الرئيسة \  تقارير  \  فريق التحقيق بالجرائم الكيماوية في سوريا .. كشف الحقيقة أم محاسبة الجناة؟

فريق التحقيق بالجرائم الكيماوية في سوريا .. كشف الحقيقة أم محاسبة الجناة؟

29.03.2023
وسام الدين العكلة

فريق التحقيق بالجرائم الكيماوية في سوريا .. كشف الحقيقة أم محاسبة الجناة؟
كتب بواسطة: وسام الدين العكلة
نون بوست
الثلاثاء 28/3/2023
بدأ "فريق التحقيق وتحديد الهوية"، التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW)، والمعنيّ بتحديد الأفراد أو الكيانات الضالعين بشكل مباشر أو غير مباشر في استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، تحقيقاته في يونيو/ حزيران 2019، وحتى الآن أصدر الفريق 3 تقارير أشارت إلى مسؤولية النظام السوري عن استخدام الأسلحة الكيميائية في عدد من المواقع.
رحّبت دول عديدة بالجهود التي يقوم بها الفريق، في حين لا يزال النظام السوري وروسيا يوجّهان انتقادات لعمل الفريق ويتهمانه والأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالانحياز إلى المواقف الغربية وإصدار تقارير مضللة، وأن تشكيله جاء بناءً على ضغوط مارستها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لغايات خاصة بها، وفي مخالفة واضحة وصريحة لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.
لذلك ستحاول هذه المقالة تسليط الضوء على تشكيل الفريق وآليات عمله، وأهم النتائج التي توصّل إليها خلال السنوات الماضية.
الخلفية
في 7 أبريل/ نيسان 2018 وقع هجوم باستخدام غاز الكلور السام في بلدة دوما بريف دمشق، لم تتمكّن 3 مشاريع قرارات متنافسة من العثور على الدعم اللازم داخل مجلس الأمن للتحقيق في هذا الهجوم.
أمام هذا التطور، وبسبب عدم الاتفاق على إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، وعدم وجود أي إمكانية واقعية أخرى لمعالجة استخدام الأسلحة الكيميائية، باعتباره انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي وضمان المساءلة، دُفعت بعض الدول إلى البحث عن حلول بديلة، خاصة في ضوء شلل مجلس الأمن في التصدي للموضوع بسبب استخدام حق النقض من قبل روسيا.
حيث نجحت المملكة المتحدة و10 دول أخرى في طلب عقد جلسة خاصة لمؤتمر الدول الأطراف في منظمة حظر الكيميائية، "للنظر في أفضل طريقة للردّ الجماعي" على تهديدات تطوير وإنتاج واستخدام الأسلحة الكيميائية من قبل الجهات الفاعلة من الدول وغير الدول.
وبعد مناقشات حادة بين الأطراف، اعتمد مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأسلحة الكيميائية القرار المعنوَن بـ"معالجة التهديد الناجم عن استخدام الأسلحة الكيميائية" في 27 يونيو/ حزيران 2018 بأغلبية الثلثَين، الذي بموجبه تمَّ إنشاء "فريق التحقيق وتحديد الهوية" بغرض تحديد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.
التكوين والتفويض
أُنشئ الفريق بموجب القرار الصادر عن مؤتمر الدول الأطراف في منظمة الحظر المعنوَن بـ"التصدي للتهديد الناشئ عن استخدام الأسلحة الكيميائية" (الوثيقة C-SS-4/DEC.3 المؤرَّخة بـ 27 يونيو/ حزيران 2018)، ويتشكل من مجموعة خبراء دوليين ويتمتّع بتفويض دولي لتحديد الحقائق والظروف المحيطة بالاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية في سوريا وتحديد المسؤولين عنها، وتقديم توصيات إلى الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بشأن الخطوات التالية.
