الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عن ملحقات قانون قيصر الأميركي

عن ملحقات قانون قيصر الأميركي

10.08.2021
مرح البقاعي

 
العرب اللندنية 
الاثنين 9/8/2021 
لا علاقة تُذكر بين المعاناة التي يقع في فخّها الشعب السوري في مناطق سيطرة النظام من ارتفاع جنوني في الأسعار وغياب التيار الكهربائي عن معظم أحياء المدن والبلدات لما يزيد عن 18 ساعة يومياً والتقنين في المواد الأساس للعيش، وبين عقوبات قانون قيصر واستتباعاته، والمستثنى منها الدواء والغذاء لمنع تأثيرها على الحياة المعيشية للأفراد، العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على النظام السوري حصراً والميليشيات والدول المساندة له في حربه الجائرة ضد المدنيين والتي آخر صورها تتجلى اليوم في حصار 50 ألف مدني في درعا ومحاولة اقتحام أحيائهم بقوة السلاح الثقيل. 
المسؤول المباشر عن معاناة السوريين الحياتية والاقتصادية والإنسانية منذ نصف قرن من الزمن هو الفساد المستشري في البنية التحتية للنظام الذي نسج خيوط عنكبوته الأسد الأب بدهاء منقطع النظير، وجاء الأسد الابن ليكمل – بغباء – نسج تلك الخيوط التي عششت عليها سموم القهر والقمع الجماعي لملايين من السوريين الذين لا حول لهم ولا قوة، حتى قرروا في مارس من ربيع العام 2011 ذاك الخروج الكبير على منظومة فاسدة نكّلت بالأبرياء واعتقلت أصحاب الرأي الحر وصادرت الحريات وهدرت الكرامات على امتداد عقود خلت. 
في هذا السياق تتابع واشنطن عن قرب تحركات النظام الميدانية وترصد محاولاته المتّصلة لكبح تطلعات السوريين ممن قرروا البقاء على الأرض والسعي من الداخل لمقاومة شرور نظام أمني أرعن، منخور بفساد العائلة التي تديره، وآيل للسقوط في أية لحظة يتخلى عنه حلفاؤه في موسكو وطهران وبكين أيضاً. 
وفي سياق قانون قيصر المسلّط على رقبة النظام وأعوانه وكل من انتهك حقوقاً للإنسان السوري، قام مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية (OFAC) منذ بضعة أيام بفرض المزيد من العقوبات على أفراد ومنشآت حكومية يتم تحت سقفها التنكيل بالمدنيين العزل بأبشع الصور التي شهدها التاريخ البشري المعاصر والتي تفوقت في وحشيتها على معتقلات النازيين في أحلك صورها. 
العقوبات أتت هذه المرة على شكل حزمة توجهت إلى المجموعات الجهادية المتطرفة في الشمال السوري إلى جانب تلك الموجهة إلى مفاصل النظام الأمنية فصدرت عقوبات على ثمانية سجون سورية تديرها أجهزة المخابرات التابعة لنظام الأسد، والتي شهدت ولا تزال انتهاكات لحقوق الإنسان ضدّ السجناء السياسيين وغيرهم من المعتقلين. كما قام مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بتصنيف خمسة من كبار المسؤولين الأمنيين في مؤسّسات النظام التي تدير مرافق الاحتجاز تلك. 
وجاء في البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية في هذه المناسبة أن “نظام الأسد شنّ نظام حرب ضروس على الشعب السوري، حيث سجن مئات الآلاف من المطالبين بالإصلاح والتغيير تعرّض منهم ما لا يقل عن 14 ألف معتقل للتعذيب حتى الموت، بينما تذكر التقارير أن ما يزيد عن 130 ألف معتقل هم في عداد المفقودين أو المعتقلين بشكل تعسّفي حتى يومنا هذا، ويُعتقد أن الغالبية العظمى منهم إما أن يكونوا قد قضوا نحبهم أو أنهم محتجزون دون أي اتصال بالعائلة أو بممثليهم القانونيين”. 
إلى ذلك، وفي متابعة حثيثة للجماعات المتطرفة التي تدّعي انتماءها للثورة والدفاع عنها، والثورة السورية، بشقّيها المدني والعسكري براء منها، قام مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في واشنطن بفرض عقوبات على جماعة أحرار الشرقية المسلحة التي تنشط في شمال سوريا بسبب ارتكابها انتهاكات ضد المدنيين، وفرض عقوبات موازية على اثنين من قادتها لضلوعهم في ارتكاب جرائم ضدّ السكان العزل والاستيلاء على ممتلكاتهم الخاصة. وقد ثبت في التقارير أن الجماعة شيّدت مجمع سجون كبير خارج حلب تم إعدام المئات فيه منذ العام 2018 تحت إدارتها، كما استخدمت الجماعة هذا السجن لتنفيذ عمليات خطف واسعة النطاق مقابل فدية استهدفت شخصيات تجارية ومعارضة بارزة من محافظتي إدلب وحلب. وقامت أحرار الشرقية أيضا بدمج عناصر داعش السابقين في صفوفها، كما أثبتت المتابعات لأعضائها انضواءهم في تنظيم داعش قبل التحاقهم بأحرار الشرقية. 
المسؤول المباشر عن معاناة السوريين الحياتية والاقتصادية والإنسانية منذ نصف قرن من الزمن هو الفساد المستشري في البنية التحتية للنظام الذي نسج خيوط عنكبوته الأسد الأب بدهاء منقطع النظير 
مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، أندريا جاكي، وفي تصريح لها إثر الإعلان عن حزمة العقوبات الجديدة أفادت أن “هذه العقوبات تعزّز عملية المساءلة عن الانتهاكات المرتكبة ضدّ الشعب السوري وتمنع عن الجهات المارقة الوصول إلى النظام المالي الدولي”. 
وحين يتقوّل المتشككون عن القيمة الفعلية لمعاقبة منشأة عسكرية كسجن أو مركز مخابرات، فإن الواقع يقول إن هذه المنشآت التي مورست فيها أبشع الجرائم ضد المدنيين من معتقلي الرأي ستحتاج في متابعة عملياتها إلى الدعم اللوجستي والمالي من الجهات الحكومية في دمشق، وبالتالي فإن إدراجها ضمن لائحة العقوبات الأميركية ليس أمراً مجازياً على الإطلاق، بل هو لمنع إمدادها بالموارد اللازمة لها لاستمرار خططها الفاشية ضد السوريين العالقين في فخّ معتقلات الأسد. 
كما يشير هذا الإجراء إلى التزام الولايات المتحدة باستهداف كل من ينتهك حقوق الإنسان في سوريا، بغض النظر عن الجهة التي تمارس تلك الانتهاكات، ويعزّز هذا الإجراء أهداف قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019، والذي يسعى لجعل نظام الأسد يتحمّل مسؤوليته عن الفظائع التي ارتكبها. 
معتقلات أحرار الشرقية وانتهاكاتها للإنسان السوري لا تختلف عن سجن صيدنايا وأفرع  مخابرات النظام الموغلة في دماء الأبرياء والتي طالتها العقوبات الأميركية، ولن تُرفع حتى يرفع نظام الأسد يده عن احتكار الدولة ويخضع لإرادة المجتمع الدولي بالانخراط الجدّي في عملية انتقال سياسي كاملة رسم خارطة طريقها مجلس الأمن في إجماعه على القرار 2254 الذي يضمن الحل العادل للمعضلة السورية.