الرئيسة \  من الصحافة العالمية  \  سوريا في الصحافة العالمية 21-11-2023

سوريا في الصحافة العالمية 21-11-2023

22.11.2023
Admin




سوريا في الصحافة العالمية 21-11-2023
إعداد مركز الشرق العربي

الصحافة الامريكية :
  • معهد واشنطن : حرب غزة تُظهر تزايد خطر التصعيد في المنطقة
https://cutt.us/RtWXK
  • كريستوفر فيليبس :حرب غزة ومخاطر "إدارة الصراع"
https://cutt.us/Ekc7U

الصحافة الامريكية :
 معهد واشنطن :حرب غزة تُظهر تزايد خطر التصعيد في المنطقة
https://cutt.us/RtWXK
أندرو جيه. تابلر
أندرو جيه. تابلر هو زميل أقدم في برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، يركز بحوثه على سوريا والمصالح الأمريكية في بلدان المشرق العربي.
رغم أن واشنطن وشركائها منعوا توسع الحرب حتى الآن، إلا أن الافتقار إلى قواعد واضحة على بعض الجبهات - وخاصة سوريا - قد خلق بيئة خطيرة قد تتجاوز فيها أي جهة فاعلة عن غير قصد الخطوط الحمراء التي وضعهتا جهة أخرى.
بعد مرور أربعين يوماً وليلةً (حتى تاريخ كتابة هذه السطور) على اندلاع أزمة غزة، لم تقع الحرب الإقليمية التي توقّع البعض أنها قد تجتاح الشرق الأوسط وتُعطّل أسواق الطاقة والاقتصاد في العالَم - على الأقل حتى الآن. وتُواصل إسرائيل تنفيذ "عملية السيوف الحديدية" في غزة، التي يُفترض أنها تهدف إلى القضاء على قدرات حركة "حماس"، وإنشاء قطاع يحكمه أي طرف آخر في غزة، بطريقة أو بأخرى.
وفي غضون ذلك، برزت تقارير مفادها أن إيران أبلغت "حماس" أن عدم إعطائها إنذاراً مسبقاً بشأن هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر يعني أن طهران لن تتدخل بشكلٍ مباشرٍ في الصراع. إلا أن وكلاء إيران يردّون على إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة في ثلاثة مسارح إقليمية مختلفة. ويشمل المسرح الأول هجمات متعددة يشنها "حزب الله" وإسرائيل ضد بعضهما البعض على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية. ويشمل المسرح الثاني صواريخ بعيدة المدى وطائراتٍ بدون طيار يطلقها الحوثيون من اليمن، والتي تم اعتراض جميعها من قبل إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أو سقطت في مناطق فارغة.
أما المسرح الثالث الذي يمكن اعتباره ردّاً غير متوقع أبداً - مع تداعيات سياسية غير معروفة بنفس القدر - فيشمل تصعيداً عسكرياً أفقياً متواصلاً استمر شهرٍاً من قبل الميليشيات المدعومة من إيران ضد القواعد العسكرية الأمريكية في مختلف أنحاء سوريا والعراق، وما زال مستمراً على الرغم من توجيه ثلاث ضربات عسكرية أمريكية متتالية في أقل من ثلاثة أسابيع.
على طول "الخط الأزرق"
منذ هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر، يعلن "حزب الله" كل يومٍ مسؤوليته عن عدة هجمات على إسرائيل وعادةً ما يتبعها رد إسرائيلي. ودفعت هذه الديناميكية إسرائيل في 18 تشرين الأول/أكتوبر إلى إصدار أمرٍ بإجلاء المدنيين على مسافة خمسة كيلومترات من الحدود مع لبنان، كما أًخْليت معظم القرى على الجانب اللبناني من الحدود ضمن النطاق نفسه أيضاً. وقد قُتل أكثر من 70 مقاتلاً من "حزب الله" و10 مدنيين لبنانيين في لبنان، بينما قُتل 10 إسرائيليين من بينهم 7 جنود في إسرائيل، حتى كتابة هذه السطور.
