الرئيسة \  تقارير  \  قاعدة إيران الجوية الجديدة تحت الأرض

قاعدة إيران الجوية الجديدة تحت الأرض

09.03.2023
فرزين نديمي

قاعدة إيران الجوية الجديدة تحت الأرض
فرزين نديمي- (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 13/2/2023
الغد الاردنية
الأربعاء 8/3/2023
في السابع من شباط (فبراير) الذي صادف الذكرى الرسمية لانضمام ضباط سلاح الجو الإيراني إلى الثورة الإسلامية في العام 1979 كشفت إيران عن قاعدة “عقاب44” الجوية التكتيكية الهجينة، التي تقع على بُعد 120 كم شمال غرب بندر عباس في منطقة نائية من محافظة هرمزغان.
وعلى الرغم من بناء هذه المنشأة غير المكتملة في موقع بعيد جداً عن الشاطئ، إلّا أنها تطل بشكل أساسي على طرق الشحن الاستراتيجية في الخليج العربي ومضيق هرمز.
وتصف “القوات الجوية للجمهورية الإسلامية الإيرانية” هذه القاعدة بأنها “هجينة” لأنها تهدف إلى استيعاب كلٍ من الأصول الجوية المأهولة وغير المأهولة.
والسؤال الذي يَطرح نفسه هنا هو ما نوع الأصول، وما هو التهديد الذي قد تشكله على الأهداف التابعة للولايات المتحدة وحلفائها.
عش العقاب” في إيران
يشير اسم القاعدة الجديدة إلى كلٍ من الكلمة الفارسية التي تعني “عقاب” والذكرى الرابعة والأربعين للثورة. وغالباً ما تُعلن إيران عن إنجازاتها في مجال الطيران في هذه الذكرى، لكن الكشف عن قاعدة “عقاب” اعتبر مميزاً لأن بإمكانها على حد تعبير العميد في “الحرس الثوري الإسلامي” غلام رضا جلالي الذي يرأس “منظمة الدفاع السلبي” أن تغيير قواعد اللعبة” في زمن الحرب، وسوف يُجبَر “العدو” على إعادة النظر في حساباته العسكرية.
كما يُفترض أن الضجة التي أُثيرت كانت تهدف إلى مواجهة مناورات “جونيبر أوك” العسكرية الأخيرة، وهي أكبر مجموعة من التدريبات التي أجراها على الإطلاق “جيش الدفاع الإسرائيلي” إلى جانب القيادة الإقليمية المشتركة للولايات المتحدة.
من جهته، قال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري أن القواعد الجوية المبنية تحت الأرض مثل قاعدة “عقاب” ستوسع قوة الردع التي تتمتع بها إيران لتتجاوز قدراتها المعروفة على صعيدي الصواريخ والوكلاء، من خلال إعادة طرح القوة الجوية كجزء من المعادلة. ففي ظل غياب نظام قواعد قابل للبقاء، كان أمل إيران ضئيلاً في الحفاظ على استمرارية قوتها الجوية عند خوض الحرب مع قوة عسكرية كبرى.
وعلاوة على ذلك، كانت “القوات الجوية للجمهورية الإسلامية الإيرانية” تعاني من نقص التمويل بشكل ملحوظ مقارنةً بـ”الحرس الثوري الإسلامي”، وحتى الفروع الأخرى من القوات المسلحة النظامية (“جيش الجمهورية الإسلامية في إيران” أو “أرتيش”).
ووفقاً لباقري، ستساهم القاعدة المحصنة الجديدة والمنشآت الشقيقة المستقبلية في دعم نقاط الضعف هذه، من خلال استيعاب طائرات مقاتلة جديدة وحمايتها من قنابل العدو وصواريخه في حال نشوب صراع. ومع ذلك، هل تُحقق قاعدة “عقاب” هذا الادعاء؟
تم حفر هذا المجمّع الكبير على ما يبدو تحت الأرض في الحجر الجيري الأسمري، وله أربعة مداخل مواجِهة للشمال ومتصلة بمدرج سطحي مكشوف طوله ثلاثة كيلومترات بدأ بناؤه في أيار (مايو) 2021 (على الرغم من أن المجمع ككل يبدو أقدم بكثير).
وستتمكن الطائرات من الوصول إلى المدرج عبر ممرين مغطيين جزئياً يمتدان على طول 1.4 و1.8 كم. ويبدو أن نفقَي الممرَين المرتبطَين يُستخدمان أيضاً كمنطقتَي تنبيه.
واعتمد اختيار الموقع جزئياً على فكرة أن تضاريسه الفريدة ستجعل القاعدة أقل عرضةً للهجمات الجوية والصاروخية، حيث توفر التلال الجبلية الحماية من الشمال والجنوب.
ومع ذلك، لن تكون هذه العقبات هائلة بما يكفي للتأثير على الذخائر الشراعية عالية الدقة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي سينشرها أعداء إيران في المستقبل القريب (على افتراض أنه ليس بإمكانها اختراق القاعدة بالأسلحة التقليدية المتواجدة).
وبالمثل، فإن الأبواب الثقيلة المقاوِمة للانفجارات التي تهدف إلى حماية مداخل المنشأة لا يبدو أنها تتمتع بدرجة عالية من الفعالية ضد التفجيرات النووية التكتيكية مثل المنشآت المماثلة في مواقع أخرى من العالم.
وعلى الرغم من وجود الطائرات في مخابئ محصنة، إلّا أنها ستظل بحاجة إلى الإقلاع والهبوط عبر الممرين والمدرج الأكثر انكشافاً، حيث تبقى عرضة للذخائر الثقيلة عالية الحركة.
كما أن شبكة الأنفاق تحت الأرض قد تطرح بعض المشاكل –فعلى الرغم من أنها تبدو قادرة على استيعاب عدة طائرات مع معدات الدعم الخاصة بها، ومستودعات الوقود، ومساحات الصيانة/ التسليح، يبدو أيضاً أنها تفتقر إلى التهوية المناسبة وأنابيب مكافحة الحرائق، لذلك قد يتبين أن مواصلة العمليات هناك ستكون خطيرة للغاية.
على أي حال، يبدو أن عملية البناء لم تكتمل في الوقت الحاضر. وما يزال العمل جاريا تحت إشراف “مقر خاتم الأنبياء المركزي”، الذي تتمثل مهمته الرئيسية في الإشراف على جهوزية عمليات “جيش الجمهورية الإسلامية في إيران” و”الحرس الثوري الإسلامي”.
وقد استغرق إنجاز القواعد الجوية المشابهة تحت الأرض في تايوان ويوغوسلافيا السابقة والسويد نحو ثماني سنوات، وبتكلفة لا تقل عن مليار دولار لكلٍ منها. وفي حالة قاعدة “عقاب”، تُظهر صور القمر الصناعي “سينتينيل 2” إجراء حفريات مهمة في المنطقة على مدار السنوات العديدة الماضية.
التداعيات على أسطول المقاتلات الإيراني
إلى جانب التعليقات الأخيرة التي أدلى بها باقري، يدل افتتاح قاعدة “عقاب44” وغيرها من القواعد الجوية المحصنة على أن إيران قد تستأنف اندفاعها نحو حيازة المزيد من القوة الجوية الحديثة.
على سبيل المثال، تشير التقارير الأخيرة إلى أنها قد تستلم 24 مقاتلة روسية متعددة المهام من طراز “سو35 إس” مقابل تزويد موسكو بطائرات انتحارية بلا طيار وأسلحة أخرى.
وكان إنتاج مجموعة المقاتلات المعنية مخصصا في الأصل لمصر، إلّا أن هذه الدفعة لم تُسلم بعد، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى الضغط السياسي الأميركي وعدم رضى القاهرة عن الطائرات.
مع ذلك، حتى في حال وجود صفقة قيد التنفيذ مع إيران، لا يبدو التسليم وشيكا فهناك القليل من المؤشرات التي تدل على الاستعدادات العادية التي تسبق تنفيذ مثل هذه الصفقة العسكرية الكبرى (على سبيل المثال، تدريب الطاقم الجوي والأرضي في أي من البلدين).
وربما قصدت موسكو أن يكون هذا الخبر بمثابة تحذير للحكومات الغربية أي إذا أرسلت هذه الحكومات طائرات “إف16” أو غيرها من المقاتلات الحديثة إلى أوكرانيا، فستمنح روسيا طهران طائرات “سو35 إس”.
كما أنه لا يُحتمَل وضع طائرات “سو35 إس” في قاعدة “عقاب44”. فقد تم تصميم أنفاق المنشأة على ما يبدو من أجل السماح بحركة طائرات “إف4 فانتوم” و”إف14 توم كات” و”سو24 فينسر”، التي يتراوح طول أجنحتها من 10.3 إلى 11.8
متر؛ إلا أن الموقع غير مناسب على الأرجح لطائرة “سو35” الأكبر حجماً التي يبلغ طول جناحيها 15.3 متر.
ولكن، على الرغم من الإسراع في استغلال حرب أوكرانيا عبر تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع روسيا واحتمال الحصول على طائرات مقاتلة جديدة وأسلحة متطورة أخرى، ما تزال الدعامة الأساسية الخاصة بــ”القوات الجوية للجمهورية الإسلامية الإيرانية” هي أسطول طائرات “إف4 فانتوم” الذي تم شراؤه من الولايات المتحدة قبل الثورة الإسلامية.
