الرئيسة \  دراسات  \  ثقافة حديثية ميسرة – 16

ثقافة حديثية ميسرة – 16

21.04.2022
زهير سالم



زهير سالم*

أثر الابتداع في الدين في الجرح والتعديل...
2- من فرق المبتدعة: المشبهة ..
والمشبهة فرقة أخرى من فرق أهل البدعة والضلالة في تاريخ الإسلام. وهي نقيض فرقة المعطلة التي عطلت كل النصوص الثابتة المتعلقة بالأسماء والصفات، وأولتها تأويلات بعيدة، خارجة عن التصور الإسلامي القويم..
والمشبهة فرق ومدارس، وقوام مذهبهم أنهم يشبهون الله بخلقه. ويتمسكون بظاهر نصوص آيات الأسماء والصفات، ويزعمون أن الله ،جل الله، جسم وله من الأعضاء ما ذكر في ظاهر الآيات. يد وعين ووجه وأنه يجلس العرش، ويصعد وينزل ويروح ويجيء !!. ويمرون كل هذه الآيات وربما زادوا واستفاضوا في التشبيه. اعتمادا على حديث أبي هريرة المتفق عليه "إن الله خلق آدم على صورته" فتحدثوا عن ..
وهنا حقيقة أخرى أخرى تتعلق بعلم الحديث أذكركم بها عندما نصير إليها. ونصير إلى مثل هذا الحديث وأمثاله من النصوص.
وتصل بهؤلاء ترهاتهم أن يقولوا في الله قولا منكرا عظيما، لا تكاد تحتمله العقول السوية، والقلوب النقية. وقد ألف في القرن السادس الهجري الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي كتابا في الرد عليهم سماه "دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه" وأورد فيه بعضا من مقالاتهم الشنيعة، التي تقشعر منها الأبدان، وردها عليهم ردا جميلا مفندا ما قالوا. والخطير في الأمر أن أصحاب هذه البدعة الشنيعة ما يزال لهم بقايا تعيش بين المسلمين، وينفثون جهلهم في عقول الأجيال. مدعين التمسك والالتزام.
مذهب أهل السنة والجماعة بين المعطلة والمشبهة...
إن الآية المفتاحية التي يتفق عليها أهل السنة والجماعة في فهم آيات الأسماء والصفات، وبناء التصور الإسلامي القويم عن الله سبحانه وتعالى هي قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ). فكل التفسيرات والتصورات التي يعتقدها المسلم عن الله سبحانه وتعالى تقوم على أساس هذه الآية الكريمة، وتنضبط بها. ويقول أهل التفسير: إن الكاف في قوله "كمثله" للتوكيد، والمعنى المراد: ليس مثلَه شيء . بمعنى نفي المثل والشبيه والند والكفو والشريك عن الله تعالى. وكل آية في كتاب الله أوهمت غير ذلك، من اسم أو صفة أو نسبة حركة أو فعل مثل "يضحك ربكم ..يعجب ربكم .. يغضب ربكم" يجب أن ينضبط تفسيرها بها وأنه تعالى ربنا (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ولا هو مثل شيء من خلقه. الله ربنا جل وعلا ليس جسما ولا تشبهه الأجسام، خلق الزمان والمكان فليس يحتويه زمان ولا مكان بل هو في سرمديته متعال عن الزمان والمكان..
ويتفق أهل السنة والجماعة على الإيمان بكل ما ورد في كتاب الله تعالى من حديث عن أسماء وصفات. فهو الله الواحد الأحد الفرد الصمد الغفار الوهاب الرحمن الرحيم الودود اللطيف الخبير مالك الملك القريب المجيب المتعال ..
ويمرون على آيات مثل قوله تعالى لسيدنا موسى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي). وقوله تعالى (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) وبقوله تعالى (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) وبقوله تعالى (الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ) وبقوله تعالى (وَجَاءَ رَبُّكَ) .. فيتفقون على أصل ويختلفون على فرع.
أما الأصل الذي يتفقون عليه فهو إثبات هذه الصفات لله تعالى على قاعدة أنه ليس مثله شيء. فيقولون عين ليست كالأعين، ويد ليست كالأيدي، واستواء يليق بجلاله. ومجيء يليق بتنزيهه وهكذا ...ثم يفترقون،
ففريق يسمى أهل التفويض يقول: نؤمن بكل ذلك لربنا، على المعنى الذي أراده منه، وفي إطار (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ونتوقف عن مراد الله فيه. من غير "تعطيل ولا تشبيه" في إعلان براءة من الفرقتين المبتدعتين اللتين نتحدث عنهما أقصد المعطلة والمشبهة .
والفريق الثاني ويسمى أهل التأويل يقول: نؤمن بكل ذلك لربنا، ونسلم به وفي حدود قول ربنا (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) من غير تعطيل ولا تشبيه، ولكننا علمنا من دلالات اللغة أن لفظة العين تدل على رعاية وعناية وكلاءة فنفهمها من قوله ولتصنع على عيني. وأن اليد ترمز إلى القدرة ومباشرة التنفيذ، فنفهمها من قوله تعالى خلقت بيدي، واليد المبسوطة تشير إلى وافر العطاء. والوجه يشير إلى الإنسان حقيقته وذاته، والاستواء يفيد الاستيلاء والسيطرة، وهكذا يلتحم مذهب أهل السنة والجماعة على هذين القولين غير المتعارضين، بل ربما يتقدم أحدهما خطوة على أخيه.
إن مدرسة الإغراق في التشبيه أدخلت الوهن والفساد على العقل المسلم بحيث أدت في تاريخ التصورات الإسلامية إلى نوع من الوثنية. وكثير من عقائد أهل التشبيه إنما هو متسرب من الإسرائيليات ففي العهد القديم في الحكاية عن ربنا جل وعلا أنه خرج يتمشى في الجنة عند العصر، وأنه جل ربنا صارع يعقوب فلم يقدر على صرعته حتى ضرب حُق فخذه!!
إن التئام موقف أهل السنة والجماعة كان في كل العصور على اعتقاد أمرين: الأول الاتفاق على التنزيه المطلق لله تعالى، وأنه ليس كمثله شيء، وليس له ند ولا شبيه ولا شريك. وأنه ربنا لا يشبه أحدا من خلقه، ولا يشبهه أحد من خلقه. ثم التسليم بسائر الآيات والنصوص القطعية الواردة في ذكر أسماء ربنا وصفاته تعالى. ثم يعذر أهل التأويل أهل التفويض في توقفهم.
و ولقد كان لهذه البدعة بدعة القول بالتشبيه والتجسيد مساحة أوسع في مناهج علماء الحديث سنصير إليها عندما نعالجها في سياقاتها...
والله أعلم
لندن: 19 / رمضان / 1443
20/ 4/ 2022
____________
*مدير مركز الشرق العربي