بين 7 تشرين الأول/أكتوبر و14 تشرين الثاني/نوفمبر، يُظهر تحليل تفصيلي أن "حزب الله" شن ما يقرب من 170 هجوماً على وجه التحديد من لبنان باستخدام أسلحة مضادة للدبابات، أو مدفعية، أو صواريخ، أو طائراتٍ بدون طيار. كما استهدفت الجماعات الفلسطينية العاملة داخل لبنان، إسرائيل بدرجة أقل. وأعلنت "كتائب عز الدين القسام" التابعة لحركة "حماس" مسؤوليتها عن شن 8 هجمات صاروخية من لبنان خلال الفترة نفسها، في حين استهدفت العديد منها مدينة نهاريا ولكن تم اعتراضها من قبل الجيش الإسرائيلي أو سقطت في مناطق مفتوحة. وحاولت "سرايا القدس" التابعة لـ"حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين" التسلل مرتين من لبنان إلى إسرائيل، في حين شنت "قوات الفجر" التابعة لـ"الجماعة الإسلامية" ثلاث هجمات صاروخية من لبنان على شمال إسرائيل
ومن خلال هذه الهجمات، يبدو أن "حزب الله" وإسرائيل قد طوّرا قواعد اشتباك غير معلَنة. فلا يبدو أن "حزب الله" يستهدف المدنيين باستثناء الهجوم على موظفي المرافق الكهربائية، الذي زعم "حزب الله" أنهم جنود كانوا يقومون بتركيب كاميرات وأجهزة "تجسس" أخرى). كما يستهدف "حزب الله" في المقام الأول المواقع العسكرية الإسرائيلية ويمتنع في الغالب عن شن هجمات أبعد من منطقة الإخلاء التي تمتد على مسافة خمسة كيلومترات داخل إسرائيل.
ومن جهتها، تستهدف إسرائيل "حزب الله" بشكل أساسي رداً على هجمات الحزب على أراضيها، ولا تستهدف سوى مصادر نيران الحزب، باستثناء بعض الغارات الجوية على مواقع إطلاق الصواريخ المتوقعة واستخدام الفوسفور في المناطق المشجرة لحرق النباتات وحرمان "حزب الله" من الغطاء الأرضي. وفي الفترة ما بين 7 تشرين الأول/أكتوبر و14 تشرين الثاني/نوفمبر نفذت إسرائيل 327 غارة جوية أو عملية قصف مدفعي مستهدفة مواقع في جنوب لبنان.
عبور البحر الأحمر
شن الحوثيون في اليمن عدة هجمات فاشلة بالصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل خلال الشهر الماضي، وهددوا في الأيام القليلة الماضية بمهاجمة السفن الإسرائيلية في مضيق باب المندب. ومع أن إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تمكنت من اعتراض صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيّرة، إلا أن الحوثيين أثبتوا قدرتهم على إحداث الفوضى في المنطقة، حيث أسقطوا طائرة مسيّرة أمريكية قبالة سواحل اليمن وضربوا - عن غير قصد - بعض المناطق في مصر والأردن.
بدأ رد الحوثيين في أعقاب انفجار في "المستشفى الأهلي" في 19 تشرين الأول/أكتوبر، عندما أطلقوا ثلاثة صواريخ "كروز" على عدة طائرات مسيّرة من اليمن، والتي أسقطتها المدمرة الأمريكية "يو إس إس كارني" (USS Carney) فوق البحر الأحمر. وقال البنتاغون إن الهدف المقصود كان على الأرجح إسرائيل. وأفادت بعض التقارير بأن السعودية أسقطت صاروخاً كان قد انحرف نحو المجال الجوي السعودي. ثم في 27 تشرين الأول/أكتوبر، تحطمت طائرتان مسيّرتان مجهولتا الهوية في مدينتَي طابا ونويبع المصريتين، مما أدى إلى إصابة ستة أشخاص على الأقل. وفي غضون ذلك، أبلغت إسرائيل عن وجود تهديد جوي من البحر الأحمر، مما يشير إلى أن الحوثيين أطلقوا على الأرجح الطائرتين المسيّرتين بهدف استهداف إسرائيل. واعترض الجيش الإسرائيلي إحدى الطائرتين المسيّرتين فوق البحر الأحمر بالقرب من نويبع، وتحطمت الطائرة الثانية في طابا بالقرب من الحدود الإسرائيلية. وبعد بضعة أيامٍ في 31 تشرين الأول/أكتوبر، زعم الحوثيون أنهم أطلقوا وابلاً من الصواريخ الباليستية وصواريخ "كروز" على جنوب إسرائيل، ولم يصل أيٌ منها إلى أهدافها المعلنة. وتشير تقارير استخباراتية مفتوحة المصدر إلى سقوط أحد الصواريخ في منطقة "المدورة" في الأردن.