يتكوّن الفريق من خبراء يتمتعون بمجموعة واسعة من الخلفيات العلمية والتقنية والقانونية، يتمّ تعيينهم من قبل المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وفيما يخص ولاية فريق التحقيق في تحديد من قاموا باستخدام الأسلحة الكيميائية، فإنها تشمل تحديد هوية من قاموا باستخدام هذه الأسلحة، أفرادًا كانوا أو كيانات أو جماعات أو حكومات، أو مَن تولّوا تنظيم ذلك الاستخدام أو رعايته أو شاركوا فيه على نحو آخر، أي جميع من شاركوا مشاركة مباشرة أو غير مباشرة في استخدام الأسلحة الكيميائية.
بحسب المنظمة، يعد عمل فريق التحقيق وتحديد الهوية مهمًّا في تعزيز المساءلة وردع استخدام الأسلحة الكيميائية المحظورة، بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي تعتبَر تهديدًا للسلم والأمن الدوليَّين.
تساعد تحقيقات الفريق على ضمان تنفيذ أحكام الاتفاقية بشكل فعّال، وتحديد المسؤولين عن الهجمات بالأسلحة الكيميائية في سوريا، من خلال توفير تحقيق مستقل ونزيه في هذه الجرائم، يساعد فريق التحقيق وتحديد الهوية في ردع الهجمات المستقبلية، ويرسل رسالة مفادها أنه لن يتمّ التسامح مع استخدام الأسلحة الكيميائية، وجهود الفريق حاسمة في تعزيز العدالة والتمسُّك بالمعايير الدولية ضد استخدام الأسلحة الكيميائية.
الانتقادات والتحديات
تعرّض تشكيل الفريق إلى انتقادات واسعة من قبل روسيا وسوريا والصين وبعض الدول الأخرى، خاصة فيما يتعلق بآلية تشكيله وحياده، ونطاق تفويضه وطريقة عمله في جمع الأدلة والوصول إليها، إذ عبّرت روسيا والنظام السوري عن عدم اعترافهما بالفريق ولا بالتقارير الصادرة عنه.
إلى جانب ذلك، اعترضت روسيا والصين على قرار تشكيل الفريق لأن قرارات منظمة الأسلحة الكيميائية عادة ما تُتَّخذ بالإجماع، لذلك كان اعتماد القرار بالأغلبية غير عادي، واعتبرتا أن هذا القرار ينطوي على تغيير عميق في الوظائف والصلاحيات الموكلة إلى الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه الفريق العديد من التحديات القانونية والعملية التي ينطوي عليها عمله، مثل عدم قدرته على الوصول في الوقت المناسب إلى المواقع التي شهدت استخدامًا للأسلحة الكيميائية، وإلى الأشخاص والمعلومات اللازمة داخل سوريا بسبب عدم التعاون من حكومة النظام السوري، والعقبات القانونية التي تتعلق بالسماح لأعضاء الفريق بزيارة هذه المواقع، واللقاء مع الأفراد الذين لدى الفريق أسباب تدعوه إلى الاعتقاد بأنهم مهمّون لأغراض ولايته.
آليات عمل الفريق
يعمل فريق التحقيق وتحديد الهوية بشكل مستقل، وتجري تحقيقاته وفقًا لأعلى معايير الحياد والشفافية، ويقوم الفريق بجمع وتحليل الأدلة من مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك العيّنات التي تمَّ جمعها في الموقع، وشهادات الشهود، وصور الأقمار الصناعية، وتقارير الوكالات الاستخباراتية، إضافة إلى المعلومات مفتوحة المصدر.
يعرض الفريق نتائجه واستنتاجاته في تقارير تقدَّم إلى المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ثم إلى مؤتمر الدول الأطراف، وتتضمّن التقارير توصيات لاتخاذ المزيد من الإجراءات، والتي قد تشمل فرض عقوبات أو تدابير أخرى ضد أولئك الذين يتبيّن أنهم مسؤولون عن استخدام الأسلحة الكيميائية.
