الرئيسة \  من الصحافة العالمية  \  سوريا في الصحافة العالمية 18-2-2024

سوريا في الصحافة العالمية 18-2-2024

19.02.2024
Admin




سوريا في الصحافة العالمية 18-2-2024
إعداد مركز الشرق العربي

الصحافة الامريكية :
الصحافة الفرنسية :
الصحافة الامريكية :
كارنيغي الشرق الأوسط  : لماذا قد تتغير سياسة تركيا تجاه سورية؟
فرانشيسكو سيكاردي* - (كارنيغي الشرق الأوسط) 2024/2/7
مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية، تستشعر حكومة أردوغان وضعًا خطرًا يفرض عليها تدخلًا عسكريًا جديدًا في سورية.
*   *
ثمة تطورات عديدة تحدث في شمال سورية وشمال العراق والمنطقة الأوسع، قد تدفع القيادة التركية إلى إعادة النظر في سياستها بشأن سورية.
أصبح من المألوف تقريبًا أن تعمَد الحكومة التركية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، عشية الانتخابات، إلى تصعيد خطابها بشأن التهديدات الأمنية القادمة من الحدود التركية السورية.
وسيتوجّه الأتراك إلى صناديق الاقتراع يوم 31 آذار (مارس) المقبل لاختيار ممثّليهم في المجالس المحلية.
لطالما شكّل شمال سورية النقطة التي تلتقي فيها الطموحات الإقليمية التركية مع الواقع على الأرض. فبعد تنفيذ أربع عمليات توغّل عسكري في الأراضي السورية بين العامَين 2016 و2020، سيطرت تركيا على مساحات واسعة من الأراضي لتحييد التهديد القادم من "حزب العمّال الكردستاني"، وهو مجموعة مسلّحة من المتمرّدين الأكراد المنتشرين جنوب الحدود التركية، في سورية والعراق على حد سواء.
وعلى الرغم من كلّ العمليات العسكرية التي نفّذتها أنقرة، ما تزال المنطقة خطرة جدًّا على القوات التركية. فخلال الشهر الفائت، لقيَ 21 جنديًا تركيًا حتفهم على إثر هجمات متكررة نفّذها مقاتلو "حزب العمّال الكردستاني" في شمال العراق، حيث أنشأت تركيا عدة قواعد عسكرية من أجل مواصلة قتالها ضدّ المجموعة الكردية من داخل الأراضي العراقية.
وردًّا على هذه الهجمات، نفّذت تركيا غارات جوية ضدّ المسلحين الأكراد في شمال العراق، واستهدفت أيضًا مواقع في شمال سورية تابعة لـ"قوات سورية الديمقراطية"، التي تهيمن عليها "وحدات حماية الشعب"، وهي مليشيا كردية سورية يَعتبرها الأتراك امتدادًا لـ"حزب العمّال الكردستاني".
وليس هذا ليس بالشيء الجديد. ما تزال تركيا تقصف شمال سورية منذ سنوات، لكنها استهدفت في الماضي مواقع عسكرية ضمن نطاق 10 كـيلومترات من الحدود التركية السورية. لكن هذه الإستراتيجية آخذة في التبدّل الآن، إذ أصبح القصف يصل إلى مواقع أعمق بكثير داخل الأراضي السورية ليطال أهدافًا في الحسكة وحلب والرقة.
ولم تعد الهجمات التركية موجّهة الآن ضدّ أهداف عسكرية فحسب، بل أصبحت تستهدف البنية التحتية المدنية، مثل مصافي النفط ومحطات الطاقة التي يُعتقد أنها تدرّ الإيرادات لـ"حزب العمّال الكردستاني".
والهدف الذي تتوخّاه أنقرة هو وقف مصادر تمويل الحزب في سورية، وإظهار أن وجود هذه المجموعة المسلحة يُضرّ بأمن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية التي تتولى قيادتها "قوات سورية الديمقراطية".
قد يؤدّي مثل هذا التغيير في الإستراتيجية إلى حدوث تصادم بين تركيا والقوى الأخرى التي تضطلع بأدوار في سورية- أي روسيا وإيران والولايات المتحدة. ومن الجدير بالذكر أن معارضة موسكو وواشنطن حالت حتى الآن دون تنفيذ تركيا توغّلًا بريًّا خامسًا في شمال سورية.