بعد ذلك بوقت قصير، نشر الجيش الإسرائيلي لقطاتٍ تُظهِر طائرة مقاتلة من طراز "إف-٣٥ آي" وهي تعترض صاروخ "كروز"، وتُظهِر نظام الدفاع الصاروخي البعيد المدى "آرو" (Arrow) وهو يعترض صاروخاً باليستياً. وفي 5 تشرين الثاني/نوفمبر، أفادت التقارير بأن السعودية أسقطت صاروخاً آخر في الجزء الشمالي الغربي من المملكة بالقرب من الحدود الأردنية، وأعقب ذلك في اليوم التالي هجومٌ بطائرة مسيّرة ضد إسرائيل تبناه الحوثيون - والذي لم يلق أي رد أو يؤدي إلى إغلاق المطارات الإسرائيلية أو غيرها من المرافق.
وفي 8 تشرين الثاني/نوفمبر، اتخذ هذا الاتجاه منحًى أكثر خطورة عندما أكد مسؤولو الدفاع الأمريكيون أن الحوثيين أسقطوا طائرة عسكرية أمريكية مسيّرة من طراز "إم كيو-9" قبالة سواحل اليمن. وفي 14 تشرين الثاني/نوفمبر، هدد الحوثيون علناً السفن الإسرائيلية في مضيق باب المندب قبالة اليمن، ثم حاولوا شن هجوم بطائرة مسيّرة انطلقت من اليمن واعترضتها المدمرة الأمريكية "يو إس إس توماس هودنر" (USS Thomas Hudner). واشتبك طاقم السفينة مع الطائرة المسيّرة وأسقطها لضمان سلامة السفينة والأفراد الأمريكيين، ولم تتكبد السفينة أي أضرار أو إصابات.
العراق وسوريا
يمكن القول إن الاتجاه الأكثر إثارةً للقلق بالنسبة لواشنطن يتعلق بهجمات الميليشيات الإيرانية على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا. ويُظهر التتبع المفصّل للهجمات الإيرانية والضربات الأمريكية المضادة، الذي أجراه زملائي في معهد واشنطن أن الميليشيات المدعومة من إيران شنت منذ 18 تشرين الأول/أكتوبر وحتى كتابة هذه السطور - ومجدداً بعد الانفجار في"المستشفى الأهلي" مباشرة - ما يقرب من 77 هجوماً منفصلاً ضد عناصر أمريكيين في العراق وسوريا. وشملت هذه الهجمات 43 غارة على قواعد أمريكية في سوريا و34 غارة في العراق المجاور، باستخدام الصواريخ والقذائف وطائرات بدون طيار أكثر دقة على نحو متزايد.
وفي 14 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن وقوع 28 هجوماً ضد القوات الأمريكية في سوريا و27 في العراق منذ 18 تشرين الأول/أكتوبر. (في إحصاءاته، لا يتضمن البنتاغون بعض التقارير مفتوحة المصدر عن الهجمات ما لم يتم إثبات أنه تم شنًّها على القوات الأمريكية على وجه التحديد، وبالتالي الاختلافات في عدد الهجمات). وبغض النظر عن العدد الدقيق، تفوق وتيرة الهجمات إلى حدٍ كبيرٍ الأرقام الأساسية المسجلة قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر.
ويُظهِر تحليل البيانات حتى الآن أن الهجمات تنطلق من ثلاث مناطق. وتُركز المنطقة الأولى على القواعد الأمريكية في غرب الفرات، وفي غرب العراق ("عين الأسد")، و"التنف" في جنوب سوريا. ويتم شن السلسلة الثانية من الهجمات من داخل شمال العراق ضد القواعد الأمريكية الواقعة شرق الفرات في سوريا في الشدادي والرميلان، وفي شمال العراق في مطار أربيل وحرير. أما السلسلة الثالثة من الهجمات، فيتم شنها من عدد كبير من قواعد الميليشيات الإيرانية على الضفة الغربية لوادي نهر الفرات الأوسط السوري، وتشمل أسلحتها صواريخ قصيرة المدى يتم إطلاقها ضد القواعد الأمريكية و"قوات سوريا الديمقراطية" في حقول النفط في دير الزور. كما يتم شن بعض الهجمات، من المنطقة نفسها، بالطائرات المسيّرة البعيدة المدى على الشدادي والرميلان وتل بيدر.
