رسائل طائرة 29-10-2024

رسائل طائرة 29-10-2024

زهير سالم*
كتبوا إليّ فكتبتُ إليهم
هونوا عليكم يا أبنائي فالناس هم الناس...
وعاشرت هذه الطبقة من الناس في مدينتي حلب، على مدى ثلاثين عاما ... وكان فيهم ولن أسمي أحدا...
طائفة من الناس اتخذت من الأذان وإمامة الصلاة وتلاوة القرآن والتدريس والوعظ حرفة... تؤدي الذي عليها، وتأخذ الذي لها، ولم يعطنا الله الحق في الكشف عما في قلوب الناس. ولكنها كانت في كل ما تؤديه كالعامل يضبط ساعته عند دخوله وعند خروجه. فإذا أدى الصلاة إماما أداها بالحد الأدنى الذي تصح به...
وطائفة من الناس اتحذت مما ذكرت سابقا من عمامة وجبة ومكانة سلما.. سلمنا الله منها، ولعبت دور السمسار في أكثر من ميدان، تعطي وتأخذ، وتضر وتنفع، وأصحابها خراجون ولاجون يعطون من بيده أمر البلاد والعباد ما يريد، ويعطيهم ما يريدون لهم ولأتباعهم...وكان بعضهم يسمى قاضي الحاجات، ولا نتألى على الله في أحد من خلقه..
وفريق ثالث كانوا أصحاب تقوى ودين وعلم وورع في خاصة أنفسهم، وفي أهليهم، فلم نر منهم إلا جميلا ولم نسمع منهم إلا خيرا ولكنهم إذا حصحص الحق، واحتاجت كلمة الحق إلى حامل، آثروا الصمت، وتواروا لواذ... حفظوا عن ابن الوردي قوله في لاميته:
جانب السلطان واحذر بطشه.. لا تعاند من إذا قال فعل
فسمعوا لقوله وأطاعوا...
إن تذكر بخير تذكر دينا وصلاحا وبرا وخيرا، وإن تعرض فأنت معذور بالإعراض. وهؤلاء الناس فرغوا أنفسهم للتذكير بالله، وتعليم حدوده، لا يعدو علمهم ما في كتابهم، ولا يخوضون قط فيما يجري في واقعهم...
وبقي من هذه الطبقة من الناس أفراد هم أقل من القليل، أخذت كتاب ربها بقوة، وقامت دونه بلاغا وبشارة ونذارة، وتصدت لكل من رامه بسوء، تدافع عن حمى الإسلام، وتحرض المؤمنين، تمتلك الرؤية والفقه والموقف والجرأة والشجاعة والصبر والمصابرة ...
هؤلاء يا أحبابي منذ كان الناس أندر من الكبريت الأحمر فلا تعيبوا الزمان، ولا تتطلبوا منه فوق ما يطيق...
____________
*مدير مركز الشرق العربي