الرئيسة \  واحة اللقاء  \  درعا ... نقطة التقاطعات الإقليمية والدولية

درعا ... نقطة التقاطعات الإقليمية والدولية

06.09.2021
أسعد عبود


النهار العربي
الاحد 5/9/2021
لا يمكن النظر إلى الأحداث الأخيرة في محافظة درعا في جنوب سوريا بمعزل عن السياقات العامة الأخرى للأزمة السورية في عامها العاشر.
وأتى التوتر بعد إجازة مجلس الأمن تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطق المعارضة السورية من معبر باب الهوى مع تركيا في 9 تموز (يوليو) الماضي، تحت مندرجات القرار 2165 الصادر عام 2014. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن روسيا وافقت على التمديد بعد تدخل شخصي من الرئيس الأميركي جو بايدن لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال القمة التي جمعتهما في جنيف في 16 حزيران (يونيو) اليومي. وكانت موسكو تطالب بإدخال المساعدات عبر دمشق أو ما يُعرف بخطوط الجبهة بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة. حينذاك، سادت تساؤلات عن الثمن الذي قد يكون حصل عليه الكرملين في مقابل الموافقة على تمديد آلية إدخال المساعدات عبر الحدود وليس عبر "الخطوط الأمامية".
وبعد هذا التطور، لم يحصل أي تطور لا سياسي ولا عسكري يصب في مصلحة روسيا. بل أن ما حصل هو تحريك لجبهة درعا التي كانت تعتبرها موسكو بمثابة إنجاز لتدخلها في سوريا. إذ إنها هي التي رعت "المصالحة" في المحافظة عام 2018، التي انتقل بموجبها المئات من مسلحي المعارضة من درعا إلى مناطق سيطرة المعارضة في إدلب.
ليس هذا فحسب، بل إن روسيا أشرفت مباشرة على رعاية إنشاء "الفيلق الخامس" في الجيش السوري، الذي ضم عناصر من المعارضة ممن اختاروا البقاء في درعا وعدم الذهاب إلى إدلب. وبموجب التسويات الدقيقة التي رعتها روسيا لم يدخل الجيش السوري النظامي إلى كامل المحافظة. بينما حافظ المعارضون على وجود أساسي في الريفين الغربي والجنوبي. وتنقسم مدينة درعا بين "درعا البلد" في الجنوب، وينتشر فيها مقاتلو المعارضة، و"درعا المحطة" حيث تنتشر قوات النظام.
وعلى مدى ثلاث سنوات، كانت المحافظة عرضة لشتى أنواع الاشكالات الأمنية، من عمليات الاغتيال إلى نصب كمائن وعمليات خطف ومناوشات بين الحين والآخر بين القوات النظامية ومسلحي المعارضة الذين احتفظوا إلى حد كبير بمناطق نفوذهم السابقة، بينما اقتصر وجود الدولة على المسائل الإدارية فقط.
وعندما أجريت الانتخابات الرئاسية في أيار (مايو) الماضي وفاز فيها الرئيس بشار الأسد بولاية رابعة، خرجت في مناطق المعارضة بدرعا، تظاهرات ضد النظام حملت شعارات كانت تطلق عند بداية الاضطرابات في سوريا عام 2011.
والانتخابات الرئاسية التي رفضتها المعارضة السورية والولايات المتحدة وأوروبا، هي إحدى التطورات السابقة لتجديد العمل بآلية إدخال المساعدات من تركيا في تموز (يوليو). بينما الجمود يسيطر على العملية السياسية في جنيف لا سيما اجتماعات اللجنة الدستورية. وعبثاً، حاول المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسون فتح ثغرة في هذا الشأن.
ونظراً إلى بقاء جبهة إدلب محكومة بالتفاهمات الروسية - التركية على رغم الاشتباكات التي تشهدها بين الحين والآخر، بقيت درعا هي الخاصرة الرخوة والقادرة على إحداث ضغط في هذا الاتجاه أو ذاك. النظام يريد تأكيد حضوره بعد الانتخابات الرئاسية، أما المعارضة التي تكاد تتعرض للنسيان، فإنها عبر درعا تحاول إستعادة ما فقدته من بريق في الأعوام الأخيرة.
وزاد من الضغوط على المعارضة، بعض الأجواء التي تنقل مناخات عن اتجاه بايدن إلى الانسحاب من سوريا بعد الانسحاب من أفغانستان. وكشف عنه المحلل السياسي نيل كويليام في مقال تحليلي له بمجلة "فورين بوليسي" الأميركية، حيث قال في مستهله إن هناك مؤشرات على نية إدارة بايدن التغاضي عن مساعي بعض الدول العربية لإحياء علاقاتها مع دمشق بدلاً من منعها من القيام بذلك.
عند هذه النقطة، نعود إلى التذكير بالثمن الذي يكون قد تقاضاه بوتين من جو بايدن لقاء موافقته على تجديد آلية إدخال المساعدات من معبر باب الهوى. لكن هذه الجهود كانت تصطدم بفيتو أميركي.
إذن، فهل أتى التصعيد في درعا ليقوّض ما بدا من تفاهم أميركي - روسي على الشروع في خطوات عملية لوضع الأزمة السورية على طريق الحل؟
ولفهم أوسع لأحداث درعا، تجدر الإشارة إلى أن المحافظة تحمل خصائص أخرى من بينها محاذاة الأراضي السورية التي تحتلها إسرائيل وكذلك الحدود الأردنية. كما أن لإيران وجوداً فيها عبر فصائل موالية لها. كل ذلك يجعل من درعا مركزاً لتقاطعات إقليمية ودولية، وتالياً بؤرة اشتعال بين الحين والآخر، وساحة لتبادل الرسائل.