ورداً على الهجمات، شنت إدارة بايدن ثلاث ضربات منفصلة على أهداف تابعة للميليشيات الإيرانية في سوريا في 27 تشرين الأول/أكتوبر و8 تشرين الثاني/نوفمبر و13 تشرين الثاني/نوفمبر، وقد رافق كلاً منها بيانٌ فوريٌ مفاده أن الرئيس بايدن قام بذلك دعماً للقوات الأمريكية. وفي حين أوضح البيانان الصادران في 27 تشرين الأول/أكتوبر و8 تشرين الثاني/نوفمبر أن الولايات المتحدة لا تريد المزيد من التصعيد مع إيران، إلا أن هذه الكلمات كانت غائبة عن رسالة ضمنية بل واضحة تم توجيهها في 13 تشرين الثاني/نوفمبر ومفادها أنه من المرجح أن تؤدي المزيد من الهجمات إلى رد فعل أكبر. واستمرت الهجمات لمدة يومين آخرين قبل ليلة من السلام في 16 تشرين الثاني/نوفمبر، أي بعد شهر تقريباً من الانفجار في "المستشفى الأهلي".
الإفتقار إلى قواعد واضحة
في حين قللت إدارة بايدن من أهمية الهجمات، إلّا أن كل حادثة تزيد من احتمالات سقوط ضحايا أمريكيين ومما ينتج عن ذلك من تداعيات سياسية على الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024. وحتى الآن، وبعد تقييم الحالات، يقول البنتاغون إن 27 فرداً تعرّضوا لإصابات دماغية رضحية و32 فرداً تعرّضوا لإصابات أخرى غير خطيرة. وقد عاد كل هؤلاء الأفراد البالغ عددهم 59 شخصاً إلى الخدمة الفعلية، مما يشير إلى أن واشنطن كانت قادرة على التعامل مع الهجمات بفعالية ودون تكبد تكلفة كبيرة حتى الآن.
لكن كل هجوم يزيد من خطر وقوع حادث يؤدي إلى خسائر في الأرواح. ومن المرجح أن يؤدي أي هجوم يسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا إلى توجيه دعوات، من اليمين المتطرف واليسار المتطرف في الطيف السياسي الأمريكي، إلى واشنطن لكي تسحب قواتها من سوريا والعراق.
وهذه هي النية المعلنة للتحالف الثلاثي السوري الذي يتألف من نظام الأسد وإيران وروسيا، والذي كان منشغلاً هذا الصيف بمحاولة إثارة الفتنة بين "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة والقبائل العربية المحلية. وقد حدثت اشتباكات بين الطرفين في شهرَي آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر الماضيين بسبب مشاكل قائمة منذ فترة طويلة ومتعلقة بالهيمنة الكردية على قيادة "قوات سوريا الديمقراطية" وسيطرتها على "مجلس دير الزور العسكري".
وبشكلٍ عام، لا تزال مهاجمة الولايات المتحدة في سوريا منخفضة المخاطر وكثيرة المنافع لإيران وحلفائها. وتوفر سوريا القدر الأعظم من حرية المناورة للخصوم العسكريين، كما أن قواعد اللعبة هناك هي الأكثر مرونة - على عكس الحدود اللبنانية الإسرائيلية حيث يبدو أن الجانبين يتجنبان المخاطرة خوفاً من ارتكاب خطأ يؤدي إلى صراع أوسع نطاقاً. لكن غياب القواعد الواضحة وانتشار الجيوش الأجنبية العاملة في سوريا يُنشئان في الوقت نفسه بيئة خطيرة قد تؤدي إلى تصعيد غير مقصود، وما قد يرافق ذلك من حرب إقليمية ودمار على نحو كبير.
أندرو تابلر هو "زميل مارتن ج. غروس الأقدم" في معهد واشنطن والمدير السابق لشؤون سوريا في "مجلس الأمن القومي" الأمريكي. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "المجلة".
=====================
كريستوفر فيليبس :حرب غزة ومخاطر "إدارة الصراع"
https://cutt.us/Ekc7U
كريستوفر فيليبس
من المرجح أن تتجاوز الهزات الارتدادية لحرب غزة كلا من إسرائيل وفلسطين لسنوات قادمة، لتصل إلى السياسة الداخلية الأوروبية والبريطانية، فيما قد تدفع الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم ما إذا كان انسحابها الاستراتيجي من الشرق الأوسط خطوة حكيمة.
أما في المجتمع الدولي الأوسع، فقد بدأنا نتعلم الدروس من الصراع، مع تركيز خاص على أهمية إحياء عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية. وفي الآونة الأخير أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، وحتى البابا، على التزامهم بحل الدولتين، مما يشير إلى أنهم قد يدفعون في هذا الاتجاه مرة أخرى بعد انتهاء الحرب في نهاية المطاف.
