الرئيسة \  تقارير  \  "خفض التصعيد" .. لا يقدِّم حلولاً

"خفض التصعيد" .. لا يقدِّم حلولاً

23.04.2024
عبدالوهاب بدرخان




"خفض التصعيد" .. لا يقدِّم حلولاً
عبدالوهاب بدرخان
الاتحاد
الاثنين 22/4/2024
 الدعوات إلى “خفض التصعيد”، هل تعني شيئاً؟ نعم، بالتأكيد، إنها تأمل أو تتطلع إلى إبراز إرادة عامة (أو دولية) للحيلولة دون انزلاق توتّر بين دولتين أو أكثر إلى حرب إقليمية لا يمكن السيطرة عليها أو التنبؤ بنتائجها أو الحدّ من تأثيرها عالمياً، كما استفاض قادة سياسيون ومحللون في شرح الحال التي نشأت أخيراً بين إيران وإسرائيل.
والأساس هو ألّا يحدث التصعيد، أي يُمنع أو يُتَجنَّب، بدلاً من تركه يحصل وعدم استباقه. فبعد وقوعه تصبح المطالبة بـ”خفضه” من قبيل التمنيات أو إبداء النيات الحسنة التي لا مكان لها في النزاعات، إذ لا يمكن لأحد أن يضمنها أو يحافظ عليها ويحميها. لا شيء اسمه “خفض التصعيد” في القانون الدولي، بل هناك مصطلحات معروفة وواضحة يمكن تنفيذها مثل “وقف إطلاق النار” متى اتُّفق عليه بالتفاوض، أو “وقف الأعمال العدائية” الذي يُعتبر أقل قابليةً للضبط. ومع ذلك باتت الأمم المتحدة تستخدم “خفض التصعيد” على أمل تطويره، وليس اقتناعاً بفاعليته ومصداقيته. ليست كثيرةً تجارب “خفض التصعيد” في الحروب والنزاعات، بل لعلها نادرة، لكنها حيثما وجدت لم تشكّل النجاحات التي تنسبها الأطراف المعنية إليها. وفي كل محاولات البحث يتصدّر اتفاق “الدول الضامنة” عام 2017 في سوريا، إذ اعتمدت روسيا وتركيا وإيران “مناطق منخفضة التصعيد” كخطوة لتطوير وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار، وهي استندت إلى قرار دولي (2254) لإنهاء العنف وتحسين الوضع الإنساني و”خلق ظروف ملائمة للدفع نحو تسوية سياسية” للصراع داخل سوريا. توصّل الاتفاق عملياً إلى تأسيس نوع من “أمر واقع أمني” استخدمته الدول الثلاث (ولاحقاً مع الدولة السورية) لرسم خريطة لتقاسم النفوذ فيما بينها، لكنه لم يمكّن سوريا من استعادة استقرارها ولا استطاع الاقتراب من التسوية السياسية المتوخّاة. بقي الوضع على حاله، وزادته العقوباتُ الغربية (والهجمات العسكرية الإسرائيلية) تفاقماً، من دون أن تغيّره أو تقدّم بدائل عنه.
وباتت “مناطق خفض التصعيد” بديلاً مما يوصف بـ”مناطق آمنة” أو “مناطق حظر جوي”، لذا لم يُتح للأمم المتحدة ومنظماتها أن تديرها وتبني شيئاً من الاستقرار فيها، فاكتفت بتوفير ما أمكن من المساعدات الإنسانية. كان هذا نموذجاً لضبط حرب أهلية في بلد محدّد من دون أن يقيم سلاماً، فكيف إذا كان النزاع على مستوى الإقليم، وكيف إذا تداخلت فيه منافسات جيوسياسية وجيوستراتيجية ومعتقدات أيديولوجية على غرار ما بين إيران وإسرائيل؟
وما الدور أو الأدوار التي ينبغي أن تؤدّيها الدول المعنيّة؟ وأي توازن دولي أو إقليمي مطلوب لضمان منع حصول حرب؟ أسئلة أكبر وأكثر صعوبة من أن تجيب عنها الدعوات إلى “خفض التصعيد” أو “ضبط النفس”. وقد أظهرت تجارب “خفض التصعيد”، سواء سمّيت كذلك أم لا، أنها هشّة ومضطربة ولا يمكن الوثوق بها، لأنها بطبيعتها موقّتة ولا تستند إلى ضوابط تضمن استدامة الهدوء، فلا هي “هدنة” ولا “هدنة ملزمة”. وذلك هو الحال الذي كان عليه الصراع المركّب الإسرائيلي الإيراني واستمرّ إلى أن بلغ الآن حافةَ الخطر. كان ينذِر على الدوام بحرب كامنة وراء الباب، لكنه كان يعالَج بالمسكّنات خارج الشرعية الدولية تارة بـ”اتفاق نووي” وطوراً بـ”ضربات استخبارية”. وإذ يستخدم حالياً المسألة الفلسطينية، بما فيها الحرب على قطاع غزة والوضع المتفجّر في الضفة الغربية والقلق العربي عامةً، فقد غدت معالجته أكثر صعوبةً، والانقسام الدولي يحول دون إيجاد مرتكزات للتوازن بين الطرفين.
*كاتب ومحلل سياسي -لندن