الرئيسة \  مشاركات  \  ثوابت ما يجري

ثوابت ما يجري

19.12.2016
صلاح المختار


وضعنا الحالي في سوريا والعراق واليمن وليبيا اضافة لاوضاع اقل كارثية في اقطار عربية اخرى تنتظر الوصول لكوارث اعظم تقدم لنا على طبق من فولاذ حقائق لا يمكن انكارها او تجاهلها ابرزها ما يلي:
1-ما يجري هو عبارة عن اكبر عملية تغيير سكاني مخططة تشهدها المنطقة كلها حيث يهجر العرب بالملايين نتيجة الوحشية المتطرفة لنغول اسرائيل الشرقية والذين يقودهم قاسم سليماني علنا ، فمن سوريا هجّر – والرقم قابل للزيادة والنقصان - اكثر من عشرة ملايين عربي سوري ، ومن العراق هجر اكثر من ستة ملايين عربي عراقي ، وجلبت اعداد ضخمة من الفرس والافغان والباكستانيين والعراقيين من اصول ايرانية واسكنوها في مدن العرب الذين هجروا . وكي تتجسد لنا طبيعة العملية لابد من التذكير بان عدد من هجر من فلسطين في عام 1948 كان لا يتجاوز الثلاثة ارباع المليون عربي فلسطيني فقط والان بلغ عددهم ما بين اربعة وخمسة ملايين فلسطيني وهذا الرقم جزء بسيط من عدد من هجر من سوريا والعراق وبلغ اكثر من 16 مليون عراقي وسوري  وهذه الارقام فقط تكفي لتأكيد ان كوارثنا الحالية اكبر واخطر من كارثة فلسطين .
2- التهجير الملاييني هدفه انهاء الهوية العربية للوطن العربي وتحويله الى مكان لتجمع كتل بشرية متنافرة الهوية والثقافة والتوجهات وبذلك لا تبقى هوية مشتركة وهو ما يخدم عدة اطراف : الكيان الصهيوني في فلسطين الذي اعلن رسميا ان بقاءه وتعاظم قوته رهن بتدمير وتقسيم العرب وتحويلهم الى كتل بشرية متناحرة تنشغل بكوارثها عن مواصلة العمل لتحرير فلسطين او اي ارض عربية محتلة . كذلك هو يخدم اسرائيل الشرقية لانه يوفر لها اعظم الفرض للانتقام من العرب الذين نجحوا في اسقاط امبراطورية الفرس عند نشر الاسلام والتعبير عن كراهية عنصرية كانت مضمرة لكنها اعلنت بعد غزو العراق وسوريا واصبح التوسع الامبريالي الايراني علنيا خصوصا وان اغلب السكان الذين جلبوا لاسكانهم في العراق وسوريا هم من الفرس ، لهذا فان التغيير السكاني يفضي الى زيادة قدرة اسرائيل الشرقية على التدخل والتأثير في توجهات العراق وسوريا .واخيرا فان لامريكا مصلحة ستراتيجية في انهاء الهوية العربية واقامة كيانات صغيرة من كتل سكانية متنافرة تحقق هدف التحكم السهل فيها وتعزيز وترسيخ وتوسيع المصالح الامريكية في الوطن العربي .
3- الرافعة الاساسية لعمليات التهجير السكاني هو دعم الغرب والصهيونية لاسرائيل الشرقية للقيام بتلك المهمة التاريخية الفريدة لانها تملك الادوات البشرية داخل الوطن العربي اللازمة لتحقيق عمليات الابادة الجماعية للعرب ونشر الرعب بين العرب من اجل اجبارهم على الهجرة وترك وطنهم وحفر ذكريات متطرفة الالم في ذاكرتهم ونفوسهم بحيث يرفض قسم كبير منهم العودة حتى لو توفرت ظروف مناسبة لها ، وذلك احد اهداف القسوة المفرطة تجاه العرب التي نراها في ممارسات ميليشيات اسرائيل الشرقية في حلب وغيرها وفي العراق كله .
