الرئيسة \  تقارير  \  رسائل مدادها النار .. ما دوافع "قسد" من التصعيد العسكري بريف حلب؟

رسائل مدادها النار .. ما دوافع "قسد" من التصعيد العسكري بريف حلب؟

24.07.2024
ثائر المحمد



رسائل مدادها النار .. ما دوافع "قسد" من التصعيد العسكري بريف حلب؟
تلفزيون سوريا - ثائر المحمد
الثلاثاء 23/7/2024
تداخل المصالح الإقليمية والدولية يزيد التوترات في شمالي سوريا.
قسد تتخوف من تحالف تركيا والنظام الذي يهدد وجودها العسكري والسياسي.
في الآونة الأخيرة، شهدت مناطق ريف حلب الشمالي تصعيداً عسكرياً متزايداً بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والجيش الوطني السوري، تمثّل بحدوث اشتباكات ومواجهات عنيفة وسقوط قتلى وجرحى من الطرفين، وقد جاءت هذه العمليات في وقت حساس، تتزايد فيه التكهنات حول إمكانية التقارب بين تركيا والنظام السوري، في خطوة من شأنها تغيير المشهد السياسي والعسكري في المنطقة بشكل كبير.
قسد، التي ترى نفسها الخاسر الأكبر من هذا التقارب، أطلقت سلسلة من الهجمات ضد نقاط الجيش الوطني السوري في ريف حلب الشمالي، ويبدو أنها رسالة صريحة ترد على التحركات الدبلوماسية التي تشير إلى احتمال حدوث تقارب بين تركيا والنظام. هذا التقارب، الذي قد يكون مدفوعاً بالرغبة المشتركة المعلنة في مواجهة تهديدات "الإرهاب"، قد يغير معادلة القوة على الأرض، لكن هذا السيناريو يثير قلق قسد، التي ترى في أي تحالف بين "أنقرة ودمشق" تهديداً مباشراً لمصالحها.
التصعيد العسكري التركي ضد حزب العمال الكردستاني (PKK) في العراق يضيف بُعداً آخر للتوترات الحالية، فالعمليات التركية في العراق تهدف إلى القضاء على معاقل PKK، الذي تعتبره أنقرة تنظيماً إرهابياً، وكذلك يثير هذا التصعيد تساؤلات حول مدى تأثيره على الأوضاع في سوريا، خاصةً وأن تركيا تعتبر قسد امتداداً لحزب العمال الكردستاني.
فيدان يدعو النظام السوري للاستفادة من الهدوء وتحقيق "السلام مع معارضيه"
ويعتقد محللون أن الشمال السوري بات ساحة لتبادل الرسائل، حيث تتداخل فيه مصالح عدة أطراف إقليمية ودولية، كما تشير التحليلات إلى أن العمليات العسكرية بين قسد والجيش الوطني السوري، والتقارب المحتمل بين تركيا والنظام، والتصعيد التركي ضد حزب العمال الكردستاني، جميعها عوامل تسهم في تعقيد المشهد وزيادة التوترات في المنطقة، مما يجعل التنبؤ بمصير المنطقة ومستقبل الفاعلين المحليين أمراً بالغ الصعوبة.
"قسد" تنفذ سلسلة من الهجمات
نفّذت القوات العسكرية التابعة لـ"قسد" سلسلة من الهجمات خلال الأيام الماضية، استهدفت من خلالها مواقع للجيش الوطني السوري في ريف حلب الشمالي والشرقي، إضافة لموقع في منطقة الحسكة شمال شرقي البلاد.
وسجلت المنطقة خلال أسبوع عدة نقاط اشتباك، منها:
تسلل لقسد في ريف حلب الشرقي
نفذت "قسد" عملية تسلل استهدفت نقطة تابعة لفرقة السلطان مراد في الجيش الوطني على محور الدغلباش شرقي مدينة الباب، ووفقاً لمصادر محلية، تمكنت العناصر المتسللة من قتل اثنين من عناصر الجيش الوطني ولغّمت جثة أحدهما، كما أصابت ثلاثة آخرين بجروح.
اشتباكات في منطقة حربل
اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجيش الوطني السوري وقوات "قسد" في منطقة حربل بريف حلب الشمالي، وقد أعلن فصيل "الجبهة الشامية" في الجيش الوطني عن مواجهات بمختلف أنواع الأسلحة على المحور الواقع قرب مدينة مارع، وقد استهدف الفصيل مجموعات المؤازرة لقسد بقذائف الهاون، ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى.
عملية تسلل أخرى لقسد
كذلك نفذت "قسد" عملية تسلل جديدة على محاور التماس بريف حلب الشمالي، استهدفت العملية نقاطاً تابعة للجيش الوطني على محور قرية كلجبرين قرب مدينة مارع، مما أدى إلى مقتل ثلاثة من عناصر الجيش.
