أباحوه أو أوجبوه أو منعوه من تصرفات.
     ثم مرحلة انكفأ فيها كتاب الأحكام السلطانية، إلى منهج للتصنيف غاية همه الحد من غلواء الملوك والحكام ، وتسلطهم وطغيانهم ، بأسلوب وعظي خانع أحياناً ، مقنع الخنوع أحياناً أخرى، على شكل قصص للتسلية والترفيه، مستعينين في ذلك بتراث الأمم وقصص الحكمة ، وبعض النصوص الإسلامية ، ومقتبسات الشعر والنثر، محاولين إقناع الملوك والسلاطين بأن تطبيق مضمون هذه المصنفات من شأنه أن يحفظ ملكهم ، ويطيل عهودهم.
     فإن كتاب " تحفة الترك فيما يجب أن يعمل في الملك "، جاء يمثل مرحلة متقدمة في هذا المضمار وتتويجاً له؛  ولا مبالغة إِذا زُعِمَ أنه من خواتم ما صدر في الفقه السياسي في تلك العصور . لأنه من آخر ما صنف في الموضوع أَولاً ، ولأنه نهج نهجاً مخالفا لما ظهر قبله في هذا المجال ثانياً .
     فمؤلفه لم يكتبه بأمر " من تجب طاعته أعزه الله "، كما جرت بذلك عادة أغلب كتاب الأحكام السلطانية؛ وهذه ظاهرة إيجابية تنبئ عن موضوعية المؤلف و استقلاليته.
     ولم ينح فيه منحىً تبريرياً لأعمال الملوك والحكام، كما فعل من سبقه ممن كانوا يتتبعون تصرفات الرؤساء، لإضفاء الشرعية عليها بمختلف أساليب التحايل الفقهي والاستدلال العقلي والسفسطة المتمنطقة؛ بل انطلق في كتابه يأمرهم بما ينبغي لهم أن يفعلوه وما لا ينبغي ، في مجال رعاية شؤون الأمة وتسيير مرافقها . وهذه انطلاقة جديدة لم نعهدها في الدراسات التي سبقته .
     ولم يحاول فيه أن يخلط بين أحكام المذاهب الإسلامية، لينتقي منها ما يقربه إلى قلوب الملوك . وإنما حاول بوضوح تام ، وربما لأول مرة في تاريخ الأحكام السلطانية، أن يأطرهم على مذهب واحد معين ، هو المذهب الحنفي ، ويخضعهم لأحكامه ، ويضيق عليهم مجال المناورة في التخير والانتقاء. فكان هذا المصنف بحق من جملة الإرهاصات التي مهدت لقيام الخلافة العثمانية ، وتبنيها للمذهب الحنفي رسمياً ، فقهيّاً وسياسياً.
     لكل هذه الأسباب ولغيرها ، رأيت أن يضاف هذا المصنف إلى عملية الإِحياء المعاصرة ، كي يرجع إليه ـ مع غيره ـ الصادقون من المهتمين بالدراسات السياسية الإسلامية؛ لعل ملامح من الهدف المنشود تتراءى ، وبارقة من النظام السياسي الإسلامي تهل ، وصارماً للحق على الباطل يسل، إذ لابد لليل أن ينجلي ، ولاــبد للإسلام أن يظهــــر .   (( هُوَ الَّذِيْ أَرْسَلَ رَسُولَهَ بِالْهُدَى وَدِيْنِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّيْنِ كُلِّهِ وَلَوْكَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )) التوبة 33/ الصف 9 .
(( هُوَ الَّذِيْ أَرْسَلَ رَسُوْلَهُ بِالْهُدَى وَدِيْنِ الْحَقِ لِيُظْهِرَهَ عَلَى الدِّيْنِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيْداً )) الفتح 28 .والله المستعان وهو ولي الصادقيـن .
طرابلس: في يوم الجمعة 17 ذي القعـدة 1419
من الهـجرة  النبـويـة  الشـريـفة على صـاحبها أوفى الصـلاة والســلام وعلى آله وصـحبه ومن تبعـه بإِحسـان .

لتحميل الكتاب كاملا انقر على الرابط التالي:
http://www.alhamdawi.com/files/files/tuhfa_compleet.pdf