النتائج والاستنتاجات الرئيسية
لا يعتبَر فريق التحقيق وتحديد الهوية هيئة قضائية تملك سلطة إسناد المسؤولية الجنائية للأفراد، ولا يملك سلطة إصدار استنتاجات نهائية بشأن عدم الامتثال لاتفاقية حظر استخدام الأسلحة الكيميائية، فولاية فريق التحقيق هي إثبات الحقائق والتوصُّل إلى استنتاجات وقائعية.
لأن البتَّ في شأن المسؤولية الجنائية للأفراد الذين يحدّد فريق التحقيق هوياتهم يبقى ضمن اختصاص المحاكم، أو الهيئات القضائية التي لها حاليًّا أو قد تكون لها مستقبلًا الولاية القضائية على البتّ في الجرائم المتعلقة باستخدام الأسلحة الكيميائية، التي يمكن أن يُقاضى عليها أولئك الأفراد، أما المسائل المتعلقة بامتثال الدول لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، فالتعامل معها موكول للمجلس التنفيذي ومؤتمر الدول الأطراف في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة.
يبني الفريق استنتاجاته على أساس معيار "الأسُس المعقولة" من معايير درجة اليقين، ويطبَّق هذا المعيار في تقييم المعلومات التي يحصل عليها فريق التحقيق من بعثة تقصّي الحقائق (FFM) التابعة للمنظمة والدول الأطراف وكيانات أخرى، بما فيها الأجهزة الاستخباراتية.
بالإضافة إلى المعلومات التي يحصل عليها من المقابلات التي يجريها مباشرة، وكذلك من تحاليل العيّنات، واستعراض النتائج المخبرية، وتحاليل بقايا الذخائر، والتقارير والمشورة المقدَّمة من خبراء ومختصّين ومعاهد البحث الجنائي، فضلًا عن مواد ومصادر أخرى ذات صلة.
وتقتصر تحقيقات فريق التحقيق على الحوادث التي وقعت في سوريا، والتي ثبت فيها لبعثة تقصّي الحقائق أن أسلحة كيميائية قد اُستخدمت أو يرجّح أنها اُستخدمت، والتي تعذّر فيها على آلية التحقيق المشتركة (JIM) أن تَخلُص إلى استنتاج نهائي بشأن تحديد المسؤولية عنها.
في البداية ركّز الفريق على دراسة 39 حادثة منفصلة استنتجت بشأنها بعثة التقصي أن أسلحة كيميائية قد اُستخدمت أو يرجّح أنها اُستخدمت، ولمّا كانت آلية التحقيق المشتركة قد حدّدت المسؤولية عن 6 من تلك الحادثات، اُستبعدت من نطاق تحقيقات فريق التحقيق، فحُدّدت بذلك 33 حادثة تستوفي الشروط لكي يحقّق فريق التحقيق فيها.
تضمّنت تقارير الفريق إلى جانب عرض للتحقيقات والنتائج التي تمَّ التوصل إليها، مرفقات تحتوي على معلومات حسّاسة شديدة الحماية غير متاحة للنشر أو التداول خارج السياق الرسمي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومجلس الأمن.
بعد ذلك وضع فريق التحقيق وتحديد الهوية آلية إرشادية لفلترة هذه الحوادث، والتركيز على التحقيق في الحوادث ذات الأولوية مثل خطورة الحادثة، ومقدار المعلومات، والشهود والعيّنات المتوفرة، ونوع المواد الكيميائية المكتشفة.
وخلص الفريق إلى ضرورة التحقيق في 9 حوادث من بين الحوادث الـ 33 المذكورة، وهي التمانعة، 12 أبريل/ نيسان 2014؛ كفر زيتا، 18 أبريل/ نيسان 2014؛ التمانعة، 18 أبريل/ نيسان 2014؛ مارع، 1 سبتمبر/ أيلول 2015؛ اللطامنة، 24 مارس/ آذار 2017؛ اللطامنة، 25 مارس/ آذار 2017؛ اللطامنة، 30 مارس/ آذار 2017؛ سراقب، 4 فبراير/ شباط 2018؛ دوما، 7 أبريل/ نيسان 2018.
