الرئيسة \  قطوف وتأملات  \  حياة المؤمن كلها عبادة

حياة المؤمن كلها عبادة

23.04.2016
الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي


إن تصرفات المؤمن في الحياة الدنيا بين أربعة أوصاف:
واجب ينبغي القيام به.
وحرام يتحتم اجتنابه.
ومشتبه يُتَّقَى.
ومباح إن شئت أتيت، وإن شئت تركت.
إلا أن ثمرة هذه التصرفات - إن لم تكن الفوز برضاه عز وجل – ليست إلا سرابا يحسبه الظمآن ماء.
ذلك لأن رضاه سبحانه هو المفتاح الوحيد  للنعيم الأبدي في الآخرة بدخول جنة الخلد، وهذه الغاية لا تتحقق إلا بإيمان جوهره التوحيد، وعمل نيته خالصة ومبناه الصواب، وقوام ذلك كله أن تسلم وجهك إلى الله تعالى، وأن تريد بما تعتقده وما تعمله وجهه عز وجل، قال سبحانه {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} البقرة 112، وقال {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}لقمان 22.
 إن المرء يستطيع أن يقوم بالواجبات نوى بذلك وجه الله تعالى أو لم يَنْوِ.
ويستطيع أن يمتنع عن المحرمات تعففا، نوى بذلك وجه الله تعالى أو لم يَنْوِ.
ويستطيع أن يتنـزه عن المشتبهات ترفعا، نوى بذلك وجه الله تعالى أو لم يَنْوِ.
ويستطيع أن يتمتع بالمباحات لا يسأل عنها ولا تحسب عليه.
ولكنه يستطيع أيضا أن يجعل ذلك كله خالصا لله، فيحسب له في سجل حسناته ويكسب رضا ربه ويدخل جنته.
إن قوما هم الخاسرون، الذين يقومون بالواجبات مكاء وتصدية، ويجتنبون المنهيات من غير أن ينووا بذلك عبادة.
وقوما آخرين أعلى رتبة وأقوم قيلا، هم المخلصون حقا، الذين اتخذوا من كل خطرات قلوبهم وأعمال ليلهم ونهارهم عبادة خالصة لله، أولئك هم المهتدون بالكتاب والسنة، الملتزمون بأخلاق النبوة الخاتمة، القادرون على انتشال أنفسهم من الغبن والضلال، وإنقاذ أمتهم من التيه والتخلف.
هؤلاء هم الربانيون في منامهم ويقظتهم، وقيامهم وقعودهم، وسكونهم وحركتهم، وصمتهم  ونطقهم، تناولهم الطعام عبادة، واستراحتهم من التعب قربى، ونومهم بالليل تهجد، وتمتعهم بالمباحات شكر، كل ما لديهم وما يعملون، من الله ولله وفي سبيل الله.
ِ- إنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ - الزمر 2-.
- قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ - الزمر 11-.
- قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي – الزمر 14 -.
- قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ - الأعراف 29 -.
- قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ  قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ - الأنعام 160-163 –
إن الإخلاص جزء من الأمانة والإيمان، وكون العمل موافقا للشريعة جزء من الأمانة والإيمان، أما إتقان العمل فهو كمال الأمانة والإيمان، بأن تستكمل العمل في طاعة الله، واجبا ومندوبا، وتتخذ من المباحات سبيلا إلى مرضاته عز وجل، وتبتعد عن معاصي الله محرمات ومكروهات، وتتقي الشبهات استبراء لدينك وعرضك، كما قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم:(إن الحلال بيّن ، وإن الحرام بيّن ، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه)[1] ؛
إن القيام بالواجب طاعة لله وامتثالا، واجتناب المحرم خوفا منه وحياء، والتمتع بالمباح شكرا له وحمدا، ومراقبته في السر والعلن، كل ذلك هو الإحسان الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)[2]، وأهل هذه المرتبة هم السابقون المقربون في قوله تعالى:{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} الواقعة 10. وقوله:{فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ}الواقعة88.
 
[1] - البخاري 1/28، مسلم 3/1219
[2] - البخاري 1/27، مسلم 1/37