بيد أن هناك درسا آخر أوسع نطاقا ينبغي تعلمه. فاندلاع الحرب في غزة يرجع في جزئه الأكبر إلى إهمال الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني طيلة العقود الأخيرة. وعلى الرغم من موافقة المجتمع الدولي على السعي إلى حل الدولتين في التسعينات، فإن عملية السلام لم تحقق نتائجها؛ فالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وعلى الأخص تلك التي قادها رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، أبدت اهتماما بإدارة الصراع أكثر منها بحل هذا الصراع. ومع تراجع العنف إلى حد ما وغياب أنباء الصراع عن عناوين الأخبار الدولية، بات القادة الغربيون على الأخص في حالة تواطؤ مع إسرائيل في رغبتها بتهميش الصراع بدلاً من حله، بينما يغضون الطرف في الوقت نفسه عن الضغوط المتزايدة المفروضة على الفلسطينيين الغاضبين.
    أظهرت حرب غزة كما أظهرت الحرب الأخيرة على ناغورنو كاراباخ، أن الصراعات، وفي كثير من الأحيان، لا يمكن "إدارتها" إلى ما لا نهاية
ومع ذلك، فإن "إدارة الصراع" ليست وقفا على الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، حيث إن كثيرا من الأطراف المتحاربة عالميا يفضلون هذا النهج. إلا أن حرب غزة أظهرت لنا، كما أظهرت لنا الحرب الأخيرة على ناغورنو كاراباخ، أن الصراعات- وفي كثير من الأحيان- لا يمكن "إدارتها" إلى ما لا نهاية. علاوة على ذلك، هناك كثير من الصراعات الأخرى "المجمدة" ما زالت تهدد بالانفجار، ويمكن أن تؤدي إلى صدمات شبيهة بصدمات غزة.
إدارة إسرائيل للصراع
ثمة جدل كبير في أوساط الباحثين والمعلقين حول مدى التزام الحكومات الإسرائيلية بعملية السلام. فعندما وقع إسحاق رابين على اتفاقات أوسلو مع ياسر عرفات عام 1993، أشاد المجتمع الدولي بالاتفاق بوصفه خطوة أولى نحو "حل الدولتين". إلا أن العقود التالية شهدت انهيار هذه العملية، حيث ألقى كثيرون باللوم على "حماس" في الجانب الفلسطيني، وعلى حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو في الجانب الإسرائيلي، من حيث خروج هذه العملية عن مسارها.
وقد تساءل البعض: أي نوع من حل الدولتين بالضبط، ذاك الذي يفضله رابين نفسه، نظرا لغموضه في القضايا الرئيسة مثل القدس وحق العودة، بالإضافة إلى أن بناء المستوطنات في الضفة الغربية زاد في عهده حتى بعد اتفاق أوسلو. أما بعد اغتيال رابين عام 1995، فقد فضل خلفاؤه في الغالب إدارة الصراع بدلا من حله، باستثناء إيهود باراك وإيهود أولمرت اللذين انخرطا في مبادرات سلام جادة.
وقد اتخذت إدارة الصراع أشكالا مختلفة؛ وفي الرد على الانتفاضة الثانية، مثلا، بنت حكومة أرييل شارون حاجز السلام في الضفة الغربية ذا السمعة السيئة الآن، وهو جدار من الإسمنت المسلح يبلغ ارتفاعه 9 أمتار في كثير من الأماكن. ومن وجهة نظر شارون، حقق ذلك هدفه، إذ انخفض عدد العمليات الانتحارية من 73 في الفترة 2000-2003 إلى 12 فقط في الفترة 2003-2006. وعلى نحو مماثل، اختار شارون الانسحاب من غزة من جانب واحد عام 2005. وكان ذلك ممارسة لإدارة الصراع بدلا من حله. ولأن شارون كان مدركا أن عدد الفلسطينيين سيفوق دوما عدد المستوطنين الإسرائيليين في قطاع غزة، وهم بالتالي عرضة للهجوم، فقد اختار شارون ترحيلهم– بل نقل الكثير منهم إلى الضفة الغربية في واقع الأمر. وكما هو الحال مع بناء الجدار، فقد كانت هذه إجراءات أحادية الجانب، وهي طريقة شارون المفضلة للتعامل مع الصراع بدلا من التفاوض مع السلطة الفلسطينية. وبينما ستحاول الولايات المتحدة إحياء حل الدولتين اعتمادا على خريطة الطريق التي وضعها جورج دبليو بوش للسلام، بدا في الوقت نفسه أن واشنطن وحلفاءها الغربيين- بامتناعهم عن الضغط بشكل فعال على شارون لحمله على المشاركة فيها- يؤيدون استراتيجية إسرائيل المتزايدة في إدارة الصراع.