وبناء على التحقيقات التي أجراها الفريق حول الهجمات التي وقعت في اللطامنة في محافظة حماة في 24 و25 و30 مارس/ آذار 2017، أصدر تقريره الأول في 8 أبريل/ نيسان 2020، وخلص التقرير إلى أن طائرات تابعة للقوى الجوية السورية هي من نفّذت هذه الهجمات، انطلاقًا من قاعدتَي الشعيرات وحماة الجويتَين.
وستحدث هذه الهجمات ذات الطبيعة الاستراتيجية فقط بناءً على أوامر من السلطات العليا في القيادة العسكرية للجمهورية العربية السورية، حتى إذا كان من الممكن تفويض السلطة، فلا يمكن نفي المسؤولية عن هذه القيادة.
أما التقرير الثاني الصادر عن الفريق بتاريخ 12 أبريل/ نيسان 2021 فقد ركّز على الهجمات الكيميائية التي استهدفت سراقب في 4 فبراير/ شباط 2018، وخلص التقرير إلى أن مروحية عسكرية تابعة للقوات الجوية السورية التي تسيطر عليها ما تعرَف بـ"قوات النمر" شرق سراقب قامت بإلقاء أسطوانة واحدة على الأقل، وتمزّقت الأسطوانة وانبعث منها غاز سام هو الكلور، وانتشر على مساحة واسعة ما أدّى إلى إصابة 12 شخصًا معروفين بأسمائهم.
في حين ركّزت تحقيقات الفريق في تقريره الثالث الذي أصدره في 27 يناير/ كانون الثاني 2023 على الهجمات التي وقعت في دوما بتاريخ 7 أبريل/ نيسان 2018، وخلص إلى أن طائرة هليكوبتر واحدة على الأقل تابعة لـ"قوات النمر" أسقطت أسطوانتَين تحتويان غاز الكلور السام على بنايتَين سكنيتَين في منطقة مأهولة بالسكان المدنيين في دوما، ما أسفر عن مقتل 43 فردًا وإصابة عشرات آخرين.
وتجدر الإشارة إلى أن تقارير الفريق تضمّنت إلى جانب عرض للتحقيقات والنتائج التي تمَّ التوصل إليها، مرفقات تحتوي على معلومات حسّاسة شديدة الحماية غير متاحة للنشر أو التداول خارج السياق الرسمي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومجلس الأمن.
ويُعتقد أن هذه المعلومات تتضمّن لوائح بأسماء الجهات والأشخاص المسؤولين عن إصدار الأوامر بشنّ الهجمات وتنفيذها، إضافة إلى معلومات تتعلق بالشهود والجهات الخارجية والمحلية التي ساهمت في دعم تحقيقات الفريق.
الآفاق المستقبلية
حتى الآن أنهى الفريق تحقيقاته في 5 حوادث منتقاة من أصل 9، ويتم العمل حاليًّا على استكمال التحقيقات في الحوادث المتبقية، ومن المفترض أن تسهم النتائج التي تمَّ التوصل إليها في تقارير الفريق في تعزيز المساءلة عن استخدام الأسلحة الكيميائية، الذي يعدّ جريمة حرب بموجب القانون الدولي، وذلك من خلال المعلومات التي تضمّنتها هذه التحقيقات التي باتت في حوزة منظمة الحظر والدول الفاعلة في مجلس الأمن.
إذ يتم تخزين هذه المعلومات لدى الأمانة الفنية لمنظمة الحظر والآلية الدولية المحايدة والمستقلة لتقديمها لاحقًا إلى المحاكم والهيئات القضائية الوطنية والإقليمية والدولية، التي قد يتم تشكيلها في المستقبل لمحاكمة الأفراد المسؤولين بشكل مباشر أو غير مباشر عن استخدام هذه الأسلحة، ويبقى الرهان الأهم على إمكانية تشكيل مثل هذه المحاكم لدفع عجلة العدالة الدولية وإنصاف الضحايا.