لكن هذا الوضع قد يتبدّل قريبًا. وفي تصريح له الشهر الماضي قال أردوغان: "سنتخذ إن شاء الله خطوات جديدة في هذا الاتجاه خلال الأشهر المقبلة، بغضّ النظر عمّا يقوله الآخرون".
ليس غريبًا أن تصدر عن الرئيس التركي تصريحات تنطوي على تحدٍّ. وتكمن المشكلة في الاتّهامات التي وجّهتها أنقرة إلى روسيا والولايات المتحدة بأنهما لم تفيا بوعودهما في سورية.
ففي العام 2019، تعهّدت الدولتان بإزالة مقاتلي "وحدات حماية الشعب" من منطقة بعمق 30 كيلومترًا على طول الحدود التركية السورية.
ولأن هذه الوحدات تواصل نشاطها على الحدود، تشعر تركيا بأن من حقها التدخل في سورية لحماية أمنها. صحيحٌ أن روسيا والولايات المتحدة عارضتا في السابق شنّ عملية عسكرية تركية، إلّا أن التوترات الدولية في المنطقة ومحيطها قد تصبّ الآن في مصلحة أنقرة.
من الواضح أن روسيا تضع إعادة إحياء العلاقات بين الحكومة التركية والنظام السوري ضمن أولوياتها. وبينما تتوالى فصول الحرب في أوكرانيا، تتوطّد العلاقة أكثر بين موسكو وأنقرة،
وأصبحت تجمعهما روابط أعمق في مجال الطاقة وقطاعات اقتصادية أخرى، حيث يعتمد الكرملين على تركيا في توفير مستوى من الدعم من أجل تخفيف وطأة العقوبات الدولية. وفي ظلّ هذه الظروف، لم يعد تقديم تنازلات لأنقرة في سورية مستبعدًا.
ثمة عقبة أخرى تعيق تعزيز الوجود التركي في سورية، هي انتشار القوات الإيرانية الداعمة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في البلاد. ومع أن الخلافات  بين أنقرة وطهران ما تزال قائمة، أشار رئيسا الدولتَين خلال القمة التركية الإيرانية الأخيرة إلى تقارب تدريجي في مصالحهما الإقليمية، وإلى وحدة موقفهما الداعم للشعب الفلسطيني في غزة.
أخيرًا، قد يشكّل الانسحاب المحتمل للقوات الأميركية من شمال شرق سورية عاملًا آخر يسهم في قلب المعادلة لصالح تركيا. ولن يزيل هذا العقبة المتمثّلة في معارضة واشنطن لعملية تركية أخرى في المنطقة فحسب، بل إنه قد يُضعف أيضًا موقف وحدات حماية الشعب التي ستخسر داعمها الأساسي وتُترَك وحدها لمواجهة التهديد الثلاثي المتمثّل في تنظيم "داعش"، ونظام الأسد، وتركيا. وبينما دعمت مصادر غير رسمية هذه الإشاعة، إلّا أن نائبة وزير الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند، نفتها رسميًا خلال زيارتها إلى أنقرة مؤخرًا. بل وأشارت نولاند إلى مصلحة الدولتَين المشتركة في محاربة تنظيم "داعش" في سورية، لافتةً إلى إمكانية العمل معا في المنطقة.
أما على صعيد السياسة الداخلية التركية، فقد تساعد التعبئة ضدّ "حزب العمّال الكردستاني" القيادة التركية على تحقيق مكاسب انتخابية. في السابق، استُخدمت العمليات العسكرية في شمال سورية كوسيلة لحشد الناخبين وتأجيج حسّهم الوطني.
وسوف يلقى خطاب مكافحة الإرهاب والحاجة إلى إنشاء مناطق آمنة داخل الأراضي السورية لإعادة ملايين السوريين النازحين في تركيا إلى بلادهم تأييدًا في أوساط مناصري الائتلاف الحاكم.
مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية، من الطبيعي أن نتوقّع أن تلجأ الحكومة التركية إلى التركيز على سرديتها المعادية للأكراد. لكن ذلك سيشكّل مثالًا آخر قد نشهد فيه المؤشرات الأولى لتغيُّر في الإستراتيجية.
وقد تبدأ القيادة التركية، وفق حساباتها الانتخابية، باستمالة جزءٍ من الناخبين الأكراد.
ويبدو أن الأحداث الأخيرة تصبّ في هذا الاتجاه، على غرار التنازلات التي قُدّمت للزعيم السياسي الكردي المُعتقل صلاح الدين دميرتاش، ودعوات قادة أكراد بارزين إلى إعادة إطلاق عملية السلام.