وقد بات اللجوء إلى هذا النمط أمرا متكررا. فحروب إسرائيل المتكررة مع "حماس"، بعد استيلائها على غزة عام 2007، نظر إليها قبل هذا العام على أنها عملية "قص شعر" يقوم بها الجيش الإسرائيلي؛ وهي طريقة لمعاقبة المسلحين الفلسطينيين بسبب شنهم غارات أو صواريخ على إسرائيل، ولتدمير ما يكفي من قدراتهم العسكرية بما يضعف إرادتهم للهجوم مرة أخرى لبضع سنوات قادمة. وفي الوقت نفسه، استمر بناء المستوطنات في الضفة الغربية والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية تخللها فترات توقف من حين لآخر بناء على طلب من الولايات المتحدة، ولكن من المؤكد أن هذا التوقف كان في أحسن أحواله عابرا تحت قيادة نتنياهو.
    لو تنبه نتنياهو إلى الأحداث التي وقعت قبل شهر في أذربيجان، لخفف قليلا من غلوائه ورضاه عن نفسه
وعلى الصعيد الدولي، أدت إدارة نتنياهو للصراع إلى محاولته أن يحظى بالموافقة على تخليه الفعلي عن عملية السلام. وقد حقق تقدما كبيرا في هذا المنحى خلال رئاسة دونالد ترمب؛ ففي البداية، نقلت واشنطن سفارتها إلى القدس واعترفت على ما يبدو بالنصف الشرقي من المدينة ومرتفعات الجولان المحتلة كأراضٍ إسرائيلية، على الرغم من أن في ذلك انتهاكا للقانون الدولي. ثم توسط ترمب في عقد اتفاقات إبراهام بين إسرائيل وأربع دول عربية، ويبدو أنها قبلت هي أيضا الوضع الراهن لإدارة الصراع.
وكما نعرف اليوم أثبت هذا النهج بالطبع أنه مجرد سراب. فلم تنجح الغارات الإسرائيلية على غزة بين حين وآخر في إضعاف أو ردع "حماس" بما فيه الكفاية، مما سمح لها بشن هجماتها في أكتوبر/تشرين الأول 2023. يضاف إلى ذلك، أن الحصار المستمر على غزة والنشاط الاستيطاني في الضفة الغربية، عدا عن فشله في تهدئة الفلسطينيين، جعل الإحباط يتراكم في نفوسهم طيلة عقود.
سابقة ناغورنو كاراباخ
لو تنبه نتنياهو إلى الأحداث التي وقعت قبل شهر في أذربيجان، لخفف قليلا من غلوائه ورضاه عن نفسه. في الواقع، وكما كتبت ناتالي توتشي، مديرة "المعهد الإيطالي للشؤون الدولية"، في صحيفة "الغارديان" على نحو تنبؤي قبل أيام من الهجوم الذي شنته "حماس" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان "من الأفضل للإسرائيليين أن يتعلموا دروس الصراع الأرميني- الأذري". وكانت الحرب بين أرمينيا وأذربيجان- وحتى أكثر من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني- "مجمدة" لعقود من الزمن. ولكن مرة أخرى، فضل الطرف المحارب الأقوى (ظاهريا) وحلفاؤه الدوليون الرئيسون إدارة الصراع بدلا من حله. ولكن في عام 2020 أولا، ومرة أخرى عام 2023، انفجرت الحرب التي لم تكن قد وجدت لها حلا بعد.
وقد اندلعت الحرب في البداية عام 1988 حينما بدأ الاتحاد السوفياتي في الانهيار. وخاضت الجمهوريتان السوفياتيتان السابقتان، أرمينيا وأذربيجان، حرباً في المقام الأول على منطقة ناغورنو كاراباخ، الواقعة ضمن جمهورية أذربيجان المعلنة حديثا ولكن فيها أقلية عرقية أرمينية. وبمساعدة روسيا، حققت أرمينيا بحلول عام 1994 نصرا ساحقا، استولت فيه ليس على ناغورنو كاراباخ فقط، بل على سبع مناطق أخرى في أذربيجان أيضا. ونتج عن ذلك تهجير أكثر من 850 ألف شخص من الاثنية الأذرية من منازلهم. ومع ذلك، رفضت حكومة ناغورنو كاراباخ الأرمينية المعلنة من جانب واحد الجهود اللاحقة للتوصل إلى حلول تفاوضية، متمسكة بخيارها المفضل بالاستقلال الكامل عن أذربيجان. وحذت أرمينيا، التي احتلت عسكريا جزءا كبيرا من أذربيجان الغربية حذوها، إذ فضلت يريفان وحلفاؤها في موسكو إدارة الصراع بدلا من السعي إلى حله.
