الرئيسة \  تقارير  \  جولة أوستن الشرق أوسطية .. أمريكا تعيد حساباتها في المنطقة

جولة أوستن الشرق أوسطية .. أمريكا تعيد حساباتها في المنطقة

07.03.2023
عماد عنان

جولة أوستن الشرق أوسطية .. أمريكا تعيد حساباتها في المنطقة
عماد عنان
 نون بوست
الاثنين 6/3/2023
استهل وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، الأحد 5 مارس/آذار 2023 جولته المهمة إلى الشرق الأوسط بزيارة العاصمة الأردنية عمان، ومنها إلى القاهرة الأربعاء، ويختتمها بدولة الاحتلال الخميس، وسط حالة من الاضطرابات الأمنية والسياسية التي تشهدها المنطقة على أكثر من مسار.
الزيارة وبحسب ما نشر الموقع الإلكتروني للبنتاغون تهدف إلى دعم وتقوية الشراكات وتعزيز التعاون بين أمريكا وحلفائها في الشرق الأوسط، فيما أشار موقع "المونيتور" الأمريكي إلى أن هدف أوستن الرئيسي من خلال تلك الجولة "إزالة شكوك قادة الشرق الأوسط في التزام إدارة الرئيس جو بايدن بالاحتياجات الأمنية للمنطقة بعد التدقيق المتزايد في مبيعات الأسلحة وتراجع الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان والخليج العربي".
وتأتي جولة أوستن بعد ساعات قليلة من أخرى مماثلة قام بها رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي الجنرال مارك ميلي إلى تل أبيب الجمعة، ثم اختتمها وبصورة مفاجئة لسوريا وذلك من أجل "تقييم مهمة عمرها ثمانية أعوام تقريبًا لمحاربة تنظيم داعش ومراجعة إجراءات حماية القوات الأمريكية من أي هجوم"، بحسب ما أوردت قناة "الحرة" الأمريكية.. فماذا يحمل وزير الدفاع الأمريكي في حقيبته خلال جولته الحاليّة؟
وضعية متراجعة.. سياق مهم
منذ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في 31 أغسطس/آب 2021 تعاني القوى العظمى من تراجع نفوذها في منطقة أوراسيا والشرق الأوسط، فبعيدًا عن تراتيب الانسحاب والفوضى التي خيمت على مشهده العام، فإن التداعيات لم تكن متوقعة، حيث الارتدادت العكسية التي هزت صورة الولايات المتحدة لدى حلفائها وخصومها على السواء.
على مدار عقود طويلة لم تغادر أذرع أمريكا منطقة أوراسيا والشرق الأوسط، إيمانًا منها بأن من يسيطر على هاتين المنطقتين كفيل بأن يتربع على عرش العالم، اقتصاديًا وسياسيًا، لكن مع تولي جو بايدن السلطة وفي أواخر عهد دونالد ترامب شهدت السياسة الخارجية الأمريكية تغيرات حادة كان لها صداها الواسع على نفوذها العالمي.
الانسحاب الأمريكي التدريجي من بؤر التمركز القديمة، أفغانستان والعراق، أربك حسابات حلفاء واشنطن في منطقة الخليج تحديدًا، بعدما استقر في يقينهم كشف الغطاء الأمريكي عنهم من خلال التخلي المرحلي عن الضمانات الأمنية التي كانت توفرها الولايات المتحدة لهم على مدار سنوات طويلة، وهو ما دفعهم لإعادة النظر في خريطة تحالفاتهم وتوجهاتهم الخارجية بما يعزز مصالحهم في ضوء التهديدات والتحديات الناجمة عن تلك التطورات، ومن ثم بدأ العقد المقدس الذي كان يربط أمريكا بتلك الدول ينفرط تباعًا، وهو ما توثقه عشرات الشواهد والمؤشرات التي شهدتها الأشهر الأخيرة، حتى إن لم يصل بعد إلى مرحلة الانقطاع الكامل لحسابات عدة لدى الجانبين.