لا شكّ في أن القرار الذي اتّخذه "حزب الشعوب الديمقراطي" الكردي المُعارض بطرح مرشّحه الخاص لمنصب رئيس بلدية اسطنبول يغيّر قواعد اللعبة.
وقد يقلص انقسام جبهة المعارضة فرص فوز رئيس البلدية الحالي، أكرم إمام أوغلو، بولاية جديدة.
ومن أجل تحسين حظوظ "حزب الشعوب الديمقراطي" الانتخابية، يمكن أن يتبنّى أردوغان سياسة أكثر براغماتية تجاه الأكراد، سواء في تركيا أو خارجها.
يمكن التعبير عمّا شهدناه في شمال سورية خلال السنوات القليلة الماضية بجملة مقتبسة من رواية كلاسيكية إيطالية قديمة لجوزيبّه دي لامبيدوزا بعنوان "الفهد" The Leopard. وتقول العبارة: "حتى يبقى كل شيء على حاله، يجب أن يتغير كل شيء".
وما تزال أهداف تركيا طويلة الأمد في سورية على حالها، وتتمثّل في إقامة منطقة عازلة خالية من "حزب العمّال الكردستاني" على طول الحدود التركية السورية، والتوصّل إلى طريقة لإعادة جزءٍ من النازحين السوريين المقيمين في تركيا إلى ديارهم. ولا بدّ من الانتظار لرؤية ما كانت أنقرة ستعمَد إلى تحديث تكتيكاتها وإستراتيجياتها لبلوغ هذه الأهداف.
*فرانشيسكو سيكاردي Francesco Siccardi: مدير برامج أول ومحلل أبحاث أول في مؤسسة كارنيغي أوروبا.‏
======================
الصحافة الفرنسية :
كاتب فرنسي يروي أحوال المقاتلين على جبهات سوريا وأوكرانيا
لماذا يقبل الإنسان العادي، غير المدرب على حمل السلاح، بالقتل والموت والمشاركة في المعارك، في سبيل الدفاع عن أرض معينة، أو في سبيل تحقيق أفكار وآمال ثورية أو في سبيل الدفاع عن أنظمة سياسية؟ ولماذا تتغلب النزعة إلى الدمار ونكران وجود الآخر والانحدار إلى ما هو غير إنساني والتيه في عتمات الدنيا على الحياة؟ ولماذا تستمر الحرب، على وحشيتها، في جذب الناس؟ وما المشاعر والعواطف التي تدفع عدداً من الرجال إلى التخلي عن قيمهم الأخلاقية للانغماس في أعمال عنف لا حد لها؟
هذه هي الأسئلة التي حاول رومان هويت الباحث والأكاديمي الفرنسي، وأستاذ علوم الاتصال في جامعة رين الثانية، الإجابة عنها من زاوية إثنوغرافية في كتابه الجديد  "هوس الحرب: على الجبهة من سوريا إلى أوكرانيا" الصادر في باريس عن المنشورات الجامعية الفرنسية، وفيه يروي تجربته التي امتدت سنوات في العيش مع مجموعات من المقاتلين من الجيش السوري الحر والجبهة الإسلامية، ومن المتطوعين المشاركين في الحروب الدائرة على الجبهات الأوكرانية في خاركيف والدونباس، من خلال اختبار حياتهم على خط النار والاطلاع على تجاربهم الشخصية وعلى قناعاتهم وصراعاتهم، وأحياناً على تردداتهم وتنازلاتهم التي سبق له أن دونها في حوليات جمعت حوله عدداً من المتابعين، ذلك أن حديثه عن يوميات الحرب وتبعاتها على الإنسان الفرد، لم ينحصر في وصف آثارها المخيفة من قتل وتدمير وتفجير وعيش في نفق العنف الأسود، بل تعداها للحديث عن سحرها الذي يستولي في كثير من الأحيان على حواس المقاتلين، قبل أن يتعبهم ويأسرهم في عالم مغلق مليء باليأس والخوف والكراهية.