    كان على إسرائيل تجنب تكرار أخطاء حكومتي ناغورنو كاراباخ وأرمينيا؛ أي التفاوض وهما في موقف قوي بدلا من افتراض أن هيمنتهما أبدية
إلا أن أذربيجان، وبعد أن تمتعت بطفرة نفطية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين واستثمرت بكثافة في الدفاع، شنت حملة عسكرية كبيرة عام 2020. كان من نتائجها أن جميع المناطق الأذرية التي احتلتها أرمينيا، إما انتزعت منها أو تنازلت عنها لباكو بعد استسلامها، باستثناء ناغورنو كاراباخ. ثم في سبتمبر/أيلول من هذا العام، هاجم الجيش الأذري ناغورنو كاراباخ، وسرعان ما هزم قوات الحكومة المعلنة من جانب واحد، الأمر الذي أدى إلى غزو المنطقة بالكامل. وحلت حكومة ناغورنو كاراباخ نفسها وفرت الغالبية العظمى من الإثنية الأرمنية التي تعيش هناك وعددها 120 ألف شخص، واستقر معظمها تقريبا في أرمينيا.
لقد أشارت توتشي أن على إسرائيل أن تتجنب تكرار أخطاء حكومتي ناغورنو كاراباخ وأرمينيا؛ أي التفاوض وهما في موقف قوي بدلا من افتراض أن هيمنتهما ستدوم إلى الأبد. لكن الدرس المستخلص من كلا النزاعين يمكن توسيعه ليشمل المجتمع الدولي الأوسع أيضا. لأن الجهات الخارجية الفاعلة ولا سيما الاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة بدرجة أقل، لم تركز إلا قليلا على السعي إلى حل تفاوضي لمشكلة ناغورنو كاراباخ، مما سمح للصراع بالتفاقم تحت السطح عقودا من الزمن قبل أن ينفجر في نهاية المطاف، على النحو الذي يحدث الآن أيضا في النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.
برميل البارود السوري
عديدة هي الصراعات الأخرى "المجمدة"، حيث يبدو أن الأطراف المتحاربة وحلفاءهم الخارجيين والمجتمع الدولي قد فضلوا إدارة الصراع بدلا من حله. غير أنها جميعا تحمل القدرة على الانفجار فجأة بالطريقة نفسها التي حدثت في ناغورنو كاراباخ وفي غزة. ويقع أحد هذه الصراعات إلى الشمال الشرقي من إسرائيل. فقد اندلعت الحرب الأهلية المُدوّلة في سوريا عام 2011، لكن آخر قتال كبير انتهى عام 2020. ومنذ ذلك الحين، ساد هدوء نسبي، مع تقسيم سوريا إلى مناطق سيطرة ثلاث. والمنطقة الأكبر تخضع لسيطرة الرئيس السوري بشار الأسد بدعم من حليفيه إيران وروسيا. ويخضع الشمال الشرقي لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وهي قوة يهيمن عليها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، يخضع الشمال لسيطرة فلول المتمردين الذين عارضوا الأسد أول مرة عام 2011 بدعم من تركيا؛ وهي ميليشيات مستقلة يهيمن عليها جهاديو "القاعدة" السابقون: "هيئة تحرير الشام" حول إدلب، و"الجيش السوري الحر" الممول من تركيا في الشمال الأبعد.
    الأسد وحلفاؤه، مثل الأرمن أو إسرائيل، في موقع قوة نسبية، ولم يُبد لا هو ولا حلفاؤه أي استعداد للقبول بتسوية
ومع ذلك، لم يجرِ التوصل إلى اتفاق بين هذه الأطراف المتنازعة، على الرغم من المبادرات المختلفة  التي حاولت حل الأزمة على نحو دائم، حيث أطلقت الأمم المتحدة عمليتي جنيف وفيينا بهدف تشكيل حكومات توافقية من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى الإطاحة بالأسد، أو تقليص سلطته على الأقل.
