الرئيسة \  تقارير  \  سوريا : ساحات خارج حسابات الثورة وأخرى تنبض بدعوة إسقاط الأسد

سوريا : ساحات خارج حسابات الثورة وأخرى تنبض بدعوة إسقاط الأسد

31.01.2023
هبة محمد

سوريا : ساحات خارج حسابات الثورة وأخرى تنبض بدعوة إسقاط الأسد
هبة محمد
القدس العربي
الاثنين 30/1/2023
دمشق – “القدس العربي”: مطلع 2011، كان السوريون يراقبون ثورات الربيع العربي، وموجات الانتفاضة في ميادين المدن العربية، بينما كانت البلاد تعيش على صفيح ساخن، فانطلقت الاحتجاجات بمظاهرات صغيرة في دمشق سرعان ما امتدت إلى درعا جنوبي البلاد، ومنها إلى مدن وبلدات أخرى كثيرة.
تعود إرهاصات الحراك الثوري، وفق تقارير سورية معارضة، إلى 17/2/2011، حيث أغلق سوق الحريقة في دمشق، وتجمهر التجار والسكان في المناطق المحيطة بعد إهانة رجل الأمن لابن أحد التجار الدمشقيين، ردد خلالها المتظاهرون لأول مرة “الشعب السوري ما بينذل”، وبعد أقل من شهر سادت حالة احتقان في مدينة درعا جنوب سوريا، بعد اعتقال عدد من الأطفال المتأثرين بالربيع العربي، بكتابة شعارات مناهضة للنظام على جدران المدرسة. وفي 15/3/ 2011 خرجت عدة مظاهرة ضمت العشرات من الجامع الأموي، ففضت بالقوة، وتكرر الأمر ذاته في اليوم التالي، في ساحة المرجة التي تتوسط مدينة دمشق.
ساحة العمري
في يوم الجمعة 18 مارس/ آذار، انطلقت الشرارة الأولى للثورة، فكانت ساحة العمري في درعا البلد جنوب سوريا، الميدان الرئيسي الذي تجمع فيه أهالي درعا قادمين من مسجد حمزة والعباس، وتحولت الساحة مع مرور الوقت إلى أيقونة للثورة وبات قبلة المنطقة الجنوبية للحالمين بسوريا الحرة. واستقطبت الساحة، اهتمام وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، بعدما باتت معروفة للقاصي والداني، لكونها مهداً لأولى التظاهرات الحاشدة التي نادت بالحرية.
ومع الامتداد الأفقي للحراك الثوري، واكتسابه طابعاً جماهيرياً، سرعان ما انتشر ليشمل الجغرافيا السورية بأكملها، وباتت المحافظات السورية تشهد بعد صلاة كل جمعة، موجات عارمة من المظاهرات التي تطالب بإسقاط النظام ورحيل رئيسه بشار الأسد، من درعا جنوباً مروراً بالعاصمة دمشق وريفها وحمص وحماة وإدلب إلى حلب شمالاً، ومن دير الزور شرقاً حتى اللاذقية على الساحل غرباً، وفق نشطاء وثقوا ذلك بصور مباشرة ومسجلة بثت على الإنترنت.
في مدينة حمص المعروفة بعاصمة الثورة، وبعد شهر على اندلاع الاحتجاجات، شهدت المدينة الاعتصام الأول في الثورة السورية، وذلك في ساحة ساعتها الشهيرة، رداً على تزايد العنف من قبل قوات النظام ضد متظاهرين.
في يوم 18 أبريل/ نيسان 2011، شارك الآلاف في تشييع 13 قتيلاً من حي باب سباع، قضوا على يد قوات الأمن التابعة للنظام السوري، انطلاقاً من مسجد المدينة الكبير إلى أن دفنوا في مقبرة تل النصر شمال شرق حمص وعاد المشيعون مباشرة إلى الساحة الرئيسية، وما لبث أن توافد الآلاف من البلدات والقرى المجاورة، واستمروا حتى منتصف الليل، رغم الوصول العديد من التهديدات من قبل قوات النظام، بضرورة فض الاعتصام.
ومع إصرار المتظاهرين الذين قدر عددهم بنحو أربعين ألف متظاهر، على استمرار الاعتصام، اقتحمت عناصر من “الفرقة الرابعة” و”المخابرات الجوية” جموع المتظاهرين، وأطلقوا عليهم الرصاص الحي فقتل العشرات.
نتج عن هذه المجزرة نحو 80 قتيلاً وعشرات المفقودين ومئات الجرحى والمعتقلين، ومع فجر اليوم التالي عملت الجهات الأمنية على تكديس الجثث في شاحنات صغيرة ونقلها، كما غسلت سيارات مياه خاصة بالجيش الأرض من الدماء وجمعت قوات النظام فوارغ الرصاص وفرضت حالة من منع التجوال في المدينة استمرت 3 أيام بعدها.
إسقاط تمثال