ورومان هويت يجعل من الانغماس في الحرب نهجه في فهم العنف الملازم للحروب ودوامتها. فكتابه عبارة عن تحقيق استقصائي وشهادة عيان، فضلاً عن تحليل إثنوغرافي معمق لنوازع العنف وتأثيره في أفكار ومشاعر الذين يعيشونه. إنه تفكر في التحولات التي تصيب الأفراد الذين يختبرون الحرب والدمار والموت من كثب، وتأمل فريد في العيش في حمأة الصراعات ودوائر القوة والقسوة والاضطرابات الذي يعانيها عصرنا العاجز عن الارتقاء نحو السلام والغارق في شهوة المال والسلطة والحروب على أنواعها. ولئن كان اهتمام الأكاديميين بدراسة ظاهرة العنف وتبعاتها على الأفراد ليس جديداً، فإن الجديد في كتاب رومان هويت، هو دراسته لهذه الظاهرة ميدانياً، بعد انتقاله إلى العيش على الجبهات الأمامية، ومعاينته للحظات التوحش وحمامات الدماء بعينيه المجردتين، وتقاسمه يوميات المسلحين في الخنادق، ويوميات العاملين في المنظمات الإنسانية، ملخصاً لنا مشاهداته وشعوره، ومقابلاته مع عدد من المقاتلين، جنوداً كانوا أم متطوعين، والتي تناولت حياتهم وآمالهم وخوفهم ومعاناتهم، وما اختبره في عيشه معهم، من تنقل في سيارات "البيك آب"، والاختباء في الخنادق والملاجئ، وسماع دوي الانفجارات والقذائف، والشعور بالهلع، والعيش اليومي على تخوم الموت وإيقاعه، بعيداً من النظريات. وقد نجح الكتاب في نقل قصص الحروب والأزمات الإنسانية التي تخلفها، بعد أن كتبها هويت بأسلوب يقع على تقاطع الأنثروبولوجيا والصحافة الحربية الاستقصائية. يقع الكتاب في 410 صفحات كتب معظمها على الخطوط الأمامية. فيه تتبدى قدرة الباحث المهتم بدراسة العنف على الوصف الدقيق والغوص في نفوس المقاتلين، مما يجعل كتابه جديراً بالقراءة والاهتمام.
 ورومان هويت حائز على شهادة دكتوراه في الأنثروبولوجيا. تدور معظم أبحاثه حول ارتباط تجارب الألم والعنف بالنضالات الاجتماعية، انطلاقاً من فرضية أن النضالات الاجتماعية تستند إلى الطابع غير المبرر والمؤلم للوجود. وقد سبق له المشاركة في إعداد فيلم وثائقي حمل عنوان "الحياة العادية للمجاهدين السوريين".
الحرب والأخلاق
 ذكرني هذا الكتاب بمقالة وضعها سنة 1910 عالم النفس الأميركي ويليام جيمس (1842-1910) وهي بعنوان "المعادل الأخلاقي للحرب". في هذه المقالة درس جيمس الأسباب النفسية الكامنة وراء اندلاع الحروب، فقال إن الحروب انتشرت بسبب آثارها النفسية الإيجابية سواء على الفرد أو على المجتمع. ورأى أن الآثار الإيجابية للحرب على المستوى الاجتماعي تتمثل في خلق شعور بالتكاتف والوحدة إزاء التهديد الجماعي الذي يصيب بعض المجتمعات. لذا كان الانخراط في المعارك لا يقتصر على الجيش وحسب، بل يتعداه ليشمل كل أفراد المجتمع. أما على المستوى الفردي، فأن خوض الحروب يجلب إحساساً بالانضباط ويبعث في نفوس الأفراد العاديين شعوراً بالأهمية وبأنهم على قيد الحياة وعلى أهبة الاستعداد، كما أن الحرب تمنحهم هدفاً ومعنى يتجاوز رتابة حياتهم اليومية. غير أنه سرعان ما لاحظ أن الحرب غالباً ما تجعل المنغمسين فيها يدورون في فلك العنف الأعمى.
هذا بالضبط ما يحاول كتاب "جبهة الحرب من سوريا إلى أوكرانيا" شرحه باستفاضة من خلال دعوتنا إلى مشاركة حياة هذه الفصائل المسلحة والمكونة من أناس عاديين، مشدداً على التناقضات الملازمة لأعمال العنف، بحيث تتبدى في الوقت عينه كحيز تتقاطع فيه الإنسانية والكراهية، والرجاء والانطواء، والأحلام المنفتحة على المستقبل والانكفاء والخوف من الموت. يشدد الكتاب على أن أكثر ما يصيب الفرد من جراء الحرب هو القضاء على ذاتيته. فبصورة غير مباشرة، يستجوب هويت في كتابه هذا جاذبية الحرب على الأفراد وتغييرها لذواتهم وسلوكياتهم وقناعاتهم. وهو كناية عن خمسة أقسام تحمل العناوين الآتية: إثنوغرافيا الحرب، الحرب كتجربة لانهيار العالم، الحرب كتجربة وجودية، من انفتاح العالم إلى إغلاقه، سير في الحرب، مصائر متشابكة لسير حياة التقطها عنف العالم، المراقب، خائن بالقوة. عن صعوبة الاستقصاء عن الحرب.
