خدعونا فقالوا : كل الطرق الالتفافية تؤدي إلى القدس الشريف

خدعونا فقالوا : كل الطرق الالتفافية تؤدي إلى القدس الشريف

المهندس هشام نجار
أعزائي القراء ...
في شهر أيار من عام ١٩٦٧ كان التوتر بين الكيان الصهيوني من جهة وسوريا ومصر والأردن من جهة أخرى وصل إلى مرحلة الإنفجار . فالفتيل كان جاهزاً للإشتعال والحرب صارت قاب قوسين أو ادنى.
وزير دفاع النظام السوري المدعو حافظ أسد وبإتفاق دولي أفهم العالم أن سوريا تتعرض لهجوم شامل من الإسرائيليين وطلب النجدة العربية .
الجيش المصري الغارق في المستنقع اليمني آكل الطعم. فسحبت القيادة المصرية قواتها المرهقة و وضعتها في حالة التأهب القصوى على حدود فلسطين.
الرئيس المصري جمال عبد الناصر أغلق مضائق تيران في وجه الملاحة الاسرائيلية .
إذاعتنا أستنفرت ..
عمالنا.. طلابنا سُيرت ..
أغانينا مشاعرنا الهبت ..
ميراج طيارك هرب مهزوم من نسر العرب أغنية فهد بلان تُذاع على مدار الساعة من إذاعة دمشق فتدغدغ مشاعرنا الوطنية ,وما أن تنتهي حتى يُعيدوها على مسامعنا مرات ومرات.
إذن هي الساعة التي أمتنا إنتظرت.
في ذلك الزمن أيها الأعزاء كنت طالباً بكلية الهندسة ..كان شعوري حينها أن أهجر مستقبلي الذي صار قاب قوسين أو أدني من نيله والإلتحاق في صفوف المقاتلين للدفاع عن فلسطين فساعة الإنتصار إذن قد أزفت .
لم يكن شعوري شاذاً وسط شعب تواق لإنتصار واحد يعيد للأمة كرامتها .
في غمرة هذا الإستعداد الخطابي والغنائي الممزوج بالطبل والمزمار، كانت الإحتفالات تتواصل.. واحدة من هذه الإحتفاليات مازالت طرية في ذاكرتي كأنها حصلت بالأمس. فقد دعى إتحاد الطلبة إلى مؤتمر عام في حمص في إحدى دور العرض ليحاضر فيها جهابزة النظام من مدنيين وعسكريين...كانت الصالة مملوءة عن بكرة أبيها بالمدعوين, وفي أربع زوايا الصالة وكالعادة يتمركز الهتّافون. فكلما إرتفع صوت المتحدثين وضرب المتحدث الطاولة بقبضة يده من الحماس ، كانت الصرخات فوراً تتعالى من الزوايا الأربعة فيضطر الحضور للوقوف إكراماً للهتافات فيصفق الحاضرون ويهتفوا مع الهتافين ثم يجلسوا وبإنتباه يتابعون.
وجاء دور أحد ضباط الأسد ليلقي كلمته,كانت بدلته العسكرية مصنوعة من نسيج الشاموا الفاخر أنيقة ورائعة .. والنجمتين والنسر على كتفيه لامعة . وبخطوات مسرعة رشيقه قفز للمسرح على الدرجات الأربعة.. ثم إبتسم .
فتعالت الصرخات في الزوايا الأربعة فإضطر الحضور للوقوف إكراماً للهتافات فصفق الحاضرون وهتفوا مع الهتافين ثم جلسوا وبإنتباه يتابعون.
فتح العقيد خارطة كبيرة لسوريا الجنوبية شاملة الأردن وفلسطين وسُلطت عليها الأضواء وبالخيزرانة بدآ يُشير إلى خططه العسكرية قائلاً:
سينقسم جيشنا العربي السوري إلى قسمين الميسرة ستتجه إلى الأردن لتدك عرش العمالة والخيانة ونسيطر مع الوطنيين الأحرار على الأردن ونلقن الملك الصغير درساً لن ينساه , ثم يتابع الجيش المظفر عبر الأغوار ليلتقي مع ميمنة الجيش العربي السوري في القدس الشريف.. ثم نتابع سيرنا غرباً لنسقط حكومة الكيان الإسرائيلي في تل ابيب., فتعالت الصرخات في الزوايا الأربعة فإضطر الحضور للوقوف إكراماً للهتافات فصفق الحاضرون وهتفوا مع الهتافين .. وإنتهى اللقاء بالتجمع حول قائد الخطط العسكرية ليأخذوا توقيعه تخليداً لذكري الإنتصار الموعود .
اعزائي القراء
إذن.... كل الطرق إلى القدس يجب أن تمر عبر الطرق الالتفافية.. لسبب بسيط هو أن كل حروب هؤلاء الخونة دعائية غايتها دغدغة مشاعرنا فقط حتى يبقوا مُستمتعين بالجلوس على كراسي القيادة..
كل الطرق إلى القدس يجب أن تمر عبر الطرق الالتفافية .. وهم يعلمون لو أنهم أنهوا الدراسة الابتدائية فقط لعرفوا أن أقصر الطرق بين دمشق والقدس هو خط مستقيم يمر عبر الجولان السليب.. وأن اقصر الطرق بين جنوب لبنان والقدس يمر عبر الجليل الأعلى...
كل الطرق إلى القدس يجب أن تمر عبر الطرق الالتفافية حتى ولو كانت عبر الصومال وزمبابوي ومدغشقر وجزر القمر..طالما أنها تدغدغ أحلام البشر..
أعزائي القراء..
دول الصمود والتصدي اخترعوا لنا بوصلة جديدة إبرتها الشمالية تتجه جنوباً، و إبرتها الجنوبية تتجه شمالاً . وبذلك كانت لهم خرائطهم الخاصة بهم فتركوا اهلنا في غزة يناضلون بمفردهم واتجهوا شمالاً عبر جثث السوريين في درعا وحمص وحماة و حلب وادلب ودمشق ودير الزور.... فصرخ الفلسطينيون في وجه المتآمرين الخونة : إذا كان تحريركم لفلسطين يمر عبر ذبح السوريين فبئس التحرير تحريركم . وبئس هذا الهدف المشين والمكشوف عبر استباحتكم بقتل وذبح مئات الآف من السوريين وتشريد الملايين وتهديم عشرات الآلاف من بيوت الآمنين .. إن الشعب الفلسطيني والسوري الواقفين بمفردهم اليوم وسط المتآمرين أعلنوها واضحة لا لبس فيها : إنها ثورة كرامة وحرية تسير بخط مستقيم رغم الخائنين أصحاب الطرق الالتفافية الخادعة. إنه طريق واحد يسير وفق بوصلة غير مزيفة الا وهو طريق حريتنا وكرامتنا وهو الطريق الوحيد السالك للقدس الشريف وبخط مستقيم.