4- الغرب والصهيونية العالمية ورغم انهما المهندس الاصلي لما يجري والضامن الاهم لتواصله وعدم توقفه فانهما باستخدامهما اسرائيل الشرقية ونغولها العرب تريدان التملص من المسوؤلية عما يجري سواء كانت قانونية او ثأرية لاحقا وترميان المسؤولية على طهران ونغولها ، لانهما تدركان ان العالم يتغير وسوف يأتي يوم تصبح فيه امكانية محاسبة من اباد الملايين ومن هجر ملايين اخرى ممكنة وعندها فان الادلة بغالبيتها تدين اسرائيل الشرقية ونغولها وتبرئ اسرائيل الغربية وامريكا ، الامر الذي يحصر عمليات الثأر والحساب بين العرب والفرس .
كما ان تدخل روسيا فيه مصلحة امريكية وصهيونية مباشرة وتتمثل في تحميل روسيا ، وليس الغرب والصهيونية فقط ، نتائج كوارث سوريا مثلما تحمل اسرائيل الشرقية مسؤولية الجرائم في العراق وسوريا واليمن وغيره . وتهديم النظرة الايجابية العربية تجاه روسيا تخدم اهداف الغرب خصوصا عزل روسيا عن العرب والعالم الاسلامي من هنا فان صمت امريكا على جرائم روسيا في سوريا له ابعاد ستراتيجية خطيرة وتتمثل في زيادة عوامل اضعاف روسيا .
5- ترويج فكرة ان الغرب وروسيا تدعمان (الشيعة) ضد (السنة) ذات ابعاد خطيرة  يجب الانتباه لها ، نعم صحيح امريكا وروسيا واطراف اوربية تدعمان ما يسمى (المعسكر الشيعي) الذي تقودة اسرائيل الشرقية في حملاته الصليبية المتطرفة ضد العرب واستخدام وصف (العرب السنة) ، ولكن تذكر طبيعة الصراع وهي انه صراع قومي بين العرب والفرس اصلا وواقعا وان النخب القومية الفارسية ، واكثرها تطرفا قوميا هي نظام الملالي في طهران ، تستخدم التشيع غطاء لاخفاء هدفها القومي العنصري العدواني من اجل خداع وتضليل عرب سذج وزجهم في صراع لايخدم عروبتهم باي شكل من الاشكال .
وبناء عليه فان قبول فكرة ان هناك دعما دوليا (للشيعة ضد السنة) هو تحريف للواقع الذي يؤكد بان الغرب والصهيونية تدعمان التوسع القومي الفارسي من حيث الجوهر لكنهما يستخدمان فكرة الصراع السني الشيعي لانها تدعم امكانيات اشتعال فتن طائفية في الوطن العربي وهو هدف جوهري للغرب والصهيونية ، وهذه الفتن لم تقع ولن تقع كثمرة لاقتناع الناس بان ما يجري ليس صراعا بين السنة والشيعة بل هو صراع قديم يتجدد بين العرب والفرس وهذه الحقيقة تتجسد في كل العراق وابرز مثال حي لها هو انتفاضة ملايين العرب في جنوب العراق وهم من الشيعة ضد اسرائيل الشرقية ونغلها الاهم نوري المالكي الان وفي هذه الايام بالذات وبعد 14 عاما على الاحتلال .
ومن النتائج الخطيرة ايضا ان فكرة ( دعم الغرب للشيعة ضد السنة ) تؤسس لتوسيع نطاق الحروب لتصبح حروبا اقليمية تنخرط فيها تركيا واسرائيل الشرقية وتحت لافتة اخرى بدأت تظهر منذ سنوات وهي (عودة صراع العثمانيين  والصفويين) ، فالاتراك طبقا لهذه الفكرة يحمون السنة واسرائيل الشرقية تحمي الشيعة – بالطبع هذا غير صحيح تماما - وهكذا تتحول المنطقة المسماة ب( الشرق الاوسط ) الى ساحة حروب طاحنة ظاهرها الطائفية وباطنها المصالح القومية تشكل كل الاقطار العربية وتركيا واسرائيل الشرقية وملايين المسلمين من السنة والشيعة في غير تلك البلدان وقودها  وهو ما يسعى اليه الغرب والصهيونية علنا .