ويشير المؤلف إلى أنه حقق بحثه الاستقصائي "على الأرض" مختبراً كل الصعوبات والنواقص التي تلازمه، لكنه اعترف أنه حاول الاقتراب من موضوع بحثه قدر الإمكان بهدف فهم القواعد العامة المفترضة لظاهرة الحرب. وقد حرص على التأكد من الصفة التمثيلية للعينة التي تناولها بالدرس والتحليل وعلى الموضوعية العلمية، علماً أن اهتمامه لم يكن منصباً على جمع معلومات وبيانات شاملة عن الحرب وعواقبها، بقدر ما كان التعمق في فهم نفسية المقاتلين ومواقفهم والإجابة عن سؤال كيفية بقائهم على صلابتهم وسط الدمار المحيط بهم والقادر على النيل من ثقتهم بنفسهم وبالعالم. ويبدو لي أن نقطة القوة في هذا الكتاب تكمن في اهتمام كاتبه بالمشاعر التي تثيرها الحرب في نفوس المنغمسين فيها، والتي سمحت له برسمها في إطار واسع، بدءاً من انبهار البدايات وصولاً إلى الإرهاق النفسي، فالتعود على العنف، والتطرف الديني كما عند المقاتلين السوريين في أعزاز شمالي حلب، مروراً بجميع الاضطرابات والتقلبات النفسية المرتبطة بالحياة اليومية على الجبهة، حيث يتداخل الملل مع البحث عن المطلق، والتضامن مع الخيانة، والحزن مع النسيان.
 وسط كم هائل من الأهوال والأصوات المتعددة، يتوقف رومان هويت أمام بعض الشخصيات، كالأوكرانية أليسيا التي أخذت على عاتقها مساعدة اللاجئين الهاربين من حمى القصف، أو الثائر أحمد، المنخرط في صفوف الجيش السوري الحر، ليدرس الخصائص المشتركة والمختلفة في تجربتهما المرتبطة بالحرب ولو كان كل منهما من بلد مختلف، في الصفوف الأمامية أو في الصفوف الخلفية، مع هذه الجماعة أو تلك، مشدداً على انتقال كل منهما من اللامبالاة السياسية إلى صورة من صور الالتزام الكلي.
يكتب رومان هويت في تحليله لتجربة هذين المتطوعين ولما يحصل من حوله من فظائع قائلاً إنه عندما تنهار حدود المسموح به، ينزلق الناس العاديون، كأليسيا وأحمد، باتجاه مسرى حياة لم يتصوروا يوماً أنهم سيعيشونها، لكنها تتبدى لهم كخيار أوحد للخروج من سعير التصادم ومآسي الوجود. ويقول هويت إنه غالباً ما رأى الإثارة والنشوة في عيون المقاتلين عندما يتحدثون عن ثورتهم وعن أفكار الحرية والديمقراطية التي تحركهم، معترفاً بافتتانه بشخصياتهم التي تخاصم العالم، والتي لا تقبله كما هو، بل تناضل من أجل تغييره بأي وسيلة ممكنة. هذا التطلع إلى التغيير هو باختصار ما يريد رومان هويت التقاطه في حواراته مع المقاتلين. ولعلي إن أردت تلخيص كتابه الغزير والمتطلع إلى الإحاطة بظاهرة العنف في مختلف انعكاساتها على نفسيات المنخرطين فيها من وجهة نظر إثنوغرافية، لقلت إنه في زمن تعود فيه الناس على مشاهد الحرب وويلاتها، ثمة رجال ونساء يفاجئون أنفسهم بشجاعتهم، رجال ونساء يحاولون على طريقتهم الخاصة النهوض من تحت الركام والتغلب على القلق على المصير، وعلى التفكك والضياع بالكلمة وبالفعل، فيعطون حياتهم جواباً عن الظلم، ذلك أن بعض العنف يلغي أحياناً عنفاً أشد.