 تستشعر الإدارة الأمريكية الخطر إزاء توجهات الحكومة الإسرائيلية ذات المزاج المتطرف، إذ تعد زيارة أوستن هي الرابعة لمسؤول أمريكي كبير في إدارة جو بايدن لدولة الاحتلال منذ تولي حكومة نتنياهو الحاليّة قبل شهرين
ونتاجًا منطقيًا لهذا التقهقر، سارعت روسيا والصين لاستغلال الموقف بأقصى درجات التوظيف السياسي، فعملا على تعزيز نفوذهما بسرعات تفوق ما كانت عليه قبل ذلك بعشرات الأضعاف، وهنا تلاقت مصالح الخليج الباحث عن ظهير إستراتيجي قوي يعوض غياب الحليف المنسحب، مع مصالح القوى الآسيوية الراغبة في وضع موطئ قدم لها في تلك المنطقة التي ظلت لسنوات حكرًا على الأمريكان، لتبدأ مرحلة جديدة من التناغم الخليجي الصيني الروسي، تمددت لتصل إلى أفغانستان وأجوارها.
ومع تشابك الملفات وتمازجها، في ظل المستجدات التي شهدها العالم مؤخرًا، بداية من جائحة كورونا وصولًا إلى الحرب الروسية الأوكرانية وما بينهما من حروب الاستقطاب المشتعلة، أيقن الأمريكان خطورة ما أقدموا عليه منذ عامين، وأن الانسحاب من تلك المناطق كان مغامرة غير محسوبة العواقب، لتدفع الولايات المتحدة ثمنها غاليًا جدًا.
وفي تلك الأجواء الضبابية على المستوى الأمريكي كان لا بد من إعادة النظر في السياسة الخارجية إزاء الشرق الأوسط وأوراسيا، ورغم نجاح واشنطن في تحقيق إنجازات نسبية في هذا الملف من خلال تعزيز التعاون والتحالف مع أوروبا في مواجهة المعسكر الشرقي لعرقلته مرحليًا عن التمدد غربًا، فإن معدلات النجاح لم تكن مرضية للبيت الأبيض، ومن ثم جاءت التحركات الأخيرة في هذا المسار، إرسال وزير الخارجية ومن بعده قائد قوات الأركان ثم وزير الدفاع، ومن قبلهم زيارة الرئيس جو بايدن للمنطقة.
الضفة وإيران وسوريا.. أبرز الملفات
لا يمكن قراءة جولة أوستن بمعزل عن زيارة رئيس أركان الجيش وما سبقها من حراك دبلوماسي أمريكي شرق أوسطي، وهو ما يترجم زخم الحقيبة التي يحملها وزير الدفاع الأمريكي خلال تلك الجولة التي سيقضي معظمها في الأردن، البلد الحليف للأمريكان منذ سنوات، والمعول عليه في كثير من الملفات خاصة المتعلقة بالقضية الفلسطينية وتعبيد الطريق نحو المباحثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
تتزامن الزيارة مع تفاقم الوضع في الضفة الغربية جراء التصعيد الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، وهو التصعيد الذي أثار مخاوف الكثير من المقربين من دوائر صنع القرار في تل أبيب من إشعال انتفاضة جديدة تهدد أمن دولة الاحتلال وتقوض الاستقرار المنشود، في ظل خطاب كراهية عنصري غير مسبوق يقوده صقور اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو وعلى رأسهم وزيرا المالية والأمن القومي.
خروج الوضع عن السيطرة في الضفة والتحول من إستراتيجية المواجهة التقليدية بين جيش الاحتلال وفصائل المقاومة إلى حروب العصابات والمقاومة الفردية، ليس في صالح الولايات المتحدة وحلفائها بطبيعة الحال، حتى إن حاولت الحكومة الجديدة توظيفه لخدمة أجندتها السياسية في مواجهة زيادة الاحتقان الشعبي وتصاعد موجات الغضب إزائها جراء ملف القضاء واستقلاليته.
ويعد فشل مؤتمر العقبة الذي استضافه الأردن قبل أقل من عشرة أيام، بتمثيل فلسطيني إسرائيلي ومشاركة أمريكية مصرية أردنية، والضرب بمخرجاته عرض الحائط، جرس إنذار لاحتمالية المزيد من التفاقم، خاصة بعد الدعوات الفلسطينية لهبة جديدة عمادها المقاومة الفردية بعيدًا عن الفصائل المعروفة، وهو ما تحاول واشنطن تجنبه في الوقت الحاليّ على الأقل، وعليه يأتي تخصيص الأردن تحديدًا بنصيب الأسد من أيام الجولة لوزير الدفاع الأمريكي ومن بعدها القاهرة لهذا الغرض.
وفي بيان لوزارة الدفاع الأمريكية قالت فيه إن أوستن أجرى اتصالًا بنظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، الجمعة 24 فبراير/شباط، وحثَّه على تخفيف التوترات في الضفة الغربية المحتلة بعد مداهمة عسكرية إسرائيلية في نابلس أسفرت عن خسائر بين المدنيين، حسبما نقل موقع "أكسيوس".
وتستشعر الإدارة الأمريكية الخطر إزاء توجهات الحكومة الإسرائيلية ذات المزاج المتطرف، إذ تعد زيارة أوستن الرابعة لمسؤول أمريكي كبير في إدارة جو بايدن لدولة الاحتلال منذ تولي حكومة نتنياهو الحاليّة قبل شهرين، وهو ما لم يحدث من قبل، وسط امتعاض كبير من المسؤولين في الولايات المتحدة من تصريحات وتوجهات بعض وزراء الحكومة خاصة من أبناء اليمين المتطرف.
 تأتي زيارة أوستن ومن قبله رئيس أركان جيشه لتضع بذور ترتيبات جديدة تحاول الإدارة الأمريكية تدشينها في المنطقة
أما الملف الثاني المتوقع أن يكون على طاولة النقاش خلال تلك الجولة، فهو الحضور الأمريكي في سوريا، فبعد سنوات من الغياب لحسابات خاصة، ها هي واشنطن تحاول العودة مجددًا، لتؤكد على وجودها بشكل فعال بعد تعزيز روسيا وإيران لنفوذهما في الداخل السوري على حساب الدور الأمريكي.
وكان الجنرال ميلي قد حاول إحراز تقدم بشأن هذا الملف خلال زيارته المفاجئة لقواته المتمركزة في سوريا وحلفائها من الأكراد "قوات سوريا الديمقراطية" الأحد، حين شدد على أهمية الوجود هناك، ففي سؤال مقدم له من أحد الصحفيين المسافرين معه عما إذا كان يعتقد أن مهمة سوريا تستحق المخاطرة، ربط ميلي المهمة بأمن الولايات المتحدة وحلفائها، قائلًا: "إذا كان سؤالك هو: هل هذه المهمة ضرورية؟ فإن الإجابة هي نعم"، وأضاف "لذلك أعتقد أن إلحاق هزيمة دائمة بتنظيم الدولة والاستمرار في دعم أصدقائنا وحلفائنا في المنطقة، مهام ضرورية يمكن القيام بها".
ويأتي البرنامج النووي الإيراني كثالث أبرز الملفات المدرجة على جدول الزيارة، حيث تحاول واشنطن طمأنة حليفها الإسرائيلي بشأن التقدم الكبير الذي أحرزته طهران في هذا الملف، فبحسب تصريحات كبار المسؤولين في البنتاغون فإن إيران تحتاج إلى 12 يومًا فقط لتخصيب ما يكفي من اليورانيوم لإنتاج قنبلة نووية، وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد كشفت في 28 فبراير/شباط 2023 عن ارتفاع مخزون إيران من اليورانيوم المخصب 18 مرة عن السقف المسموح به، لتصل درجة نقائه إلى 83.7% في منشأة "فوردو"، وهي نسبة قريبة جدًا من درجة النقاء المطلوبة لصنع الأسلحة النووية.
وأثارت تلك الأخبار قلق الحكومة الإسرائيلية التي طالبت حليفها الأمريكي بالتحرك العاجل للتصدي لطهران قبيل إنتاج القنبلة الذرية، ومن هنا تأتي المناورات العسكرية المشتركة بين البلدين في يناير/كانون الثاني الماضي والتنسيق المتبادل، استخباراتيًا وعسكريًا، لدراسة الموقف والتعاطي معه بشكل تحاول من خلاله الولايات المتحدة طمأنة الحليف الإسرائيلي وحلفائها الخليجيين في الوقت ذاته.
وفي المجمل تأتي زيارة أوستن ومن قبله رئيس أركان جيشه لتضع بذور ترتيبات جديدة تحاول الإدارة الأمريكية تدشينها في المنطقة بما يحقق الثنائية المنشودة: استعادة النفوذ المتراجع وتلطيف الأجواء مع حلفائها في المنطقة من جانب، والتصدي للنفوذ الروسي الصيني المتصاعد من جانب آخر.