الرئيسة \  تقارير  \  تركيا والولايات المتحدة : السياسة الدولية والتضاربات الإستراتيجية

تركيا والولايات المتحدة : السياسة الدولية والتضاربات الإستراتيجية

25.07.2024
ترك برس



تركيا والولايات المتحدة : السياسة الدولية والتضاربات الإستراتيجية
ترك برس
الاربعاء 24/7/2024
تناول تقرير تحليلي للسياسي والبرلماني التركي السابق ياسين أقطاي، تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا بسبب سياساتها المتعارضة في المنطقة، منتقدا بشدة الدعم الأمريكي للعمليات الإسرائيلية في غزة ولتنظيمات مسلحة في سوريا تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
واعتبر أقطاي في تقريره بصحيفة يني شفق أن هذا الدعم يعكس تناقضات واضحة في السياسة الخارجية الأمريكية دون تفسير أو محاسبة.
وأكد على أن التحالف الأمريكي مع تنظيمات مسلحة في سوريا، مثل "بي كي كي/بي واي دي"، يهدف إلى خلق نظام بديل يؤثر على مصالح تركيا ويهدد استقرار المنطقة بشكل عام. وانتقد بشدة هذه السياسة ووصفها بأنها جريمة دولية تدعم الإرهاب وتتعارض مع القانون الدولي.
وعبّر أقطاي أيضًا عن استنكاره للموقف الأمريكي العنيد والمتعالي تجاه الانتقادات والمساءلة، بينما يظل متمسكًا بدعمها لأنشطة معينة في المنطقة. وشدد على أن هذه السياسات تعكس نمطًا قوميًا يسيطر عليه القوي وتهدد الأمن والاستقرار الإقليمي بشكل كبير.
وفيما يلي نص التقرير:
تواصل الولايات المتحدة تقديم دعمها اللامحدود للعدوان الإسرائيلي المستمر في غزة منذ 290 يوما، بينما تقدم في نفس الوقت وبنفس الاستهتار دعما غير محدود لتنظيم إرهابي في سوريا بحجة محاربة تنظيم إرهابي آخر. ورغم أن هذا الدعم يتضمن عدوانا وعداء ضد حليفها في الناتو، ثاني أكبر شريك في التحالف، إلا أنها تواصل هذا الدعم دون أدنى شعور بالحاجة إلى تفسير هذه التناقضات والازدواجية الواضحة. وتتخذ الولايات المتحدة موقفا متعاليا، رافضة أي مساءلة أو نقد. وتسعى الولايات المتحدة، من خلال دعمها لسنوات طويلة لتنظيم "بي كي كي/ بي واي دي" الإرهابي في المناطق ذات الأغلبية العربية في سوريا، إلى تأسيس نظام بعثي جديد يتمحور حول الأكراد. ولا تعيروا اهتماما لقولي "يتمحور حول الأكراد" فقبل كل شيء سيسلب هذا الدعم من الأكراد هويتهم الكردية، ويحولهم إلى جنود مرتزقة لإسرائيل.
لو كانت هناك سلطة قادرة على تنفيذ القانون الدولي، لاعتبر سلوك الولايات المتحدة هذا، جريمة تدعم الإرهاب وجريمة ضد الإنسانية. ولكن من الحقائق المأساوية أن العلاقات الدولية تحكمها القوة، حيث ينتصر الأقوى. وتواجه البشرية اليوم أشد تجليات هذه الحقيقة قسوة.
ففي الوقت الذي تعد فيه الولايات المتحدة مجرمة أمام العالم أجمع، وأمام تركيا على وجه الخصوص، بسبب دعمها لكل من إسرائيل المبيدة للإنسانية ومرتزقتها تنظيم "بي كي كي" الإرخابي، لا تتورع بعض الأوساط في الولايات المتحدة عن تصنيف الدعم الخطابي الذي تقدمه تركيا لحماس على أنه "دعم للإرهاب".
إن الدعم الخطابي والدبلوماسي الذي تقدمه تركيا لحركة حماس يمثل في الواقع تحديا صريحا من جانب الرئيس أردوغان لنفاق النظام العالمي الصهيوني. وليس هذا الأمر سرا خفيا. ولكن هناك حملة شعواء من قِبل لوبيات إسرائيلية في الولايات المتحدة وبتحريض من إسرائيل، تهدف إلى اتهام تركيا بتقديم دعم عسكري فعلي لحماس، مستغلة استفزازات إسرائيل. وتركز هذه الجهات بشكل خاص على دعم تركيا لجرحى غزة الذين يتم نقلهم للعلاج في تركيا، بل حتى المساعدات الإنسانية التي حاولت إيصالها إلى غزة، سعيا منهم بكل وقاحة لتصنيف هذه الجهود كدعم مباشر لحماس وبالتالي للإرهاب. ففي الوقت الذي باتت فيه صورة إسرائيل راسخة في عقول جميع أنحاء العالم باعتبارها مجرمة ضد الإنسانية، ومرتكبة لجرائم الإبادة الجماعية، ومجرمة حرب دنيئة، يعتبر شن هكذا هجوم تصرفا وقحا يثير الغضب. ولا شك أن هذه الجرأة تستمد قوتها من النظام العالمي المجرم.
أصبح من الملح أن تبحث الولايات المتحدة مع إسرائيل، عن خطوات مضادة تفشل دعم الولايات المتحدة للإرهاب، وذلك في مواجهة الأنشطة الصهيونية داخل سوريا. وقد صرح وزير الخارجية هاكان فيدان مؤخرا، تعليقا على احتمال عقد لقاء بين الرئيس أردوغان وبشار الأسد، بقوله: "إن روح العصر تدفعنا إلى السعي لتحقيق السلام".
