الرئيسة \  تقارير  \  حرب غزة والموقف الأميركي

حرب غزة والموقف الأميركي

23.04.2024
باسكال بونيفاس




حرب غزة والموقف الأميركي
باسكال بونيفاس
الاتحاد
 الاثنين 22/4/2024
قتلت غارة إسرائيلية نفِّذت بواسطة طائرة من دون طيار 7 من موظفي “منظمة المطبخ المركزي العالمي” التي كانت تقدّم مساعدات غذائية لسكان قطاع غزة. وعلى إثر هذه الضربة، أوقفت هذه المنظمة غير الحكومية، وغيرها من المنظمات غير الحكومية الأخرى، عملَها في القطاع، ما يزيد خطر المجاعة هناك. غير أن مقتل 7 من عمال الإغاثة أثار رد فعل قوياً في العالم الغربي، إذ أجرى جو بايدن، الذي يُعد صديقاً شخصياً لمؤسس المنظمة، خوسيه أندريس، مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دامت نصف ساعة أخبره فيها بأن هناك حدوداً لا يمكن تجاوزها وبأنه سيجعل المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل الآن مرهونةً بالطريقة التي سيتصرف بها جيشُها في غزة.
فما الذي يمكن استخلاصه من هذا الحادث؟ إسرائيل، وتحت ضغط الولايات المتحدة، قامت أخيراً بفتح نقطة عبور للسماح بمرور الشاحنات التي كانت تنتظر بالمئات ولأسابيع.
وهكذا، يمكن القول إن الأمر تطلّب مقتلَ عمال إغاثة غربيين من أجل دفع الغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، للضغط على إسرائيل بشأن السماح بمرور المساعدات الإنسانية. وفي الأثناء، قال جو بايدن إنه يشعر بالحزن الشديد لموت عمال الإغاثة السبعة هؤلاء، لكن يبدو أنه كان أقل تأثراً بوفاة 33 ألف شخص في غزة قبل ذلك، وبالتالي فإننا إزاء ازدواجية في المعايير. ومع ذلك، فإن رد الفعل الأميركي القوي، والتغييرات التي تلت ذلك بخصوص دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، كل ذلك يُظهر مدى فعالية ضغوط واشنطن على إسرائيل حينما تكون حقيقية. بيد أن هناك تناقضاً آخر في رد فعل الولايات المتحدة.
فحتى الآن، كان بايدن يعبّر عن أسفه لسقوط ضحايا مدنيين في غزة، لكنه يواصل تزويد إسرائيل بالأسلحة، وهذا علماً بأن المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل غير مقيّدة بخصوص الاستخدام، خلافاً للمساعدات العسكرية المقدمة لأوكرانيا. والحال أنه يمكن لبايدن أن يشير إلى أن الأسلحة التي يتم تسليمها لإسرائيل موجهة للاستخدام في الدفاع عن النفس ضد إيران، أو دول أخرى، لكن ليس ضد السكان المدنيين في غزة. غير أن التدهور الحاد في صورة الولايات المتحدة عبر العالم، نتيجةً لهذا الدعم، قد يدفع الرئيس بايدن إلى أن يكون أكثر حزماً في مطالبته لإسرائيل. أما الدافع الآخر، فهو الاحتجاجات الداخلية المتزايدة في الولايات المتحدة ضد الدعم الأميركي لإسرائيل، لا سيما في أوساط الشباب “الديمقراطيين”، الأمر الذي قد يكلّف الرئيس الأميركي ثمناً باهظاً في انتخابات نوفمبر القادم.
وهكذا، انتقل بايدن إلى مستوى أعلى من الصرامة، فمارس ضغطاً حقيقياً على نتنياهو من خلال تلويحه بوقف إرسال الأسلحة إلى إسرائيل في حال استمر قصف المدنيين. وهو ضغط ينضاف إلى تصويت في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، تم تبنيه في نهاية مارس 2024 وتأتي بشكل رئيس بفضل قرار الولايات المتحدة الامتناع عن التصويت. لكن، هل سينفَّذ وقف إطلاق النار؟ هذا الأمر ليس مؤكداً. ولهذا، فسيكون من المهم رؤية هامش المناورة الذي ستمنحه واشنطن لإسرائيل. فهل ستحدّد الولايات المتحدة خطوطاً حمراء على إسرائيل ألا تتجاوزها، أم ستكتفي بممارسة الضغط عليها حتى تسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة مع السماح ضمنياً بالاستمرار في التدمير والقتل الناجمين عن تواصل القصف؟ الواقع أنه تحت ضغوط حقيقية، من الممكن إجبار إسرائيل على تغيير سلوكها.
وقد مضى وقت طويل على آخر مرة استخدمت فيه من قبل رئيس أميركي. وآخر مَن فعل ذلك كان جورج بوش الأب في عام 1991، حينما دعا إلى وقف أعمال الاستيطان في فلسطين. بينما لم يكن حتى باراك أوباما راغباً ولا قادراً على الوقوف في وجه إسرائيل، وقبل بألا تمتثل لأي من مطالب الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه، زاد المساعدات العسكرية لمصلحتها من 2.8 إلى 3.8 مليار دولار سنوياً. ومن جهتها، تستطيع الدول الأوروبية، التي أعلنت أيضاً عن رفضَها لما يقوم به الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، ممارسة ضغوط أخرى غير الضغط اللفظي، وذلك عبر التلويح، مثلاً، بإمكانية تأثر اتفاقية الشراكة مع إسرائيل إذا لم تغيّر هذه الأخيرة استراتيجيتها المتشددة في غزة.
ووفقاً لأرقام “حماس”، فإن عدد القتلى الحالي هو 33 ألف قتيل في غزة. والأكيد أن هذه الحصيلة أقل من الأرقام الحقيقية، وهناك ندرة في المعلومات والصور التي يمكن أن تعطي فكرة عن الوضع الحقيقي في غزة، والصور القليلة المتوفرة فظيعة حقاً. وخلاصة القول هي أن من مصلحة العالم الغربي أخلاقياً ألا يقف موقف المتفرج، وألا يكتفي بالاحتجاج بطريقة شكلية بحتة مانحاً بذلك إسرائيل إمكانية الإفلات من العقاب.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية - باريس