الرئيسة \  مشاركات  \  طبقات الاستبداد في سورية: ظلماتٌ بعضُها فوق بعض

طبقات الاستبداد في سورية: ظلماتٌ بعضُها فوق بعض

05.03.2018
عبدالله عيسى السلامة




       يحرص المستبدّ ، على تغطية استبداده ، بأنواع شتّى من الضجيج ، منها ما يصمّ الأسماع ، ومنها ما يعمي الأبصار، ومنها ما يعمي العقول ، ومنها ما يعمي القلوب ..!
       *) يحرص على تجهيل الناس بكل شيء يمكن أن يبصّرهم بحقيقته ، فيميت الوعي السياسي والاجتماعي والقانوني ، ووعيَ الناس بحقوقهم في بلادهم!  لذا ، يَمنع كل عمل سياسي ، أو إعلامي ، من أيّ نوع ، إلاّ النوع الذي يزيد الناس جهلاً بحقيقته.. فيكون الجهلُ عمىً قائماً بنفسه..!
       *) ينهب الثروات العامّة ، ويحاصر الناس في أرزاقهم الخاصّة ، حتى يعمّ الفقر، ويصبح همّ المواطن البحث عن لقمة العيش ، وجرعة الماء ، وحبّة الدواء ، وأجرة المسكن والكهرباء .. فيصبح الفقر عمىً قائما بذاته..!
       *) يسخّر جوقات الهتّافين والطبّالين التي تسبّح بحمده ، فتسير في الشوارع بحشود ضخمة ، تعمي الأبصار بمناظرها الهائجة ، وتصمّ الأسماع بأصواتها المجلجلة الصاخبة ..!
       *) جوقات الإعلام المسموع ، تكمل صمم الآذان ، وجوقات الإعلام المرئي والمكتوب ، تكمل عمى العيون ..!
       *) جوقات الكتَبة الكذَبة ، والمثقّفين المأجورين ، والمستأجرين ، والمستعبدين، تعمي العقول عن إدراك حقيقة الاستبداد ..!
       *) جوقات الدجّالين المعمّمين ، المحسوبين على علماء الدين ، تصدر الفتاوى، وشهادات التزكية ، وحسن السلوك للحاكم ، فتعمي بأزيائها (الدينية!) الرصينة العيونَ ، أو تزيدها عمىً ، وتعمي بفتاواها القلوب ، التي تبحث عن ومضة إيمان ، فلا تراها إلاّ عند الحاكم وعصابته ، عبرَ جوقة العلماء الدجّالين ، فتأخذ دينها عن هؤلاء ، فتَضل ، أو تَنفر من الدين ذاته ، إذا كان هؤلاء همْ مَن يمثّله ، ويتحدّث باسمه ! أما العلماء الصادقون الحقيقيون ، فمضطهَدون ، محاصَرون ، مضيّق عليهم ، في أقوالهم، وأرزاقهم ، وأعمالهم ، وحركاتهم ، وسكناتهم !
       *) جوقات الساسة المنتفعين ، الذين يسمّون أنفسَهم (رفاقا!) ويصدرون العنتريات الزائفة ، في خطبهم وبياناتهم ومهرجاناتهم ، التي تعَدّ للتسبيح بحمد الطاغية ، والثناء على شخصيته الفذّة ، وإنجازاته العظيمة ، التي لم يسبقه إليها أحد من العالَمين !
       *) جوقة (النُشارات!) الحزبية ، التي تساقطت في دكاكين الأحزاب ، التي  تشقّقت ، ونشِرت بمناشير المصالح والزعامات ، والإغراءات التي قدمتها لها أجهزة الاستبداد ( المخابراتية) ، ثم شَكّلت منها غطاء إضافياً ، للإمعان في التعمية على عيون الناس وعقولهم ، ليظنّوا أن الحكم الاستبدادي حكم ديموقراطي ، يضمّ سائر شرائح المجتمع ! وابتكر المستبدّ وأعوانه ، لهذه (النشارة!) اسماً طريفاً ، هو الجبهة التقدمية!
       *) ثمّ ، فوق كل أنواع العمى والصمَم هذه ، تأتي خطَب الفرعون نفسه، بوعوده العرقوبية ، وثرثراته الفارغة ، لتختم على العيون ، والآذان، والعقول ، والقلوب .. بخاتمها الأخير!
       *) ثم تستقرّ الصورة كلها ، على النحو التالي :
جهل فوقه فقر، فوقه خوف ، فوقه هتاف الغوغاء ، فوقه ضجيج الإعلام المحتكر، وبجانب هذا ضجيج المثقّفين ، وبجانبه ضجيج أصحاب الأزياء الدينية ! وفوق هذه الطبقة ، طبقة الساسة الرفاق ، وإلى جانبها طبقة النشارة الحزبية ، وفوق الجميع ، على قمة الهرم ، السيد الفرعون ..!
ظلمات بعضها فوق بعض ، إذا أخرَج المواطن يدَه لمْ بكدْ يراها!
 فإذا كان كل ما صنعوه ، إنّما هو كيد ساحر، سحَروا به عيون الناس ، وأزاغوا أبصارهم ، وأسماعهم ، وعقولهم ، وقلوبهم.. كما صَنع سحَرة فرعون.. فهل يَعجز الشعب السوري ، أن يكون كعصا موسى ، يلقَف مايأفكون !؟
 إن تجارب الشعوب ، قديماً وحديثاً ، تدلّ على قدرات خارقة ، على التقاف ما يأفك الطغاة مِن سِحر..! فهل الشعب السوري شاذّ في عَجزه ، وقد أثبت عَبر السنين ، أنه من أقوى شعوب الأرض ، على نسف جلاّديه وطغاته ، حتى كأن لم يَغنَوا بالأمس ! (ويَسألونكَ مَتى هوَ قلْ عَسى أنْ يكونَ قريباً) !