تركيا وليست إسرائيل ... شاغل إيران
18.12.2024
يوسف بدر
تركيا وليست إسرائيل ... شاغل إيران
يوسف بدر
المصدر: النهار
الثلاثاء 17/12/2024
الصورة التي خيمت على أذهان الإيرانيين هي أن رحيل بشار الأسد كان بمثابة الضربة التي قضت على عملية "طوفان الأقصى" لمصلحة إسرائيل التي استطاعت أن تفكك محور المقاومة الذي اتخذته إيران قنبلةً نووية بديلة من أجل تحقيق التوازن الأمني في المنطقة.
ويدور التساؤل الآن عن مستقبل سياسة إيران الخارجية. والإجابة عن ذلك هي ما ركز عليه خطاب مرشدها، علي خامنئي، الأربعاء 11 كانون الأول (ديسمبر)، الذي كان بمثابة خريطة لسياسة المرحلة المقبلة، بضرورة تعلم الدرس من الأحداث السورية، باعتبار أن اللعبة لم تنته، فلا يمكن الحكم على الوضع في سوريا وهي لم تستقر بعد، وأن طهران ستظل تحافظ على مكانتها الإقليمية، وأن فكرة المقاومة دافعها الوجود الأميركي والاحتلال الإسرائيلي وليس الأسد، ولذلك هي لن تموت. كما أن إشارته إلى دور تركيا في أحداث سوريا يعني أن إسرائيل ليست وحدها المُهدد للتوازن الأمني في المنطقة.
بدلاً من المواجهة
ويمكن القول إن إيران التي ترسخت قناعتها بعدم الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، اختارت التضحية بالأسد، بدلاً من تورطها معه، وهو ما أشار له خامنئي بأنه "ليس من المنطقي أن نقاتل بدلاً من الجيش السوري". فقد اختارت طهران أولوية الحفاظ على حضورها الإقليمي بدلاً من عزلتها، وذلك لمواجهة خطة إسرائيل نحو تشكيل شرق أوسط جديد، يكون إضعاف إيران أو القضاء عليها جزءاً منها.
الدرس السوري
تقلق طهران أن يكون نظامها هو الهدف التالي، ولذلك حذر خامنئي من خطاب إعلامي أو سياسي ناطق بالفارسية - أي ما يفهمه المواطن الإيراني - يكرس الخوف وبث روح الهزيمة. ويبدو أن الدرس السوري كان واضحاً حيث سيكون تآكل القاعدة الشعبية لنظام الأسد، وسأم حتى قواته المسلحة من استمرار الأوضاع السيئة، معززاً للحكومة الإصلاحية في إيران، برئاسة مسعود بزشكيان، الذي يراهن على ولاية دونالد ترامب للوصول إلى صفقة يتم من خلالها تخفيف العقوبات عن كاهل اقتصاد بلاده.
ولذلك نجد بزشكيان يتجاهل أحداث المنطقة ويركز على أولوية تحقيق الرؤية الاستراتيجية لمكانة إيران الإقليمية في مجال الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا، أي أولوية دعم الجبهة الداخلية أولاً.
تضخم تركيا
إن شاغل إيران الآن هو الدور التركي في منطقة الشرق الأوسط، الذي لا يقتصر على المنطقة العربية ومنطقة شرق المتوسط، بل يمتد إلى محيطها في العراق ومنطقة جنوب القوقاز وآسيا الوسطى، أي محاصرة إيران من كل الجوانب، ما يمكن أن يُحيي حقبة الصراع الصفوي- العثماني مرة أخرى. وكلا البلدين يتنافسان على مناطق جغرافية واحدة بحكم الجوار. لكن فراغ الساحة السورية لمصلحة تركيا يرفع من مستوى منافستها إيران في مناطق مثل العراق أو حتى لبنان، بالإضافة لفتح شهيتها للهيمنة على ممرات التجارة البرية والبحرية من البحر المتوسط حتى بحر قزوين.
إن اللعبة لم تنته، بمعنى أن هناك أطيافاً مختلفة داخل سوريا، على رأسها الأكراد والعلويون والشيعة، ما يمكن أن يوفر لطهران أدوات ضغط على أنقرة التي تهدد إيران شمالاً بتحالفها مع أذربيجان وإسرائيل. وكذلك يمكن لإيران أيضاً أن تبحث عن تحالف أمني على غرار عضوية تركيا في الحلف الأطلسي (ناتو)، بانضمامها إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا.