الرئيسة \  تقارير  \  "طبخة أوكوس" .. كيف انقلب الحلفاء الأطلسيون على بعضهم بعضا؟

"طبخة أوكوس" .. كيف انقلب الحلفاء الأطلسيون على بعضهم بعضا؟

02.10.2021
الاقتصاد


الاقتصاد
الخميس 30/9/2021
الاجتماع بين زعماء الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة وأستراليا على هامش قمة مجموعة الدول الصناعية السبع في 12 حزيران (يونيو) بدا بريئا بما فيه الكفاية – البيان الناتج المكون من أربع جمل، الذي تعهد بـ"تعميق" التعاون في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، كان حاشية الاحتفال بانسجام التحالف الغربي بعد خروج دونالد ترمب من البيت الأبيض.
كان الأمر الأكثر أهمية بالنسبة إلى الوفد الفرنسي هو أول لقاء ثنائي بين إيمانويل ماكرون وجو بايدن في ذلك اليوم، قبل حفل شواء مسائي على شاطئ كورنوول في خليج كاربيس. قال بايدن للصحافيين وهو جالس بجانب الرئيس الفرنسي: "عادت الولايات المتحدة". من جانبه أشار ماكرون إلى أن "القيادة هي الشراكة".
تقييم باريس لما حدث في إنجلترا كان بعيدا عن الصواب، وشعورها بالخيانة كان مريرا عندما اكتشفت الأسبوع الماضي أن بايدن وبوريس جونسون وسكوت موريسون قدموا في الواقع دفعة جديدة لتحالف استراتيجي من شأنه أن يعيد تشكيل الأمن في آسيا لاحتواء أهداف الصين العسكرية المتصاعدة. ستؤدي الاتفاقية هذه إلى تقويض عقد مع أستراليا تقوده فرنسا قيمته 36 مليار دولار لبناء 12 غواصة تعمل بالديزل وتقويض طموحات ماكرون في المحيطين الهندي والهادئ.
أدى الغضب الدبلوماسي الفرنسي الذي أعقب ذلك إلى فتح أكبر صدع بين الحلفاء الغربيين منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 – استدعت باريس سفيراها من واشنطن وكانبيرا وضغطت لتأجيل اجتماع تجاري رئيسي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. في يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، وعقب التحدث مع ماكرون، بدا أن بايدن يُقر بأن فرنسا تعرضت لمعاملة سيئة. وافق على لقاء الرئيس الفرنسي في أوروبا الشهر المقبل لإعادة ترتيب العلاقات. مع ذلك، من المرجح أن يؤدي الخلاف إلى تعميق الشكوك المتزايدة في أوروبا حول صدقية الولايات المتحدة بوصفها حليفا في وقت تتحول فيه السياسة الخارجية لواشنطن إلى آسيا.
ماري جوردين، وهي زميلة زائرة في المجلس الأطلسي ومسؤولة دفاع فرنسية سابقة، قالت إن ما يسمى تحالف أوكوس يبعث برسالة مفادها أن أوروبا "لا يُنظر إليها على أنها لاعب عالمي ستكسب معه الولايات المتحدة (من تعاون أعمق)، على الأقل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ". أضافت أن هذا القرار والخلاف عبر الأطلسي أثارا مسألة "أهمية الحلفاء الأوروبيين بالنسبة للولايات المتحدة فيما يتعلق بالتنافس مع الصين وروسيا".
شكوك في كانبيرا
قال مسؤولون أستراليون إن باريس تجاهلت إشارات بأن العقد في مأزق، بما في ذلك عندما وصل بيير إريك بوميليه، رئيس شركة نافال الفرنسية لبناء الغواصات، إلى أديلايد في شباط (فبراير) الماضي، ليعلن أن موريسون أمر بمراجعة عقد باراكودا الموقع في عام 2016.
كان بوميليه يأمل بنقل العقد إلى مرحلة "التصميم التفصيلي" لكي يحصل على دفعة كبيرة، لكنه عاد إلى بلده خالي الوفاض.
في الواقع، كانت كانبيرا تفكر في الانسحاب من العقد الفرنسي منذ أشهر، كما قال مسؤولون أستراليون. كان لدى موريسون شكوك حول التكلفة وبطء التقدم في إيجاد وظائف محلية ونقل التكنولوجيا. في كانون الثاني (يناير) 2020، كشف المدقق العام الأسترالي في تقرير أن اللجنة الاستشارية لخبراء الدفاع حثت الحكومة في عام 2018 على البحث عن بديل للغواصات الفرنسية.
كانت هناك تسريبات في الإعلام الأسترالي حول عدم رضا الحكومة. في باريس قوبلت استفسارات المسؤولين الفرنسيين بشأن ما بدا كأنه "حملة تشويه نشطة" في الصحافة ضد الصفقة بطمأنة من نظرائهم الأستراليين، كما قال مسؤول فرنسي شارك في المحادثات. كانت وجهة النظر الفرنسية هي أن ارتفاع التكلفة والتأخير كانا متوقعين في عقد دفاع ضخم كهذا.
