الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كيف أصبحت عربات “تويوتا” علامة مسجلة في النزاعات المسلحة والحروب الأهلية؟

كيف أصبحت عربات “تويوتا” علامة مسجلة في النزاعات المسلحة والحروب الأهلية؟

06.09.2021
يوسف كامل


ساسة بوست
الاحد 5/9/2021
مع اندلاع الحروب الأهلية في المنطقة العربية خلال السنوات الماضية، سواء في سوريا أو ليبيا أو العراق أو اليمن، أضحى مشهد مركبات تويوتا المثبَّت عليها الرشاشات الآلية أو المضادات للدروع أمرًا عاديًّا في هذه البلدان، وتحوَّلت السيارة اليابانية إلى رمز للحروب الأهلية، ووُصفت بأنها المركبة المفضَّلة للثوَّار والمتمرِّدين؛ تمامًا مثل سلاح “الكلاشينكوف” الروسي الذي تحوَّل إلى رمز للثورة والتمرُّد لدى الحركات المسلَّحة في فيتنام وأفغانستان وكمبوديا والعديد من الدول الأفريقية، بفضل فعاليته وتوفُّره وسعره الاقتصادي.
على صعيد آخر، لم تتخيل الشركة اليابانية عندما صممت أوَّل نسخة من سيارة “تويوتا هايلوكس” سنة 1968، والتي أرادت بها منافسة نظيراتها من الشركات الأمريكية، وتحديدًا فورد وشيفروليه، بعد أن شهد الاعتماد على هذا النوع من السيارات ازديادًا في مجالات النقل التجاري والبناء وغيرها من الخدمات؛ أن هذه العربة – تويوتا هايلوكس- ستتحوَّل خلال العقود اللاحقة إلى رمز لحروب العصابات ومعارك الكرِّ والفر بين الحكومات والحركات المسلَّحة، بل ستعرِّض أيضًا الشركة للتحقيق للبحث عن علاقات تجارية محتملة بينها وبين الحركات المسلَّحة التي تستخدم عرباتها.
السيارة اليابانية في الحروب الأفريقية من الصحراء الغربية إلى “حرب التويوتا”!
يعد أبرز ظهور لعربات “تويوتا هايلوكس” في ساحات النزاعات المسلَّحة، في منتصف السبعينيات والثمانينيات خلال الحرب بين المغرب و”جبهة البوليساريو” التي تطالب بالاستقلال؛ إذ استخدمها المقاتلون الصحراويون بسبب قوَّة تحمِّلها، ومناسبتها للتضاريس الوعرة، واختراقها المساحات الصخرية والصحراوية في كثبان الصحراء  الغربية.
وبينما حصل المغرب على سلاحه من الولايات المتحدة؛ نصَّبت قوَّات “البوليساريو” المدفعيَّات السوفيتية والرشاشات الآلية من نوع 14 ميليمترًا، على عربات “تويوتا” التي حصلت عليها من طرف نظام معمَّر القذافي، وقادت من خلالها هجمات خاطفة وسريعة ضد الجيش المغربي؛ نظرًا إلى سرعة العربات وسهولة إخفائها، وحركتها المرنة بفضل نظام الدفع الرباعي (4×4) رغم الطرقات الوعرة في الصحراء؛ قبل أن تختفي المجموعات الصحراوية مجدَّدًا خلف الكثبان.
تحوَّلت عربات التويوتا إلى أيقونة للحروب في القارة السمراء، لدرجة أن حربًا بأكملها سمِّيت باسمها؛ “حرب التويوتا” التي دارت على الحدود الليبية التشادية بين جيشي البلدين في عامي 1986- 1987، بسبب رغبة القائد الليبي السابق، معمر القذافي، في ضمِّ “إقليم أوزو” الغنيِّ بالثروات والتابع لدولة تشاد.
وفي الوقت الذي دعمت ليبيا القوَّات المتمردة ضد الرئيس التشادي، حبري، في مطلع الثمانينيات؛ توحَّدت هذه الجماعات مع قوَّات حبري ضد الوجود الليبي في شمال تشاد سنة 1986، واستطاع التشاديون بفضل الدعم الفرنسي الذي وفَّر أسلحة مضادة للدبابات وصواريخ مضادة للطائرات، من إلحاق هزيمة ساحقة بالجيش الليبي، الذي قُتل منه حوالي 7 آلاف و500 جندي، مقابل ألف جندي تشادي؛ لتضطر ليبيا إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في سبتمبر (أيلول) 1987.
