سوريا : عام سقوط نظام عائلة الأسد
30.12.2024
منهل باريش
سوريا : عام سقوط نظام عائلة الأسد
منهل باريش
القدس العربي
الاحد 29/12/2024
في تاريخ لن ينساه السوريون، في الثامن من كانون الأول (ديسمبر) سقط النظام بعد أن هرب رئيسه بشار الأسد في طائرة روسية إلى موسكو.
يعتبر سقوط النظام السوري أبرز حدث سياسي في المنطقة وربما العالم خلال 2024. استغرقت قصة سقوط الأسد أو “هروبه” 12 يوماً في فصلها الأخير، بعد حكم عائلة الأسد لسوريا 54 عاما، شكلت الـ 14 عاما الأخيرة أسوأ فصولها الدموية بعد حقبة البطش السياسي لحافظ الأسد ضد خصومه.
12 يوما هزت سوريا
بدأت فصائل المعارضة معركة أطلقت عليها اسم “ردع العدوان”. ففي 27 من تشرين الثاني (نوفمبر) شنت غرفة عمليات “ردع العدوان” ـ والتي ضمت الفصائل المقاتلة في إدلب ومن أبرزها هيئة “تحرير الشام” والجبهة الوطنية للتحرير ـ عملية عسكرية ضد قوات النظام بريف حلب الغربي، أسفرت في اليوم ذاته عن سيطرتها على عدد كبير من المدن والقرى والبلدات بالريف الغربي لحلب، ومن أبرزها “الفوج 46” النقطة العسكرية الاستراتيجية. واستأنفت غرفة العمليات في اليوم التالي تقدمها باتجاه مدينة حلب من جهة ريفها الغربي، بالإضافة لبدء عمل عسكري بريف إدلب الشرقي استحوذت من خلاله على عدة قرى وبلدات، وانتهت بالسيطرة على مدينة سراقب الاستراتيجية الواقعة على تقاطع الطريقين الدوليين M4 وM5.
في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) تمكن مقاتلو غرفة عمليات “ردع العدوان” من التقدم داخل أحياء مدينة حلب الغربية، وسيطروا على أحياء حلب الجديدة، والفرقان، والحمدانية، وصولا لمركز المدينة، وفي 30 من الشهر ذاته بسطت فصائل المعارضة سيطرتها على كامل مدينة حلب للمرة الأولى منذ انطلاق الثورة السورية، كما تمكنت من السيطرة على مطار حلب الدولي الذي سيطرت عليه لمدة ساعات قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
نجاح غرفة عمليات “ردع العدوان” في السيطرة على مدينة حلب، وبلدات وقرى ريف إدلب الشرقي والجنوبي، حفز مقاتليها للتقدم جنوبًا في مدن وبلدات ريف حماة الشمالي. بالمقابل دفعت قوات النظام بتعزيزات كبيرة إلى بلدة قمحانة وجبل زين العابدين الاستراتيجي على مداخل حماة الشمالية، بهدف الحفاظ على مركز مدينة حماة ومنع الانهيار الحاصل ضمن قوات النظام، إلا أن ذلك لم يمنع قوات ومقاتلي المعارضة من السيطرة على حماة المدينة في الخامس من كانون الأول (ديسمبر)، وإعلان قوات النظام انسحابها مؤقتًا من المدينة وتموضعها خارجها.
الجدير بالذكر، أن معارك حماة كانت الأشرس بين غرفة عمليات “ردع العدوان” وقوات النظام، فيما لم يشارك سلاح الجو الروسي بفعالية في إسناد ودعم قوات النظام كما كان حاله في المواجهات السابقة بينه وبين قوات المعارضة.
عملياً، سيطرة قوات المعارضة على مدينة حماة كانت الضربة القاصمة للنظام، لما تمثله من رمزية تاريخية للمقاتلين وللنظام في ذات الوقت، باعتبارها توجت حكم حافظ الأسد على سوريا عندما سحق تمرد جماعة الإخوان المسلمين وهدم المدينة فوق رؤوس قاطنيها من دون استثناء. ومن خلالها تمكن مقاتلو “ردع العدوان” من السيطرة على بلدتين إستراتيجيتين، هما محردة، وسلمية من خلال اتفاق بين غرفة العمليات وأهالي ووجهاء البلدتين.
في السادس من كانون الأول (ديسمبر) واصلت قوات المعارضة ممثلة بغرفة عمليات “ردع العدوان” زحفها جنوبًا، واستحوذت على مدينة الرستن بعد أن بسطت سيطرتها على نقطة عسكرية مهمة شمالها، على الرغم من تدخل الطيران الروسي واستهدافه لجسر الرستن الرابط البري الأهم بين حماة وحمص إلا أن ذلك لم يمنع مقاتلي “ردع العدوان” من السيطرة على مدينة القصير.