قال مسؤول دفاع أسترالي إن كثيرين من محاوري بوميليه لم يكونوا هم أنفسهم على دراية بالخطة السرية "ب". لكن فرنسا فشلت أيضا في فهم تداعيات مخاوف أستراليا المتزايدة بشأن القوة العسكرية للصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
توصلت كانبيرا إلى استنتاج مفاده أن الغواصات التي تعمل بالديزل – التي كانت قد طلبتها في المناقصة الأولية – لم تعد أفضل طريقة لإبقاء بكين في موقف دفاعي. كان لدى الفرنسيين تكنولوجيا الدفع النووي الخاصة بهم وفي حزيران (يونيو)، سألوا كانبيرا عما إذا كانت تريد التحول إلى الطاقة النووية، وفقا لدبلوماسيين في باريس.
قال توماس شوجارت، القائد الأمريكي السابق لغواصة تعمل بالطاقة النووية ويعمل الآن في "مركز الأمن الأمريكي الجديد" the Center for a New American Security ، إن تكنولوجيا الدفع الأمريكية تعد واحدة من "جواهر تاج الجيش الأمريكي" لأنها تسمح للغواصات بالتخفي عند غمرها وتساعد في تجنب اكتشافها بواسطة جهاز السونار. (يصر الفرنسيون على أن تكنولوجيا ضخ المياه التي تعمل بالديزل هي في الواقع أكثر هدوءا من أنظمة التبريد التي تعمل بشكل دائم في المفاعلات).
لكن بعيدا عن الجدل التكنولوجي، قررت حكومة موريسون ترسيخ تحالف أوسع مع الولايات المتحدة. اعتقدت كانبيرا أن إدارة ترمب لن تشارك التكنولوجيا الخاصة بها أبدا. وقال مسؤول دفاعي أسترالي إن تنصيب بايدن في البيت الأبيض أتاح فرصة جديدة. وفي أوائل عام 2021، أنشأ موريسون لجنة وزارية صغيرة، برئاسته، لاستكشاف إبرام صفقة مع الولايات المتحدة – صفقة تلعب فيها المملكة المتحدة دورا.
بايدن وموريسون والخطة "ب"
رفض جان إيف لو دريان، وزير خارجية فرنسا، دور بريطانيا في تحالف أوكوس باعتبارها "العَجَل الخامس في العربة". لكن كانبيرا رأت في بريطانيا، التي شاركت التكنولوجيا النووية مع الولايات المتحدة منذ عام 1958، وسيطا محتملا لمساعدة أستراليا في الحصول على تكنولوجيا واشنطن.
في صباح أحد أيام آذار (مارس)، تم إخبار ضابطي البحرية البريطانية، توني راداكين ونيك هاين، بالخطة لأول مرة من قبل مسؤولي الدفاع والجيش الأسترالي خلال مكالمة فيديو في لندن.
بدا احتمال أن تكون هذه المكالمة بداية لتحالف بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا ضد الصين في المحيط الهادئ أمرا بعيد المنال. كانت الأخبار التي تفيد أن أستراليين كانوا يأملون في التحول من الغواصات التقليدية إلى النووية "قفزة هائلة"، كما قال مسؤول دفاع بريطاني.
قال مالكولم تشالمرز، مدير الأبحاث في معهد رويال يونايتد سيرفيسز في لندن: "كانت المملكة المتحدة في وضع جيد، من واقع خبرتها الخاصة، لشرح ترتيبات مشاركة التكنولوجيا التي ستكون مقبولة للمؤسسة النووية الأمريكية. إنها خطوة كبيرة لمجمع شديد الحساسية بشأن التسريبات الأمنية".
عقب رفع كانبيرا ولندن الاقتراح إلى واشنطن، كثف ممثلو الدول الثلاث عملهم، كما قال مسؤول أمريكي كبير. وقد أثرت العلاقة الشخصية بين موريسون وجونسون – وهما سياسيان شعبويان محافظان – وفقا لأشخاص بريطانيين وأستراليين مشاركين في المحادثات. حرص جونسون على وضع سكوت موريسون على قائمة المدعوين لقمة مجموعة الدول الصناعية السبع في كورنوول.
رأت الولايات المتحدة أن إبلاغ باريس هو عمل يقع على عاتق كانبيرا. لكن مسؤولين أستراليين قالوا إنه لم يكن في صالحهم تنبيه باريس، ما أدى إلى إبقاء الصفقة الفرنسية على قيد الحياة وزيادة الضغط على بايدن للموافقة على صفقة من شأنها أن تجلب مكافآت صناعية ضخمة للولايات المتحدة.