انها محاولة واضحة لاخفاء اصل الصراع وهو انه صراع عربي فارسي جذوره قومية وتاريخية تسبق الاسلام بالاف السنين ومن يريد التأكد عليه تذكر كيف ان الفرس هم من حطموا بابل لاجل انقاذ اليهود من الاسر البابلي عندما لم يكن الاسلام قد ولد بعد وهم من غزو العراق مرارا وتكرارا وايضا قبل الاسلام .وتضليل هذه الفكرة يزداد وضوحا بملاحظة ان الشيعة العرب في العراق يتعرضون لابشع عمليات الابتزاز والافقار والابادة على يد اسرائيل الشرقية فهم وقودها في حربها ضد شعب العراق والذين يقتلون يوميا بالعشرات لدرجة ان مقبرة النجف – اكبر مقبرة في العالم - لم تعد تتسع للجثث وتوسعت الى مناطق اخرى ، ومن يقتل فمن اجل مصالح الفرس وليس مصالح شيعة العراق الذين زاد فقرهم واستغلالهم وبؤس حياتهم وصار الموت قدرهم تماما مثل السنة . فهل تخفى هذه الحقيقة ؟
6-ان تفرج الامم المتحدة والجامعة العربية ومنظمات حقوق الانسان على المجازر الحالية وعدم القيام بواجباتها المطلوبة ليس الا جزء من الخطة المعادية للعرب والداعمة لعملية التغيير السكاني للوطن العربي وهي ليست ثمرة تقصير جهة ما او شخص ما ، والا لم تنهض هذه الجهات وترفع صوتها وتسخر امكانياتها ضد اي خطوة لا ترضى عنها امريكا والصهيونية ولدينا مثال تدمير العراق في عام 1991 بشن العدوان الثلاثيني عليه بقرار من الامم المتحدة والجامعة العربية وبدعم لجان حقوق الانسان ؟
7- روسيا تحقق هدفين من الانغماس في عملية التهجير المنظم للعرب من وطنهم في سوريا بدعم بشار والعراق بدعم حكومة المالكي اولا ثم حكومة العبادي:  الهدف الاول هو تصفية العناصر التكفيرية في سوريا والعراق من جنسيات روسية لان عودتهم الى روسيا سوف تقترن بقدرات اكبر على تهديد الوضع الروسي اما الهدف الثاني فهو توسيع نطاق النفوذ الروسي عالميا من اجل فرض دورها كشريك مكافئ لامريكا في قيادة العالم واقامة النظام العالمي الجديد.
8- ان تحويل الصراع من صراع عربي فارسي ، وهو واقع الحال وجوهره ، الى صراع سني شيعي يشمل الاقطار العربية ودول الاقليم غير العربية يدعم واحدة من اهم اطروحات اسرائيل الغربية وهي ان الصراع معها ديني وان المنطقة كلها تخوض صراعات دينية ولهذا فان من حق اسرائيل الغربية ان تؤكد على انها دولة دينية يهودية وان اول واجباتها حماية نفسها من (النزعة العدوانية الاسلامية ) ، وان على العالم الاعتراف بانها دولة يهودية ، وهذا المطلب الصهيوني يبدو في حالة اعتبار الصراعات دينية وليس قومية طبيعيا ومنطقيا ، وهنا تكمن احد اهم مصالح الصهيونية في تصوير الصراع على انه صراع سني شيعي وان الدين هو محرك الحروب ، واذا تحقق ذلك فان اقامة  مشروع ( الوطن البديل ) في الاردن  يصبح ممكنا ويرحل كل فلسطيني الى الوطن الفلسطيني البديل وهو الاردن وغرب العراق  وعندها سنرى الاردن يدخل نادي الكوارث مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن .
9-واخيرا وليس اخرا فان اعتبار الصراع الحالي صراعا سنيا شيعيا يخدم اهم الاهداف المرحلية للمخطط الغربي خصوصا الامريكي وهو اقناع الرأي العام في الغرب بان الاسلام هو مصدر الشرور والحروب ومن ثم فمن واجب الانسانية القضاء على المسلمين بلا رحمة بالحروب بكافة اشكالها لانقاذ البشرية من شرورهم ! وترويج هذه الفكرة يسمح للبرلمانات الغربية باتخاذ قرارات دعم الحروب ضد المسلمين وشيطنتهم ومنع اي تعاطف معهم ولهذا نرى الصمت العالمي الان على مجازر سوريا والعراق وليبيا واليمن وكأن من يقتل ليس بشرا . 
عندما نقف عند هذه النقطة سنلاحظ بلا غموض الثوابت التي تحرك مهندس كوارثنا ومن يعاونه ومن ينفذ خطوات نقل الكوارث من سيء الى اسوأ .
Almukhtar44@gmail.com