ولكن بعد دخول روسيا الحرب عام 2015، سهّلت الانتصارات العسكرية التي حققتها موسكو (وطهران) على الأسد أن يتبوأ مقعد القيادة، واتبعت دمشق بدلا من الحل استراتيجية إدارة الصراع. كما أن عملية آستانه التي قادتها موسكو، وأنشأت نظاما ثلاثي الوساطة روسية- تركية- إيرانية، للحد من العنف، سمحت للأسد فعلياً بتعزيز قبضته على معظم أنحاء سوريا مع الابقاء على آخر المتمردين في إدلب. وبالمثل، فإن وجود الولايات المتحدة في الشرق بعد هزيمة تنظيم "داعش" وفر الحماية لقوات سوريا الديمقراطية.
ومع أن وتيرة القتال قد خفّت منذ عام 2020، فلم يقدم الأسد سوى محاولات قليلة لدفع عملية الحل إلى الأمام؛ فالأسد وحلفاؤه، مثل الأرمن أو إسرائيل، في موقع قوة نسبية، ولم يُبد لا هو ولا حلفاؤه أي استعداد للقبول بتسوية. بل أصر الأسد مرارا على أنه سوف يستعيد "كل شبر" من سوريا. ومع ذلك، كما أشار البروفيسور فابريس بالانش في معهد واشنطن، فإن إدلب تشبه قطاع غزة من نواحٍ عديدة؛ فهي أيضا تهيمن عليها مجموعة من المتطرفين (هيئة تحرير الشام)، تشرف على سكان فقراء يبدو أن العالم قد نسيهم إلى حد كبير. ولكنها- مثلها في ذلك مثل "حماس"- لم يزل بمقدورها أن تسعى إلى استئناف الصراع. والهجوم بطائرة مسيرة على حفل تخرج عسكري سوري في أكتوبر/تشرين الأول، أدى إلى مقتل 89 شخصا، لم يعلن أحد مسؤوليته عنه، لكن الكثيرين يشتبهون في "هيئة تحرير الشام"، مما يشير إلى أن الصراع ما زال قادرا على الاشتعال من جديد. وعلى نحو مماثل، يظل مصير شرق سوريا على المحك، حيث تشن تركيا هجمات متكررة على مواقع قوات سوريا الديمقراطية، لأن أنقرة تعتبر قيادتها الكردية إرهابية بسبب صلتها بحزب العمال الكردستاني. لقد غزت أنقرة بالفعل شمال سوريا ثلاث مرات لإبعاد المسلحين عن حدودها ويمكنها أن تضرب مرة أخرى. ولكن يبدو أن المجتمع الدولي على الرغم من ذلك ينظر إلى سوريا بوصفها مشكلة الأمس. وثمة افتراض بأن الوضع الراهن سيبقى على حاله إلى أجل غير مسمى، غير أن الأدلة الواردة من أماكن أخرى تشير إلى أن هذا غير مرجح إلى حد كبير.
    حرب غزة، وقبلها الاشتباكات حول ناغورنو كاراباخ، تظهر أن مثل هذه الإدارة للصراع قد تكون استراتيجية معيبة
كثيرة هي الصراعات الأخرى المجمدة التي يبدو أن العالم قد نسيها. وفي أماكن أخرى من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا تزال الحروب الأهلية في ليبيا واليمن بعيدة كل البعد عن الحل، وقد تنفجر في جولات جديدة من القتال. وفي مناطق أبعد من هذه المناطق، تنطوي الحركات الانفصالية غير المعترف بها، مثل ناغورنو كاراباخ، على إمكانية تجدد القتال؛ فتطالب كل من ترانسنيستريا في مولدوفا وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا في جورجيا وشمال قبرص في قبرص، باستقلالها. وتفتخر بوجود لاعبين خارجيين أقوياء مثل روسيا وتركيا، مما يزيد من احتمال أن تؤدي المحفزات الخارجية والداخلية إلى إثارة حروب "ساخنة". وهناك بطبيعة الحال الصراعات الأكبر والأكثر رعبا التي لم تجد حلا لها بعد بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وبين الصين وتايوان.
خلاصة القول إن من غير المرجح أن تنفجر أي من هذه القضايا بعنف في المستقبل القريب، إلا أنها جميعها باقية من دون حل. ويبدو أن الأطراف الرئيسة المتحاربة والمجتمع الدولي الأوسع قد فقدوا اهتمامهم بالسعي إلى إيجاد حل لها، وهم يتوقعون بدلا من ذلك أن يستمر الوضع الراهن على حاله. لكن حرب غزة، وقبلها الاشتباكات حول ناغورنو كاراباخ، تظهر أن مثل هذه الإدارة للصراع قد تكون استراتيجية معيبة. فالمظالم التي يتصورها البشر نادرا ما يمكن تجنبها إلى أجل غير مسمى، كما لا يمكن التخلص منها بسهولة.
=====================