الرئيسة \  واحة اللقاء  \  دلالات سؤال بوتين حول الأسد

دلالات سؤال بوتين حول الأسد

26.06.2021
رياض معسعس


القدس العربي
الخميس 24/6/2021
سؤال بوتين لنظرائه الغربيين: “من ترونه بديلا عن الأسد؟” وجوابهم: ” لا نعرف” له دلائل كثيرة من قبل بوتين نفسه، ومن قبل الدول الغربية في جوابها ” الغريب “: لا نعرف.
السؤال بحد ذاته يتضمن تأكيدا على أن لا بديل عن بشار الأسد، والجواب أيضا ينم عن حيرة غربية في التعامل مع معضلة تربيع الدائرة السورية. ثم يأتي خطاب التحذير: ” هل تريدونها كأفغانستان..” وذلك في تلميح لخوض الحلف الأطلسي، والولايات المتحدة بوحول أفغانستان لمدة عقدين من الزمن قبل أن يصلوا إلى قناعة أن الرحيل أفضل من البقاء، ولتفعل الطالبان ما أرادت فهي خرجت منتصرة، بعد أن كان الهدف محوها من الوجود.
وسؤال بوتين الموجه للغرب برمته يرمي إلى التأكيد أن سيد المكان الآن هو روسيا، واتركوا أمر سوريا لها فهي باتت أدرى بشعابها، “ومن لديه طباخ ماهر من الأفضل أن لا يزفر يديه”.
أين المعارضة السياسية؟
سؤال بوتين يريد أن يقول بطريقة غير مباشرة أن المعارضة السياسية، التي يمكن أن يتبادر لذهن البعض أنها قادرة على سد فراغ زوال نظام الأسد، فهي ليست أهلا للحكم ولم ترق إلى مستوى قيادة دولة كسوريا التي أصبحت من الدول العصية على القيادة والفهم. خاصة وأنها، أي المعارضة، المتمثلة اليوم بشكل أساسي بالائتلاف الوطني، وهيئة التنسيق لا يوجد أي توحيد للجهود بينهما، ضمن مسار واحد قادر على إقناع المجتمع الدولي بأنه من الممكن جدا الاعتماد عليها بالإمساك بزمام الأمور، ومنع سقوط الدولة. خاصة وأن الائتلاف يعمل من الخارج، وهيئة التنسيق من الداخل.
المعارضة المسلحة
سؤال بوتين كان موجها للغرب، ويركز على الوجع الأساسي الذي يؤرقه: الإرهاب.
وهنا لابد من التنويه أن النظام نجح في شيطنة المعارضة وضرب الثورة النقية، السلمية، المطالبة بالحرية بصبغة الإرهاب بعد أن أفرج عن كل التكفيريين، وتسليحهم، وارتكاب الجرائم ليقول للغرب هذه ليست ثورة، بل مجموعة من الإرهابيين والقتلة، وأعطى مثال تنظيم الدولة والنصرة (تحرير الشام، التي كانت تنتمي للقاعدة) اللتين ارتكبتا الفظائع في سوريا، والعراق، وعمليات في أكثر من مدينة أوروبية. وهذا ما جعل بوتين يذكر بفظائع الحرب في أفغانستان، والصومال.
تعالوا لنتفاوض
بوتين لم يغلق باب التفاوض، إذ قدم للغرب إمكانية الجلوس إلى الطاولة وتبادل الآراء حول المعضلة السورية، “إذا أردتم فتحن جاهزون للتفاوض وإجراء انتخابات مبكرة خلال عامين أو ثلاثة أعوام”. وهذا يعني بوضوح جر الدول الغربية إلى التفاوض بشروط روسية كامنة وراء الأكمة، أولها رفع العقوبات عن النظام، وإعادة الإعمار كي تهرول الشركات الروسية سريعا لتعويض ما دفعه بوتين من تكاليف فاقت سبعة مليارات دولار لسند النظام، مقابل القبول بالقرار الأممي 2254 الخاص بسوريا (والذي ينص على مجموعة من الإجراءات تضمن القرار وهو مشروع قرار أمريكي- عددا من البنود كأرضية أساسية لتحقيق عملية الانتقال السياسي في سوريا، ونص القرار على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة ممثلي النظام والمعارضة السورييْن للمشاركة في مفاوضات رسمية بشأن مسار الانتقال السياسي)، وهنا تكمن مطبات كثيرة يمتلك الروس أكثر مفاتيحها: من هي المعارضة التي ستمثل الشعب السوري؟