وبالإضافة إلى التسليح الكثيف الذي وفَّرته الحكومة الفرنسية للجانب التشادي في حربه ضدَّ قوات معمر القذافي؛ كان تزويدها للمقاتلين التشاديين بحوالي 400 عربة تويوتا ثُبَّتت عليها الصواريخ الموجَّهة المضادة للدروع، أحد أهم الأسلحة التي رجَّحت الحرب لصالح التشاديين.
فقد استطاع التشاديون بفضل خفِّة عربات التويوتا ومرونتها، هزيمة الجيش الليبي الأكثر تسليحًا، والمدجَّج بحوالي 300 دبَّابة “تي-500”، ولذلك سمِّي هذا الصراع بـ”حرب التويوتا”.
وجدير بالذكر، أنه كان من بين الأسرى الليبيين في “حرب التويوتا” شخص سيظهر في الساحة الليبية بعد ذلك بحوالي 30 سنة؛ إنه خليفة حفتر قائد المليشيات المسلحة في الشرق الليبي، والذي سبق وأن أُسر لدى التشاديين في معركة “وادي الدوم” في حرب التويوتا، خلال شهر مارس (آذار) 1987.
حفتر هو الآخر سيكون على موعد جديد مع عربات تويوتا وحروب العصابات ومعارك الكرِّ والفر، لكن هذه المرَّة ستستعملها قوَّاته في الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا منذ سنة 2014 ضد حكومة الوفاق الوطني، سواء في حملته العسكرية الأولى سنة 2014، أو الأخيرة التي انطلقت في أبريل (نيسان) 2019، والتي فشلت في اقتحام العاصمة طرابلس. إذ شاركت التويوتا التي ثبَّتت على عرباتها الرشَّاشات الآلية، جنبًا إلى جنب مع العربات العسكرية التي تزوَّد بها حفتر من روسيا وفرنسا، وأضحت صورتها في مشاهد الحرب حاضرة أكثر من الدبَّابات وباقي المدرَّعات العسكرية.
وتكمن الميزة المرجِّحة لعربات التويوتا مقابل الدبَّابات، في كون هذه الأخيرة بطيئة وغير مجدية في حروب العصابات التي تتطلَّب مرونة وسرعة في التنقُّل، وهو ما يجعل العربات الأخف والأسرع مثل تويوتا الأكثر مناسبة. 
علامة مسجَّلة.. تويوتا هايلوكس عربة المليشيات المسلحة المفضلة
عندما تظهر عربات تويوتا هايلوكس في ساحات المعركة؛ فإن الحرب غالبًا ما تعرف نشاطًا للحركات المتمرِّدة، أو ما يعرف بالحركات الجهادية المسلحة، أو مليشيات المعارضة المسلَّحة، مثل تلك التي أعلنت الحرب ضد نظام معمَّر القذافي في سنة 2011، أو “الجيش السوري الحرّ”، وكلاهما استعمل عربات تويوتا بكثافة ضد القوَّات النظامية.
تمامًا مثل سلاح “AK 47” أو “الكلاشينكوف”، الذي يعدُّ علامة مسجَّلة للتنظيمات المسلحة ما دون الدولة؛ بسبب ثمنه الزهيد مقارنة بالأسلحة الأخرى، وتوفُّره بشكل واسع، وسهولة استعماله؛ فإن عربات تويوتا تشترك في الخصائص ذاتها أيضًا مع سهولة تحويلها إلى عربات عسكرية ببعض الإضافات والتعديلات، وقد أثبتت نجاعتها في أكثر من ساحة حربية؛ إذ استعملتها حركة طالبان خلال التسعينيات في الحرب الأهلية الأفغانية، بالإضافة إلى “تنظيم القاعدة”، ومنظمة “بوكو حرام”، والعديد من الحروب الأهلية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
“تنظيم الدولة الاسلامية” (داعش) كان أيضًا من بين أبرز من استعمل “تويوتا” في عملياته العسكرية؛ إذ عمل على إبرازها في فيديوهات التنظيم الدعائية، واستُخدمت هذه السيارات من أجل لفت الانتباه إلى قوَّة التنظيم وشدَّة تسلُّحه، وأصبحت عربة التويوتا التي يرفرف فوقها العلم الأسود، أيقونة لإحكام سيطرة التنظيم على منطقة ما.
مقاتلو تنظيم “داعش” يستخدمون عربات تويوتا في وسائطهم الدعائية
انتشار هذه المركبات في الفيديوهات الدعائية للتنظيم أثناء السيطرة على محافظة الموصل العراقية سنة 2014 حيث كانت التويوتا هي وسيلة النقل الرئيسية بالنسبة لمقاتلي “داعش”، أو حتى في سوريا وليبيا التي سيطرت الحركة على بعض أجزائها في أوقات متفرِّقة؛ استدعى تحقيقًا من الولايات المتحدة حول المصدر الذي تتلقى منه هذه الحركة المسلَّحة كل هذه العربات التي تظهر في فيديوهاتها.
وبالرغم من أن الخبراء يجمعون على أن “الهايلوكس” تستخدم في الحروب والنزاعات المسلحة بسبب فعاليتها الشديدة، وشدَّة تحمُّلها، ومناسبتها لمختلف البيئات والتضاريس الوعرة، وهو ما يعد – بصورة أو بأخرى – دعاية مجَّانية للشركة التي باعت أكثر من 9.5 ملايين سيَّارة السنة الماضية من مختلف الأنواع، لتكون أكثر شركة سيارات بيعًا في العالم؛ فإنَّ ارتباط المركبة بالجماعات المسلَّحة، وحتى اتهام الشركة بأنَّها تبيع المركبات لهذه الجماعات، خصوصًا بعد أن طالب “مكتب الخزانة الأمريكية للإرهاب والتمويل” الذي يشرف على تحقيقات مصادر التمويل، الشركةَ اليابانية بالكشف عن مصدر كل هذه العربات التي حصل عليها التنظيم، لم يعجب الشركة.
وعليه، أجابت الشركة بأنَّها تعمل في إطار القوانين والتشريعات، وأنَّها ستتعاون في هذا التحقيق الذي تجريه الخزانة الأمريكية؛ حول مصدر كل هذه العربات التي حصلت عليها “داعش”، ونفت وجود أي علاقة تجارية مع الحركة، وصرَّحت بأنَّ: “تويوتا تملك سياسة صارمة في عدم بيع السيارات للجهات التي قد تستخدمها في أعمال شبه عسكرية أو إرهابية”.
لكن المرجَّح هو أن “داعش” قد حصلت على هذه المركبات من طرف وسطاء تجاريين في العراق وسوريا، خصوصًا أن هذه النوعية من العربات منتشرة بشدَّة في المنطقة العربية التي تستحوذ تويوتا على ثُلث سوق السيارات فيها؛ إذ يستخدمها التجَّار والفلاحون في نقل السلع والبضائع، وتنتشر في أسواق الماشية والخضار بكثرة بسبب صلابتها، وقطع غيارها المتوفِّرة، وسعرها التنافسي، وتستعملها أيضًا المنظمات الإنسانية من أجل الوصول إلى المناطق النائية؛ وهو ما جعل فكرة “المؤامرة” حول مصدر هذه العربات وكيف تصل إلى التنظيمات المسلحة يصل إلى طريق مسدود.
بفضل ثمنها الاقتصادي التنافسي، والحمولة التي تصل إلى ستَّة أطنان، والمرونة الشديدة التي توفِّرها عربات تويوتا، أصبحت حتى الجيوش النظامية والقوات الخاصة تدمجها في إستراتيجيتها العسكرية، كما بُنيت شركات وصناعات مستقلة بذاتها من أجل التعديل على هذه المركبات وتحويلها إلى عربات عسكرية يمكن تثبيت مختلف الأسلحة العسكرية عليها.
ويمكن القول بأن هذا ما دفع شركة “تكنام” الفرنسية للشروع في القيام بتعديلات على المركبة منذ سنة 1987 لتحويلها إلى عربة عسكرية، عبر إجراء إضافات وتطويرات للعربة، وقد اشترت وزارة الدفاع الفرنسية 500 عربة تويوتا “HZJ763” المعدَّلة من شركة “تكنام” الفرنسية، والتي يمكن ملاحظتها بسهولة في الشوارع الفرنسية بسبب استعمالها في “عملية الحارس” لمكافحة “الإرهاب” التي أطلقتها فرنسا لحماية المقرَّات والمواقع الحساسة، إثر الهجوم المسلَّح ضد جريدة “شارلي إيبدو” سنة 2015. كذلك تستخدمها فرنسا في عملياتها في منطقة الساحل بوصفها جزءًا مهمًّا من القوات البرية لمجموعة “جي 5” الأفريقية.