الرئيسة \  رسائل طائرة  \  رسائل طائرة 23-11-2022

رسائل طائرة 23-11-2022

23.11.2022
زهير سالم

رسائل طائرة 23-11-2022


زهير سالم*

وسألني عن سر تعزيتي بآحاد وأفراد الاخوان، لا أدري مستوضحا او مستنكرا؟؟
فكتبت له..
أنا أهتم بكل رجل من عامة الاخوان. أهتم بكل أخ من عشب الأرض مثلي.
وأنا منذ عشرين عاما اطالب الاخوان ان يكون لهم "ديوان عزاء" كلما مات فرد منهم مهما كان موقعه ان يصدر بحقه بطاقة وداع وعزاء فعلى أكتاف هؤلاء الأفراد قامت هذه الدعوة.
فكرة "الفاميليات" كانت سائدة في المجتمع السوري بكثرة، كنا نظن أن الامر ربما يختلف..
وأخذت على عاتقي أن أذكّر بإخواني الراحلين ما استطعت، وخاصة الذين لا يذكرهم احد كما قالوا لعمر ، ما مات غير النعمان، رجل يعرف!! تسألني: من هذا؟؟
وليس قولك من هذا بضائره!! ألا يكفي انه من هذه الثلة من الناس التي بذلت وما بدلت، وثبتت، وضحت، وكان بيننا على مدى اربعين عاما الحداد والنجار والسائق والفلاح والعامل وصاحب القليل وصاحب الكثير. وكلهم في عينيّ كبير محترم مجاهد عامل يستحق..
ويستحق في نظري أكثر مما يستحق رجل يعيش في أقصى الارض بين طنجة وجاكرتا
أذكّر ما استطعت باخواني هؤلاء..
اكسب اجر الدعاء لهم عسى ان يهيئ الله من يدعو لي عندما ارحل وكلنا راحلون..
وأجبر خاطر أسرهم، وخواطرهم كلها محبورة بجبر الله، وتكريمه إياهم حين اختارهم لهذا الطريق.
الأهل الذين يعلمون ان فقيدهم قضى عمره يدفع ويدّفعهم ضريبة هذا الانتماء.. يعجبهم ان يمسح آس على رؤوسهم وأن يشارك مسعد في إسعادهم
زعماء الأحزاب هم الذين لا يعرفون أعضاء حزبهم الا عند عد الأصوات..
نحن تعلمنا وتربينا ان جبر الخواطر على الكرام. كان كل منا رافقنا هذه الهجرة الطويلة بكل لأوائها اخا كريما أصيلا يستحق من جميع إخوانه كل تقدير واحترام..
لعلي أجبت!!
==================
ودعتنا من تلبيسة- حمص، خيرية الغجري أم الشهداء السبعة: محمد - أحمد - محمود -عبد الكافي - عبد الناصر- زكريا - سليم...
اللهم تقبلها وتقبل منها..اغفر لها وارحمها..تقبل أبناءها شهداء وابعثهم شفعاء..
وخالص العزاء لكل أحرار سورية وحرائرها..
وإنا لله وإنا إليه راجعون
======================
ليس من عادتي أن أحول ولكنني حولتها..
لعلها صبت على جراحي شيئا..
يقولون ان الانسان اذا كبر وضعف، يفتقد أشياء من زمن الطفولة. وأظنه أكثر ما يضايقه ان ينظر إليه على أنه طفيلي على مائدة زمان غيره…
هذا مقال عنوانه حب الكبار، ويقصد كاتبه الحب بين الكبار..
بين يوسف ندا وإبراهيم منير المتوفى من قريب
وأترككم..
حب الكبار - (مؤثر للغاية).
استأذنت أسرة الوالد الكريم الأستاذ إبراهيم منير أن أشهد غسله فأذنوا لي لما بيني وبينه من حب. وصلت مكان الغسل في التاسعة صباحا وقمت مع ولديه أحمد وخالد وأخي عبد الله بغسله بدموعنا قبل الماء.
كان المشهد لا يوصف. هذا الرجل الذي لم يهدأ يوما في حياته لحمل دعوة ورسالة آمن بها يُسجّى اليوم علي سرير نقله وهو لا حول ولا قوة بل كنا عفويا نستأذنه ونستسمحه أن نحركه ذات اليمين وذات اليسار!!! ســـــــــــبحان الحي الذي لا يموت !!
بعد أن انتهينا من غسله وكفنه وألقى أهله عليه نظرة الوداع، وهممنا بالانصراف إلي المسجد إذا بولده يقول: يا دكتور دعنا ننتظر دقائق لأن الأستاذ يوسف ندا في الطريق ليودع أبي !!!!
صعقت وقلت له ماذا تقول؟ لقد كان الأستاذ يوسف في أزمة صحية شديدة أول أمس، ونصحته بالراحة وعدم الحركة، وتغيير بعض الأدوية، كيف يأتي إلي هنا؟
 قال لقد أصر على الحضور. قلت ولكني كلمته بالأمس أعزيه ولم يذكر أنه سيحضر. كيف لرجل في التسعين من العمر بهذه الحالة الصحية الحرجة أن يسافر من لوجانو بسويسرا إلي ميلانو بإيطاليا ثم يستقل طائرة إلي لندن ثم يأتي لمكان الغسل الذي يبعد نحو ساعتين من المطار!! إنها رحلة قاتلة في ظروفه الصحية!! قال والله سيكون هنا بعد دقائق، دعنا لا نغلق النعش قبل أن يراه الأستاذ يوسف.
بالفعل لحظات وجدت الأستاذ يوسف يدخل من باب المغسلة، ولم يقوَ علي المشي إلا عشر خطوات، ولم تحمله قدماه، هرعنا اليه بكرسي يجلس عليه، وانهار الرجل في بكاء، وانهمرت معه وأنا أحتضنه وأقول هون عليك! لقد ارتاح الأستاذ ابراهيم من عناء الدنيا..
خمس دقائق مضت كأنها دهر والتقطت أنفاسي وحبست دموعي وقلت يا أستاذ يوسف أستحلفك بالله أن تصلي على الأستاذ إبراهيم هنا في المغسلة وتعود من حيث أتيت، وبعد إصرار مني وافق، ولكننا أغلقنا باب النعش؛ لأنه لن يتحمل النظر إلي أخيه إبراهيم مسجيا في كفنه!!
صلى عليه ثم قلت له هيا إلي الفندق لتستريح ثم تستقل الطائرة، قال لا بد أن أحضر الصلاة عليه في المسجد. قلت له والله صحتك لا تتحمل أن تكون في المسجد المكتظ بالناس وفيهم المريض وغيره، وبيننا وبين المسجد ساعة في الطريق، وهذا يشق عليك، فأبي إلا أن يأتي للمسجد علي وعد ألا يأتي للمقابر.
صلينا الجنازة في المسجد وذهبنا إلى المقابر التي تقع في أقصى شرق لندن على بعد ساعة وربع من المسجد، وبدأنا بالدفن، وإذا بالأستاذ يوسف أمام الجثمان وعيناه تذرفان الدمع، ولا يستطيع الوقوف حتي بمساندة !!
لم يكن ما بين الأستاذ يوسف والأستاذ إبراهيم علاقة تنظيم ولا علاقة نسب ولا مصالح دنيوية، بل حب في الله يفوق كل شعور، ولا يمكن أن تجسده أي كلمات.
أولئك آبائي فمن يأتي بمثلهم؟!!
رحمك الله أبي ابراهيم، وحفظك الله أبي يوسف!!
كتبه د. هاني الديب على صفحته.
____________
*مدير مركز الشرق العربي