الرئيسة \  قطوف وتأملات  \  خاطرة: الجنس العربي المعاصر بين سدِّ عَرِم الماء وسدِّ عَرِم الظلم والغضب والعصيان

خاطرة: الجنس العربي المعاصر بين سدِّ عَرِم الماء وسدِّ عَرِم الظلم والغضب والعصيان

07.05.2016
الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي


دولة سبأ التي وثق القرآن الكريم خبرها وضربها مثلا لعاقبة الظلم والفساد والعصيان، كانت دولة عربية تجارية مزدهرة وقوية تسيطر على طرق تجارة اللبان والتوابل في شبه الجزيرة العربية والحبشة، وتسقي مياه سد العرم في وسطها حدائق وبساتين ومزارع وجنانا قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} سبأ 15.
والعرب في عصرنا هذا أغدق الله عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، بترولا ومناجم ذهب وفضة وفوسفاط، ومنغانيز وكوبالط ....وإنتاجا زراعيا يغطي أكثر من حاجة أهلها استهلاكا ذاتيا وتصديرا لغيرهم من شعوب الأرض.
عرب سبأ عتوا عن أمر ربهم ولم يشكروه، واستمرؤوا الفساد وأشاعوه، فأرسل الله عليهم سيل العرم، انفجر سدهم فأغرق منهم قبائل وبطونا، وشرد من نجا منهم في ربوع إفريقيا، فنشأت من هؤلاء  المشردين أجيال نسيت أصولها ولغتها وأعرافها وتقاليدها ومسهم بذلك الخوف والجوع وأصناف البأساء والضراء...وقال تعالى فيهم:{ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} سبأ 16.
وعرب عصرنا هذا عتوا كذلك عن أمر ربهم بما هو معروف عند الخاص والعام، وتشهد به وعليه خلائق الأرض والسماء، فانفجر فيهم سد الفاحشة التي يرتكبونها فيما بينهم وفي غيرهم، وسد الظلم الذي يمارسونه في حق بعضهم، وسد احتكار الخيرات والأموال دولة بين أغنيائهم وطواغيتهم، وألبسهم الله شيعا وأذاق بعضهم بأس بعض.
ثم ها هم ينزحون هاربين من بعضهم إلى أروبا يشحذون أموالا تركوها خلفهم، ورحمة وشفقة لم يجدوها في أهلهم، وعدلا لم يروا أثرا له في حكامهم ولا فيما بينهم. ولا بد باعتبار سنن الاجتماع البشري أن تنشأ من هؤلاء النازحين أجيال تنسى أصولها وجنسها ولغتها ودينها.
لقد تجلى في عربنا المعاصرين قوله تعالى:
{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} النحل 112.