لا شك أن "روح العصر" مفهوم مجرد بطبيعته، ويفسح المجال أمام بعض التأويلات السياسية. فما الذي تريده "روح العصر" منا حقا؟ لا يعني ذلك أبدا التخلي عن السياسة أو حصر الخيارات في جانب واحد، ولكن قد يكون له جانب يمارس الضغوط. ومن أجل ذلك، يجب أن نملأ هذا المفهوم باستراتيجية محكمة وتقييمات واقعية. فلا يمكننا بالطبع القبول بالتسليم المطلق لبعض التطورات والخيارات من خلال هدنة مقتصرة على "روح العصر". بل على العكس، فإن هذا المفهوم يشير إلى ضرورة تقييم الفرص الجديدة التي تظهر أمامنا بذكاء ودراستها جيدا لمواجهة التهديدات المستجدة التي تفرضها التغيرات العالمية.
يتضح جليا أن أنشطة إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة تشكل تهديدا مباشرا لتركيا. فلا يخفى على أحد أن جزءا كبيرا من تركيا يقع ضمن نطاق تطبيق المشروع الصهيوني، وأن الجهود المبذولة لإنشاء جيش من المرتزقة من "بي كي كي/ بي واي دي" الإرهابي ليس لها معنى آخر.
لا يقتصر تهديد المشروع الصهيوني على تركيا فحسب، بل يطال سوريا أيضا، وبالتالي تتطلب هذه الظروف اتخاذ موقف مشترك من قبل دول المنطقة، يتضمن التعاون والتواصل لمواجهة هذا التهديد.
ومع ذلك، تكمن المشكلة في مدى إدراك بشار الأسد لهذا التهديد وفهمه له، أو حتى مدى اهتمامه به. هل تتواجد الولايات المتحدة في سوريا رغما عن الأسد؟
ويمكن اعتبار ردود الفعل الأولى للأسد على تصريحات أردوغان في هذا الصدد ردود فعل طبيعية لحالة العداء التي سادت بين البلدين على مدار 13 عاما. ولكنها من جهة أخرى تثير أيضا تساؤلات حول ما إذا كان الأسد، حتى لو أراد ذلك، قادرا على تقديم ما يتوقع من هذه العملية التطبيعية، فقد أقام تحالفات معادية لشعبه على مدى 13 عاما للحفاظ على سلطته في بلاده، وقد لا يكون لديه القدرة على تغيير هذه التحالفات لصالح تركيا حتى لو أراد ذلك.
لقد استغل الأسد الفرصة فورا لطرح شروطه في التصريح الذي أدلى به أمام الكاميرات، مستمتعا بأن طلب اللقاء قد أعلن عنه لأول مرة من قبل أردوغان، فشرع في تقديم شروطه على الفور قائلا: أولا يجب على الأتراك الانسحاب من الأراضي السورية ووقف دعمهم للجماعات الإرهابية.
هل يستطيع الأسد توجيه مثل هذا النداء إلى الولايات المتحدة، التي تحتل جزءا من أراضي بلاده نيابة عن إسرائيل، عدوه اللدود؟ هل قام الأسد حتى الآن بأي خطوة لطرد إسرائيل من الجولان الذي احتلته منذ عام 1967. يستغل الأسد الفرصة لمهاجمة العمليات العسكرية التي اضطرت تركيا للقيام بها في سوريا. متناسيا مجازره غير المسؤولة والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بحق ملايين السوريين، والتي أدت إلى دخولهم تركيا، وتشكيل تهديد أمني لتركيا بعد مرحلة معينة.
أعتقد جازما أن أي محادثات مع بشار الأسد لن تحقق أي فائدة تذكر. لا يمكن للأسد تقديم حل يمكن اللاجئين السوريين في تركيا من العودة إلى بلادهم، كما لا يمكنه المساهمة في إزالة التهديد الإرهابي لتركيا المتمثل في تنظيم "بي كي كي" الإرهابي المدعوم من الولايات المتحدة وإسرائيل. صحيح أن الأسد غض الطرف عن العمليات التي نفذتها الولايات المتحدة ضد تركيا باستخدام "بي كي كي" ولكن لا بد من فهم دوافع هذا السلوك. ففي ظل الظروف التي يمر بها الأسد، لا يملك خيارا سوى غض الطرف عن الولايات المتحدة. ولن يكون له خيار آخر في المستقبل. بمعنى آخر لا يملك الأسد أي سلطة أو رغبة في تغيير الواقع الحالي في سوريا.
إنه ليس في موقف يسمح له بطرح أي شروط بشأن هذه القضية، ولكن إذا كان لديه نية حقيقية للبدء من جديد، فيمكنه البدء بتسليم حلب إلى قوة دولية مثل الأمم المتحدة لضمان عودة المواطنين السوريين في تركيا إلى بلدهم.
فمن غير الممكن إقناع السوريين في الخارج بالعودة إلى بلد خاضع لسيطرة الأسد، حيث تستمر جرائم القتل والظلم والتعذيب كما في الأيام الأولى. إذا أردنا تحقيق تقدم حقيقي، فيجب أن نركز على هذه الخطوة كبداية واقعية.