عملية للجيش الوطني ضد قسد قرب منبج
بعد ذلك، نفذ الجيش الوطني السوري هجوماً خاطفاً على موقع لـ"قوات سوريا الديمقراطية" قرب مدينة منبج بريف حلب الشرقي، رداً على تصاعد الهجمات وعمليات التسلل ضد مواقعه، واستهدف الهجوم الذي قادته قوة خاصة من حركة التحرير والبناء المنضوية ضمن الفيلق الأول في الجيش الوطني نقطة لقسد على محور قرية عرب حسن بريف منبج شرقي حلب، حيث تمكن مقاتلو الحركة من التسلل إلى النقطة، والاشتباك مع العناصر الموجودين فيها وقتل جميع من كانوا داخل الموقع قبل الانسحاب.
اشتباكات قرب حزوان
عقب ذلك، كررت "قسد" تسللها على نقاط تابعة للجيش الوطني قرب قرية حزوان بريف مدينة الباب شمالي حلب، وردّت مدفعية الجيش التركي الموجودة في المنطقة على مواقع قسد في محيط منطقة الاشتباك.
قصفت القوات التركية مواقع تابعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" شمالي سوريا، وذكرت وزارة الدفاع التركية أنها استهدفت 10 عناصر من حزب العمال الكردستاني في المنطقة، وبحسب مصادر محلية، استهدفت القوات التركية بقذائف المدفعية مواقع في قرى شيخ عيسى، حربل، أم الحوش، أم القرى، والوحشية بريف مدينة تل رفعت شمالي حلب، وذلك رداً على محاولة التسلل التي نفذتها قسد على محاور مدينة مارع.
عملية لقسد بريف الحسكة
أعلنت قسد عن استهداف تجمع لعناصر الجيش الوطني في قرية "خربة الشعير" التابعة لناحية "أبو راسين"، بريف الحسكة، ما أسفر عن مقتل 3 عناصر.
ما دوافع "قسد" من التصعيد؟
قال الكاتب والباحث السياسي، علي تمي، إنّ "قسد هي أكثر جهة تخشى من أي تقارب بين دمشق وأنقرة، وهي تدرك تماماً أنها ستدفع الفاتورة بمفردها، لهذا السبب اتخذت جملة من الإجراءات الاحترازية، أولها الإفراج عن عناصر وقيادات تنظيم الدولة، في محاولة لخلط الأوراق في ريف حلب ودفع المنطقة نحو التصعيد، كذلك التحضير لمعركة قد تحصل في دير الزور مع النظام والميليشيات الإيرانية".
وأضاف "تمي" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن "التدخل العسكري التركي في إقليم كردستان العراق والعمل على قطع شريان الحياة لقسد مع السليمانية، جعل من تحركات قسد من البوابة الشرقية هشة، وبالتالي يبدو أن هذا الأمر أزعج طهران، وبناء على ذلك يتوقع تحريك هذه الجبهات لأنها بالأساس تحت الإشراف العسكري الإيراني المباشر في ريف حلب".
"مؤامرة".. "الإدارة الذاتية" تعلن موقفها من التقارب بين تركيا والنظام السوري
ولهذا السبب، يتوقع أن تتجه المنطقة نحو تصعيد غير طبيعي، والمعركة ستكون بين النظام وقسد، والاحتمال المطروح أيضاً، تدخل تركيا عسكرياً في شرقي الفرات قبيل الانتخابات الأميركية.
ورأى الباحث أن ما يحدث في ريف حلب له صلة مباشرة مع التطورات في إقليم كردستان العراق، بالتالي من الواضح أن طهران أيضاً منزعجة من قطع هذا الشريان أمام تحركاتها في شمالي العراق، وهذه المنطقة تشكل صلة الوصل بين قنديل ومناطق سيطرة قسد في سوريا.
وبحسب الباحث، من الطبيعي أن تتخوف قسد على مصيرها أكثر من أي وقت مضى، لأنها أفسحت المجال أمام الجهات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية لتثبيت نقاط لها على ضفاف نهر الفرات، فضلاً عن انتشار القوات الخاصة البريطانية والأميركية والفرنسية في هذه المنطقة، وهذا الأمر بطبيعة الحال يزعج أنقرة ومن بعدها النظام السوري، وبطبيعة الحال موسكو تتخوف على مصير قواعدها داخل سوريا وخاصة أن الإسرائيليين منخرطون بدعم الأوكرانيين بكل أنواع الأسلحة، وبالتالي يمكن اعتبار منطقة شرقي الفرات هي ساحة لتصفية الحسابات بين هذه الدول ولها ارتدادات تصل إلى العراق.