وباستطاعة طائرة “إف4 إي” أن تحمل حمولة قتالية كاملة قدرها 2.700 كغم إلى مدى يبلغ 840 كم، أو صاروخين مضادين للسفن أو صاروخ من نوع كروز لمسافة تصل إلى 1.000 كم قبل إطلاقهما.
وفي الحالة الأخيرة، يمكن أن يصل مدى صاروخ “نصر” الإيراني المضاد للسفن إلى 70 كم. كما يمكن أن تحمل طائرة “فانتوم” صواريخ أخرى مضادة للسفن يصل مداها إلى 300 كم، أو صواريخ كروز أكبر حجماً مثل “عاصف” و”حيدر” قادرة على اجتياز مسافات أبعد بكثير على ارتفاعات منخفضة قبل الوصول إلى أهدافها (يتجاوز نطاقي إطلاقهما الجوي 1.000 كم و200 كم على التوالي).
قد تساعد هذه القدرات في تفسير سبب رغبة إيران في إنفاق الكثير من الجهد والمال على بناء قاعدة جوية تحت الأرض، في الوقت الذي تمتلك فيه عددا محدودا جدا من الطائرات القتالية العاملة، وفي حين أن الطائرات الروسية الحديثة التي تأمل في شرائها تبدو كبيرة جدا للعمل هناك.
فمن خلال التسلح بصواريخ مضادة للسفن طويلة المدى والذخائر الموجهة الذكية، يمكن أن يوفر إقلاع الطائرات من قاعدة “عقاب44” قدرا من القدرة المفاجِئة على توجيه الضربة الأولى، فضلاً عن القدرة على توجيه ضربة ثانية من أجل الرد على السفن الحربية الأميركية الرئيسية (خاصة حاملات الطائرات)، والمجموعات البرمائية، والسفن المساعدة، والقواعد الإقليمية. وبما أن المجمّع كان قيد الإنشاء منذ عدة سنوات، فقد كان الغرض منه على الأرجح الأخذ في الاعتبار تحقيق هدف رئيسي وهو: شن هجمات مفاجئة ضد السفن الحربية الأميركية في جميع أنحاء منطقة الخليج، لا سيما ضد مجموعات حاملات الطائرات الهجومية.
وكانت مجموعة حاملة الطائرات الهجومية “يو إس إس رونالد ريغان” قد أكملت آخر عملية انتشار من هذا القبيل في المنطقة في أيلول (سبتمبر) 2021. وفي السابق، غالباً ما كانت مجموعات حاملات الطائرات تتمركز في مسرح عمليات “الأسطول الخامس” ضمن نطاق الضربات الإيرانية عندما تصاعدت التوترات مع النظام.
خلاصة
قد تدفع بعض جوانب قاعدة “عقاب44” المراقبين إلى الاعتقاد بأنها كانت مخصصة لتأدية دور دفاع جوي (على سبيل المثال، إمكانية استخدام أنفاق الربط كمناطق تنبيه، وهو أمر غير ضروري لتنفيذ مهام توجيه الضربات المخطط لها مسبقا).
إلا أن هذا الدور أعطي أساسا بشكل بارز إلى شبكة الدفاع الجوي الأرضية المتوسعة في إيران، مع استخدام عدد قليل جدا من الطائرات المقاتلة. وإذن، صُممت قاعدة “عقاب44، على الأرجح، لتكون بمثابة قاعدة عمليات أمامية آمنة تدعم عمليات الاعتراض البحري كجزء من استراتيجية إيران لحظر الوصول/ منع دخول المنطقة، خاصة عبر استخدام مفارز طائراتها الهجومية الصغيرة من طرازات “إف4 و”سو24” من القاعدتين الجويتين في بندر عباس وشيراز أولا، وكذلك المنصات غير المأهولة في المستقبل. وإذا استلمت إيران في النهاية طائرات “سو35” من روسيا، فقد لا تكون القاعدة قادرة على استيعابها (ربما تم تصميمها قبل أن تفكر طهران في شراء طائرات أكبر مثل “سو35”).
ومع ذلك، حتى من دون الحصول على طائرات أكثر حداثة أو أسطولاً أكبر، يمكن للقواعد الجوية الجديدة باهظة التكلفة المبنية تحت الأرض في إيران أن تمنح الجمهورية الإسلامية درجةً ما من القدرة على توجيه الضربة الجوية الأولى ضد الأصول البحرية الأميركية في الخليج العربي وخليج عُمان وبحر العرب، وقد يشمل ذلك جهود إغلاق مضيق هرمز أمام حركة الشحن والحركة البحرية. كما قد يؤدي بناء مثل هذه القواعد إلى تحفيز البلدان الأخرى في المنطقة على إضافة منشآت محصنة تحت الأرض إلى قواعدها الجوية الحالية، أو إنشاء قواعد جديدة تتمتع بهذه القدرة.
*فرزين نديمي” هو زميل مشارك في معهد واشنطن، ومتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج.