الرئيسة \  تقارير  \  على خلفية اتهامه بجريمة استخدام الكيميائي ضد مدينة دوما: النظام السوري بين الفصل السابع ووقف التطبيع

على خلفية اتهامه بجريمة استخدام الكيميائي ضد مدينة دوما: النظام السوري بين الفصل السابع ووقف التطبيع

06.02.2023
منهل باريش

على خلفية اتهامه بجريمة استخدام الكيميائي ضد مدينة دوما: النظام السوري بين الفصل السابع ووقف التطبيع
منهل باريش
القدس العربي
الاحد 5/2/2023
رغم أن المناخات الدولية لا تبدو مساعدة على استخدام القوة ضد النظام السوري حاليا، إلا أن اتهام النظام بجريمة استخدام الكيميائي يكبح جماح المهرولين للتطبيع معه وإعادة وتعويمه دولياً.
خلص تقرير صدر عن فريق تحقيق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، الجمعة الفائت، إلى أن أربعة أشخاص من وحدة واحدة تابعة لقوات النظام مسؤولون عن هجوم بغاز الكلور القي من طائرة مروحية تابعة لنفس القوات، استهدف مبانٍ سكنية في مدينة دوما بريف دمشق في 7 نيسان (أبريل) عام 2018.
وحدد التقرير الثالث لـ”فريق التحقيق وتحديد هوية” (IIT) التابع للمنظمة الدولية مرتكب الهجوم، معتبراً أنه “ثمة مبررات سائغة للاعتقاد أنه عند الساعة السابعة والنصف بتوقيت سوريا، مساء يوم 7 نيسان (أبريل) 2018 قامت مروحية واحدة على الأقل من طراز Mi-8/17 تابعة لوحدة القوات السورية الخاصة المعروفة باسم قوات النمر، بإلقاء برميلين أصفرين ارتطما بمبنيين سكنيين في منطقة مركزية في مدينة دوما فتسرّبت منهما مادة الكلور التي أدت إلى مقتل 43 شخصًا حُددت هوياتهم”.
وكانت قاعدة الضمير العسكرية خاضعة لسيطرة القوات الروسية العاملة في سوريا، والطائرة المنفذة للهجوم هي واحدة من سبع طائرات تابعة للعميد سهيل الحسن (ترفع إلى رتبة لواء مطلع 2023).
وقال المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، السفير فرناندو أرياس إن الأمر “متروك للمجتمع الدولي كي يتخذ إجراءات، سواء كانت في إطار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أو خارجها”. وقالت المنظمة إن الفريق فحص الأدلة من خلال منهجية صارمة ممتثلا لأفضل ممارسات هيئات تقصي الحقائق الدولية ولجان التحقيق، وكان الفريق قد راجع وقيم الأدلة المتوفرة لديه في أكثر من 19000 ملف، وإفادات 66 من الشهود، وتقارير تحليل 70 عينة من موقع الهجوم.
وشكلت الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في تشرين الأول (نوفمبر) من عام 2018 فريق تحقيق وتحديد المسؤولية عن الهجمات الكيميائية في سوريا، بعد أن استخدمت روسيا حق النقض منعت من خلاله تشكيل بعثة مشتركة من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة.
بدوره، نفى مندوب النظام السوري الدائم لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ميلاد عطية ما ورد في التقرير، وطالب في مؤتمر صحافي عقده في مقر وزارة الخارجية في دمشق، اللجنة الفنية في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بوقف انحيازها للمواقف الغربية، متهما اللجنة بإصدار تقارير مضللة وطبق الأصل عن تلك التي تعدها الدول الغربية وإسرائيل ضد سوريا. وأضاف المندوب “بعد أيام من حادثة دوما المزعومة، شنت كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا هجوماً ثلاثيا على سوريا بذرائع كاذبة وحتى دون انتظار نتائج التحقيقات في هذا الحادث، والآن هذه الدول تستثمر في هذا التقرير”.
الجدير بالذكر، أن النظام السوري هاجم في مرات عدة سابقًا ونفى تقارير مشابهة تشير إلى تورط قواته في الهجوم الكيميائي على دوما. وكانت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية قد أثبتت من خلال تحقيق خلصت إليه في آذار (مارس) 2019 وقوع هجوم كيميائي في مدينة دوما، إلا أن التحقيق لم يكن مفوضا بتوجيه الاتهامات وتحديد مرتكب الهجوم.
في ردود الأفعال، قال رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني إن التقرير الصادر عن فريق التحقيق التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية “توسع في الإشارة إلى الدور الروسي في الهجوم من خلال ذكر العميد سهيل الحسن المحسوب على القوات الروسية من جهة، ومن خلال استخدام مطار الضمير العسكري الخاضع لسيطرتها، وإقلاع الطائرة منفذة الهجوم منه”. وأضاف عبد الغني في تصريح لـ “القدس العربي” أن روسيا كانت حريصة على عدم ذكر أو توجيه اتهام للنظام السوري بارتكاب الهجوم، واتهمها بـ “ممارسة ضغوط كبيرة على الناجين والشهود، من خلال تهديدهم وترهيبهم، وعلى الرغم من ذلك صدر تقرير فريق التحقيق ليؤكد مسؤولية النظام عن تنفيذ الهجوم واستخدامه للأسلحة الكيميائية”.
وعن أهمية التقرير، زاد: “أن تقرير فريق التحقيق تناول هجوماً بالأسلحة الكيميائية وقع في 2018 وفي وقت متأخر نسبيا وبعد خمس سنوات على توقيع النظام السوري على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية”،ولفت عبد الغني إلى أهمية توقيت التقرير “في ظل تراجع الاهتمام بالحالة السورية على حساب الحرب الروسية-الأوكرانية”.
وأجاب على سؤال مرتبط بأهمية تقرير لجنة التحقيق بدور دولي فاعل في مواجهة النظام: “يعتبر التقرير وثيقة تاريخية يجب أن تسهم في انتقال سياسي للسلطة” وراهن على أهمية التغطية الإعلامية للتقرير ودورها في تسليط الضوء على جرائم النظام وضرورة محاسبته، إلا أنه لا يجب رفع سقف التوقعات إلى حد إجراء محاكمة دولية للنظام أو سقوطه، كما شدد على أهمية التقرير في “تذكير أطراف دولية عدة بإعادة النظر في التطبيع وإعادة العلاقات مع نظام متهم، ومثبت عليه ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية”.
وفي سياقٍ متصل، قالت وزارة الخارجية التركية في بيانٍ أصدرته بشأن تقرير فريق التحقيق التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية “ستواصل تركيا دعم الجهود الرامية لضمان المساءلة في سوريا، ولا سيما الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية”. وأضاف البيان “ان الهجوم بغاز الكلور الذي وقع في دوما بريف دمشق يوم 7 نيسان (أبريل) 2018 نفذه النظام”.
وجاء التعليق الروسي على التقرير مشابها للرد الصادر عن النظام السوري، حيث نفى بيان صادر عن الخارجية الروسية علاقة النظام السوري بالهجوم، وجاء في البيان “أما بشأن الاتهامات بأننا لم نقدم لفريق التحقيق معلومات من شأنها أن تؤكد الرواية الروسية للاستفزاز الكيميائي فإن روسيا وعدداً من الدول الأخرى تنطلق من عدم شرعية هذه الهيئة، ولم تعتزم التعاون معها لاعتبارات مبدئية”.
كما اتهم البيان تقرير لجنة التحقيق بـ “المسيس والمأجور” وأشار بشكل مبطن لمحتوى التقرير وللدور الروسي بالهجوم بالقول “إن ما يعتبر دليلاً آخر على الطابع المسيس والمأجور لهذا التقرير هو أيضاً المحاولات غير الموفقة لأصحاب التحقيقات ورعاتهم لتكوين الانطباع، كأن أعمال القوات المسلحة السورية حول مدينة دوما كانت بإشراف الجانب الروسي”.