 
فرنسا جالسة في الظلام
في ذلك الوقت بدأت باريس تشعر بالقلق. اتجهت إلى واشنطن للحصول على توضيح. خلال حزيران (يونيو) وتموز (يوليو)، أعرب مستشار ماكرون الدبلوماسي، إيمانويل بون، ووزيرة الدفاع، فلورنس بارلي، ولو دريان، بشكل منفصل، عن قلقهم بشأن العقد لنظرائهم في الولايات المتحدة، وفقا لمسؤولين مطلعين على المحادثات.
كان محاوروهم صامتين أو زعموا أنهم لا يعرفون. في 10 أيلول (سبتمبر)، طلب كل من لو دريان وبارلي التحدث مع نظيريهما الأمريكيين، أنتوني بلينكين ولويد أوستن. لكن لم يتم إجراء أي مكالمات إلا بعد الإعلان عن اتفاقية أوكوس في 15 أيلول (سبتمبر) (ما مهد الطريق لمرحلة تشاور أكثر رسمية لمدة 18 شهرا). تم تأكيد الاتفاق في الصباح من قبل مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، للسفير الفرنسي فيليب إتيان، الذي طلب عقد اجتماع طارئ في البيت الأبيض. كانت "طعنة في الظهر"، كما علق لو دريان في الإذاعة الفرنسية في اليوم التالي.
قالت مايا كانديل، مديرة برنامج الولايات المتحدة في معهد مونتين الفرنسي: "إنها أزمة خطيرة للغاية بين فرنسا والولايات المتحدة. لقد ناقشها الرئيسان والوزراء، وهذا أمر جيد – لكن لم تتم استعادة الثقة بعد وسيستغرق ذلك بعض الوقت".
الدائرة المقربة من جونسون قالت إنهم فكروا في العواقب المترتبة على العلاقة مع ماكرون نتيجة لمتابعة فكرة تحالف أوكوس – الذي أطلق عليه في لندن "عملية هوكلس". "كانت هناك جائزة أكبر على المحك"، كما قالوا.
لكن بعض الدبلوماسيين البريطانيين يقولون إن جونسون قلل من أهمية التداعيات على علاقات لندن طويلة الأمد مع جارتها الأوروبية وشريكتها على صعيد الدفاع. قال السير بيتر ريكيتس، سفير المملكة المتحدة السابق في فرنسا: "لقد استيقظ عدد من الأشخاص على حقيقة أنهم تسببوا في أضرار جسيمة للعلاقة مع فرنسا. لا يمكنك إصلاح هذا في المدى القصير. هذه واحدة من تلك المناسبات التي سيتذكرها الفرنسيون".
بعد لقاء مع بايدن في المكتب البيضاوي الأسبوع الماضي، تجاهل جونسون الخلاف مع ماكرون قائلا "أعطني استراحة". في ذلك المساء في السفارة الأسترالية في واشنطن، تمت مناقشة الأزمة مع فرنسا "بشكل مكثف"، بحسب أحد الحاضرين. لكن المزاج السائد كان احتفاليا.
قصة الغواصات الأسترالية .. من توقيع الصفقة إلى إلغائها
نيسان (أبريل) 2016
تم اختيار شركة دي سي إن إس الفرنسية باعتبارها صاحبة العطاء الأفضل لبناء غواصات تقليدية للبحرية الملكية الأسترالية، متغلبة على منافسين من اليابان وألمانيا. بموجب الصفقة التي بلغت قيمتها 50 مليار دولار أسترالي (36 مليار دولار أمريكي) وافقت الشركة التي غيرت اسمها لاحقا إلى نافال جروب، على بناء 12 غواصة براكودا قصيرة الزعانف والمساعدة في صيانتها على مدى 50 عاما.
شباط (فبراير) 2019
بعد حالات تأخير طويلة وقعت نافال جروب اتفاقية شراكة استراتيجية مع أستراليا لتسليم الغواصات. لم يتم حسم المفاوضات بشأن ملكية التكنولوجيا وشكل الشراكة الصناعية إلا بعد محادثات بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون على هامش أحد اجتماعات مجموعة العشرين.
تشرين الأول (أكتوبر) 2019
أعادت أستراليا تقييم استراتيجيتها الدفاعية وقدراتها العسكرية، قائلة إنها قللت من أهمية سرعة التغيير في المنطقة. قال وزير الدفاع الأسترالي إن منطقة المحيطين الهندي والهادئ هي مركز التغيير الجيوسياسي الأساسي منذ الحرب العالمية الثانية وإن على قوات الدفاع في البلاد التكيف لمواجهة التحديات.
كانون الثاني (يناير) 2021
أجرت طائرات عسكرية صينية محاكاة لهجمات صاروخية على حاملة طائرات أمريكية خلال توغل في منطقة الدفاع الجوي التايوانية، وفقا لمعلومات استخبارية من الولايات المتحدة وحلفائها.
أيلول (سبتمبر) 2021
ألغت أستراليا الصفقة مع نافال جروب وقالت إنها ستشتري بدلا من ذلك ثماني غواصات على الأقل تعمل بالطاقة النووية في إطار اتفاق مع المملكة المتحدة والولايات المتحدة.