بموازاة ذلك، وفي مساء ذات اليوم، تحركت الجبهة الجنوبية في سوريا، لتنسحب قوات النظام من مدينة السويداء، في خطوة قد يكون الهدف منها تعزيز الدفاعات في العاصمة دمشق مع التقدم السريع لقوات المعارضة، ولتنسحب في صباح اليوم التالي باقي الوحدات العسكرية التابعة لنظام الأسد من مدينة القنيطرة، ولتتمكن غرفة العمليات من إحكام سيطرتها على مدينة حمص.
التقدم السريع لقوات المعارضة من الشمال بعد سيطرتهم على حمص وتقدمهم جنوبًا باتجاه ريف دمشق، وزحف قوات الجبهة الجنوبية شمالاً باتجاه العاصمة، مكّن من السيطرة على المراكز الحيوية فيها والمؤسسات والمباني الحكومية، ومبنى الإذاعة والتلفزيون، ورئاسة الأركان العسكرية، وفي تاريخ لن ينساه السوريون، في الثامن من كانون الأول (ديسمبر)، سقط النظام السوري، بعد أن هرب رئيسه بشار الأسد في طائرة روسية إلى موسكو.
الغزو الإسرائيلي للبنان
وامتداده إلى سوريا
مطلع تشرين الأول (أكتوبر)، أعلن الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية أطلق عليها اسم “السهام الشمالية” في جنوب لبنان بهدف القضاء على نشاط حزب الله اللبناني في المنطقة، وإجباره على الانسحاب إلى شمال نهر الليطاني. ترافقت العملية العسكرية في لبنان مع تصعيد القصف وتنوعه على مناطق عدة في سوريا، فقد طال القصف الإسرائيلي معظم المعابر والطرق الرئيسية التي تربط سوريا مع لبنان، كما استهدفت طائرات إسرائيلية في أكثر من مرة مركز العاصمة دمشق، وقصفت مواقع للميليشيا الإيرانية ومقاتلين تابعين لحزب الله اللبناني بريف إدلب وريف حلب الجنوبي، وبلغ عدد الغارات الإسرائيلية على سوريا منذ مطلع العام أكثر من 156 غارة، كما بلغ عدد العمليات البرية التي استهدفت الأراضي السورية ما يقارب 26 عملية، وتسببت الهجمات بمقتل 416 شخصا من عناصر الميليشيا الإيرانية في سوريا، أو من عناصر حزب الله اللبناني، وقوات النظام، وعناصر من الفصائل الفلسطينية المتواجدة في سوريا، بالإضافة إلى 66 مدنيا حسب بيانات المركز السوري لحقوق الإنسان.
الجدير بالذكر، أن أبرز عمليات الاستهداف الإسرائيلي لسوريا كانت عملية الإنزال الجوي على البحوث العلمية التابعة لقوات النظام، في منطقة حير عباس بالقرب من مصياف.
التطبيع مع الأسد
لم يحقق التطبيع العربي مع نظام الأسد النتائج المرجوة سواء للأطراف العربية، أو للنظام نفسه، فقد ألغي اجتماع كان من المقرر أن يعقد للجنة الاتصال العربية المكلفة بالاتصال والتواصل مع نظام الأسد، في النصف الأول من العام، وجاء إلغاء الاجتماع بناء على عدم تلقي اللجنة أي ردود على استفسارات الأطراف العربية بخصوص تهريب المخدرات والكبتاغون، كما لم يحقق لقاء وزير خارجية نظام الأسد مع نظيره الأردني أيمن الصفدي أية نتائج.
وفي ذات السياق، حضر الرئيس المخلوع القمة العربية في المنامة في مملكة البحرين، إلا أنه لم يحظ بكلمة مجدولة على أجندة القمة التي أشارت في بيانها الختامي إلى ضرورة إنهاء الحرب في سوريا بما ينسجم مع القرار الأممي 2254.
بموازاة ذلك، لم يتقدم قطار التطبيع التركي مع نظام الأسد، ولم يحصل أي لقاء بين الطرفين على الرغم من الدعوات المتكررة من قبل المسؤولين الأتراك للنظام، وفي أكثر من مرة أكد مسؤولون تابعون للنظام عن رغبتهم بإقامة علاقات جيدة مع الأتراك، لكنها كانت مشروطة دائما بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، ومحاربة “الجماعات الإرهابية”.
أما على الصعيد الدولي، فقد أعلنت إيطاليا عن إعادة تمثيل بعثتها الدبلوماسية في دمشق، هذه الخطوة تزامنت مع تحرك ست دول أوروبية بزعامة إيطاليا للتخلي عن “اللاءات الثلاث” المحددة لموقف الاتحاد الأوروبي من الأزمة السورية.