شهدت هذه الساحة التي كانت تضم أكبر التظاهرات السورية، في دير الزور شرق البلاد، إسقاط تمثال باسل الأسد في يوم “الجمعة العظيمة” بتاريخ 22/4/2011 وهي الجمعة السادسة في تاريخ الثورة السورية، والأكبر من حيث عدد المتظاهرين وعدد القتلى، حيث قتل نحو 100 مدني على يد قوات النظام.
أما ساحة العاصي أو “ساحة الشهداء” كما يسميها البعض هي الساحة الرئيسية في مدينة حماة وسط سوريا، وقد كانت مركزاً أساسياً للاحتجاجات السورية 2011 في المدينة. وفي سابقة من نوعها منذ اندلاع موجة الاحتجاجات شهدت هذه الساحة في 1 تموز/ يوليو 2011 أكبر مظاهرة في تاريخ سوريا على الإطلاق حيث قدر عدد المتظاهرين في الساحة بأكثر من نصف مليون متظاهر طالبوا برحيل نظام بشار الأسد.
ووفق تصريحات ناشطين حقوقيين، أفادوا أن أضخم التظاهرات كانت في جمعة “ارحل” في حماة والتي شارك فيها نحو نصف مليون متظاهر. وقد شهدت هذه الساحة مجزرة في 3 يونيو/ حزيران راح ضحيتها أكثر من 80 ضحية.
بعد أكثر من عقد
وبعد مرور أكثر من عقد من النضال والقمع العنيف، ورغم الفشل في تحقيق الانتقال السياسي نحو الديمقراطية، وحالة الجمود التي تعتري الثورة، وما عاناه السوريون في مواجهة أكبر مآسي التاريخ العربي المعاصر، يجمع السوريون على أن الشعار الأكثر شهرة من بين جميع الشعارات التي رددها ملايين السوريين “الشعب يريد إسقاط النظام” لم يزل شعاراً متقداً في كل ميادين التظاهر ويقود ملايين السوريين نحو هدف واحد.
فلم تزل ساحة العمري في درعا، تشهد تظاهرات متقطعة تطالب بإسقاط نظام الأسد، ويقول المتحدث باسم شبكة “تجمع أحرار حوران” أيمن أبو نقطة لـ “القدس العربي” إن ساحة العمري “لم يطرأ عليها أي تغيرات، رغم سيطرة النظام على المحافظة، فإن هذه الساحة لم تزل تشهد مظاهرات واحتجاجات شعبية بين كل فترة وأخرى”، مضيفاً: “غير أن عدداً قليلاً من الكوادر الثورية بقي في درعا بسبب القبضة الأمنية وعمليات الاغتيال التي تطال مناوئي النظام السوري”.
ويضيف: “إن أعداد المتظاهرين كانت بداية الثورة كبيرة، وتكاد أن تغص الساحة بالمتظاهرين، أما اليوم، بعد 12 عاماً، تختلف المظاهرات كلياً بناء على القبضة الأمنية والانكسارات التي لحقت بالثورة، ورغم ذلك شهدنا في ذكرى اندلاع الثورة من العام الفائت خروج نحو 2000 متظاهر حملوا أعلام الثورة ونادوا بإسقاط بشار الأسد”.
أما في إدلب، فلم تزل ساحة إدلب الرئيسية “ساحة الساعة” تحتضن المتظاهرين من النازحين والأهالي من كافة أنحاء المدينة، كأولى أيام الثورة، إذ يحتشد السوريون في الساحة إلى يومنا هذا للتعبير عن مطالبهم مرددين شعارات الثورة في المطالبة بإسقاط نظام الأسد الذي ثاروا ضده قبل 12 عاماً.
ورصدت “القدس العربي” مئات المظاهرات الحاشدة في إدلب، حيث يرفع المشاركون خلالها شعارات ويرددون أغاني حماسية وهتافات تؤكد على الصمود واستمرار الثورة والإصرار على مبادئها.
خارج حسابات الثورة
أما ساحات حماة وحلب وحمص وغيرها، فقد باتت وفق ناشطين لـ “القدس العربي” خارج حسابات الثورة السورية، بعد سيطرة قوات النظام، وفي هذا الإطار يقول الناشط الإعلامي محمد النقيب من حمص لـ “القدس العربي”: “عملياً ساحة الساعة في حمص عادت لطبيعتها إلى ما قبل الثورة، كساحة عامة ومزدحمة بالسير، دون أي مظاهر أخرى”، مضيفاً أنه “لا وجود لأية حواجز عسكرية أو ثكنات داخل حمص المدينة كونها باتت خارج حسابات الثورة تماماً أسوة بساحات أخرى مثل ساحة العاصي”.
وعن أحوال ساحة الباسل في دير الزور، يقول مدير شبكة الخابور المحلية والتي ترصد أخبار شرق سوريا، لـ “القدس العربي” إن ساحة الباسل باتت تعرف بـ “ساحة التكاسي” بعدما سيطرت قوات النظام السوري على المدينة التي تقع تحت قبضة أمنية من حديد وفق قوله، حيث يفرض النظام وميليشيات إيرانية سيطرتهم على مدينة دير الزور وريفها الواقع جنوب النهر.