المحامي وكبير مفاوضي المعارضة السورية سابقا محمد صبرة، قال في اتصال مع “القدس العربي” إن “قرار فريق التحقيق التابع لمنظمة الأسلحة الكيميائية صادر عن منظمة دولية ذات تخصص تقني بالتحقيق بمسائل مشابهة” وأضاف بأن التقرير صدر عن منظمة الأسلحة الكيميائية نتيجة تعطيل روسيا للآلية الدولية المشتركة للتحقيق الدولي في سوريا، باستخدامها حق النقض “الفيتو” ضد تمديد عمل الآلية المشتركة.
وأشار صبرة إلى أهمية التقرير القانونية الدولية الأبرز، من خلال الاتفاقية الموقعة بين نظام الأسد والمجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في 27 أيلول (سبتمبر) 2013 المتضمنة تسليم مخزون النظام من الأسلحة الكيميائية، ومنعه من تصنيعها ونقلها واستخدامها، والتي صادق عليها مجلس الأمن الدولي في العام نفسه ضمن القرار رقم 2118 حيث اعتبر قرار مجلس الأمن أن الاتفاقية جزء لا يتجزأ من القرار، وتبرز الأهمية في ذلك بشكل خاص في الفقرة21 من القرار المتضمنة “في حال عدم الامتثال لهذا القرار، بما يشمل نقل الأسلحة الكيميائية دون إذن، أو استخدام أي أحد للأسلحة الكيميائية في الجمهورية العربية السورية، أن يفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة”.
كما أن الفقرة 15 من القرار، أشارت إلى ضرورة محاسبة الجناة ومن ارتكبوا جريمة استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.
بدوره أشاد مدير الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” رائد الصالح بالتقرير، وقال الصالح لـ “القدس العربي” تنبع أهمية التقرير من “إشارته للدور الروسي في الهجوم الكيميائي على مدينة دوما، وذكره للعميد سهيل الحسن الذي كرم من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد العمليات العسكرية في الغوطة الشرقية”. واتهم الصالح روسيا أنها “حاولت مرارا اختراق فريق التحقيق لكن دون جدوى”.
وكان الهجوم الكيميائي على دوما قد تسبب في توجيه ضربات جوية صاروخية على أهداف لنظام الأسد، في أكبر عمل عسكري غربي ضد نظام بشار الأسد، منذ اندلاع الثورة السورية، لكن الضربة اقتصرت على استهداف بعض مراكز البحوث العلمية ومستودعاتها المسؤولة عن إنتاج السلاح الكيميائي وتخزينه، دون إلحاق أي ضرر في بنية النظام الأمنية والعسكرية، وتبين لاحقا أنها لم تمنع الأسد من إعادة تصنيع الأسلحة الكيميائية أو الكلور واستخدامه ضد المدنيين السوريين في عدة مناطق.
ان إثبات منظمة حظر السلاح الكيميائي الدولية استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي يعد انتهاكا صارخا للقرار 2118 لعام 2013 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، كانت روسيا قد وافقت على استخدام القوة ضد مرتكبي الجريمة بعد هجوم الغوطة الكبير في 21 آب (أغسطس) 2013 وكان هم موسكو إبعاد الضربة العسكرية التي أمر بها الرئيس باراك أوباما قبل ان توقفها وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” خشية انزلاق الشرق الأوسط إلى مزيد من “الفوضى”. أما اليوم، فهل يتمكن مجلس الأمن من تطبيق قراره بمعاقبة المتهمين باستخدام القوة؟ يبقى هذا التحدي الحقيقي للمجلس، ورغم أن المناخات الدولية لا تبدو مساعدة على استخدام القوة ضد النظام السوري في الوقت الحالي، الا أن اتهام النظام بجريمة استخدام الكيميائي يكبح جماح المهرولين للتطبيع معه وإعادة إنتاجه وتعويمه دولياً.