الرئيسة \  تقارير  \  غاز شرق المتوسط .. أهلا باللاعب السوري

غاز شرق المتوسط .. أهلا باللاعب السوري

30.12.2024
سمير صالحة



غاز شرق المتوسط .. أهلا باللاعب السوري
سمير صالحة
سوريا تي في
الاحد 29/12/2024
تفاعلت تركيا سياسيا وشعبيا مع محنة الشعب السوري منذ انطلاق الثورة التي طالت 13 عاما كاملا. كل ذلك كان يجري على مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي لم يقدم أية مبادرة عملية ملزمة تنهي الأزمة.
أسهمت أنقرة في فتح الطريق أمام تغيير المسار بين 27 تشرين الثاني و9 كانون الأول. 13 يوما كانت كافية لانهيار السجن الكبير وتفكك نظام الأسد وهروب قياداته السياسية والعسكرية بحثا عن مكان تحتمي فيه.
أزعج مشهد أنقرة ودمشق الجديدة يدا بيد البعض، لأنه قلب حساباتهم رأسا على عقب. ليس بسبب سقوط النظام بل بسبب تغير المعادلة السياسية والأمنية المدعومة شعبيا في سوريا، واحتمال اتساع رقعة التعاون والتنسيق وانتقاله إلى ملفات ثنائية وإقليمية بطابع استراتيجي أوسع.
طبيعي أن تكون طهران وتل أبيب في طليعة المنزعجين. قلق بعض العواصم الأوروبية مفهوم أيضا، لكن تحفظ البعض عربيا، وبعدما قررت أنقرة تحسين العلاقات وتطبيعها في العامين الأخيرين وترددهم رغم ترتيب طاولات حوار وتفاوض استراتيجي، وتجاهلهم لحقيقة توجه القيادات التركية إلى العقبة لتوقيع بيان خارطة الطريق المقترحة للحل في سوريا لا يمكن تفسيره.
هل المطلوب من تركيا أن تتخلى عن سياستها السورية بعد سنوات من تحمل أعباء ما تسبب به الأسد على حدودها أمنيا وسياسيا واقتصاديا؟ وهل الهدف هو عرقلة مسار التقارب والانفتاح التركي على القيادة السورية الجديدة التي كانت تنشط وتتحرك داخل الأراضي التركية وفي المناطق الحدودية في مواجهة النظام ؟ ولماذا يحاول بعضهم وضع طهران وتل أبيب وأنقرة وموسكو على مسافة واحدة في قراءته للمشهد السوري الجديد؟
أزعج مشهد أنقرة ودمشق الجديدة يدا بيد البعض، لأنه قلب حساباتهم رأسا على عقب. ليس بسبب سقوط النظام بل بسبب تغير المعادلة السياسية والأمنية المدعومة شعبيا في سوريا، واحتمال اتساع رقعة التعاون والتنسيق وانتقاله إلى ملفات ثنائية وإقليمية بطابع استراتيجي أوسع
عندما كانت تركيا تعيش أصعب أوقاتها في سوريا وفي أزماتها الاقتصادية والسياسية الداخلية، تحالف البعض في الإقليم منتهزا الفرصة، لعزلها وإبعادها عن ملف الغاز في شرق المتوسط. حركت باريس وتل أبيب منصة تجمعها مع أثينا وقبرص اليونانية وبعض العواصم العربية. لم تتريث الأطراف أن تتضح الأمور في سوريا ولبنان وغزة وقبرص التركية شركاء شرق المتوسط، وذهبت وراء توقيع اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية وإعداد خطط نقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا والآن توصف أنقرة بمن يستعجل مستفيدة من التحولات السياسية في سوريا.
قال وزير النقل التركي عبد القادر أورال أوغلو، إن بلاده تعتزم بدء مفاوضات مع الحكومة السورية الجديدة بشأن اتفاق محتمل لترسيم الحدود البحرية بين البلدين ". لكنه أضاف " أن التقدم في التفاوض على صفقة بحرية يتطلب سلطة سياسية مستقرة في سوريا.. يجب إقامة سلطة هناك أولاً.. سيكون الأمر على جدول أعمالنا بالتأكيد، لكن من الصعب القول إنه على جدول الأعمال الحالي ". ما حرك الأمور ربما هو إعلان الوزير التركي أن هذا الاتفاق "سيغير كل التوازنات في المنطقة ".
نيقوسيا وأثينا كانتا قبل أسبوع من تصريحات أنقرة، تقرعان أبواب الاتحاد الأوروبي للتحذير من خطوة بهذا الاتجاه تتعارض مع مصالح المجموعة الأوروبية.
تساؤل أوروبا: لماذا لا تنتظر تركيا خروج سوريا من المرحلة الانتقالية التي تعيشها قبل الذهاب وراء البحث عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية معها؟ يساعد في الإجابة عليه بيان الخارجية اليونانية الذي يقول إن هذا الاتفاق هو غير شرعي وغير ودي، وقبل أن يظهر إلى العلن ونعرف مضمونه حتى. وكذلك موقف قبرص اليونانية الذي يرى أن " الاتفاق سيكون غير قانوني وينتهك حقوق قبرص السيادية".
 صحيح أن الاتفاقية ستوفر للجانب السوري مساحات واسعة للتنقيب عن الغاز واستخراجه وبيعه. ثم تنسيق بحري تركي واسع في الملاحة والصيد وتمديد الكابلات وخطوط الطاقة وتؤمن للخزينة السورية مليارات الدولارات. لكن أهمية الاتفاقية بالنسبة لأنقرة لا يمكن تجاهلها:
حماية حقوقها في المنطقة البحرية بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود مع ليبيا عام 2019 والتي منحت الأخيرة آلاف الاميال البحرية الإضافية بعكس ما كانت تعرضه اليونان وقبرص اليونانية على طرابلس الغرب.
تذكير الجانب المصري بضرورة تحريك مسألة عقد اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية مع تركيا وهي الاتفاقية التي ستمنح القاهرة حوالي 20 ألف كيلومتر مربع من المساحة المائية الإضافية بالمقارنة مع ما يعرضه الجانب الأوروبي.
إخراج اليونان تماما من معادلة شرق المتوسط وسحب الذرائع التي تقدمها حول تمددها هي أيضا بإتجاه هذه المنطقة.
إسقاط ورقة قبرص اليونانية في تمددها الواسع باتجاه شرق حوض المتوسط على حساب الدول المتشاطئة وهي التي تستقوي بالاتحاد الأوروبي وخارطة سفيليا للدفاع عنها في مواجهة ما تقوله تركيا.
قطع الطريق على خطط الاتحاد الأوروبي للتوغل في منطقة تجمع الغاز والتجارة وأنابيب المياه والملاحة والتواصل بين دول شرق المتوسط ومحاولة التحكم بخيوط اللعبة هناك عبر الشماعة القبرصية.
تذكير المجتمع الدولي بحقوق وحصة قبرص التركية في شمالي الجزيرة وقربها من السواحل السورية وضرورة تواجدها أمام الطاولة خلال ترسيم الحدود البحرية بين الأطراف المعنية.
عدم تجاهل حقوق قطاع غزة وساحله المتواجد أمام مياه المتوسط عند بحث خطط ومشاريع التحاصص والتعاون الإقليمي في الملف.
تشجيع الجانب اللبناني باتجاه الدخول في اتفاقيات مشابهة تحمي حصته الغازية التي يحتاجها في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها.
ما يثير غضب بعضهم هو أن هذه الاتفاقية ستكون نقلة " كش ملك " تركية - سورية على رقعة الشطرنج المائية في شرق المتوسط، خصوصا مع دخول اللاعب السوري على خط غاز المنطقة، ونسفه لكثير من التفاهمات والاتفاقيات الموقعة حول ترسيم الحدود البحرية من دون التريث حول ما ستقوله وتريده دمشق.
اليونان وقبرص اليونانية سيجدان صعوبة في إقناع البعض بتكرار ما قالاه قبل 5 سنوات حول الاتفاقية التركية الليبية. حقوق سوريا الغازية هي التي تناقش، وهناك تحولات سياسية كثيرة في لعبة التوازنات الإقليمية الجديدة. تل أبيب كانت أمام المنصة لكنها بعيدة كثيرا عن أجواء ما قبل 6 سنوات عند ترتيب منصة غاز المتوسط برعاية فرنسية.
بدل الاستنجاد ببعض " الخبراء " الذين يرون أن أنقرة ودمشق لا تستطيعان توقيع اتفاقية من هذا النوع لأن تركيا لم توقع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، وأن الإقدام على خطوة من هذا النوع ستثير غضب الأوروبيين ، وهو ما لا علاقة له بخيارات تركيا وسوريا السيادية في عقد الاتفاقيات تحت قواعد وأسس القانون الدولي العام، من الأفضل العودة إلى الأرشيف وتذكر ما قيل لنا عند توقيع اتفاقيات مماثلة بين الدول المتشاطئة وإهمال دولة لها أطول ساحل بحري يطل على المتوسط .
خيارات التنسيق الاستراتيجي بين أنقرة ودمشق في المرحلة المقبلة تعني الطرفين أولا. التحذير أو التنبيه الوقائي عن بعد لمن لم يقدم شيئا لسوريا ولشعبها في أصعب الأوقات لن يكون له تأثيره الكبير. ستواصل أنقرة الدفاع عن مصالحها في سوريا وبالتنسيق مع الشعب السوري قبل كل شيء. ستجهد لتفعل ذلك أيضا بالتنسيق مع العواصم العربية الراغبة في مساعدة السوريين على تجاوز أزماتهم التزاما بسياستها العربية والإقليمية الجديدة. من الأفضل للبعض أن يتابعوا المشهد من أماكنهم وحيث ما كانوا طوال 13 عاما.