وهل سيقبل النظام الجلوس إلى معارضة حقيقية متماسكة تفرض شروطها التي يطالب بها الشعب السوري؟ أم أنه سيقوم بجولات تسويفية على غرار الجولات الخلبية التي لم تتمخض عن أي تقدم في الحل السياسي وكانت بمثابة الدرجة صفر في مجال الوصول إلى حل روسي ـ روسي في النهاية. أكان تحت رعاية الأمم المتحدة، أم تحت رعاية روسية في سوتشي وأستانا وما أدراك ما أستانة. وهل المسألة تتعلق برحيل الأسد وعائلته، أم برحيل النظام برمته، أم تقاسم السلطة؟
المتحدث الرسمي باسم النظام
أين رئيس النظام بشار الأسد الذي أعطى لنفسه شرعية “ديمقراطية” بعد انتخابه بنسبة 120 بالمئة ( حسب الاحصائيات الرسمية وصل عدد الناخبين أكثر من 13 مليونا وعدد السوريين المتواجدين تحت سلطة النظام أقل من هذا العدد بكثير)، ومن يكتسب مثل هذه الشرعية القوية أكثر من 95 في المئة من الأصوات تكون له سيادة كاملة على الشعب والوطن. فلماذا يتحدث بوتين باسم سوريا الذي بات المتحدث الرسمي لها؟
هل سوريا تحت سيادة سورية أم تحت سيادة روسية؟
وإذا تم ما يدعو إليه بوتين من تفاوض بعد تقريبا إثني عشر عاما يكون كل ما فعله الأسد من قتل وتدمير، وتهجير ذهب سدى، وكان يمكن الجلوس إلى طاولة المفاوضات منذ اندلاع الثورة بين النظام والمعارضة ووفر النظام على نفسه كل هذه المجازر في لحم السوريين وفي أملاكهم ومساكنهم وذكرياتهم.
إيران الصامتة
يقال عن الإيرانيين أنهم يذبحون بالقطنة، أي بنفس طويل، وطويل جدا. وعندما يلتزمون الصمت، كإسرائيل، فمعنى ذلك أن الأمور لصالحهم، ولا يريدون لفت الأنظار. فالروس يبنون القواعد العسكرية، والبحرية، ويجربون أسلحتهم الحديثة باللحم السوري، والإيرانيون يتغلغلون في النسيج الاجتماعي، ويتملكون العقارات والأراضي، ويسيطرون على الحدود العراقية السورية، واللبنانية السورية، وهذا أكثر ما يهمهم، وإن هم لم يألوا جهدا في تجريب أسلحتهم أيضا في اللحم السوري الذي بات مستباحا للقاصي والداني.
وفي ساعة الصفر لهم كلمتهم أيضا فقد صرفوا أكثر من ثلاثين مليار دولار في دعم النظام الذي كان متهاويا، وحسب تصريح أكثر من مسؤول إيراني، ومن حسن نصر الله أن النظام لولاهم لما صمد ساعتين.
تركيا وأمريكا حليفان في الناتو، ومتضادان في المسألة الكردية.
بالطبع لتركيا أيضا كلمة فهي تدعم المعارضة ومتواجدة على الأرض في منطقة إدلب، ولها أربع عيون على منطقة الحكم الذاتي التي يسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية الكردية، ولا تقبل بشكل من الأشكال إنشاء دولة كردية على حدودها الجنوبية، بينما تدعم أمريكا الحكم الذاتي وتسيطر على النفط السوري، وبيدها مفتاح العقوبات. وسؤال بوتين في نهاية الأمر يجمع كل هذه العوامل ليقول للغرب غردوا كما تريدون ولكن العودة إلي.

كاتب سوري