"قسد" في وضع محرج
بدوره، قال الكاتب السوري، حسن النيفي: "لا ريب في أن الحملات الجوية التركية التي نفذتها الطائرات المسيرة خلال الفترة الماضية والتي أودت بحياة العديد من قادة قسد قد جعلت سلطات قسد في موضع محرجٍ للغاية، من جهة عدم قدرة قسد على تحاشي تلك الضربات، وكذلك من جهة عدم قدرة قسد على الرد بالمثل، الأمر الذي يضع قيادة قسد في موضع محرج وخاصة أمام حاضنتها الشعبية أو مواليها، لذلك تأتي محاولاتها المتكررة للتسلل واستهداف مواقع الجيش الوطني كمحاولة لحفظ هيبتها أمام الرأي العام، ولعل تداخل التخوم القتالية بينها وبين فصائل الجيش الوطني على طول الجبهة يتيح لها التسلل والقيام ببعض العمليات التي تعتمد على الكر والفر".
وزارة الدفاع التركية: موجودون في سوريا لمكافحة الإرهاب وضمان وحدة أراضيها
وأضاف النيفي في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن "المسألة ذات صلة بحسابات قسد أمام حاضنتها بالدرجة الأولى، ولا نستبعد أيضاً أن تحمل تلك العمليات الخاطفة لقسد رسائل للآخرين بقدرتها على الرد واستعدادها الدائم للدفاع عن مصالحها ووجودها".
وأردف: "لا أعتقد أن ما تقوم به قسد من عمليات تستهدف من خلالها مواقع للجيش الوطني، يرتبط ارتباطاً مباشراً بالتقارب التركي مع نظام الأسد، بل إن تلك العمليات كانت تتكرر باستمرار ومنذ فترات طويلة سابقة، باعتبارها الاستراتيجية الوحيدة المتاحة للردّ على الاستهدافات التركية".
وكذلك من غير المستبعد أن تكون تلك العمليات جزءاً من "الرد القسدي عما تقوم به تركيا من مطاردة لفلول حزب العمال الكردستاني داخل العراق، إذ من شأن الردود القسدية أن تشكل جزءاً من المشاغلة للقوات التركية".
ولعله من الواضح - حسب الكاتب - أن "الحكومة التركية لا تخفي دوافعها الكامنة وراء التقرب من نظام الأسد، إذ تعلن تركيا بوضوح أن مسعاها الرامي إلى التطبيع مع الأسد يلبي حاجة أمنية لها وتتمثل تلك الحاجة بالقضاء على كيان الإدارة الذاتية باعتباره كياناً يهدد أمنها القومي".
ويعتقد النيفي، أن "نجاح أي تطبيع بين أنقرة ودمشق مرهون بموافقة دمشق والتزامها بطرد قوات قسد من الأراضي السورية، وهذا ما يجعل قسد لا تنظر إلى أي تقارب بين تركيا ودمشق إلا باعتباره يهدد وجودها عسكرياً وسياسياً بل ووجودياً".
"قسد" مستاءة من احتمالية "التقارب"
وفي وقت سابق، أبدت "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سوريا، المرتبطة بـ"قسد" اعتراضها على أي حوار أو تقارب مستقبلي بين النظام السوري وتركيا.
 وقالت "الإدارة الذاتية" في بيان: "تسعى تركيا وتقدم يدها لدمشق على ساحة الدماء السورية (...)، هذه المصالحة وإن تمت فهي مؤامرة كبيرة ضد الشعب السوري بكل أطيافه"، مضيفة: "كان من الأحرى أن يتم إعادة ما سلبته تركيا سابقاً كعفرين ورأس العين وتل أبيض وكذلك إدلب والباب واعزاز، ولواء إسكندرون، لكن بكل أسف في حال اتفقت دمشق وأنقرة فإن ذلك خطوة سلبية جديدة لمناطق سوريا وخرقاً علناً لسيادتها"، حسب البيان.
جاء ذلك بعدما قال وزير الخارجية التركي حقان فيدان إن النظام السوري لا يستغل حالة الهدوء ووقف إطلاق النار، لحلّ المشكلات الدستورية و"تحقيق السلام مع معارضيه"، داعياً لتوحيد النظام والمعارضة السورية لمكافحة حزب العمال الكردستاني.
من جهته أبدى زعيم "قسد" مظلوم عبدي جاهزيته للحوار مع كل الأطراف في سوريا بهدف وقف الاقتتال والتوصل إلى حل سياسي في البلاد، بما في ذلك الحوار مع تركيا.
وقال عبدي: "نحن جاهزون للحوار مع جميع القوى، ومن ضمنها تركيا أيضاً، وسندعم ونساند أي حوار يُفضي إلى وقف الاقتتال والوصول إلى حل سياسي للأزمة".
وسبق أن تطرق المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية إلى عملية التقارب التي أطلقتها تركيا مع النظام السوري، بالقول: "أبدى رئيسنا إرادة واضحة فيما يتعلق بالحوار. تركيا موجودة في سوريا في إطار مبدأ الدفاع المشروع لإزالة الهجمات والتهديدات الإرهابية الموجهة نحو أراضيها، ولحماية حدودها ومنع إنشاء ممر إرهابي في شمالي سوريا كأمر واقع".